الجزء الثالث من الفصل الرابع والعشرون رواية الرقيقة والبربري

 الجزء الثالث من الفصل الرابع والعشرون رواية الرقيقة والبربري 



ولحظ الفتى العثر .. لمح رامي نظراته ! .. سُحبت الراحة منه وهو كلما وقعت عينيه عليه ...وجده ينظر لنور زوجته ! .. احتدت ملامح رامي ولكنه ظل صامتًا .. لا يريد ان يختلق مصائب أو يبدأ معارك في نصف النيل الواسع في الليل وهو مع زوجته التي لن تتحمل أيًا من هذا .. لا يريد ان يفسد سهرتهما من أجل نظرات شاب تافه لا يخجل  ..


ظل رامي صامتًا، يده تستند على طاولة البامبو، وعيناه لا تفارقان الشاب الجالس على الطرف الآخر.. ملامحه مشدودة، حاجباه معقودان، وكلّ خلية فيه متأهبة .. لا لم يعد يحتمل .. . ثم ومن دون مقدمات، نظر إلى نور وقال بنبرة هادئة، لكنها ثابتة


_ يلا يا حبيبتي نطلع ننام.


استدارت نور إليه بعفوية بعدما كانت تنظر للنيل ، لم تلتقط بعد سبب تغيّر نبرته، وقالت برقة 


_لأ عشان خاطري خلينا شوية كمان... أنا عاوزة أسهر جنب النيل كده... حلو أوي يا رامي يجنن !!


قالت في دلال وتأثر والمركب تسير ببطئ في نصف النيل الذي حاوطها من كل الجوانب ونسيمه المميز كان كالنعيم مع انعكاس أضواء المركب عليه والسكون المحيط بهما .. 


لم يرد رامي مباشرة.. كان قد لاحظ الشاب يتابعها بنظراته، يتناول طعامه بهدوء متعمد، وكأن تجاهله لوجود رامي جزء من استفزازه.. 


ثم التفت إليها من جديد، هذه المرة بنبرة أكثر حزمًا، لا تحتمل نقاشًا


_ يلا يا نور.


شعرت نور بالحرج، نظرت إليه بتساؤلٍ مكتوم، لكنها لم تُجادل... نهضت في صمت، وقد بدا على وجهها شيء من الانكسار، ومشت خلفه.. وقبل أن يغادرا، ألقى رامي نظرة حادة على الشاب؛ نظرة مليئة بالتحذير، نظرة رجل يعرف تمامًا من هي المرأة التي يحميها، ومن هي التي لا يحق لأحد أن يمدّ بصره إليها.. 


الشاب التقط النظرة... لكنه لم يرد...اكتفى بأن انخفض بعينيه إلى طبقه، وأكمل تناول طعامه بهدوء، كأن النار في داخله قد غطتها طبقة من الرماد، تواري تحدٍّ لم يُعلن بعد.


---__________________


في الممر المؤدي للغرفة كانت الخطوات ثقيلة ولكنها سريعة  والمزاج مشحونًا بصمتٍ لا يفسَّر...


ما إن  وصلا حتى فتح رامي ذا الوجه المتجهم الغرفة وادخل نور أولاً  وهو يقبض على زراعها ثم أغلق الباب خلفه بإحكام، لم يلتفت إلى نور، ولا قال شيئًا، فقط جذبها نحوه بقوة شديدة ... لم يُمهلها لتسأل، ولا ليعلّل، فجأة التصق بها، قبض على وجهها، وضمّ شفتيه إلى شفتيها في قبلةٍ مفاجئة، عنيفة، مشتعلة، تحمل كلّ ما لا يُقال.. 


شهقت نور، لم تفهم، حاولت أن تبتعد، أن تدفعه، لكنه كان مصرًّا، عنيدًا، يقبّلها كمن يحاول أن يطفئ نارًا بداخله، أو يواري غيرةً لم تعترف بها كلماته..


ثم، بعد لحظةٍ ثقيلة، تراجع فجأة... 


أنفاسه متقطعة، عيناه تائهتان، كأنما ندم على شيء لم يقصده... أو قصده أكثر مما يجب.. مرر يده على وجهه، ثم سأل بصوتٍ خافت 


_ هو أنا مش جوزك؟ ولا أنا محتاج تصريح عشان ألمسك؟ 


قصد أنها لا تبادله لكن هذه المرة قالت نور باستسلام له


_ جوزي وكل حاجة فيا من حقك ! 


ردها أثاره أكثر واستسلامه لم يزده إلا رغبة في تملكها أكثر وأكثر 


بينما هي كانت تقف في مكانها بصعوبة وساقيها يرتجفا ، لا تزال تشعر بوهج القبلة في فمها، قلبها يدق كأنه فقد توازنه، وهي لا تعرف كيف ترد بالفعل ..


لكن بدى على رامي أنه لم يسمعها واقترب منها مجددًا، لكن هذه المرة بشكل أعنف .. قبلة قوية وطويلة رفع فيها يدها وثبتها على الحائط وتركت هي نفسها له بالكامل ... 


_ بحبك !


قال من بين أنفاسه لتنظر له وتجيبه بصوتها التائه 


_ أنا.. أنا كمان بس .. اهدى حبيبي .. 


تأوهت بصعوبة وهي ترى الغضب في عينيه .. لكنه استمتعت ولم يفهم هو إلا أنها خائفة .. 


توقف رامي عن تقبيلها وهو يرى الاحمرار يغزوها ووضع يده على وجهها، مرر أنامله برقة على خدها، ثم قال بصوتٍ متعب 


_ هديت .. 


ثم ابتعد عنها خطوة، وكأنه أعطاها مساحة للتنفس، وابتسم ابتسامة باهتة 


_يلا يا روحي علشان تنامي... احنا تعبنا النهاردة أوي . 


لكنها لم تتحرّك.. كانت تنظر إليه في صمت، نظرة طويلة... عميقة، ممتلئة برغبة لا تُقال، وحياءٍ لا يُخترق.

عينها علقت على شفتيه، تتحاشى أن تقول ما تشعر به... لكنها كانت تتمنّى لو اقترب ثانية، فقط ثانية.. 


وهو؟ شعر بكل شيء... قرأ نظرتها، وارتجاف أنفاسها، لكنه اكتفى بأن يبتسم من بعيد، تلك الابتسامة التي تُغلق الأبواب بلطف.. وكذب نفسه .. بالطبع لا تريده وهو بهذا العنف الذي مهما حاول التخلي عنه .. يستغل أي موقف ليظهر ويدخل بينهما مرة أخرى ! ... ونور بالطبع لا تحب ذلك فلا داعي لأن يوهم نفسه بأن نظراتها تناديه للاقتراب ! 


توجها للنوم ... نور اقتربت منه وهو ينام على الفراش وما ان وضعت يدها عليه حتى وقف رامي وراح للجانب الآخر من الغرفة مقتربًا من الشرفة وأخرج سيجارة يدخنها ... لتشعر نور بالحزن من ابتعاده وتغيره .. لقد وعدها صباحًا لكن ها هو ينغير في المساء ويعود لمزاجيته ... 


_ مش هتنام ؟ 


لم يجيبها ... يفكر في أشياء كثيرة .. لم يعتقد يومًا أنه سيغار على أي شخص.. خصوصًا نور !! ... ظل مكانه لا يريد الرد والارتباك داخله تخطى كل الحدود .. 


_ رامي .. 


رغم أنها تنادي إلا أن صوتها كان خافتًا متوسلاً .. كأنها تترجاه ان يقترب للفراش ليجيب رامي أخيرًا 


_ هخلص السجارة وأنام!.. 


_ ممكن دلوقتي تخلصها ؟ 


طلبت ولأول مرة تزداد طلباتها .. ليتأفف رامي قبل أن يرمي السجارة من الشباك لتسقط في النيل فغضبت نور 


_ بترميها في النيل ليه ؟؟


غضبها ظهر في صوتها قبل أن يقول رامي وهو يراها لا يعجبها أي شيئ فيه 


_ مخدتش بالي يانور .


أشاحت بوجهها عنه ثم هدأت وانتظرت رامي يقترب من الفراش ... 


تمدد فوقه فاقتربت على استحياء تضع رأسها فوق صدره .. لم يحاوطها بزراعه وظل يفكر .. هو في مصيبة!! عليه أن يعترف أنه غرق في حبها لدرجة لم يتخيلها .. كيف حدث هذا ! كيف وصل لهذه النقطة . من نظرة واحدة لرجل أخر لها .. فقد عقله !! ... 


شعر بأصابعها الصغيرة تسير ببطئ فوق صدره ... ليغمض عينيه ويتنهد قبل أن ينظر داخل عينيها التي كانت تترجاه للاقتراب لكنه لم يكن يصدق نفسه ! فكيف ستحبه هذه الرقيقة وهو بربري لا يعرف عن الرقة سوى اسمها ... ليقع نصيبه في زوجه .. كيانها كله رقيق وناعم .. 


_ تصبحي على خير 


قال رامي ثم أغمض عينيه لينام وظلت نور تنظر له في حزن قبل أن تنام هي الأخرى دون تعليق تحاول إقناع نفسها أنه مجهد .. لكن منذ دقائق كان معاها يطعمها وفجأة تغير مزاجه بالكامل للعكس تمامًا وصد عنها ... لكن على أي حال .. نامت بعد تفكير طويل من شدة الاجهاد ..

إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
”نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.“
لا يتوفر اتصال بالإنترنت!
”يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت ، يرجى التحقق من اتصالك بالإنترنت والمحاولة مرة أخرى.“
تم الكشف عن مانع الإعلانات!
”لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك.
تُستخدم العائدات التي نحققها من الإعلانات لإدارة موقع الويب هذا ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.“
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.