اقتباس من رواية الخادمة الصغيرة الجزء الثاني
نزلت العجلة الأمامية من العربية بهدوء على طرف الأسفلت الجديد ، ولفت نسمات خفيفة في الهوا كأنها بتحاول تفتّش في الوجوه عن ذكريات قديمة.
كانت قاعدة في الكرسي الأمامي، عينيها متسمّرة على الطريق اللي عمرها ما كانت تتخيله بالشكل ده. كانت بتفتكر تراب بيطير، طين لازق في الجزمة، عيال بتجري حافية، وصوت بنت عمها الكريهه بيناديها.. لكنها دلوقتي شايفة طريق أسفلت قوي ومستوي وعلى جانبيه أشجار فاكهة وأشجار ورد ...
وهو قاعد ساكت ، نظافة الطريق والمباني ومعمارها الجديد والبسيط في نفس الوقت واللي حافظ على الطابع الريفي لكن بشكل أحدث خلاه يشك انهم تايهين !
العربية وقفت عند بيتهم اللي لسة زي ماهو من سنين ، نزل من العربية ببطئ يبصله وعينه فيها حنين وفضلت هي جوه العربية وكأنها خايفة تنزل .. رغم قوتها وشجعاتها إلا إنها مقدرتش تنزل !
رجل بسيط من البلد ، لابس جلابية مكوية ونضيفة، قرب من باب العربية وفتح لهم، وابتسم وهو بيمد إيده للشنط.
قال بهدوء
_ حمدلله على السلامة يا دكتور
كان عارفه وسلم عليه وحضنه مع انه مشافوش من سنين لكنه كان بيتواصل معاه وطلب منه تنظيف البيت وتجهيز المقابر لدفن جثة أمه زي ما طلبت انها تندفن جنب أبوه في البلد
وبعد السلام قال الراجل
—ما تقلقش يا دكتور مازن... الحاج عمل كل حاجة، البقاء لله.
اتنهد مازن ورد بحزن امتزج بالرضا وتقبل الأمر الواقع
— حياتك الباقية... بس الحاج مين؟
الراجل فرد كتافه كأن الإجابة بديهية
— الحاج جلال، الله يكرمه، ما سابش حاجة ناقصة
اللحظة اتجمّدت.
اللي في العربية بصّت لمازن بسرعة، ملامحها اتبدّلت، عينيها وسعت كأن الزمن رجع ووقفها في لحظة هروبها، في الليلة اللي سابت فيها كل حاجة.
قالتها بصوت واطي، مش مصدقة
— الحاج جلال مين؟