الجزء الأول من الفصل الواحد والعشرون رواية الخادمة الصغيرة الجزء الثاني
كان صباح اليوم مختلفًا…
الشمس طالعة ولونها جميل والجو منعش وبرودة خفيفة بتملى الهوا حوالين المزارع والأراضي الخضراء الواسعة الممتدة قدام عيون جلال... جلال إللي قام خلاص وبطل دلع وتمثيل على رضا انه تعبان أوي ومش قادر حتى يقوم خصوصا انه حس انه اتكشف لما باتت برا الأوضة وسابتها ليه لواحده .. فقام بقى يشوف شغله تاني بعد ما كان مستغل الوضع ..
كان واقف هناك من الفجر… لابس جلابيته الغامقة النظيفة وكوفية خفيفة حوالين رقبته عليها آثار اللاصقة الطبية اللي حطها بنفسه الصبح…
جرحه بدأ يلم خصوصا بعد الدوا اللي جابتهوله رضا من يومين من عند مازن … لكن احتياطًا لزق عليه لزقة طبية عشان يحافظ عليه من التلوث وهو بيتنقل بين عماله ويشرف عليهم بنفسه.
صوته كان هادي لكنه حازم، خطواته تقيلة وواقفة على الأرض بكل ثقة وكبرياء.
بيشاور هنا، وبيدي أوامر هناك، وبيراجع حسابات المزرعة ومخططات المشاريع الجديدة في الاستثمار العقاري اللي بدأ يدخل فيها بقوة.
كل الناس كانت بتهابه وبتسمع كلامه من غير نقاش.
هو مش بس فلاح أو صاحب أراضي…
لأ…
جلال الصواف كان بقى اسم كبير جدًا… ورجل أعمال كبير في مجاله…
طول الساعات اللي فاتوا كان شغال ووشه مرفوع ومركز تمامًا…
لكنه رغم كل الانشغال دا…
عينه كانت بتدور حواليه بهدوء… بيدور عليها…
على رضا.
رجع البيت على الساعة عشرة الصبح تقريبًا…
فتح باب الصالون الكبير بخطواته التقيلة…
وهنا…سكن كل شيء قدامه للحظة.
كانت قاعدة هناك…رضا.
قاعدة في المجلس ، لابسة بلوزة وجيبة وحواليهم حزام ملموم على وسطها بشكل انسيابي وجميل، شعرها واقع بنعومة على ضهرها، ووشها هادي ورايق وهي شابكة صوابعها حوالين كوب مج حراري فيه قهوتها.
ريحة البن كانت مالية المكان…
لكن ريحتها هي اللي شقّت ودخلت قلبه بنعومة وأمان وسكينة…
قلبه اللي مهما شاف قسوة وقسى .. عمره ما قدر ينساها ولو لحظة .. قلبه إللي بيتقطع ندم عليها ! ..
نسيمة كانت قاعدة قصادها…بتبص لها بنظرات كلها سم وتحدي وحاطة رجل على رجل …
لكن رضا مكانتش شايفاها أصلًا.كانت ملامحها كلها هدوء وثقة وعنفوان…
وشها مرفوع ومهتمية بيه وباين عليه مترطب وبيلمع كدة وكأنه فوقه نور وهي مش مهتمة غير بقعدتها، وكأن نسيمة دي مجرد هوا في المكان.
وهنا…دخل جلال وتقدم بخطواته .
صوت خطواته التقيلة على السيراميك خلّى رضا ترفع عينيها ليه…
أما نسيمة فاتجمدت مكانها.
كان داخل بشموخه المعروف، جسمه عريض، طوله ظاهر أكتر وهو لابس جلابيته، وريحة عطره الرجالي الدافي كانت طالعة من جلده نفسه.
وقف قدامهم…بس عينيه ما شافوش حد غيرها هي... وجلال عموما مبقاش شايف أي حد غير رضا وبس حتى ولاده تقريبا نساهم رغم انه طول عمره بيهتم بيهم اهتمام شديد جدااا !! ويمكن دا إللي خلاهم بيبحثوا عن الحرية لأنه مضيق عليهم الخناق !
ابتسم ابتسامة واسعة دافيةوهو بيتصبح بوشها … ابتسامة راجل بيحب واحدة حب ملوش وصف…
وقرب منها بخطوتين هاديين قوي…
وقال بصوته الرجولي الهادي اللي خلى قلبها يدق بالعافية
– إيه النور دا كله؟…منوّرة…منوّرة البيت… والبلد … ومصر كلها والله..
رضا بصت له…
عينها اتأثرت شوية من كلامه… بس بسرعة أخدت نفسها وابتسمت ابتسامة خفيفة… ابتسامة ست عارفة قيمتها كويس قوي ومش مستغربة الغزل ولا متفاجئة من الكلام الحلو دا …
توسعت ابتسامة جلال أكتر وهو بيبصلها وهي بتبتسم وشكلها مبسوطة منه .. لكنه ميعرفش انها مبسوطة علشان الرخيصة إللي أدامها كل يوم بتعرف انها ملهاش قيمة ادامها ..
ولكن أيًا كان السبب وراء ابتسامة رضا… فهي كانت بتهز قلبه وترجّه وهو واقف قدامها...
جلال مد إيده بهدوء، وبص لنسيمة ثانية صغيرة بنظرة باردة جدًا ومقالش حاجة وهنا نسيمة عينيها توسعت من الصدمة وقلبها دق بسرعة .. جلال من غير ما يعمل حاجة خلاها تتمنى لو الأرض تنشق وتبلعها من الخيبة والصدمة !
رجع يبص لرضا، ولما شافها هتمد إيدها عشان تحط كوب القهوة على الطاولة وهتوطي … مد إيده بسرعة وخد الكوب منها بهدوء عشان يريحها وميخليها تبذل أي مجهود
هي بصت له باستغراب خفيف…لكنه قرب من إيديها وبص في عيونها وهو مايل بجزعه عليها …
ومسك صوابعها الرقيقة الكبيرة بين صوابعه القوية…
ورفع إيدها بكل هدوء وباسها من ضهرها قبلة طويلة جدًا…
قبلة دافية…
اتفاجىت من فعلته لكنها بصتله بابتسامة ثقة وهدوء وهو قالها بهمس وصل لنسيمة
_بحبك… وبعشقك… ومقدرش أعيش من غير رضاكِ عليّ...
كانت نسيمة قاعدة تتفرج والشرار طالع من عينيها…
لكن جلال ما بصّش ليها أصلاً…
كل تركيزه كان على رضا اللي بصت له بنظرة فيها شوية خجل، وشوية تشفي، وشوية حب وكبرياء أنثوي… كلهم مع بعض في نظرة واحدة بس...
جلال قال بنبرة كلها حنية
– صباحك فل يا ست الستات… يا أغلى وأجمل خلق الله.
