الجزء الثالث من الفصل السادس عشر رواية الخادمة الصغيرة الجزء الثاني
رضا كانت ساكتة فبصلها مازن
_ مالك ساكتة ليه ؟ ما تتكلمي ..
اتنهدت وقامت وراحت تقعد جنبه .. حطت ايديها على كتفه وقالت
_ أنا واثقة إنك هتقدر تعمل كل حاجة من غيره .. متستهينش بنفسك ولا قوتك ..
لانت ملامح مازن ومتافه خف تشنجها تحت إيديها فهي طبطبت عليه وقالت بحنان
_ معلش ... الزعل لسة كبير عليك ولسة مفقتش من الصدمة .. ورغم كل دا متأكدة إنك هتقوم منها .. وهتنفذ وصية مامتك ..
حضنها مازن وهو حاسس فعلا بضعف .. وخايف ! خايف أوي من حجات كتير ..
ضمته ليها بقوة وهي بتحبه جدا .. بتثق فيه وفي حنانه وفي قوته .. مازن كان شخص رحيم بيها طول عمرها .. وهبها حياة جديدة ... فرصة جديدة .. بالنسبة ليها هو ومامته لو ضحت بحياتها عشانهم مش هيكون كفاية ..
_ ان شاء الله.. ان شاء الله هقدر ..
قال فقالتله بحنان
_ وأنا معاك .. وهننزل سوا نتمشى في البلد .. ومتأكدة إننا هنحلها .. ماشي ؟
بعدت عن حضنه فبصلها وابتسم بحزن وحس بأمل شوية فابتسمت ليه ..
وفعلا .. في اليوم التاني .. كان مازن معاه رضا بيلفوا في البلد وبيتمشوا وبيكتشفوها ! وهنا كانت صدمتهم الكبيرة ..
الطرق كلها أسفلت مش ترابي ! .. والطُرقات والممشى والممرات فيها حجارة وزي أرض الحسين والمعز ! .. رضا كانت ماشية مصدومة .. مش هي دي البلد إللي اتولدت و عاشت فيها ...
مفيش زبالة في الشوارع .. مفيش همجية .. الناس كلها لابسة زي ما تحب ولكن باحترام لحدود نظر الآخرين... اكتشفت ان فيه كنيسة ! كان فيه مسيحين في البلد لكن مفيش دور عبادة ليهم .. ولكنها اتصدمت لما لقت كنيسة وكبيرة كمان ومعامرها حلو أوي.. المساجد جميلة ومعمارها مميز ! ..
مازن كان لابس نضارته وكل شوية يقلعها وينزلها علشان يشوف ويتفرج على نفاصيل البلد إللي فيها زرع في كل مكان .. فيه طريق خاص للعجل ! .. كمان!! مازن حس بالصدمة ورضا .. مكانوش متخيلين التطور دا كله ! إزاي وامتى ؟؟؟ ... كانت صدمة حضارية وكانوا حاسين انهم مش في حقيقة دول في حلم ..
وهما ماشيين كانت البلد مفهاش ناس كتير .. ودي حاجة كمان استغربوها .. لكن مش دي الحاجة اللي بهرتهم أصلا .. المحلات نفسها بهرتهم وإزاي كل حاجة متظبطة ومعاييرها مظبوطة .. دا أكيد حلم أو سحر مش حقيقة !
شافوا تجمع كبير عند أحد المساجد .. تجمع منظم جدا وكراسي مصفوصة شكلها كويس .. كل حاجة متظبطة ومتجهزة ..
وهنا بدأ الحدث.. بدأوا يسمعوا صوت إللي بيقدم الحدث ..
قربوا أكتر لحد ما شافوا طرابيزة طويلة عليها
أربع رجالة من لبسهم ظهر انهم رجال دين ولكن آخر واحد فيهم كان جلال ! ...
راحوا قعدوا على الكراسي ومع كلام المقدم للحدث فهموا ان دي .. مسابقة لحفظة القرءان الكريم !
أصوات الأطفال والشباب بتتلو آيات ربنا بصوت بيرجف القلوب،وكل واحد منهم صوته أصفى من اللي قبله…
وكل حرف خارج من لسانه بصدق وتجويد وراحة عجيبة.
رضا كانت قاعدة جنب مازن، عينيها بتلمع من الدهشة،
كانت سامعة القرآن كأنه بيتقال لأول مرة…
بتسمع بأذنها، وقلبها هو اللي بيردد الآيات.
أما مازن…
كان قاعد ووشه ثابت لكن عينيه بتتحرك بين كل طفل وشيخ وهو مش مصدق إن البلد اللي كان شايفها “شوية جهلة” فيها النور ده كله.
لجنة التقييم قاعدة قدامهم، كل شيخ منهم بيقول رأيه وتقييمه في هدوء واحترام.
لكن جلال…كان ساكت..ما نطقش بكلمة من أول المسابقة.
لحد ما آخر متسابق خلص،والصمت نزل على المكان كله.
رضا ومازن حضروا بدون ملل وكانوا مستمتعين جدا وكذلك أهل البلد إللي محدش فيهم قام ! بل قاعدين ومستمتعين لآخر لحظة بأصوات الأطفال الملائكية إللي بتتلو القرءان ..
بعد ما انتهت التلاوات وبدأ الشيوخ في تجميع الدرجات وأهل البلد قاعدين مستنيين النتيجة .. ساعتها جلال قام.
قام بهدوء، لكن حضوره كان تقيل ..
مشي ناحية منصة التقديم،خطواته هادية وراسية،
جلابيته بتتموج مع خطواته الواسعة، ولحيته الكثيفة مغطيه ملامحه الرجولية الصلبة.
طلع على المنصة، مسك الميكروفون بإيده الكبيرة،
وبص للجنة التقييم…وبعدين للناس كلها.
سكت لحظة…
صوته خرج هادي، لكن مليان قوة
– أنا…أنا مش عالم قرآن،
ولا شيخ من شيوخكم الفضلاء…أنا راجل بسيط، جهلي أكتر من علمي، وحضوري هنا النهاردة وسط الشيوخ الممتحنيين كان بإصرار اللجنة المحترمة دي…لكن والله أصغر طفل في المكان دا…هو أعلم وأحسن مني ألف مرة.
سكت شوية، عينه بتلف على الوجوه،
وعينيه كانت بتلمع بدموع مكبوتة وهو بيكمل
– أنا فخور…فخور باللي وصلتوله يا ولاد …
فخور إن البلد بقت عامرة بكتاب الله وذكره…وبقول لكل أب وأم…علموا ولادكم ان العلم والدين هما اللي هينجونا، وهيرفعونا، وهيصونوا شرفنا..
اللي عايز يعيش حياة شريفة وكريمة وسعيدة …
لازم يتقي ربنا في شغله، في بيته، في عياله، في الناس كلها.
سكت، خد نفس طويل،ونزل عينه في الأرض لحظة،
وبعدين رفعها تاني…
وفي اللحظة دي…عينه قابلت عين رضا.