الجزء الثاني من الفصل الثاني والعشرون رواية الرقيقة والبربري
____________________________
خرجت نور لتبحث عن رامي وتأخذ منه العنوان لتكمل الطلب .. لكنها توقفت قليلًا منصدمة وهي تراه يجلس أمام الحاسوب يعمل .. وتمكنت منها الصدمة !
وقفت نور أمامه، ممسكةً بالهاتف بين يديها، تنظر إليه في صمتٍ عميق… لم يرفع عينيه نحوها، كان منشغلًا تمامًا بما أمامه من شاشات وصفحات وأرقام…
لكنها لم تكن ترى الحاسوب أصلًا…
كل ما كانت تراه هو رامي…
كان يجلس على الأرض، يسند ظهره العريض القوي إلى الكنبة خلفه، جسده العاري لا يغطيه سوى شورت رمادي قصير، بينما فخذاه القويتان ظاهرتان بوضوح، إحداهما فوق الأخرى، والحاسوب المحمول موضوع على رجليه الممدودتين براحة وثقة…
كانت ذراعه اليسرى تستند على حافة الكنبة خلفه، عضلات ذراعه مشدودة في استرخاء رجولي غريب، بينما يده اليمنى تتحرك بخفة على لوحة المفاتيح، وأصابعه الطويلة تضغط برشاقة وسرعة وهو يركز عينيه بحدة في الشاشة، حاجباه معقودان قليلًا، وشفتيه منفرجتان عن بعضهما بهدوء وهو يتنفس ببطء وثبات.
شعرت بحرارة تتسلل إلى وجنتيها، وكأن الدماء كلها تجمعت في وجهها من كثرة خجلها وارتباكها…
ظلت واقفة مكانها تتأمله بصمت… لم تره من قبل هكذا… لم تتأمل جسده من قبل بتلك الطريقة… لم تلاحظ كم هو جميل ومذهل…نعم تحبه ونعم زوجها ..ولكن بهذه الإثارة! لم يحدث .
كم هو قوي وعارم الرجولة…
كم يبدو هادئًا وواثقًا ومسيطرًا على كل شيء من حوله حتى وهو صامت…
ارتعشت يداها قليلًا وهي ترى عروق ذراعيه البارزة كلما تحركت يده، وكتفيه العريضين اللذين يبدوان كجناحين يحميان من يلجأ إليهما…
ابتلعت ريقها ببطء حين لاحظت قطرات الماء الصغيرة العالقة بشعره الأسود الكثيف فوق جبهته… يبدو أنه خرج من الحمام منذ قليل…
يا إلهي… حتى قطرات الماء تزيده وسامة وهيبة…!
شعرت بقلبها يطرق صدرها بقوة حتى خافت أن يسمع دقاته… ظلت واقفة تتأمله لدقائق طويلة، حتى بدأت تشعر أن الأرض تميد بها من فرط توترها وخجلها.
انتبه لها حين شعر بثقل نظراتها عليه، فرفع عينيه ببطء شديد من فوق شاشة الحاسوب ونظر إليها مباشرة…
اتسعت ابتسامته قليلًا حين رآها واقفة هكذا في منتصف الصالة، مبهوتة، شاردة العينين ووجنتاها تتوردان بشدة…
مرر بلسانه على شفتيه، ثم قال بصوته الأجش المنخفض
_ إيه يا نور… إيه الوقفة دي؟ تعالي هنا… عايزة إيه؟
رمشت عدة مرات لتفيق من شرودها، ثم رفعت الورقة التي بيدها بسرعة وقالت بصوت مهتز
_ كنت… كنت عاوزة… العنوان… العنوان بتاع المكان إللي إحنا فيه .. طالبة اوردر و مش عارفة وأنت نسيت ... نسيت تقولي احنا فين…
ابتسم بخفة دون أن يعلق على ارتباكها، ثم مد يده إليها بهدوء وهو ما زال جالسًا على الأرض، وقال بنفس النبرة الرخيمة
_ هاتيه هنا… وأنا هكتبهولك … تعالي يا حبيبتي…
اقتربت ببطء شديد، وكأن قدميها لا تريدان حملها إليه… كلما اقتربت شعرت بحرارة أكبر تشتعل داخل صدرها ووجنتيها… حتى وقفت أمامه تمامًا، وناولته الهاتف دون أن تنظر في عينيه…
فجأة، دون مقدمات، رفع يده ووضعها على ساقها برفق، وأخذ يربت عليها بخفة وهو يقول وعيناه تركزان في الشاشة مرة أخرى
_ واقفة بتبصيلي كده ليه يا نور…؟ أول مرة تشوفي جوزك ولا إيه…؟
شهقت بخفة وقالت سريعًا
_ لأ… مش أول مرة… بس… بس يعني… كنت بفكر في حاجة وسرحت …
ابتسم رامي وهو يكتب العنوان بهدوء، لكنه لم يعلق، فقط ظل يربت على ساقها برفق، ثم أعاد لها الهاتف ورفع رأسه إليها مرة أخرى ليتأمل وجهها المحمر وعينيها الواسعتين المرتبكتين…
كانت تلك اللحظة بالنسبة له لحظة نصر صامتة… رأى فيها انعكاس رجولته وهيبته وتأثيره عليها دون أن ينطق بكلمة…
أما هي… فلم تستطع أن تتنفس براحة حتى تركت الغرفة عائدة إلى غرفتها … تحمل الهاتف والعنوان… تاركة قلبها ينبض في يد رامي دون أن يدري..