الفصل التاسع والثلاثون من رواية عشق أولاد الزوات

 الفصل التاسع والثلاثون من رواية عشق أولاد الزوات


عشق أولاد الذوات:

_ فكرتي في أسماء للولاد ؟ 


سأل فواز بعد صمت طال يهدهدها فيه وهي مستمتعة بحضنه ورائحة جسده التي تعشقها هدأتها ورغم غضب رنيم الحبيبة منه إلا أن رنيم الأم احتاجت أن تشعر بحنان والد أطفالها عليها في هذه اللحظات الحرجة ..  


هزت رأسها بالنفي وقد شعرت أن هذا الأمر غاب عليه تماماً في وسط الهموم ليشعر بجزنها ثم قال


_ أنا بفكر نسمي إللي يتولد الأول زين 


_ دا على جثتي ! 


هتفت رنيم في غضب ليضحك فواز فقد أراد مشاكستها على أي حال


_ خلاص خلاص .. 


 _ بفكر أسميه محمود ! 


ردتها له رنيم في خبث ليهدر هو بغضب شديد 


_ دا علشان أرجعه بطنك تاني ! 


تظاهرت بالبراءة قائلة _ دا حتى اسم جميل 


_ دا اسم زي الزفت 


ضغط على أسنانه في غضب لتضربه في صدره بقبضة يدها في عنف ليتفاجئ بتغيرها فجأة فشعر أنه أذاد الأمر فقال 


_ حبيبتي .. لما ييجوا ربنا هيحلها .. حاولي تنامي وترتاحي شوية .... 


وكأنها كانت تتوق لتسمع هذه الجملة فمن شدت التعب غرقت رنيم في النوم بين زراعيه ! 


ودون أن تدرك، استندت بجسدها كله عليه ، وأغمضت عينيها. كانت تبحث عن لحظة من السلام، عن ملاذ من كل الضغوط والمشاعر المتراكمة. 


فواز شعر بحرارتها، تلك اللحظة التي كانت تبدو بسيطة لكن مشحونة بكل ما فقداه بينهما. لم يحرك ساكنًا، لكنه شعر بأن جسده استجاب بشكل لا إرادي، فاحتضنها بحذر، وكأنها الشيء الوحيد الذي يمكن أن يضمد جروح قلبه.


رنيم استسلمت للنوم في حضنه، وكأنها عادت إلى المكان الذي طالما شعرت فيه بالأمان. فواز نظر إليها، شعر بلمحة من الراحة التي غابت عنه منذ فترة طويلة. لم يكن يعلم ماذا سيحدث غدًا وحاول أن ينحي قلقه وخوفه عليها جانبًا فهو لا يعلم ماذا يخبئ له الغد ...ع فكل ما كان يريده الآن هو أن يبقى هكذا، يحتضنها بينما تشعر بالأمان، وكأن الزمن توقف ليعطيهما فرصة جديدة، حتى لو كانت مجرد حلم قصير في حضنٍ دافئ.


في اليوم التالي أخذها فواز للمستشفى وقد أتى موعد الولادة 


في تلك اللحظة التي نقلوا فيها رنيم إلى المستشفى، كان فواز يشعر وكأن العالم بأسره يدور حوله بسرعة، بينما قلبه يدق بلا توقف، وكأن كل خلية في جسده ترتجف تحت وطأة القلق والخوف. لم يكن مجرد توتر عادي، بل كان خوفًا عميقًا ومشاعر متداخلة، فقد كان على وشك أن يصبح أبًا لأول مرة، والأمر لم يكن مجرد مسؤولية جديدة، بل كان حياة أخرى تنتظره، حياة كانت تعتمد على لحظات قادمة قد تغيّر كل شيء.


وقف فواز في ممر المستشفى، يمشي بخطوات سريعة ذهابًا وإيابًا، يمسك رأسه بيديه كمن يحاول تهدئة عاصفة تجتاحه من الداخل. لم يكن هذا مجرد ولادة، بل كانت رنيم، حبيبته، روحه، التي طالما تمنى أن تكون بجانبه في كل لحظة مهمة في حياته. ورغم كل ما حدث بينهما، لم يتوقف يومًا عن حبها، والآن كان الخوف من فقدانها يمزقه.


كان أبوه يقف بجانبه، واضعًا يده على كتفه في محاولة لتهدئته، ورغم أن فواز شعر ببعض الدعم من هذه اللمسة الأبوية، إلا أن قلبه لم يهدأ. كانت أمه تقف بجانبه أيضًا، وعيناها مليئة بالحنان والقلق، تهمس بالدعاء في سرها، تطلب من الله أن يحفظ رنيم وأن يكون المولود بخير. إخوته أيضًا كانوا هناك، يتبادلون النظرات القلقة والهمسات في محاولة لتخفيف التوتر الذي يملأ المكان.


لكن كل هذه الوقفات، كل هذه التطمينات، لم تكن كافية لتجعل فواز يهدأ. كان القلق يسيطر على عقله وقلبه، كان يشعر وكأن روحه على المحك، وكأن العالم يتأرجح بين يديه، وكان عاجزًا عن فعل أي شيء. كان يرى كل لحظة بينه وبين رنيم، كل ضحكة، كل خلاف، كل اعتذار، وكأنها تمر أمام عينيه كشريط ذكريات سريع، وفي تلك اللحظة، أدرك كم هو بحاجة لأن تكون بخير، ليس فقط لأجل طفلهما، بل لأجله هو، لأجل تلك اللحظات التي ضاعت منهما والتي كان يتمنى لو يعود بها الزمن لتصحيحها.


نظر إلى الباب المغلق لغرفة العمليات، ودعى في سره دعوات خافتة، ربما لم يكن اعتاد على الدعاء من قبل، ولكن في تلك اللحظة، كان يحتاج لأي شيء يخفف عنه هذا الشعور الثقيل، أي شيء يعده بأن رنيم ستكون بخير، وأنه سيكون أبًا لأطفال يرون النور، ويرون الحب في عينيه وعينيها.


حينما رأى احدى الممرضين يخرج من الغرفة، شعر وكأن قلبه توقف لثوانٍ، كانت تلك الثواني كافية لأن يشعر بكل القلق والخوف والحب الذي حمله طوال شهور. هرع نحو الممرض، وعيناه تترقبان كل كلمة تخرج من فمه.


كانت الأمور تسير على ما يرام حتى جاء احد الممرضين فجأة إلى فواز وهو يحمل ملامح جادة، عيناه تنطقان بما لم يجرؤ لسانه على النطق به فورًا. نظر فواز إلى الممرض، عيناه مليئتان بالقلق، وعقله ينهار من كثرة الأفكار والاحتمالات. لم يحتمل فواز تلك الثواني الطويلة التي تفصل بين كل حرف ينطقه الممرض، وكأن الزمن قد تجمد في مكانه.


قال الممرض بهدوء، محاولًا أن يسيطر على الموقف  


_ المدام محتاجة دم حالًا، وفصيلة دمها نادرة. لازم نتصرف بسرعة. 


شعر فواز بصدمة تضربه، وكأن الأرض قد انسحبت من تحت قدميه. دون تردد، رفع يده بحزم 


_دمي زي دمها، خد مني، أنا هتبرع ليها. 


رد الممرض متفاجئًا بعض الشيء من سرعة استجابته 


_متأكد؟ ممكن يكون عندك مشكلة، لازم نفحصك الأول.


لم يكن فواز في حالة تسمح له بالتفكير، كل ما كان يهمه هو إنقاذ رنيم. قال بصرامة


_ ما عنديش أي مشكلة، اعمل اللازم، المهم رنيم تبقى كويسة. لو عايز تاخد كل دمي خد، بس خلصني بسرعة. 


لم ينتظر المرض كثيرًا، طلب من فواز أن يتبعه إلى غرفة التبرع. وبينما كان يجلس على الكرسي، شعر ببرودة في أطرافه، لكن قلبه كان يدفعه بإصرار. كان يرى وجه رنيم أمامه، يتذكر لحظاتهم السعيدة والحزينة، وكيف وصلوا إلى هذه النقطة. وفي تلك اللحظة، لم يكن هناك شيء أهم من أن ينقذها، أن يعوضها عن كل خطأ وكل ألم.


بينما بدأت الممرضة في تجهيز فواز للتبرع، سألته بصوت ناعم، محاولة تخفيف التوتر الذي كان واضحًا على ملامحه 


_ ان شاء الله خير متقلقش 


أجابها فواز، وعيناه مغرورقتان بالدموع 


_ ان شاء الله .. 


بدأ التبرع، وشعر فواز بوخزة الإبرة تدخل في ذراعه، لكنها لم تكن مؤلمة كما كان يتوقع، ربما لأن الألم الحقيقي كان في قلبه، الذي لم يتوقف عن الدعاء في صمت، أن تعود رنيم إليه بسلام، أن يراها تفتح عينيها وتبتسم، أن يحتضنها ويخبرها كم هو آسف وكم هو بحاجة إليها.


بعد انتهاء التبرع، نظر إليه الممرض  


_عملت اللي عليك، الباقي على ربنا.


شكره فواز وأحس بالدموع تملأ عينيه، ليست دموع خوف فقط، بل كانت دموع امتنان وأمل. عاد إلى الممر ليجلس بين أهله، ينتظر أن يخرج الطبيب ليبشرهم بأن رنيم تجاوزت الخطر، لكنه في تلك اللحظة كان قد أيقن شيئًا واحدًا: رنيم لم تكن مجرد حب قديم أو أم لأطفاله، كانت جزءًا من روحه، وحياته لن تكتمل بدونها.



______


مرّت اللحظات كأنها دهر، كل ثانية كانت تُثقل على قلب فواز وهو ينتظر خبر سلامة رنيم وأطفالهما. أخيرًا، خرج الطبيب بابتسامة مطمئنة، وعيناه تلمعان بتلك البشرى التي كان فواز ينتظرها. قال الطبيب بحماس 


_ الحمد لله، رنيم بخير، والأطفال كمان. ربنا رزقك بتوأم ولدين ! 


لم يتمالك فواز نفسه، الدموع تجمعت في عينيه دون سابق إنذار، كأنها تحررت من عبء شهور طويلة من الألم والانتظار. سقطت دمعة من عينه، وهو يضحك كطفل صغير وجد لعبته المفقودة، وكأن كل شيء بدأ يعود إلى مكانه، وكأن الحياة منحت له فرصة جديدة، وهدية لم يكن يتوقعها.


دخل فواز إلى غرفة الولادة تاركًا أهله في الخارج الفرحة تحتلهم ، قلبه يرقص بين أضلاعه، ووجد رنيم مستلقية على السرير، مرهقة لكن وجهها يشع بنور الأمل والسلام. اقترب منها، وقبل جبينها بلطف، هامسًا 


_ حمد لله على السلامة يا رنيم.


ابتسمت رنيم له ابتسامة صغيرة في وهن 


ثم نظر فواز إلى الجهة الأخرى من الغرفة، حيث كان أطفالهما موضوعين في الأسرّة الصغيرة، ملائكة صغار بملامح بريئة، وكأنهما قطعة من الجنة أُرسلت لهما. تردد في الاقتراب، ويداه ترتجفان من فرط المشاعر. كيف يمكنه أن يلمس هذه الأرواح الصغيرة؟ كيف يمكنه أن يحمل هذه الأمانة بين ذراعيه؟


اقترب ببطء، لم يصدق أن هذه الكائنات الصغيرة هي حقًا أطفاله. مد يده بحذر، ولمس يد ابنه بلطف، كانت صغيرة وهشة، لكنه شعر بدفء ينبض منها، دفء الحب الذي يملأ قلبه للمرة الأولى بهذه القوة. "ده ابني... ده ابني!" قالها باندهاش وفرحة، وكأن الكلمات لم تصدق بعد.


نظر إلى ابنه الثاني ، ومد يده الأخرى ليلمس خده الناعم، شعر بالرهبة تعتريه، كأنما يخشى أن يفسد هذه اللحظة بأدنى حركة. ابتسم بتوتر وهو يهمس 


_أنا مش مصدق... ده أنا أبوكم. 


كانت اللحظة ساحرة ومخيفة في آن واحد، فواز الذي كان معروفًا بصلابته وجديته، وجد نفسه أمام مشاعر جديدة لم يختبرها من قبل. الخوف من أن يكون أبًا جيدًا، الخوف من أن يحملهم ولا يعرف كيف يحميهم من العالم، الخوف من أن يخذلهم كما خذل رنيم في السابق. 


وقفت أمه بجانبه، وربتت على كتفه قائلة 


_ما تخافش، ده شعور كل أب أول مرة يشوف ولاده. هيعدي، وهتكون أحسن أب ليهم... ورنيم هتكون أحسن أم.. حمدلله على سلامتك يا رنيم والف مبروك 


ابتسمت لها رنيم لتقول فوزية _ شيلهم يا فواز 


توتر فواز وقال _ اشيلهم ازاي دول صغيرين أوي 


_ امسك يلاا شيل ولادك 


قالت في تشجيع وسعادة ثم حملت الأطفال في حرص 


ورفعت واحد تلو الآخر تناولهما لفواز ليأخذ كل واحد على زراع 


أخذ نفسًا عميقًا، مد ذراعيه بحذر ليلتقط ابنه بين يديه، شعر بوزنه الخفيف وكأنما يحمل الريشة، لكن قلبه كان يشعر بثقل المسؤولية والحب الكبيرين. ضم الصغير إلى صدره، وهو يغمض عينيه، محاولًا أن يسيطر على رعشة جسده. 


ثم نظر إلى رنيم، وعيناه تلمعان بالدموع، وكأنهما يقولان كل شيء دون الحاجة إلى الكلمات. 


_شكرًا يا رنيم... شكرًا على كل حاجة. 


 كانت رنيم تنظر إليه بإعجاب، وكأنها تراه للمرة الأولى، الأب الحنون الذي كانت تأمل أن تراه يومًا.


كانت هذه اللحظة هي البداية الجديدة، البداية التي كانا يحتاجانها ليجمعا شتات حبهما مرة أخرى، مع صوت بكاء أطفالهما، الذي كان أجمل موسيقى سمعها فواز في حياته.


نهاية الفصل الكيوت🤗❤️

إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
”نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.“
لا يتوفر اتصال بالإنترنت!
”يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت ، يرجى التحقق من اتصالك بالإنترنت والمحاولة مرة أخرى.“
تم الكشف عن مانع الإعلانات!
”لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك.
تُستخدم العائدات التي نحققها من الإعلانات لإدارة موقع الويب هذا ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.“
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.