الفصل العاشر من رواية الرقيقة والبربري
الفصل العاشر من رواية الرقيقة والبربري
عاوزة تفاعل وتعليقات على الموقع يا جواهر الكوكب الأبيض
لو التشجيع كان حلو هنزل فصل كمان بكرة ان شاء الله ❤️❤️❤️💃
_________________________________
عاد رامي إلى المنزل متأخرًا، وقد طغى السكون على كل زاوية فيه، ما عدا عقله المزدحم بصورة شفتيها.... كانت قبلة سريعة، لكنها تركت أثرًا طويلًا، ظلّ يردد داخل رأسه: "قد إيه جريئة... مش زي نور، اللي كل حاجة بتخوفها."
مدّ يده نحو الباب، فتحه بتنهيدة خافتة، وخلع حذاءه ببطء، يحاول كتم ما بداخله... لكنه لم يتوقّع ما حدث بعد لحظات.
ظهرت نور فجأة من قلب الصالة، عيناها مغروقتان بالدموع، وملامح وجهها ترتجف بالخوف والقلق، اندفعت إليه كطفلة ضائعة، وأمسكت بذراعه بعنف مفعم بالحزن.
_ كنت فين يا رامي؟! كنت فين ومش بترد عليا ليه؟! أنا كنت هاموت من القلق!
توقف للحظة، ثم نظر نحوها ببرودٍ مصطنع، وأدار وجهه وهو يقول
_ إيه يا نور؟ كنت راجع في السكة، وعامل الموبايل صامت… مخدتش بالي.
ابتلعت دموعها، وشهقت، ثم رفعت صوتها المرتجف
_ صامت؟! من إمتى وإنت بتعمله صامت؟! أنا كنت برنّ عليك عشرين مرة!
في تلك اللحظة، انطلق رنين الهاتف فجأة، صوت واضح، حاد، مزّق سكون اللحظة... نظر كلاهما إلى الشاشة.
ظهر الاسم "هيفا"
لامعًا… واضحًا… كطعنة ناعمة.
نور تسمرت في مكانها، وأشارت إليه وهي تقول بنبرة مصدومة
_ هو مش صامت أهو؟!
أدار وجهه عنها بسرعة، ورفع الهاتف بارتباك
_ يمكن… يمكن وأنا بشوف الساعة عملته صوت بالغلط.
ولم يُتح له الوقت للتبرير، إذ عاد الهاتف للرنين مرة أخرى، ثم بعدها بلحظات، بدأ في استقبال رسائل متتالية، الشاشة تومض وتنطفئ كأنها تفضح كل شيء.
نور حاولت أن تقترب منه، أن تسأله، أن تفهم… لكن رامي تصرّف بسرعة، خطا نحوها فجأة، وضمها بقوة إلى صدره، يخبئها بين ذراعيه كمن يطرد شبحًا.
_ بس بقى يا نور، أنا تعبان ومش ناقص وجع دماغ… متكبرش الموضوع.
جعل صدره وسادة لها، ويداه تلفانها بحنان مزعوم، بينما عيناه لا تزالان تفكر في غيرها، ونبضه لا يعرف إن كان يشعر بالذنب أم بالضياع.
كان رامي لا يزال يحتضنها، بينما نبضه يخفق بارتباك. ..نور بكت بين ذراعيه لحظة، ثم تراجعت قليلًا لترفع وجهها وتنظر في عينيه برجاء، دموعها لم تجف بعد.
_ كنت برنّ عليك عشان أقولك... أنا عايزة أروح أتطوّع في دار مسنين... عايزة أساعد الناس اللي مالهمش حد... وأخرج شوية من اللي أنا فيه.
ترددت لحظة، ثم أكملت بإصرار طفولي
_ المعلمة بتاعتي قالتلي عليه، وقالتلي إن دا هيخليني أحس إني بعمل حاجة حلوة.
ضاق ما بين حاجبيه، ونظر إليها بنظرة ملغومة، مزيج من عدم التصديق والانزعاج.
_ دار مسنين؟ إيه الهري ده يا نور؟ هو إحنا ناقصين؟
وبعدين إنتي مالك ومال الناس دي؟!
بلعت ريقها، ورفعت يدها تلمس ذراعه، تحاول تهدئته
_ رامي... أنا حاسة اني مسجونه ... وقاعدة لوحدي طول اليوم، ومفيش حاجة بعملها تخليني أحس إني مفيدة...
تنهدت وهو يتابعها بينما تكمل تحاول اقناعه وهي ترى تعابير الرفض على وجهه
_ أنا محتاجة أخرج من دا، أعمل حاجة تنفعني وتنفعهم.
أدار وجهه عنها، نفخ نفسًا طويلًا، ثم قال وهو يمرر يده في شعره بضيق
_ لأ... مش هتروحي.
شعرت بقبضة في قلبها وسألت
_ ليه؟!
_ كده...مش حابب الفكرة، ومش مستريحلها.
حاول أن يكون صوته أهدأ هذه المرة، لكن نبرته كانت حادة كالسيف
_ لو حابة تعملي خير، ابقي اعمليه من البيت.... لكن تطلعي لوحدك، وتروحي مكان زي ده؟ لأ...مش موافق.
تجمدت نور في مكانها، يديها تراجعت عن ذراعه، وعيناها اتسعتا بدهشة حزينة... شعرت كأن كل الحماس اللي كان بيملأها من دقائق، انطفأ فجأة.
رمقته بعيون خافتة، وقالت بهمس
_ أنا كنت متخيلة إنك هتفرحلي...
_ أفرحلك لما تعملي حاجة مفيدة تنجحي فيها بجد مش الهبل دا! شغل ولا وظيفة ولا حتى هواية كويسة مش تضييع وقت على الفاضي !
قال في اذدراء وعقله يقارنها بهيفاء الناجحة في عملها وحياتها ... بينما نور وقفت مكانها في حيرة وإحباط تفكر في كلامه ..
بعدما غير ملابسه اقتربت منه تعرض عليه في تردد
_ الأكل جاهز على السفرة ...
لم يوليها اهتمام وقال بينما كان يهم للنوم
_ أنا هنام
زاغت عينيه وعادت لتسأل في حنان وحيرة
_ والأكل أنت تبعان من الصبح ؟
أعطاها ظهره قائلاً
_لما أصحى..
ثم اغلق النور وخلد للنوم فاقتربت منه تريد سؤاله عما فعلت .. هل اقترفت ذنب في حقه أم ماذا ! ..
لكنها خرجت وتركته يرتاح وأغلقت الباب وخرجت تجلس في الصالة تلاعب قطتها "لولي" كعادتها حتى تهون على نفسها مرارة ما تتذوقه من هجر وجفاء ..
أما في الداخل
مسك رامي هاتفه وكان يكتب عدة رسائل ... قرء رسالة
_ آسفة أوي على إللي حصل .. معرفش أنا عملت كدة إزاي
قالت هيفا لينتظر منها رسالة أخرى تقول
_ أنا عارفة إنك متجوز بس بجد مقدرتش .. حسيت إني عايزة أبوسك أوي!
ابتسم رامي وبدأ يكتب
_ متتأسفيش على مشاعرك .. وبعدين .. أنا كمان حسيت نفس الإحساس
ثم تابع النظر للشاشة وهو يرى هيفاء تتجاوب معه وتبادله الرسائل والحدود بينهما تتبدد مع كل رسالة يستقبلها منها ...
_______________________________________
كان المكتب يعجّ بحركة الموظفين المعتادة، لكن فارس، كانت عينيه على رامي وهيفاء من أول اليوم...لاحظ نظرات، همسات، وضحكات مريبة... حاجبه انعقد أكثر من مرة، وأخيرًا لم يتمالك نفسه.
_ رامي...
صوته خرج حادًا من باب مكتبه المفتوح، فنظر له الجميع في لحظة.
وقف رامي في مكانه، ثم تحرك بخطى مترددة... دخل المكتب وأغلق الباب وراءه.
_ نعم يا فارس؟
نظر له فارس بعيون قوية .
_ إيه اللي بيحصل بينك وبين هيفا؟
رامي تفاجئ بالسؤال المباشر، وحاول أن يتحكم في ملامحه.
_ بيني وبينها؟! مفيش حاجة .. دي زميلة، وبس.
أعطاه فارس نظرة فاحصة، كأنه يقلب كلامه في عقله ، يبحث على الكذبة وسط السطور.
_ زميلة؟زميلة إيه اللي بتقف معاها كتير وبتوصلها بعربيتك وتضحكوا كأنكم أصحاب من سنين؟
رامي رد
_ أنا بس كنت بساعدها، أول يوم ليها، ومكانش ينفع أسيبها تمشي لوحدها... ودا حصل مرة واحدة.
_ بس أنا شايفها مش مرة واحدة ، شايفها كتير ..
تأفف رامي من ملاحقة فارس له ليقول
_ والله يافارس أنا ملتزم جدًا، وهي مفيهاش حاجة... يمكن بس حسيت إنها غريبة شوية على المكان، فكنت بحاول أطمنها.
_ تطمّنها؟
قالها فارس بتهكم، وبعدها اتكأ على مكتبه وقال بصوت منخفض لكن نبرته فيها تحذير
_ رامى !
_ نعم !
قام فارس من مجلسه ثم توجه لمقدمة المكتب وأسند عليه ظهره قائلاً
_ انت ليه عدو نفسك !؟
تفاجئ من حديثه مستفسرًا _ قصدك إيه؟
أكمل فارس _ يعنى .. قولنا مفيش ستات ولا بار وهتبقي من الشغل للبيت وانت مشيت على الكلام صح ، بس سبحان الله يا أخي ، بقيت تروح أى مطعم أو كافتريا أو إن شاء الله حتى تمشي فى الشارع طول الوقت المهم تضيع وقت ومترجعش بيتك بدرى للغلبانه إللى أنت متجوزها ! وفي الآخر دلوقتي عينك على واحدة من الشغل !
تهجم وجه رامى ولم يعد يستطع تحمل تحكمات فارس
_ بقولك إيه يا فارس ، انت مش هتفضل تؤمر فيا على طول ، متذودهاش !!
ضيق فارس عينيه ولم يتحدث فزفر رامى بغضب من ذلك البرود ، تقدم فارس منه ووقف أمامه قائلا
_ أنت بتظلم نفسك ومراتك ، بدل ما تاخدها فرصه وتقرب منها وتقربوا من بعض ، بدل ما انت ليل نهار بتلف ما تاخدها تلف معاك واضحكوا وهزروا وافهموا بعض اكتر _صمت ثم قال بحزن دفين_
_ صدقنى صعب تلاقى فى الزمن دا زوجة ببراءة ونضافة مراتك ، على الأقل صيناك مع انك متستاهلش ، حفظاك وحامية عرضك مع إنك خاين وزباله وفيك كل العبر ، وعلى فكرة هي مش مجبورة على دا ، لو خانتك محدش هيقدر يلومها حتى أنت نفسك !
اشتعلت ملامح رامى من سب فارس الصريح له وذكره لفرضية أن نور من الممكن أن تخونه
_ متدخلش فى حياتى يافارس أكتر من كده ومتجبش سيرة مراتى تانى !!
رفع فارس حاجبه بسخرية _ الله البيه بيغير ولا أى ؟ طب ابقي راجلها الأول وجوزها بجد وابقي غير ع الأقل بعدها هبقي اصدقك _اقترب منه ووضع يده على كتفه _ الحق نفسك وانقذ بيتك ، ادي لنفسكوا فرصه ، بقي مراتك وحلالك متستاهلش فرصه واحدة بس !! صدقنى غيرك يتمنى انه يبقي عنده واحده صيناه وتقف جمبه وتساعده ، رامى صدقنى أنا عاوز مصلحتك ، أرجع لمراتك ... مشاعرك ووقتك إللى ماشي توزعهم هنا وهناك خليهم ليها هى وبس واهدى ، أنا مش عارف انت ازاى تسيبها وتروح تتسرمح مع شوية ستات معندهمش شرف _صمت فارس بعد إشتعال كلماته ،يتحدث وهو يتألم ، شمس بها كل الصفات السيئه ولكنه إلى الآن لم يخنها ، أكمل فارس بعدما هدأ قليلاً _ ... ادى لنفسك وليها فرصه تعيشوا وتصلحوا إللى بينكم ، وبطل خيانه بقي وشغل الحيوانات المقرف دا !
بدى على وجه رامي التأثر ليقول فارس
_ أنت باقي اليوم off .. روح البيت وفكر في كلامي كويس ..
لم يعرف رامي ماذا يقول لكنه لأول مرة .. يجذبه كلام فارس عن حياته بهذا الشكل!
___________________________________
كانت قطرات الماء تنساب فوق كتفيها بخفة، تتسلل من خصلات شعرها المبللة وتلامس بشرتها البيضاء برقة...
أنهت نور حمامها القصير، وفتحت باب الحمام بخطى بطيئة وهي تُلفّ جسدها بفوطة صغيرة لم تُحكم ربطها جيدًا، لتجد أن لولي، قطتها الصغيرة، قد تسللت إلى الحمام في غفلة منها وارتبكت بين الزجاجات والأرفف، وأسقطت عبوة الشاور جيل على الأرض وتلطخ وجهها وجسدها ..
_ يا لولي! انتي تعورتي؟! تعالي هنا يا بنتي...
ركضت خلف القطة وهي لا ترتدي سوى تلك الفوطة، تتنقل حافية على أرضية البيت الباردة.
كانت لولي تختبئ أسفل الكنبة في الصالة، بينما نور تنحني بأقصى ما تستطيع، تحاول الإمساك بها بحذر، وتهمس
_ ما تتحركيش بقى، تعالي هنا، ياربي البرودكت ممكن يأذيكي بليز اطلعي يا لولي
في اللحظة نفسها، دار مفتاح الباب.
دخل رامي إلى البيت بخطوات مرهقة، وعيناه نصف مغمضتين من التعب... ألقى بحقيبته على الأرض، ومد يده ليفك زرار قميصه، حينما توقفت نظراته فجأة.
كانت أمامه، منحنية أسفل الكنبة، بفوطة خفيفة لا تُخفي شيئًا تقريبًا... كتفاها مكشوفان، وفخذاها تبرزان من تحت حافة القماش، وجلدها يلمع بلون الثلج المبلل، وشعرها الأسود يلتصق بعنقها، يقطر مياها.
لم تصدر منه كلمة... فقط وقف مكانه، يحدق. جف حلقه، وارتفع صدره وهبط مرتين في صمت.
نور لم تنتبه بعد... كانت غارقة في خوفها على قطتها، لم تعلم أن شيئًا آخر يتحرك خلفها... نظرات مشتعلة، ونفس ثقيل، ودهشة شهوانية صامتة.
ثم همس لنفسه، بنبرة ماكرة منخفضة
_ يا نهار أبيض...
ثم تأمل أكثر فتشرست نظراته ومعها نبرته وهو يتمتم كالتائه في بحر المتعة
_ وأحمر !
__________________________________
تعليقات كتير على الموقع وآراء وهنزل الفصل الجديد علطول 🔥❤️
نهاية الفصل