الجزء الأول من الفصل الرابع عشر رواية الرقيقة والبربري
الجزء الأول من الفصل الرابع عشر من رواية الرقيقة والبربري
في صباح اليوم التالي كان صدره مازال مختنقًا من الغضب .. كلما يتذكر طرد حماه له وسماحه لذلك السمج كريم بالدخول يشعر بالقهر والغيظ ، ولذلك من الصباح الباكر صعد إلى سيارته وصفق الباب بقوة، قبضته تهتز على عجلة القيادة..
توقف أمام بيت رأفت، والد نور ، وتوجه للبوابة بخطوات غاضبة متوترة ... الحارس رفع عينه ورآه ، لكنه لم يتحرك ..
نزل رامي من سيارته وهو يرى " عم حسن " هو من يقف على البوابة مع الحرس .. فتحدث وشعر هذه المرة أنه سيدخل لأن عم حسن رجل كبير في السن ومع ذلك لم يتخلى عنه رأفت بل ويدخله في كثير من الشؤون .
_ افتح يا عم حسن، أنا جاي أشوف نور.
تنحنح عم حسن وقال بهدوء
_ أنا آسف يا أستاذ رامي... رأفت باشا قال إنك متدخلش
تجمد رامي في مكانه، واتسعت عينيه بذهول ولا يقدر على تصديق ما يفعلوه فيه
_ أنتوا اتجننتوا يا جماعة دي مراتي !!
رد الحارس بصوت مكسور
_ والله مش بإيدي، رأفت باشا قالي ما تدخلش.
ثم عاد ليقول _ ومأكد عليا كمان
هدر فيه رامي
_ خلاص ياعم حسن عرفت ...
ثم تنهد في غضب وحاول أن يسيطر على نفسه ثم قال
_ ونور فين؟ موجودة فوق؟
_ معرفش !
رد حسن ليقترب منه رامي ويتوسله
_ ابوس دماغك الحلوة اللي أنا مظبطهالك دي قول .. ياعم حسن دا أنا رامي حبيبك ! ناسي سجاير اللف ياعم حسن !
_ استغفر الله يابني توبنا إلى الله
قال حسن بسرعة لينظر له رامي نظرة مشككة
_ تبت دلوقتي ياعم حسن ! تقبل الله ..
ثم نظر حوله ليرى أنه لا سبيل للدخول ونور لا ترد على الهاتف فاقترب منه وقال
_ طيب ... مش عاوز أدخل ولا عاوزك تعمل أي حاجة .. أنا بس عاوزك تقولها ترد على تليفونها ماشي ؟
نظر له حسن طويلاً قبل أن يعود ويقول
_ ماشي .. بس في حاجة لازم تعرفها ودي جدعنة مني
_ أموت في مواقف الشهامة قول !
قال رامي في حماس واقترب منه ليقول حسن وهو يهمس
_ مدام نور مش هنا كمان ... راحت مع أبوها الشركة هي وأستاذ كريم الصبح !
اتسعت الصدمة في عينيه.... ذهبت للعمل مع والدها ومع كريم!!
قال رامي وهو يعلم تمامًا ماذا يريد ذلك الخبيث
_ كريم !! يابن الكلب ياكريم
_ أنا كمان مش بطيقه .. دمه تقيل ومن امبارح لازقلها !
أضاف حسن ليهز رامي رأسه في غضب وهو يعض على شفتيه ثم تراجع خطوتين ، ضرب الباب بقبضته بعنف، ثم عاد بسرعة لسيارته وهو يخرج تليفونه، واتصل بحماه .. ظل يرن حتى فتح الهاتف فهدر بغضب
_ هو في إيه؟! فين نور؟! إزاي مخليها تطلع من البيت من غير إذني ؟ وإزاي تمنعني أشوفها؟
جاءه الرد من الطرف الآخر بلهجة صارمة
- أنت هتنسى نفسك ولا إيه! أنا أبوها، فاهم؟! تخرج وقت ما تحب، وتيجي وقت ما تحب.. مش محبوسة عندك.
صمت رامي لحظة، ثم أغلق المكالمة بعنف، وهبط الهاتف على الكرسي الجانبي كأنه قطعة نار... وجهه احمر، وعينيه امتلأتا بعتمة متوترة ، لا يرى أمامه سوى اسمه الذي يُمتهن، وزوجته التي تغادر دون أن تبلغه.
قاد سيارته بسرعة، متجهًا إلى الشركة، لا يهم من هناك ولا ما الذي سيقوله... كل ما يهمه هو أن يستعيدها... أن يجعل حماه يدرك أهميته ومكانته في حياتهم وأنه هو زوجها .. هو المسؤول عنها وليس رأفت !
دخل من باب الشركة بخطوات واسعة، لا يُلقي التحية على أحد ، وعيناه تبحث عن ظلها... حتى وقعت عليه فجأة.
كانت نور واقفة هناك، ترتدي ملابس ناعمة ، تلمع عيناها بالحياة، تتحدث مع أحد المظفين وتضحك..
ضحكة بسيطة... لكنها في عينيه كانت طعنة... وعند الاقتراب .. تبين أنه هو نفسه .. كريم اللعين !
توقفت الدنيا لحظة.
الغضب في صدره لم يكن مجرد حريق... بل غيرة مغطاة بشوق، وكرامة تُغتصب على مهل وحماه يمحيه من حياتها بهذا الشكل .
كان يعلم أنها بريئة، ويعلم أنها لا تخونه ، لكنه... لم يتحمل رؤيتها تبتسم لغيره، تُنصت لرجلٍ سواه.. خصوصًا هذا الرجل ..
اقترب بخطوات بطيئة، وجهه متماسك، لكن يده مضمومة، تكاد تُكسر من شدة قبضها
_ أول مرة شوفتك .. مكونتش أعرف ان رأفت باشا عنده بنت جميلة بالشكل ده ..
وقفت نور أمام مكتب كبير يطلّ على إحدى نوافذ الشركة ، تبتسم بخجل وهي تستمع لكريم ، الذي كان يحاول جاهدًا أن يبدو ودودًا ومهذبًا ، لكنه لم يخفَ عن عينيه الذكيتين ذاك البريق الغامض..
_ أنا مش مصدق إنك قررتي تشتغلي هنا، دي حاجة جميلة أوي بصراحة... وجودك في الشركة هيخلّي كل حاجة تنور، ده غير إنك كمان شاطرة، بس مش واخدة فرصتك...
ضحكت نور بتوتر، وهي تحرّك خصلة من شعرها خلف أذنها
_ بلاش مجاملات يا مستر كريم ، أنا لسه مش عارفة أي حاجة، ولسه ببتدي أتعلم من بابا.. وأصلا مش عارفة هكمل ولا لأ..
اقترب خطوة ومازالت ابتسامته على وجهه
_ أنا مش مستر كريم أنا كريم بس ... وبعدين ايه يعني؟ كلنا ابتدينا كده، وأنا في ضهرك، تسألي أي حاجة، هتلاقيني جنبك دايمًا ولازم تكملي علشان تبقي فاهمة في كل حاجة تخص شغلكم !
كان يتحدث بثقة ، بنبرة فيها دفء ظاهري ونوايا مدفونة، وعيناه تتأملان ملامحها بنهم صامت... نور شعرت ببعض التردد، لكن صوت ضحكته المرحة ولباقته جعلاها تخفف من حذرها، فتبادلت معه المزاح بكلمات بسيطة، محاولة الحفاظ على المسافة الآمنة.
وبينما هي تضحك على جملة ألقاها، انفتح باب المكتب فجأة...
دخل رامي.
توقف الزمن للحظة.
عيناه وقعتا عليهما معًا، وكأن كل الدماء تجمّدت في عروقه.
كانت نور تضحك... وكريم واقف قريبًا جدًا منها.
رمش رامي ببطء، ثم تحرك ببطء أشد.
مشى نحوهما، وعيناه لا تفارق وجهها.
ابتسامتها تلاشت فجأة حين رأته.
وكريم التفت ونبرته تغيّرت ..
_ أهلاً رامي ... ولا أقول رامي باشا بقى خلاص ..
زِيف ابتسامته ظهر جليًا لرامي .. فهو منافسه القديم في الشركة ! كان ينافسه على منصبه ..وعلى نور !
اقترب منه كريم ومد يده ليصافحه وعلى وجهه ابتسامته الواسعة التي لم تخدع رامي
_ مفاجأة حلوة دي بصراحة
لكن نظرة رامي لم تكن لمصافحته...كانت معلقة فقط على نور ....
اقترب من نور ثم وقف أمامها فنظرت له نظرة عتاب واضحة وعيونها مليئة بالحزن
_ عاوز إيه؟
سألت برقة ونبرة معاتبة ليهتف من بين أسنانه
_ تعالي معايا
لتقف مجمدة مكانها ليقبض على رسغها فشهقت في ألم قبل أن يشدد على حديثه ثانية
_ تعالي معايا من سكات
_ أنت بتعمل إيه! شيل إيدك مينفعش كدة
قال كريم وهو يرى طريقة رامي الحادة ليلتف له رامي دون أن يترك يد نور
_ أنت تكتم بدل ما اكتمك وازعلك أوي وأنت عارف أنا بزعلك إزاي ..
خافت نور من ملامح رامي وكلامه فنظر لها بعدما أرعب الآخر بطريقته ثم قال
_ ورايا
وما ان التف ليجد حماه في وجهه يناظره بحده ويسأل بعيون مهددة
_ واخدها ورايح على فين ؟
نظر له رامي بغضب شديد لتنزع يدها من بين يديه وتقف في المنتصف تمنع والدها عنه قائلة بصوتها البريئ الخائف
_ بابي خلاص ... أنا هروح معاه ..
_ نور !
_ خلاص يابابي بليز .. دقيقة بس
قالت بعيون مترجية بعدما زجرها والدها ليتدخل رامي منفعلاً
_ انتي بتستأذني منه تروحي مع جوزك !..
_ رامي خلاص .. بليز خلاص !
قالت وهي تنظر له في احباط وارهاق وهي الرقيقة التي لا تعرف كيف تتعامل مع نوبات الغضب الملاحقة لها من جميع الجوانب ...
هدأ رامي هدوء مؤقت فقط ثم اخذته من يديه هي هذه المرة وخرجت به من بينهم فوقف كريم ورأفت يناظران المشهد بشكل من الترقب الممزوج بعدم الرضا ..
الجزء الثاني من الفصل الرابع عشر لمتابعة القراءة اضغط هنا 👇