الفصل الرابع والأربعون من رواية عشق أولاد الزوات
أخرج فواز سيجارته ووقف في الشرفة عاري المنكبين وقد تعدت الساعة الثانية بعد منتصف الليل .. لا أحد في الشارع على عكس أجواء القاهرة والحواري الصاخبة ، لكن ذاك الشارع خصيصًا أهله يستيقظون مع الفجر وينامون مع العشاء علاوة أنه شارع ضيق العمارات المتقابلة لا يفصلها عن بعضها سوى ممر لا يسع لمرور سيارة نقل كبيرة ...
شرد فيما قالته له هيام اليوم وما فعلته من إهانة وتهديد له ، وتذكر عندما ذهب لأخيه فوزي لأول مرة بعد طرده من المنزل ...
_نورت معرض أخوك
قالها فوزي مرحبًا بأخيه فابتسم فواز ودار بعينيه في الإرجاء ليسأل فوزي
_ إيه رأيك ؟
_ حلو طبعا .. طلعت مش قليل
أبدى فواز إعجابه ليرد أخيه
_ بتعلم منك ياخويا
سخر من نفسه بعدما فقد كل شيئ _ لا تتعلم مني إيه بقى .. اديك شايف
اقترب منه أخيه ثم نظر داخل عينيه في ثقة _ المعرض دا .. واخواته باللي فيهم ، عربيات ولا حتى ناس، كله تحت رجلين فواز باشا زين الدين
نظرة مطولة مفتخرة بمعدن فوزي الأصيل ليربت أخيه الأكبر على منكبه العريض ممتنًا
_ حبيبي يا فوزي ..
ثم أخذا بعضهما أخيرًا في عناق قد عبر بشدة عن اشتياقهما لبعضهما
_ وحشتني أوي يا فواز ، البيت من غير وجودك وحش وكئيب
أغمض عينيه في ألم لا يريد أن يعرف الناس ما يشعر به حتى لا يخسر الباقي من كرامته .. لا يريد من الناس أن تعرف أنه تجرد من كل معاني الثراء التي كان يتباهى بها وأصبح بلا حول ولا قوة ... والشكوى لم تكن يومًا تمثل له إلا الضعف . لذا صمت ولم يرد حتى فصل فوزي العناق وذهب ليجلس على أحد الكراسي الموجودة بجانب المكتب
لم يتوجه فوزي للجلوس على مقعده وراء المكتب بل فضل الجلوس على الكرسي المقابل لكرسي أخيه وقد كانت لفتة مراعية منه .
_ ما تكلمه يا فواز ..
تنهد أخيه ثم عرض عليه أن يحادث والده ، لكن جاءه رد الآخر صارمًا
_ هو إللي طردني وهو إللي يرجعني
هز فوزي رأسه لا يجد فائدة من الحديث بينما يصطدم برأسيهما الصلب
_ المشكلة إن أنت وهو زي بعض بالظبط .. مبتوطوش راسكوا أبدا .. طيب سايسه حتى يا فواز ..
ارتفع صدر فواز قبل أن يرفض منفعلاً _ مش عاوز ..دا ضربني وطردني .. أهاني يا فوزي ، أنا عمري ما هنسى إللي عمله معايا
زفر أنفاسه بخيبة أمل داعيًا _ ربنا يصلح ما بينكم بس .
ساد الصمت لحظات ليقطعه فواز سائلاً _ صحيح فايز فين ..؟
ارتسمت السخرية على وجه فوزي ليكمل فواز _ مسمعتلوش صوت ولا حتى كلمني يسأل عني ، مكونتش متوقع منه كدة خالص ، فايز طول عمره حنين بس اتفاجئت باللي عمله معايا
رد فوزي _ أخوك بيقضي شهر العسل ... أعذره
وجهه ارتسمت عليه الدهشة مرددًا _ شهر العسل !
ليكمل أخيه ساخرًا _ فاكر نفسه بنت بنوت ونازل غزل في الست هانم الجديدة على كل المواقع
ما إن استمع ذلك حتى قبض على أسنانه وسبها في غيظ
_ بنت الكلب الوسخة .
انفتحت عيني فوزي في صدمة من ألفاظ أخيه النابية لينظر له فواز هادرًا به بعنف
_و مش الست هانم الجديدة دي تبقى أخت مراتك بردو
حمحم فوزي مبررًا _ أختها بس فرق كبير بينها وبين ريهام
أدار رأسه للجهه الاخرى ثم هزها عدة مرات في استهزاء فلا يوجد فرق بينهما هما نفس النوعية فأختها قد لافت على فايز والاخرى تزوجت أخيه، أعاد نظره لأخيه سائلاً في تهكم
_ وأنت مروحتش شهر عسل ليه ، شايفك نازل من أولها
أحمر وجه فوزي عندما تذكر ذلك الأمر .. لا يكاد يستوعب أن كل أحلامه ذهبت مع الرياح بينما لم يستطع حتى تقبيل زوجته حتى هذه اللحظة وطلقها بعد أيام قليلة ...
صمت فوزي واحمرار وجهه لم يذد فواز إلا تهكمًا بينما يقول
_ كلامي طلع صح وكانت رغبة وزهقت بسرعة ولا إيه ؟
ورغم حزن فوزي إلا أنه رد ساخرًا من نفسه وحاله
_ ياريتها كانت رغبة كان زماني خدت أي حاجة ...
لم يفهم فواز ما سمعه فترقب أن يكمل أخيه حديثه عله يفهم شيئًا .. احمرت عيني فوزي ولمعت بينما يبتلع ريقه ويحاول التمسك بقوته هاتفًا أخيرًا بشجاعة
_ أنا طلقتها ...
_ هي مين ؟
من صدمة فواز لم يستطع إدراك معنى الجملة ليعود ويقول فوزي بصوتٍ أخفى خلفه الكثير من الألم
_ ريهام .. أنا طلقت ريهام
نالت الصدمة من أخيه ليهدر في دهشة شديدة _ انت لحقتتت يابني !! تطلق مين ، رجعها بسرعة متشمتش الناس فينا
هز رأسه في رفض ثم ابتلع ريقه ثانية مرددًا في خجل
_ مش هينفع ترجع .. هي ملهاش عدة ، أنا مقربتلهاش!
خرج صوت فواز صاخبًا _ مقربتلهاش !!!!
نظر فوزي للجهه الاخرى لا يريد مناقشة هذا الموضوع الحساس ليتسائل فواز في شك
_ ليه هي مخبية حاجة ، معيوبة ولا فيها إيه يعني ضحكت ع ؟؟
قاطعه فوزي بغضب شديد قبل أن يكمل _ فواز لو سمحت بلاش غلط
نفخ أنفاسه في ضجر شديد ثم أرجع ظهره للكرسي بعنف ونظر للأعلى في ضيق فما سمعه لا يسر أبدًا .. ساد صمت ليس للحزات بل لدقائق ومازال فواز على وضعه ينظر للأعلى وقد بدى عليه الحزن ظاهرًا ولم يختلف حاله عن حال أخيه الأصغر ...
_ بقى بعد كل دا .. وتقولي طلقتها !؟
_ ريهام مبتحبنيش يا فواز وأنا مقدرش أجبرها إنها تفضل معايا ولا تحبني واستحالة أقبل أنها تعيش معايا شفقة
_ سيبتها بسهولة كدة ؟!
_ أنا بحبها بجد يا فواز .. بس كرامتي فوق أي حاجة في الدنيا وهي .. هي جرحتني أوي
_جرحتك إزاي ؟ عملتلك إيه البت دي
_ متقولش عليها بت .. دي الدكتورة ريهام ، كون أنها طليقتي مش هيخليني أسمع حد بيتكلم عنها وحش واسكت
ضحك فواز مستهزءًا بينما يتاآكله الغيظ _ انت شاطر بس تدي محاضرات بس مقدرتش تخلي حتة بت زي دي ..
توقف ثم صحح كلامه وكم كان صعبًا عليه أن يحترمها بعد ما فعلت بأخيه
_ الدكتورة بتاعتك دي تعرف تحبك
هز رأسه بلا حيلة موافقًا على ما قال أخاه_ عندك حق .. أنا معرفتش أخليها تحبني
ثم ووضع رأسه في الأرض في حزن شديد حاول مداراته لكنه لم يقدر حتى شعر أن عينيه يغشاهما الدموع فالرفض الذي مر به مع ريهام قد نال منه ومن رقة شاعره
نظر فواز لأخيه ليجده بذلك الحال الواهن ، لعن تحت لسانه وقد شعر أن عقله سينفجر فتلك الفتاة اللعينة تتكبر على أخيه الوسيم بل وترفضه ،من تحسب نفسها لتفعلها !!! ...
شعر أنه عاجز عن إرضاء أخيه لأول مرة بحياته ، لطالما كان فواز السند لإخوته حتى في قسوته ورفضه لما يريدون كانوا يعلمون أنه يفعل ذلك لمصلحتهم ، لكن فواز الآن شعر أن أخاه الصغير قد جُرح بشدة ويجب عليه أن يداويه لكنه للأسف لا يستطيع ...
_ لو كنت سمعت كلامي مكانتش بت زي دي ذلتك وخلتك قاعد زي حيلتها كدة
قالها بقسوة ذادت من جرح أخيه الذي نظر له كأنه لا يصدق أن تلك الكلمات الجارحة خرجت من أخيه الأكبر ، لكن فواز كاد أن يجن من شدة الإنفعال والغيظ فإبنة الخدم قد فعلت ذلك بأخيه إبن الذواات !!! ... أغمض فواز عينيه ثم فتحهما هاتفًا في حزن ممزوج بالغضب
_ على فكرة أنا بقول كدة وأنا متضايق عشانك مش بعايرك .. أنا محروق عشانك أوي يا فوزي ، أنت متستاهلش كل دا ، أنت أحسن واحد فينا ..
ثم عاد ليردد بصدق _ متستاهلش كدة .
اذداد تأثر فوزي وكذلك فواز الذي لم يستطع السيطرة على قبضة يده بينما يضرب بها على سطح المكتب هادرًا في غضب
_ أنا مش مصدق أنها ترفضك لدرجة توصلك إنك تطلقها بعد كام يوم بس ... هي تطول بنت الخدامة !!
حذره فوزي _ فواز ... قولتلك بلاش غلط
ليرد أخيه_ دا مش غلط دي الحقيقة ...
تأفف فوزي ثم قال _ خلاص بقى يا فواز إللي حصل حصل ، بعدين متقولش لحد محدش يعرف هي قاعدة معايا في البيت كأنها مراتي عشان مينفعش ترجع بيتهم بعد كام يوم جواز هيبقى شكلها وحش أوي
كاد فواز أن يصاب بالجنون مستنكرًا _ كمان قلقان عليها وعلى شكلها وسمعتها يابني وهو مين يعرفهم أصلا ، للدرجادي يا فوزي خايف عليهاا!!!
قد ارتفع صوته بقوة ليحاول فوزي تهداته لكنه قد فقد عقله فمن تلك الحثالة حتى تذل زينة شباب عائلة زين الدين هكذا ليقول فواز بعدم رضا
_ اهدى إيه دا أنت هتجنني
تأفف فوزي بضيق ياليته لم يخبر أخاه المجنون أما فواز فيبدو أنه تذكر أمر مهم للغاية فرفع رأسه للسماء هاتفًا ...
_ يارب .. آه من النصيب وألاعيبه
استغرب فوزي لكن لم يدم شعوره بينما يوضع فواز
_ تعرف يا فوزي إنك السبب في كل المصايب إللي إحنا فيها دلوقتي .. يعني لو أنت مكونتش حبيت ريهام مكانش فايز اتجوز غادة .. ولا كان حد عرف إني متجوز رنيم .. وفي الآخر طلقتها ! ... لا حول ولا قوة إلا بالله
ضرب كف على الآخر وسخرية القدر تجعله يريد أن يصرخ لكن ذلك لم يكن شعور فوزي الذي لم يجذب انتباهه سوى علاقة أخيه برنيم ليقول
_ طب جواز فايز وفعلا حاجة صعبة علينا كلنا ، علاقتك أنت ورنيم لما تطلع للنور إيه المشكلة فيها مش فاهم ؟!
هتف ساخرًا وبحرقة _ لا ولا مشكله ولا حاجة أنا قاعد في البيت من غير شغل وسايب شغلي وشركتي وفلوسي وعيلتي وانفصلت عن العالم بتاعي كله وساكن في مكان جزمتك تقرف تخطي عليه ...
هل مل فواز من رنيم بعد أيام من عيشته معها ؟ ... تسائل فوزي داخله قبل أن يسأل
_ وحبك لرنيم ميستاهلش كل دا ؟
هدر أخيه _ حب وكلام فاضي ، ماهي كانت معايا وكنا عايشين أحلى عيشة وأحلى دلع وكنت أنا وسط حياتي وكل حاجة كانت زي الفل ، إيه لازمته كل إللي حصل دا .. دا أنا كنت ملك
ساد الصمت وتلك الكلمات القاسية أصابت قلب أخيه الصغير في مقتل .. بعد لحظات سأل فوزي بهدوء
_ هو أنت بتحب رنيم بجد ؟ ولا أنت متعود عليها وعلى وجودها في حياتك من صغرها والحكاية كلها عِند وتمرد على المجتمع وتملك عشان أنت مربيها من صغرها
نظر له فواز داخل عينيه لتستمر النظرة قبل أن يهدل منكبيه مجيبًا في صدق وصوت فقد حيلته
_ بحبها يا فوزي .. بحبها أوي وهو دا إللي مصبرني على كل إللي أنا فيه دلوقتي ، بش أنا محدش حاسس بيا
زفر فوزي براحة بعد سماعه اعتراف أخيه ليقول
_ أنا عارف أنه مش سهل على راجل زيك كان عنده منصب وكل حاجة في ايده واوامره مجابة ، يخسر كل دا مرة واحدة ، لازم طبعا تزعل وتزعل أوي كمان ، بس افتكر حبيبتك
رد فواز _ صدقني الحب مش كل حاجه يا فوزي ، الحياة محتاجة حجات تانية كتير أوي ، الحب بيكمل متطلبات الحياة
ليهاجمه فوزي سريعًا _ الحب أول متطلبات الحياة .. ولما بتكمله ، بيكون سهل عليك تكمل أي حاجة تانية
ابتسم فواز على رقة مشاعر أخيه رغم عدام اقتناعه بكلامه .. فهو يرى أن المنطق يقول أن الحب مهم نعم .. لكن لا تخسر أسلوب ونمط حياتك من أجله ...
_ أنت ندمان إنك طلقت هيام
باغته فوزي بهذا السؤال ليتفاجئ منه فلم يسأل نفسه منذ طلقها .. هل حقًا هو ندم من أجل ذلك ؟! ..
شرد قليلاً ثم أجاب بينما يريح ظهره على ظهر الكرسي
_ معرفش ! ...
انتبهت كل حواس فوزي سائلاً مرة أخرى وقد صدمته الإجابة
_ متعرفش يعني إيه؟!!
_ فوزي أنا مشوش دلوقتي متسألنيش عن أي حاجة وسيبني في إللي أنا فيه ....
_ أنا كلمت بابا النهاردة الصبح ..
_كلمته !! قالك إيه ؟!
_ قالي إنه معندوش إبن إسمه فواز ... وانه في أسرع وقت هيسلم الإدارة لحد تاني ! .. ومعادش هيبقى ليا مكان في أي حاجة وطلب مني مرجعش أبدا طول منا معايا الخدامة ..
هنا علم فوزي السبب وراء قول أخيه هذا الكلام عن علاقته برنيم .. فكلام والده صعب للغاية جعل فواز ينفر من نفسه ومن حبيبته ومن عيشته الجديدة ، وفي تلك اللحظة عذر فوزي حالة أخيه الصعبة وقد تأكد من قوله بأن لا احد يعلم حقًا ما يشعر به ...
ابتسم فوزي في رفق _ علشان كدة متعصب وزعلان وبتقول أي كلام ..
تنهد فواز بقلة حيلة وهو يستسلم لرفق أخيه وبدأ يفرغ القليل مما في قلبه
_ بطلع غلي يافوزي بدل منا هطق ، حاسس هيجرالي حاجة من الزعل والصدمة ، خايف أروح الشركة ، الشركة بتاعتي يا فوزي وإللي فنيت شبابي فيها ، من صغري وأبوك بيعلمني كل حاجة، دي ملكك يا فواز ودا صرحك العظيم إللي بإشارة من ايديك بيتهز ادامك من الخوف ، كل دا راح مني
_ الشركة والأملاك ولا رنيم ؟
__________________________
نهاية الفصل الرابع والاربعون ، لقراءة الفصل الخامس والاربعون اضغط هنا