الجزء الثالث من الفصل الرابع رواية الخادمة الصغيرة الجزء الثاني

 الجزء الثالث من الفصل الرابع رواية الخادمة الصغيرة الجزء الثاني 


كانت الشمس لسه بتطلع ... ولكنها معرفتش تنام فبعد صلاة الفجر استنت شوية .. وخرجت من البيت ... 

كان لسة الندى مرشوش فوق الأرض والتراب والحجر…
الهوى بارد، وريحة الأرض المبلولة بتدخل صدرها بحنين موجوع..

أميرة – رضا – كانت واقفة قدام قبر أم مازن، عينيها محمرة من البُكا، لكن مفيهاش دموع ! … 
كانت هادية… هادية أوي لدرجة الخوف.
عينيها ثابتة على الاسم المنقوش على الرخام، شفايفها بتتحرك بدعاء بصوت واطي قوي، كأنها بتحكي للست اللي جوة التراب عن كل حاجة حاصلة حواليهم …
وكأنها بتستأذنها تمشي من البلد زي ما دخلتها… مكسورة وخرساء.. 

اتنهدت وهي بتنزل راسها،
وملقتش رجليها بتاخدها للبوابة،
رجليها خدتها بين القبور ... للماضي...

خطوة ورا خطوة…
كانت ماشية وسط القبور، بتقرا أسماء، وكل اسم بيخبط جواها حكاية ناس، دمعهم، ضحكهم، موتهم…
لحد ما لقت اسم كان دايمًا محفور في قلبها، حتى لو حاولت تنساه.. عمرها ما هتقدر ! الوحيدة إللي حبيتها بجد ... لكن سابتها بدري بدري ! 

اسم أمها على القبر خلاها ترتعد من الشوق والحنين .. 

وقفت قدام قبر أمها،
جسمها كله ارتعش،
ركبها خبطت في بعض،
حطت إيديها على الرخام البارد،
وهنا بس .. بكت…
بكت من غير صوت،
دموع بتنزل بتنظف قلبها من وجع قديم مالوش نهاية.

– يا أمي…يا أمي…

همستها خرجت ضعيفة، متقطعة، لكنها مقدرتش تحبسها . 

قعدت قدام القبر، ضمت إيديها على صدرها، والهوى بيرجفها لحد العضم.. افتكرت حنانها وحبها .. افتكرت الظلم إللي عاشته على إيد مراة أبوها وأبوها .. إللي مشافتهمش من ساعة ما جات لكنها مش مهتمة .. بل بتتمنى انهم يكونوا ماتوا وشبعوا موت ونالوا عقابهم على ظلهم وقسوتهم ليها ولأمها المرحومة ! .. أصلا مين فيهم ميت ؟ هي ولا أمها ! الإجابة كانت انها هي وأمها ميتين ! هي كمان ماتت من زمان .. لكنها لسة فوق التراب .. على عكس أمها إللي حضنتها الأرض وترابها وحنوا عليها لأنها كانت مؤمنة .. أما البشر إللي من لحم ودم ...محدش بيحضن حد .. ولا بيداوي حد . 

أجبرت نفسها تقطع أفكارها ومسحت دموعها بالعافية، وقامت تكمل مشي بعد ما دعت لأمها ... 

وفجأة حست انها عايزة تتأكد من حاجة .. كان عقلها بيقولها ترجع، لكن قلبها خدها لقدّام…
وأول ما رجعت تمشي وسط المقابر، عينيها وقعت على اسم…
اسم كان مرعب بالنسبالها…
اسم "فريدة".

وقفت مكانها.
الذكرى خبطت جوا دماغها خبط.
فريدة… الست فريدة.

كل حاجة رجعت في ثانية...
صوتها، ريحتها، نظرتها، تعبها .. وصيتها ! .. 

اتحركت ناحية القبر برجليها اللي ما بقتش شايلة جسمها... 

وقفت قدامه، ومدت إيدها تتحسس الرخام البارد، من لمسة واحدة وغمضة عين .. شريط حياتها مر عليها كله أدام عينيها .. 

_ ليه يا ست فريدة ؟ ... 

نطقت بيها بحرقة وهي بتعض شفايفها في عدم قبول للوضع .. للواقع إللي هي فيه ! .. ضغطت على عيونها وكأنها بتمنع نفسها بالقوة انها تعود لذكريات عاشت أكتر من نص عمرها بتحاربها ... 

لكن في لحظة ما فتحت .. عنيها لمحت حاجة تانية… قبر صغير جنب قبر فريدة... 

مالت أدامه وقرأت المكتوب ! ... توقعت ولكنها حاولت تكدب نفسها .. مكانتش قادرة تستحمل الحقيقة ! 

"طيور الجنة_ أولاد جلال الصواف"

في اللحظة دي…
اتسحب الهوا من صدرها.
كل خلية في جسمها اتلوت من الوجع.
دقات قلبها بقت موجات كهربا بتلسعها لحد أطرافها ... 

دول ولاده… ولادها… ولادها هي كمان.

قلب الأم اللي فيها كانت مفكرة انه مات معاهم لكنها حست بيه وهو بيصحى حالا ويصرخ !  
اتذكرّت كل حاجة… كل اللي حصل.
قبل الولادة لما لقته بيخونها .. نزيفها .. ولادتها الصعبة أوي ... ولادها الاي ملحقتش تفرح بيهم ... 
صوت عياطهم اللي ما سمعتوش.
طردته ليها وهي لسه بتنزف، وهو بيرميها في الشارع زي قماشة بالية فقدت قيمتها.
وشه الغاضب…
صوته القاسي…
والبرد… البرد اللي ماتت فيه وهي عايشة... 

الدم رجع يسري في جسمها بوجع، راسها لفت، الأرض دارت حواليها، الهوا اتقطع،
حست إنها بتفقد توازنها…
جسمها كله بقى خفيف، خفيف لدرجة إنها قربت تطيّر بعيد.

كانت هتقع…الأرض قريبة جدًا ..وكأن القبر بيناظيها تقع وتقربله أكتر.. تحضنه .. استسلمت وسابت نفسها وهي منهارة أدام ولادها إللي قلبها اتقطع وهي شيفاهم تحت التراب ... 

لكن فجأة .. إيد مسكتها.
إيد كبيرة، دافية، خشنة، مسكت دراعها بقوة ومنعتها تنهار.

رفعت عينيها ببطء، غصب عنها، والدموع مغرقاها…

كان هو... جرحها .. نصيبها من القسوة في الدنيا .. مصيبها من الحزن والخذلان .. جلال ! 

وقف قدامها، ضله مغطيها،
وشه مصدوم، عينيه متسعة، هو ماسكها بإيد…
وهي ماسكة قلبها اللي انهار خلاص.. حاطة إيديها على قلبها وساكتة ... بتبص بعيون دبلانة ونفس بيخرج بصعوبة شديدة ..  

_ جلا.. جلال ! 

الروح ردت في جسمه وهو بيسمع اسمه منها ! .. افتكر .. افتكر أول مرة شافها فيها ...
لشراء الرواية التواصل على رقم وتساب 01098656097 

إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
”نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.“
لا يتوفر اتصال بالإنترنت!
”يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت ، يرجى التحقق من اتصالك بالإنترنت والمحاولة مرة أخرى.“
تم الكشف عن مانع الإعلانات!
”لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك.
تُستخدم العائدات التي نحققها من الإعلانات لإدارة موقع الويب هذا ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.“
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.