الفصل السادس من رواية ابنة الراقصة

 الفصل السادس من رواية ابنة الراقصة 



إبنة الراقصة:
** الفصل السادس ***

** ٦ *** 

______ 

خرج هارون من الصباح ولم يعود إلى الآن لتدخل نبيلة على الجدة وتسألها في قلق

_ متعرفيش هارون فين يا حجة ؟ 

كانت شوق كعادتها منذ ثلاثة أيام تلازم جدتها ولا تفترق عنها إلا عند النوم وأخذ كلام نبيلة تركيزها لتقول ماجدة

_ في مشوار يا نبيلة 

_ مشوار إيه دا ؟ .. مشوار إيه إللي من صباحية ربنا لحد اللحظادي 

_ مانتي عارفة يا نبيلة جوزك مبيحبش حد يسأله رايح فين وجاي منين

_ بس بيقولك ! .. عشان خاطري يا حجة قوليلي أنا رنيت عليه ميت مرة مردش عليا .

شوق كانت تتصنت لكل حرف في انتباه تام وكأنها تجمع معلومات ما عنه وعن حياته لتفهم شخصيته أكثر..  تنهدت الجدة ثم دعت نبيلة للجلوس وما إن جلست كتى قالت لها في هدوء 

_ جوزك راح عند يسرية !

يسرية زوجته الثانية ! .. تغيرت معالم وجه نبيلة لأخرى غاضبة ثم قالت 

_ رايح يرجعها بعد ما سابتله البيت وهجت ولا يكونش عاوزها ترضى عنه 

لهجة نبيلة لم تعجبها وحتى حديثها بهذه الجرءة عن هارون وفي وجهها جعلت ماجدة تنظر لها في خطر قائلة 

  _ رايح يطلقها ! ولو متهدتيش ولميتي نفسك هيطلقك انتي كمان ومفيش حاجة تخليه يمسك فيكي ولا فيها !

شعرت نبيلة بالخوف من تلميحاتها لتقول

_ شكرا يا حاجة كتر خيرك 

ثم خرجت في غضب من الغرفة رغم معرفتها أن زوجها سيطلق ضرتها إلا أن تهديد ماجدة لها كان واضح وصريح .. 

أما شوق فظلت صامتة منصدمة مما عرفت ! ... يطلق زوجة من زوجاته ! أمر كاد أن يقتلها من الفضول والحيرة 

في المساء وأثناء التجمع العائلي بقى ماهر يتلاشى النظر إلى شوق رغم تلميحات الجدة له بأن  يبادر ويرحب بها حتى شعرت شوق بالحرج لتقول الجدة 

_ مش هتسلم على بنت أخوك يا ماهر ؟ 

نظر ماهر لماجدة ولم يرفع عينه على شوق ثم عاد للصمت وكأن نظراته قالت الكثير لتنظر له شوق نظرات متوارية غامضة لكنه مازال على نفس وضعه ولم يلقي عليها ولو نظرة .. 

قالت جيهان 

_ أهلا يا شوق 

نظرت لها ماجدة نظرات مستنكرة حزينة لتبادلها جيهان إبنتها في جمود وكأنها تخبرها أنهم حتى لو رحبوا بها بالكلام فقلوبهم لن تقبلها ... 

_ بتدرسي إيه يا شوق ؟ 

سأل أحمد وبسؤاله أخرج الجميع من صمت موتر لصمت أسود !

بُهتت ملامح شوق ورفعت رأسها ولم تعرف بماذا تجيب وهنا سألت الجدة 

_ صحيح يا شوق أنا مسألتكيش ؟ بتدرسي إيه ؟

قال إبراهيم  وهو يراها صامتة 

_ مبتتكلميش ليه يا شوق ؟ 

بقت كما هي وأسماء وهدير وعبدالله مترقبون للإجابة وحتى عمتها جيهان والجميع فتوترت وما ان همت أن تجيب حتى دخل هارون من الباب الواسع وقال 

_ وهي الرقاصة هتدخل بنتها مدارس ! 

رفعت شوق نظرها له وبقت تتأمله ليقع نظره عليها ويجد الحزن مرتسم على تقاسيم وجهها ليجلس دون تعبير ومالت شفتي ماهر ساخرًا لكن ملامح الضيق ظهرت على وجه إبراهيم والبقية من هذه الإهانة 

قالت الجدة في حزن 

_ بنت إيهاب لازم تتعلم 

شعرت بنظرات السخرية تنهال عليها لتخرج عن صمتها أخيرًا وتقول 

_ أنا متعلمة يا ستي .. أنا معايا دبلوم صناعة .. ودرجاتي حلوة وينفع أدخل كلية بس أنا مكملتش عشان مصاريفها هتبقى غالية علينا 

_ وأمك معرفتش تجمع مصاريف ؟ دا بيقولوا انهم بيكسبوا حلو أوي . 

قالت جيهان لتنظر لها شوق بعيونها البراقة ثم صمتت ونظرت صوب هارون لتجده يراقبها بنظرات متحفزة لتدرك هنا أن الجميع ضدها ليتدخل أحمد وهو يرى هجومهم عليها 

_ ماما لو سمحتي الكلام دا مينفعش  ... شوق بنت عمي إيهاب زيها زينا 

_ لأ زيها مش زينا ! .. بنت الرقاصة عمرها ما هتكون زيها زينا يا حبيب أمك 

قالت جيهان كلماتها في غضب وصراحة ثم قامت من مجلسها ورحلت لتتبعها إبنتها أسماء بخطوات حذرة ونظرت الجدة لها بعدم رضى لما يحدث ثم قالت غاضبة 

_ عياركوا فلت !  ... كلكوا عياركوا فلت 

وضعت شوق يدها فوق يد جدتها وقالت 

_ خلاص يا ستي محصلش حاجة .. بعد إذنك 

قالت كلمتها الأخيرة ولم تستطع منع نفسها من البكاء فوضعت يدها على شفتيها ثم وقفت هاربة من هذا الوسط لتضرب الجدة بعصاها الأرض وتنظر للرجال من حولها وتقول 

_ عاجبكم ؟ ذنبها إيه البت الصغيرة تتعذب كدة مش كفاية يتيمة وعاشت تحت جناح مرة ! 

قال ماهر في غضب 

_ يا حاجة أنا مش طايق أشوفها .. كل ما أشوفها أفتكر أمها الوسخة بس 

اتفق هارون وهو يقول في غل 

_ وانا طول ما أمها مش في ايدي هفضل كاره أبص في وشها .. البت دي نطفة نجسة 

لتقول الجدة 

_ افتكروا إيهاب اخوكوا اللي سايبلكم بنت أمانة في رقبتكم .. تقوموا لما تلاقوها تعاملوها بالشكل ده ! لأ يا رجالة مش دا الموقف إللي استنيته منكوا  

_ أنا مع جدتي يا بابا .. شوق ملهاش دعوة  

نظرت له الجدة نظرات ذات مغزى ثم قالت 

_ بكرة تتجوز .. لو معتزتوش بيها ورفعتوها لفوق مين هيتشرف بنسبها ؟

_ ودا مين المغفل إللي هيرضى يتجوزها ؟ 

قال هارون ساخرًا ليرد إبراهيم

_ عيب عليك لما تقول على بنت صاحب عمرك واخوك كدة

انمحت نظرة السخرية من فوق وجه هارون وكأنه استوعب معنى الجملة ليكمل إبراهيم بغير رضى 

_ عيب عليكوا .. يعني كرهكوا لأمها نساكوا حبكوا لأبوها؟  

_ تصبحوا على خير .. 

قالها ماهر ثم رحل وبقى عبدالله صامتًا في مكانه ثم وقف واقترب من جدته وقبل يديها ثم ذهب لغرفته وكعادته صامتًا لا يتحدث كثيرًا ولا يظهر ردات فعل ولا يبدي رأيه إلا إذا سُئل عنه ...

_ انتي عايزة تجوزيها يا ستي ؟

سأل أحمد بعد هذا الصمت لتنظر له الجد وتقول بنبرة ذات مغزى

_ عندها ٢٢ سنة متتجوزش ليه ؟ 

دقق هارون جيدًا في طريقتها ، أما أحمد فاستأذن متوترًا ليصعد لغرفته وبقت الجدة وهارون سويًا 

_ انتي عايزة تجوزيها ؟ 

سأل هارون بعد صمت دام دقائق لتقول في نبرة باردة 

_ سمعتني من شوية يا هارون !

راوغته ليتأكد من شكوكه ثم سألت 

_ طلقتها خلاص ؟ 

هز هارون رأسه لتميل ماجدة بوجهها قليلاً نحوه ثم قالت 

_ معلش .. تروح واحدة ييجي غيرها 

_ ولحد امتى هفضل أبدل فيهم .. ؟ 

_ لحد ما تنال مرادك .. وأنت مظلمتش حد 

_ الله أعلم 

قال لتؤكد له 

_ لأ.. أنت مظلمتش أي حد إللي بتيجي بمزاجها وبعدين تعايرك بقلة الخلفة وإنك موقف حالها يبقى بالسلامة وربنا يسهلها طريقها بعيد عنك ... 

تنهد هارون وهو يتبادل النظرات مع خالته .. 

_ نفسي أعرف إيه المشكلة ؟ ليه ربنا م

_ متكملش يا حبيب أمك.. متقولش ليه أنت مش صغير ولا أنت جاهل .. قول الحمدلله 

قاطعته الجدة ما إن وجدته سيسترسل في حديثه ليقبض على أحزانه مرة أخرى ثم قال 

_ يلا عشان تنامي.. 

واقترب منها ليسندها ويصعدا للأعلى سويًا .. 

_________

في اليوم التالي لم تحضر شوق على مائدة الإفطار وعندما ناداها أحد أفراد العائلة تحججت بالمرض وبأنها تمر بظروف شهرية .. لا تريد الإجتماع معهم ورؤيتهم بعد ما حدث ليلة أمس وأصبحت ترى أنها غريبة تمامًا ولا أمل لها معهم ، بقت على هذه الحالة أيام وكلما تنزل تصعد مرة أخرى بسرعة لعدم شعورها بالإرتياح .. لكن مع إصرار جدتها نزلت شوق بعد الإفطار وقد كانوا جميعًا إنفضوا إلى أشغالهم لكنها تفاجئت وهي تسير تستكشف المنزل وتفاصيله بعمها ماهر 

ماهر الذي كانت عينيه مسلّطتان على الفتاة التي تتحرك في أرجاء البيت بخجل واضح ... شوق ، بنت إيهاب إبن عمه وأخيه .. كانت تمثل له معضلة لا يستطيع تجاوزها ... هي تشبه والدها في ملامحها ، لكنه لا يستطيع أن يرى فيها سوى انعكاس والدتها ، تلك المرأة التي كانت السبب في تدمير صديق عمره وأخيه في الروح.

ذكريات قديمة تعصف برأسه كلما وقعت عيناه عليها ... إيهاب ، الذي كان أقرب له من أي أحد ، خسر حياته بسبب تلك العلاقة المشؤومة... والآن شوق تعيش في بيته ، كأنها دليل حي على الفاجعة التي أصابتهم .. 

بالنسبة لشوق ، كانت الحياة في هذا المنزل مليئة بالثقل. كلما مرّت بجانب عمها ، شعرت بنظراته التي تخترقها مليئة باللوم والبرود . كأنها ضيف غير مرحب به ليس في عالمه وحده بل في عالمهم جميعا ، حتى صوت خطواتها كانت تحاول أن تجعله خافتًا حوله ، كأنها تخشى أن تُثير غضبه لمجرد وجودها .

كانت تمضي أغلب وقتها في غرفتها تتجنب الاحتكاك بماهر وجيهان خصوصا .. لكنها لم تستطع كبت الإحساس بالرفض الذي يحيط بها ، كل شيء في البيت يوحي لها بأنها عبء ... شعرت أنها تحاول التواجد في مساحة لا تريدها ، كأنها قطعة شطرنج وُضعت خطأً في رقعة غريبة عنها.

_ شوق! 

نادى ماهر بصوت جاف ، جعل قلبها ينقبض.... فاقتربت منه ووقفت أمامه تنتظر كلماته .


_ أمك فين ؟ 

سأل لترفع نظرها فيه بجرأة .. رغم كل هذه المشاعر إلا أنها لا تجد سوى القوة وقت المواجهه وياليتها لم تفعل ليقول 

_ نفس نظرتها .. نفس البجاحة ! 

أراد إهانتها كأنه يهين أمها من خلال ليعود ويسأل هذه المرة بقسوة أكبر وقد وقف من مكانه واقترب منها 

_ أمك فين يا بت ؟ 

هزت رأسها في صمت دلالة على عدم معرفتها لينظر لها بسخرية ثم قال في أسى نبع من داخله 


_ انتي عارفة أمك عملت في أبوكي إيه ؟ 



للمرة الثانية هزت رأسها بصمت ليقول 

_ غوري من وشي ومتظهريش أدامي خالص 

تأملت قسوته عليها للحظات وطريقة المعاملة التي تتلقاها من أقرب الأقربين رغم أنها لا تعرفهم لكنهم أهلها ...  

تلألأت عينيها بالدموع ثم استدارت لتعود إلى ما كانت تفعله . لكنها شعرت بثقل في صدرها ، وكأن كلماته لم تكن مجرد كلمات ، بل جمرات .. 

وجدت شوق قدميها تأخذها إلى الخلوى التي أراها إياها أحمد 

جلست داخلها تتامل الأشجار التي كانت كلجنان تحيط بها من كل جانب كالحائط المنيع .. نظرت إلى السماء العصر الحنونة ثم وجدت نفسها فجأة تبكي 

_ شوق ؟ 

ما إن سمعت صوت أحدهم حتى مسحت دموعها بسرعة وغطت وجهها لكنه قد رآها ليقترب منها ويهتف في قلق 

_ مالك يا شوق ؟

كان هذا أحمد إبن عمها الذي تفاجئ بوجودها هنا بل وبكائها وحدها لتنظر له شوق ولم تعرف بماذا تجيب ليعود ويسأل بعدما اقترب منها وجلس بجانبها يستجديها للنظر إليه والبوح عما في قلبها 

_ إيه يا حبيبتي؟ 

حبيبتي ! غريب هذا الرجل لديه كلمات وأسلوب يفاجئها .. هل يشعر بها فعلاً أم لأنه اعتاد مناداة النساء بهذه المصطلحات .. 

اذدادت دموعها هطولاً في صمت وتراجع حجابها للوراء قليلاً 

_ أنتوا ليه بتكرهوني كدة ؟ 

سألت بصوتٍ وهن لينظر إلى هذه العيون المسحوبة ويسرح بهما لا يستطيع أن يصدق أن هناك من تجرأ على أن يحزنها ... ويبكيها ! هل أفراد عائلته فقدوا البصر والبصيرة ؟ هل لا يرون جمالها ورقتها 

_ دا إحنا بنحبك أوي 

قال أحمد بصوته الرجولي الهامس لتخرج عنها شهقة متألمة قبل أن تكمل 

_ لا ... لا محدش فيكوا بيحبني خالص مع اني معملتش حاجة 

من هزة رأسها تزحزح الحجاب عنها وظهر شعرها من أسفله لينظر له أحمد كالمسحور ثم تجرأ ووضع كفه عليه وقال 

_ دا أنا بحبك أوي.. أنا إبن عمك ومن العيلة بردو 

_ بجد بتحبني ؟ 

سألت وكأنها سعيدة أن أحد يحبها في هذه العائلة ليقول 

_ طبعا بحبك .. انتي حد يشوفك وميحبكيش 

وتأمل عينيها حتى أنه لم يستطع أن يرفعهما عن مرمى بصرها 

_ انتوا بتعملوا إيه ؟ 

انتفض جسد أحمد وهو يسمع هذا الصوت المهيب ورفعت شوق عينيها لتجده ينظر لهما في غضب كاد أن يحرق جسديهما ..

الرواية موجودة كاملة ناقص منها ١٠ فصول هيكملوا وهتخلص قبل رمضان ومش هتتنشر في العام وأنا قولت كدة قبل كدة بس معرفش ليه كله مش عارف 😭

اللي عاوز يشتريها يكلمنا على وتساب 01098656097 

** نهاية الفصل **


إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
”نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.“
لا يتوفر اتصال بالإنترنت!
”يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت ، يرجى التحقق من اتصالك بالإنترنت والمحاولة مرة أخرى.“
تم الكشف عن مانع الإعلانات!
”لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك.
تُستخدم العائدات التي نحققها من الإعلانات لإدارة موقع الويب هذا ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.“
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.