الجزء الثاني من الفصل الواحد والعشرون رواية الرقيقة والبربري

 الجزء الثاني من الفصل الواحد والعشرون رواية الرقيقة والبربري 


الجزء الثاني من الفصل الواحد والعشرون 


في الشارع الخلفي الضيق ، حيث أوقفت هيفا سيارتها في زاوية لا يراها فيها أحد...يداها تعبثان بعصبية في هاتفها، ترسل الرسائل تلو الرسائل لرامي... تهدده، تتوعده، تُثير كل ما يمكن أن يشعل قلبه خوفًا أو قلقًا.


لكن رامي لم يأتِ... 


ظلت عيناها على مرآة السيارة الجانبية، ترقب الطريق في توتر، وكل دقيقة تمر تزيد غليانها الداخلي.


وفجأة... لمحت ظلًا يقترب.


ابتسمت بسُمّ، وهمست لنفسها 


_ أخيرًا...


لكن ما إن اقترب الظل بدرجة كافية حتى تجمدت ملامحها.


لم يكن رامي.


كانت نور.


نور... واقفة أمام باب السيارة، بهدوء مُرعب، ببساطة خادعة... عيناها لا تحملان سوى يقين صادم.


هبّت هيفا تفتح الزجاج الجانبي بسرعة 


_ إنتي؟! إنتي بتعملي إيه هنا؟!


_ أنا اللي المفروض أسأل السؤال ده مش إنتي... مستنية جوزي ورا بيتي ليه ؟!


حاولت هيفا أن تتماسك، أن تستعيد ثقتها، لكنها فشلت. الكلمات خرجت منها متخبطة 


_ بصي يا نور أنا... أنا كنت بس عاوزة أوضّحلك حاجة!..


_ توضحي إيه ؟ انتِ قاعدة بتبعتي تهديدات على الواتساب لجوزي وتستنيه ورا بيته وعوزاه يجيلك وتقوليلي ووضحيلس ؟!


شهقت هيفا من وقع الكلمات، ثم قالت بنبرة حادة 


_ أيوه! عشان لو كنتي فاكراه ملاك، تحبي أقولك هو كان عامل إزاي معايا ؟!


_ عارفة... وكل اللي هتقوليه أنا عرفاه وسمعته 


انصدمت هيفا .. لم تكن تتوقع هذه الخطوة .. لكنها فورا فهمت أن رامي نقذ نفسه وحكى لها حكاوي مغلوطة .. لتقول 


_ وصدقتيه ؟ 


قالت نور بثقة 


_ أيوة صدقت جوزي .. أمال هصدقك أنتِ ! 


لم تحتمل هيفا لتقول مندفعة 


_ جوزك كداب وكان بيقربلي علطول وعلى فكرة لو متعرفيش فهو عينه عليا من أول يوم جيت فيه الشركة !متصدقيهوش أوي كدة عشان هو لا وفي ولا راجل ينفع تأتمنيه على أي حاجة في حياتك ! صدقيني أنا .. جوزك بصاص وخاين يا نور ومش بيحبك ولا شايفك ست تقدر تغريه 

 


شعرت نور بالإهانة والصدمة والاستفزاز ! رغم أنها لا تصدق ولا كلمة مما قالت لكن شيئ داخلها تأذى للغاية لكنها لم تصعف واقتربت من زجاج سيارتها وقالت في احتقار 


_ أصدقك أنتِ ! .. أنتِ بعد كلامك دا أكدتيلي إني كان لازم أصدقه هو ... صدقته عشان هو بريء وأنتِ كدابة وخطافة رجالة .. مش مكسوفة من نفسك وانتي بتتحايلي عليه ينزل يجيلك عربيتك ويسيب مراته ! إزاي أخلاقك بالشكل دا !! 


ارتبكت هيفا، نظرت حولها كأنها تبحث عن مخرج، لكنها لم تجد...


نور لم تكن تلك الطفلة المذعورة التي يمكن إخافتها برسالة أو كذبة... كانت تقف بثبات أمامها ثم قالت 

بعدما اقتربت نور خطوة من السيارة، وقالت بهدوء ناري 


_ أنا مراته... وأنا اللي هافضل مراته.. ولو بتلعبي على جوزي فانتي إللي بنت مش كويسة ووحشة ! 


اقتربت نور خطوة أخيرة من نافذة السيارة، وانحنت قليلًا لتواجه هيفا وجهًا لوجه، بنظرة ثابتة لا تقبل المساومة.


_ وآخر حاجة علشان نبقى متفاهمين ... متقربيش لجوزي تاني... ولا تبعتيله رسايل ولا تستنيه لا في شغل ولا غيره ، ولا حتى تنطقي اسمه على لسانك دا ! وأنا هعتبر ان اللي حصل دا محصلش خالص .. 


صمتت للحظة، ثم قالت بنبرة خافتة لكن تحمل تهديدًا واضحًا 


_ علشان أنا هزعلك... بجد.. 


نظرت لها هيفا بذهول، عاجزة عن الرد، وكأنها فجأة رأت النسخة التي لم تتخيل في حياتها أن تراها أو تتوقعها من نور .. 


ابتسمت نور ابتسامة صغيرة، فيها أنوثة وقوة وسخرية، واستدارت بهدوء، تسير بخطى ثابتة، وكل خطوة منها كانت تسحق غطرسة هيفا تحت قدميها


تركتها هناك... غارقة بين قهر الهزيمة ومرارة ما حدث لها .. لم تتخيل أن رامي سينقذ نفسه وأن يرسل زوجته بدلاً من أن يذهب هو ! ... 




-___________


كان واقفًا عند أول الشارع، قلبه معلق بخطواتها التي غابت منذ دقائق خلف المباني بعدما طلبت منه أن ينتظرها هنا وألا يأتي معها ...


 توتره كان واضحًا في أصابعه المشدودة ونظراته المتوترة التي تتنقل بين السيارات المارة والوجوه الغريبة... لم يكن يعرف ما ينتظره، ولم يكن يثق كثيرًا في نتيجة هذه المواجهة... كانت هيفاء مثل النار… وإن اشتعلت أمام نور، فلا أحد يعلم ما الذي يمكن أن يحدث.


وفجأة، لمحها...


نور، تمشي نحوه بثبات مدهش، وجسدها مستقيم، ووجهها هادئ، لكن عينيها تشي بالقوة.. في تلك اللحظة، أحس رامي كأنه يراها لأول مرة، بشكل مختلف تمامًا.. لم تكن تلك الفتاة التي تخجل وتخاف … بل كانت الآن امرأة تعرف تمامًا كيف تكون قوية .. 


اقتربت منه حتى وقفت أمامه، وابتسامة صغيرة على طرف شفتيها.


_ خلصت.


قالت ذلك بهدوء وهي تنظر في عينيه بثقة.


_ خلصتي؟!… عملتي إيه؟


سألها وهو لا يزال مذهولًا، وصوته يحمل بقايا القلق الذي لم يغادره بعد.


_ قلتلها ما تقربيش لجوزي تاني بعد ما قولتلها كلام صعب أوي وقولتلها انها وحشة وخطافة رجالة كمان … قولتلها بالحرف كده، ومشيت.


ظل ينظر إليها في صدمة صامتة، كأن عقله لم يستوعب بعد ما سمعه.


_ قلتي كده؟! انتي قلتي كده بجد؟!


_ أيوه يا رامي… دي كانت عايزة تظلمك وتخليني أصدق حاجات مش حقيقية ووحشة أوي عنك وتبعدنا عن بعض … بس أنا صدقتك إنت.


تقدم خطوة نحوها، وعيناه تلمعان بشيء بين الدهشة والفخر والحب.


_ كانت عاوزة تظلمني…


قالها بصوت خافت، فرفعت يدها ولمست خده بحنان وهي تهمس 


_ كانت عاوزة تظلمك يا حبيبي… بس أنا مش هسيب حد يظلمك تاني، ولا حتى بابي .. أنت إللي لقيتني لما توهت وأخدت بالك مني ووقفت شغلك وحياتك علشاني ! وفي الآخر كدة عاوزين يظلموك! 


ابتسم في وجهها، ونبرة الدعابة تشق طريقها إلى صوته 


_ آه والله… أنا دايمًا مظلوم… مظلوم كده على طول!


ضحكت، ومالت برأسها عليه، بينما كانت خطواتها تعني أكثر من مجرد مشي… كانت تقترب منه عن وعي، هذه المرة كأنها اختارت أن تكون معه بالفعل دون خوف ..  


_ دلوقتي نقدر ناخد اجازتنا سوا واحنا مرتاحين..


أمسك بيدها، وضغط عليها قليلًا، ثم ضمها إلى صدره وهمس قرب أذنها 


_ الظاهر كدة نوري بقت قوية أوي وبقت هي إللي بتحميني 


لم تجبه… لكنها ابتسمت ودفنت رأسه في عنقه قبل أن يضع زراعه في خصرها ويسيران بخطواتهما المتأنية نحو المنزل ... 


عقب عودتهما حملوا الحقائب وأخذها رامي بسرعة للسيارة لينطلق لوجهته ... ليقضي مع نور أيام في نهر الليل .. ليجدد نسيمه البارد أيامهما ... 



---










تعليقات