الجزء الرابع من الفصل الثاني والعشرون رواية الرقيقة والبربري
كان رامي جالسًا على الأريكة، يحاول الانشغال بعمله، يكتب أرقامًا ويعدل جداولًا ويقرأ خططًا… لكن عقله كان مكانًا آخر… عندها هي…
لقد حاول… حاول أن يقترب منها بالأمس… حاول أن يمنحها أمانه وحنانه وقربه، لكنها لم تتخذ خطوة نحوه… لم تمنحه إشارة… لم تمنحه إلا صمتها وخجلها…
تنهد بعمق وهو يضع يده على جبينه، كأنه يحاول إيقاف عقله عن التفكير، لكن قلبه ظل يردد اسمها بهمسٍ لا ينتهي.
وفجأة…
_ رامي!
تردد صوتها في أرجاء المكان، لينتشل قلبه من أسره… رفع رأسه سريعًا، استدار ببطء، وهناك… كانت تقف خلفه…
كانت نور تقف في منتصف الصالة، شعرها منسدلًا على كتفيها يتراقص بخفة كلما هبت نسمات المكيف… عيناها الواسعتان تحدق فيه بارتباك شديد، وجسدها يتخفى خلف روب خفيف من الستان الوردي الناعم، كان يلامس بشرتها برقة حتى شعر هو بالجنون.. لا ترتدي في قدميها شيىء .. ملتصقين ببعضهما وأصابعها تحتك ببعضها في توتر بالغ وظاهر..
لكن ما جعل قلبه يتوقف عن الخفقان للحظة، ثم يعاود النبض بسرعة موجعة، هو أن طرفي الروب كانا مفتوحين قليلًا من الأعلى، يتيحان له أن يرى لمحة خافتة من قميص النوم الحريري القصير الذي يختبئ أسفل الستان… قميص بلون البنفسج الهادئ، بدا وكأنه صنع خصيصًا ليزيدها دلالًا ونعومة.
ظل رامي يحدق فيها طويلًا دون كلمة… عيناه تتمعنان في كل تفاصيلها، من قدميها الحافيتين، إلى ساقيها المختفيتين أسفل الروب، إلى يديها الصغيرتين الممسكتين بحواف الروب تحاول إحكام غلقه بخجل شديد.
كانت عيناها تهرب منه كل ثانية، تارة تنظر للأرض، وتارة تعود لعينيه بسرعة فتتوه وتبتعد من جديد… خجلها وارتعاش أنفاسها كانا يصرخان في المكان.
ابتلع رامي ريقه بصعوبة، شعر بجفاف في حلقه، تحرك قليلًا في مكانه، ثم سألها بصوت أجش منخفض، خرج أعمق مما قصد:
_ إيه يا نور…؟ واقفة كده ليه…؟
ابتسمت بخجل دون أن تستطيع النظر في عينيه، فنزل بوجهه قليلًا حتى أصبح أمامها تمامًا، رفع ذقنها بإصبعه برقة وهو يقول
_ بصيلي...
رفعت عينيها له، وفي اللحظة التي التقت فيها نظراتهما، اقترب بأنفه يلمس طرف أنفها بخفة طفولية جدًا، ثم ابتعد فجأة وهو يضحك بخفوت.
_ كنت عاوزة إيه يا نور ؟
سألها ببراءة وهو يضع يده مرة أخرى على ظهرها يربت بخفة شديدة، حنان صافي ظاهر... لكن قلبها يعلم أنه يذيبها بتلك اللمسات الصغيرة دون أن يفعل شيئًا مباشرًا.
_ مكنتش عاوزة حاجة...
قالتها وهي تخفض رأسها أكثر فتسللت ضحكة صغيرة من شفتيه، ثم اقترب منها حتى شعرت بأنفاسه تلامس وجنتها، همس في أذنها بنبرة هادئة جدًا
_ طيب ... لو احتجتي حاجة ... أنا هنا...
ابتعد بعدها فورًا، ووقف يمدد ظهره ويعدل من وقفته وكأنه لم يكن بجوارها منذ لحظة يسرق قلبها... تركها هناك، خديها يشتعلان، عيناها تلمعان بشوق صامت لا تجرؤ على الاعتراف به حتى لنفسها. .. ثم دخل الغرفة وظلت هي واقفة مكانها ..
دخلت نور وراءه لنتجده متمدد على السرير وظهره مستند عليه ... نظر لها وهي واقفة دون حراك .. ابتسم داخله بخبث شديد وهو يعلم تمامًا ما الذي يحركها ... رفع حاجبه ناظرًا لها ليحثها على التحدث ..
فهزت كتفيها بخفة، وابتلعت دموع خجلها وهي تقول بصوت خافت يكاد لا يُسمع
_ كنت… كنت عاوزة… أسألك… رأيك… حلو…؟
ظل ينظر إليها طويلًا… لم يجب… فقط نهض من مكانه ببطء، واقترب منها خطوة تلو أخرى، حتى وقف أمامها تمامًا، حتى شعرت بأنفاسه الدافئة تلمس جبينها…
مد يده ببطء شديد، رفع ذقنها بإصبعه، وأجبر عينيها أن تلتقيا بعينيه… كانت عيناه داكنتين عميقتين كأنهما ستسقطانها داخلهما… وقال أخيرًا بنبرة تحمل خبثًا دافئًا لم تستطع مقاومته:
_ جميل… جميل قوي… بس…
صمت وهو يقترب منها أكثر حتى لامست جبهته جبهتها، ثم همس لها بخبث ودفء:
_ بس محتاج أشوفه كويس… عشان أقول رأيي بصراحة…
ارتجفت نور بين يديه، وأغمضت عينيها بخجل، فضحك هو بخفوت… قبل وجنتها بحنان، ثم ابتعد قليلًا ليتركها تحترق بخجلها وتفكيرها…
لكنه كان يعلم… يعلم تمامًا… أنه مهما حاول أن يبتعد، لن ينجو منها أبدًا.