الفصل المائة وعشرة من رواية عشق أولاد الزوات
عشق أولاد الذوات
_____
كان فواز جالساً في مكتبه ، متكئاً على الكرسي الجلدي الكبير، عينيه مغمضتان وكأنهما تحاولان الهروب من واقع مؤلم لا يطاق
المكتب من حوله كان في حالة من الفوضى ، أوراق متناثرة ، ملفات مفتوحة، وكوب قهوة بارد على حافة الطاولة لم يُمس ... كان كل شيء يعكس حالة من الإهمال واللامبالاة التي سيطرت عليه منذ أن علم بزواج رنيم.
تملأ رأسه أفكار متشابكة لا تهدأ، كلها تدور حول رنيم. تخيلها في بيت رجل آخر، تعيش حياتها، تضحك وتبتسم له كما كانت تضحك وتبتسم له يوماً ما. الفكرة كانت تقتله ببطء، وكأنها سم يسري في عروقه. كان يشعر بكسر في قلبه لم يستطع أحد مداواته، وكأن شيئاً داخله قد تحطم إلى الأبد.
كان هاتف المكتب يرن باستمرار، لكن فواز لم يكن يكترث. اعتاد سكرتيره على محاولاته لفتح الحديث معه، لكن اليوم كان الوضع مختلفاً. ضغط فواز على الزر وتحدث بصوت خافت ومتعب
_يابني أنا مش عايز أسمع حاجة عن الشغل. أي مكالمة، أي اجتماع، أي حاجة... ما تحولش حاجة ليّ، مفهوم؟
رد مساعده بصوت متوتر
_حاضر يا فندم، بس في أوراق لازم توقيعك عليها ومهام متأجلة—
قاطعه فواز بحدة وغضب غير معتاد
_قلت لك مش عايز أسمع حاجة! سيبني ف حالي
أغلق الخط وعاد إلى عزلته. لم يكن يفكر في الشغل، ولا في نجاحاته التي اعتاد أن يفتخر بها. كان كل شيء في حياته قد فقد معناه. لم يكن يأكل بشكل منتظم ؛ أكله كان بسيطاً، وغالباً ما يتخطى الوجبات أو يتناول بضع لقيمات بلا شهية. وزنه بدأ ينقص، ووجهه بات شاحباً، وعيناه غائرتان كأنهما تحملان حزن العالم بأسره.
كان فواز يشعر بأن جسمه قد فقد حيويته. لم يعد يمارس الرياضة أو يهتم بصحته كما كان يفعل. كان يعرف أن حياته تنهار ببطء، لكنه لم يستطع إيقاف ذلك. كأن رنيم قد أخذت معها كل شيء حينما رحلت، تاركةً خلفها فراغاً لا يملؤه شيء.
لم يكن لديه طاقة لفعل أي شيء سوى الجلوس والتفكير في خسارته. تلك الخسارة التي لم تكن مجرد امرأة، بل كانت خسارة جزء من روحه. كان يعلم أن عليه النهوض، العودة إلى العمل، العودة إلى الحياة، لكن الألم كان أثقل من أن يتحمله.
_____
وعلى نفس الحالة كان فايز جالساً في مكتبه، مكتوف الذراعين وعيناه تحدقان في الفراغ أمامه. الغرفة كانت مظلمة، والنور الوحيد كان يأتي من شقوق الستائر المغلقة، ليعكس ضوءاً خافتاً على وجهه المتعب. كان تفكيره مشغولاً، ليس بالشغل الذي أهمله تماماً في الأيام الأخيرة، ولكن بشيء آخر؛ بشيء أو بالأحرى بشخص آخر: ريم.
أخذ فايز نفساً عميقاً وهو يتذكر تفاصيل وجهها، ضحكتها الخافتة، ونظرتها التي طالما كانت تملأ قلبه بالراحة رغم كل المشاكل بينهما. كان يعلم أن علاقتهما لم تكن مثالية، وأن بينهما العديد من الخلافات، لكن في النهاية، كانت ريم هي من تملأ حياته معنى وهدفاً.
أما الآن، فهناك غادة... غادة التي كانت، في لحظة ضعف وغضب، حلاً سريعاً لمشاعره المتأججة. لكنه أدرك أن وجودها أصبح عبئاً على روحه، عبئاً لا يمكنه تحمله أكثر. فكر في الطلاق منها، لكنه كان يعرف أن ذلك لن يكون بهذه السهولة. كانت غادة قوية وعنيدة، ولن تقبل بهذا القرار دون صراع.
توجه فايز بنظره إلى هاتفه الذي كان يضيء بين الحين والآخر بإشعارات ومكالمات من سكرتيره. تجاهل الهاتف بضيق، ثم ضغط على الزر الذي يربط بمكتبه وقال بصوت حازم
_أنا قلت لك ميت مرة ما تحولش أي مكالمات دلوقتي. مش عايز أسمع عن شغل، ولا عن أي حاجة تخص الشغل.
جاء صوت السكرتير من الطرف الآخر بنبرة احترام
حاضر يا فندم، بس في اجتماع مهم بكرة—
قطع فايز كلامه بحدة
_ الغي كل حاجة ومتكلمنيش في الشغل الا لو أنا إللي اتكلمت
أغلق الخط بقوة، وعاد إلى أفكاره. كان يعلم أنه لا يمكنه الاستمرار بهذا الشكل، لكنه لم يستطع أن يتحمل فكرة أن يظل عالقاً بين امرأتين؛ واحدة تملأ قلبه وتحتل كل تفكيره، والأخرى لا يشعر تجاهها إلا بالبرود والندم.
نظر فايز إلى السقف، ثم أغلق عينيه واستسلم لتلك الأفكار المتشابكة. كان يعرف أن الخطوة القادمة ستكون صعبة، لكن عليه أن يتحلى بالشجاعة لاتخاذ القرار الصحيح، مهما كان الثمن.
_____
بعد هذه المواقف التي تكررت طوال الأسبوع الثاني من تواجدهم في الشركة .. لم يتحمل زين الدين ضعف ولديه .. فايز وفواز .. فأراد ان يلقنهما درسًا قويًا فأرسل لهما ليأتيا بسرعة إلى مكتبه .. تفاجى فواز بوجود فايز معه وقد اوقفهمها السكرتير الخاص بزين الدين خارجًا لينتظرا لمدة ساعة كاملة ! وقد شعر فواز بهذه الساعة بالجنون وفايز بالحيرة الشديدة ! وبعد نصف ساعة أخرى من الإنتظار المحمل بالغضب أمر زين الدين بدخولهما
كان زين الدين يجلس خلف مكتبه الضخم في مكتبه الفخم، عاقداً ذراعيه على صدره وعيناه تشعان بالغضب والسيطرة. كان المكتب يعكس شخصيته؛ كل شيء في مكانه، مرتب وبدون أي فوضى. أمامه وقف فايز وفواز، كل منهما يحمل تعبيراً مختلفاً على وجهه، لكن كلاهما يعرفان أن هذه المواجهة لن تكون سهلة.
زين الدين، بصوته العميق والقاسي، نظر إليهما بازدراء واضح.
_بقى عشان الحب حياتكوا تقف! والله عال... إنتوا فاكرين نفسكوا فين؟ في رواية رومانسية؟
قالها وهو يلوح بيده، كأنه يطرد الهواء من أمامه.
فواز، الذي كان يقف محاولاً إخفاء توتره، حاول الرد ولكن زين الدين لم يمنحه الفرصة.
_ياض أنت وهو، الحب دا ضحك على الدقون... مالوش لازمة! الشغل هو اللي يبني ويأسس، مش مشاعر بتوديك وتجيبك.
نظر فايز إلى والده بحيرة، ولم يكن يعلم كيف يرد، لكنه تجرأ وسأل بتحدٍ خفيف
_يعني أنت مبتحبش ماما؟
ضحك زين الدين بسخرية، ضحكة لم تكن موجهة لأحد بقدر ما كانت تعبيراً عن استهزاءه بفكرة الحب نفسها.
_اللي بيني أنا وهي أهم من الحب. الحب دا بيذل صاحبه وبس. أما إللي بيني وبينها تفاهم، فاهمين يعني إيه تفاهم؟
كانت كلمات زين الدين حادة، تخترق مثل السيف، وكان يعلم كيف يوجه الضربات بمهارة. ثم نظر إلى ابنيه نظرة استحقار وأضاف
_طب ياريت حد فيكوا يعرف يسيطر على الست إللي معاه زي ما أنا بعرف. دا أنتوا عيال خايبة، مش قادرين تمشوا حالكوا ولا تسيطروا على اللي في إيديكوا !
فواز شعر بالغليان بداخله، لكنه كان يعلم أن الجدال مع زين الدين لن يجدي نفعاً. بينما كان فايز يحاول فهم تلك المعادلة المعقدة التي يضعها والده أمامه - هل حقاً التفاهم أهم من الحب؟ وهل القوة والسيطرة هما السبيل الوحيد للعلاقة الناجحة؟
زين الدين تابع، بنبرة أكثر حدة
_إما تشوفوا حالكوا وتبقوا رجالة تعرفوا تتعاملوا مع الدنيا بمزاجها، أو تفضلوا قاعدين تحت رحمة الستات وتعيشوا في ضعفكم دا على طول.
كان زين الدين واضحاً في رسالته في عالمه، لا مكان للضعف أو الانجراف وراء العواطف. الشغل هو أساس الحياة، وكل ما عداه هو مجرد ترفيه يمكن الاستغناء عنه. وبالرغم من قسوة كلماته، كانت تحمل في طياتها درساً قاسياً عن القوة والصلابة.
ثم صرخ فيهما بقوة
_ لو هتفكروا نفسكوا كبرتوا على أبكوا لأ يا عرة أنت وهو .. أصحى يلا أنا معجزتش ولا بمشي على عكاز .. أقسم بالله العظيم لو الشغل إللي ورا كل عيل فيكوا مخلصش لأفردكوا واقعدكوا في البيت وأجيب رجالة على حق تمسك الشغل
صُدم فواز مما يسمع وكذلك فايز وهما لأول مرة يسمعا هذا الحديث من والدهما ولكن رغم الغيظ والغضب الذين احتلهما لم يستطيعا الرد ولم يمتلكا القدرة للوقوف أمام زين الدين ! ...
_ اطلعوا برا
طردهما زين من مكتبه ليخرجا سريعًا يضربون الأرض بغضب ساحق وما إن خرجا حتى وجدا مكتب السكرتارية الخاص بوالدهم ينظرون إليهما ليعرفا أن توبيخ أبيهم قد وصل للجميع ليزفر فواز في تأفف ويدب الأرض بقدميه ويعدل فايز ياقته بوجه غاضب ويتجه لمكتبه ...
_____
*
خرج كلاً من هيام وذكي للتسوق والسير في إحدى المولات حتى دخلا أحد المحلات المعتادة عليها هيام
كانت هيام تتصفح رفوف المتجر الفاخر بعينين لامعتين، تبحث عن شيء مميز يلفت انتباهها. توقفت عند حقيبة يد أنيقة مصنوعة من الجلد الطبيعي، وكانت تعلم أنها ستضيف لمسة خاصة إلى مجموعتها. نظرت إلى ذكي بابتسامة صغيرة وهي تشير إلى الحقيبة قائلة
_إيه رأيك في دي يا ذكي؟ حلوة أوي، مش كده؟
ذكي كان يقف جانبهت يحاول أن يخبئ توتره ، هو يعلم ان هيام تحب هذه الأشياء الفخمة ولا تشتري غيرها وبكن ثمن هذه الحقيبة بالتأكيد خارج عن ميزانيته تمامًا .. حك رأسه بيده وهو يقول بهدوء
_آه حلوة فعلاً، بس... يا هيام، انتي عايزة تشتريها ؟
ابتسمت هيام وقالت _ طبعا دي تحفة مش هتتكرر تاني
توتر ذكي لكنه قال _ مش يمكن نستنى شوية؟ نلم نفسنا كده الأول؟
هيام رفعت حاجبها بتعجب، شعرت ببعض الإحباط لأنها كانت معتادة على أن تشتري كل من أرادت دون تفكير .. قالت بنبرة فيها عتاب خفيف
_ليه نستنى؟ دي حاجة بسيطة، وبعدين أنا معايا فلوس في حسابي، مش هتقلق.
شعر ذكي بغصة في لما سمع هذه الجملة .. كان يريد أن يشعر أنه قادر على توفير كل شيى لزوجته دون أن تحتاج من حسابها أي شيئ .. تنهد وقال بصوت محمل بالضيق
_ يا هيام، مش الموضوع في تمن الحاجة، الموضوع إني أنا اللي المفروض أكون واقف جنبك وألبي طلباتك. مش حابب تبقي أنتِ اللي دافعة تمنها يا حبيبتي من فلوسك
هيام شعرت بالتوتر في صوته، حاولت تخفف الموقف وقالت بابتسامة صغيرة
_إحنا واحد، والفلوس دي بتاعتنا إحنا الاثنين، مش فارقة مين يدفع طالما إحنا مبسوطين.
لكن ذكي لم يكن مرتاحاً لهذا الرد. نظر إلى الأرض وقال بصوت منخفض مليء بالإحباط
_يمكن تكوني شايفة كده، بس أنا لأ. أنا عايز أحس إني راجل قد المسؤولية، أقدر أجيب لك كل اللي نفسك فيه، من غير ما تحسي إنك محتاجة تدفعي من جيبك.
هيام اقتربت منه وأخذت يده بحنان، وقالت بلطف
_ طيب، ممكن ناخد الشنطة دلوقتي، وأنا أدفع، بس المرة الجاية نشوف حاجة تعجبنا وتكون على راحتك، ماشي
ذكي نظر إليها بامتنان، لكن الإحساس بالنقص كان ما زال يسيطر عليه. قال لها بصوت هادئ لكنه جاد
_ماشي، بس أرجوكي، ابقي فاهمة إن الموضوع بالنسبالي أكبر من كده بكتير. أنا بحاول أبني نفسي عشانك، وأكون عند حسن ظنك.
ابتسمت هيام وهي تحاول تفهم مشاعره، وأدركت أن فرق الطبقات بينهما بدأ يظهر بشكل واضح في هذه اللحظة، وأن عليهما أن يتعاملا مع هذا التحدي بذكاء وفهم أكبر. كانت تعلم أن الحب بينهما أقوى من كل هذه الفوارق، لكن كان عليها أن تكون أكثر حساسية لمشاعر زوجها، الذي يحاول بكل قوته أن يكون "الراجل" الذي تستحقه.
الرواية موجودة كاملة وكمان معاها نوفيلا هدية مش هتنزل إلا للي هيشتروا الرواية بس كلمونا وتساب او فيسبوك او تلجرام ورقم الوتساب 01098656097 🐤❤️💃
____
*نهاية الفصل****