"الفصل التاسع والعشرون من رواية عشق أولاد الزوات "
عشق أولاد الذوات:
________
بتد أسبوع كان اليوم الموعود ... الجو مشحونًا بالتوتر بين فواز وزين ، اللذين كانا يجلسان في السيارة بجانب المحامي. فواز يقود السيارة بخطوات ثابتة، وعيناه تلمعان بتصميم صارم. كان زين الدين بجانبه، وجهه متجهم، يتأمل الطريق أمامه بنظرات حادة. شعور بالذل يتسلل إلى أعماقه، يعصف بقلبه كعاصفة لا ترحم، وكل هذا بسبب تهديدات ابنه فواز، الذي أجبره على الحضور اليوم للتنازل عن كل ما يملكه لرنيم.
عندما وصلوا إلى منزل رنيم، نزل فواز من السيارة بسرعة، وتبعه زين الدين ببطء، بينما يمسك المحامي بحقيبته المليئة بالعقود. طرق فواز الباب، وفُتح بعد لحظات، لتظهر رنيم وهي ترتدي تعابير الدهشة والصدمة. لم تصدق ما تراه عيناها. زين الدين، الرجل المتكبر الذي طالما أذلها، يقف الآن على بابها مستسلمًا، وعلى وشك التنازل عن كل شيء.
رنيم لم تتوقع رؤيتهم أبدًا فقد مر ثمانية أيام كاملة ولم تسمع منهم خبر لتعلم أن فواز لن يعود وتخلى عنها للأبد ورغم إحباطها إلا أنها كانت سعيدة لأنها تخلصت منه ، لكنها تفاجئت بهما على بابها ومعهم رجلين ، رجل تعرف أنه محامي العائلة وعرفت بعدها أن الآخر الموثق المعتد بتعبير
هتفت بنبرة لم تخلو من السخرية
_ إيه إللي جابكوا ؟
فواز، بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة حزن وحب
_ جايين ننهي الموضوع. كل اللي إنتِ عاوزاه، هتاخديه!
كانت تلك اللحظة مليئة بمشاعر مختلطة لرنيم. تحديقها إلى زين الدين كان يحمل كل احتقار وكره ممكن، وابتسامة خفية تتسلل إلى شفتيها وهي تدرك أنها انتصرت في معركتها. زين الدين لم يكن سوى ظل لرجل كان يسيطر على الجميع، والآن هو يقف ذليلاً أمامها، مجبرًا على التنازل.
رنيم، بتحدي بينما توجه كلماتها خصيصًا لزين
_ يعني هتنازلوا عن كل حاجة؟ حتى اللي كنتوا ماسكين فيه جامد؟
فواز أجاب _ كل حاجة يا رنيم وبردو مش هيكفي
كانت عيني فواز تلمعان بالحب والندم بينما زين الدين يقف في الخلف، عيناه تلمعان بالغضب والحزن. كان يشعر بمرارة هائلة، وكأن كل كلمة تُدق كالمسامير في صدره. تذكّر كل لحظة سخر فيها من رنيم، وكل كلمة ألقاها بحقها لتحطيمها، والآن هي التي تأخذ منه كل شيء. هي التي تهد ما حاول طوال عمره بناءه
رنيم تنظر إلى زين الدين بتحدي
_ هو دا اللي كنت فاكر إنك هتموت وما تعملوش ، بس الظاهر إنك لما بقيت خلاص مكسور، ما فيش حد نفعك ولا حد هينقذك مني.. وأديك أهو بتعمل إللي أكتر من أي حاجة وكل حاجة هتبقى بتاعتي مش إبنك بس
زين الدين، الذي كان يملك كبرياءً لا يُهزم، يقف الآن عاجزًا، صامتًا، وكل ما يتردد في عقله هو صوت تهديد فواز له .. كانت تلك الكلمات تحرقه من الداخل، وتتركه بلا حيلة أمام ابنه الذي يملك كل مفاتيح القوة.. شعر بألم يغزو قلبه وهذه الخادمة تهينه هكذا أمام محاميه وإبنه
شعوره بالذل كان لا يُحتمل. أحس بأنه فقد كل شيء، ليس فقط أمواله وأملاكه، بل كبريائه أيضًا. كان غاضبًا، لكن غضبه كان محبوسًا داخل صدره، كبركان على وشك الانفجار، ولكنه مجبر على الهدوء والصمت أمام نظرات الانتصار في عيون رنيم، التي لم تعد تخاف منه.
نظرت رنيم إلى فواز بتمعن، تحاول فهم ما يدور في ذهنه. التفتت نحو زين، الذي أشار إلى المحامي بالبدء في الإجراءات..
_ ادخلوا !
قالها محمود الذي أتى من الخارج ليجدهم مرة أخرى أمام بابه ورنيم أمامهم بحجابها .. دخلوا وجلسوا ليبدأ المحامي بالحديث
المحامي
_مساء الخير يا أستاذة رنيم. إحنا هنا النهاردة عشان ننقل الملكية بناءً على طلب فواز بيه وزين بيه .. عندنا العقود جاهزة، كل اللي عليكِ إنك توقّعي هنا
كانت رنيم منصتة إليه ومحمود يقف خلفها يدقق في كل شيئ وهو مذهول من كمية الأوراق والعقود وكأنه هذه العائلة تملك البلاد بأكلمها ولم يتخيل يومًا أن يستسلموا لرنيم !
امبراطورية كاملة خضعت لرنيم .. أراضي وعقارات واستثمارات في شتى بقاع الأرض .. نظر محمود لفواز وشعر أنه لا شيئ أمامه بل شعر أن غرور فواز قليل عليه ! شخص مثله يجب عليه ان يتفاخر ويتجبر أكثر .. أن ينفجر كل من حوله بسبب تفاخره وغروره ! ... حتى رنيم التي كانت تعيش معهم تفاجئت بحجم الأملاك والأموال ... لم تتوقع يومًا أن تكون هذه العائلة غنية إلى هذا الحد لتنظر إلى فواز في صدمة دون إرادتها فبادلها فواز بنظرة محبة وكأنه يخبرها أن كل شيئ رخيص أمامها وأنه مستعد على تقديم أي شيئ من أجلها
بدأ المحامي يشرح النقاط الأساسية في العقود بسرعة ، مستعرضًا تفاصيل العقارات، الأسهم ، وجميع الأصول التي كانت ستنقل إلى اسمها. كان زين يراقب المحامي وهو يتحدث، وكل كلمة تُقال كانت تحت مجهره الحاد.
شعرت رنيم بعدم الإستيعاب لتتسائل
_ كل حاجة ؟
هز فواز رأسه _ كل حاجة !
تبادلا النظرات ولم تستطع رنيم إخفاء ذهولها ابدًا .. مازالت مصدومة ومازالت غير قادرة عىى تصديق أن فواز سيضحي بكل هذا من أجلها بل وكيف استطاع إجبار زين الدين على المجيئ !
بدأت الإجراءات تتوالى بشكل رسمي ليبدأ المحامي التحقق من الأوراق أخرج المحامي الأوراق من حقيبته وبدأ يشرح تفاصيل نقل الملكية، مع التأكيد على كل بند وما يعنيه بالنسبة لرنيم... حتى السيارات وكل متعلقاتهم أصبحت ملكًا لها !
وجائت خطوة التوقيع على العقود قدم المحامي الأوراق إلى رنيم لتوقع عليها. أخذت القلم ووقعت بثبات على العقود، وسط نظرات زين الصارمة.
ثم تحقق من هوية الأطراف طلب المحامي بطاقات الهوية للتحقق من الأطراف المتعاقدة، وأجرى مراجعة سريعة للتأكد من تطابق المعلومات.
ما ان انتهوا حتى شرح لها المحامي رسوم الضرائب وغيرها و رسوم نقل الملكية والضرائب المستحقة. كان فواز قد رتب كل هذه التفاصيل مسبقًا، مما جعل العملية تسير بسلاسة دون تعقيدات. ثم وعد المحامي بأنه سيتولى عملية التسجيل الرسمي في الجهات المختصة، وأنه سيبلغ رنيم عند الانتهاء...
رنيم نظرت إلى العقود الموقعة بين يديها، وهي تشعر بارتباك خفي. لم يكن الأمر كما تخيلته، ربما لأن المال والأملاك لم يكن لهما القيمة التي توقعتها في ظل كل ما فقدته... أو ربما لأن أملاكهم كانت كثيرة .. كانت ضخمة .. لم تتخيل ضخامتها .. لتعرف الآن لماذا فايز يمتلك عدة بيوت فارهة في أماكن مختلفة .. وتعرف لماذا هذا النجاح والمال الذي يغرق فيه فوزي .. وتدرك تمامًا حجم ثقة فواز وغروره ! ... لقد عاشت معهم العمر كامل لكنها لم تكن تتخيل أن تكون الأمور كبيرة إلى هذا الحد ... لم يكن ثراء عادي بل كان ثراء يصدم !
رنيم بقيت واقفة، تحدق في العقود، وكأنها تحاول استيعاب ما جرى. كانت تلك الشرارة في عينيها، بداية لفصل جديد، مجهول النهاية، لكن الجميع يعلم أن الأحداث لا تنتهي بسهولة...
بينما هي عيناها تلمعان بالنصر، وزين الدين يقف كمن خسر معركة حياته. لم يعد له شيء، ولا مكانة، فقط إحساس مؤلم بالهزيمة والانكسار. كانت هذه لحظة قد لا تُنسى، لحظة أعادت فيها رنيم كل ما سلب منها بكرامة وعز، بينما زين الدين، الذي كان يظن نفسه فوق الجميع، يقف الآن في أسفل درجات الذل ...
_ المحامي محضر ورق طلاقك من محمود !
نطق فواز في لهفة لتتنهد رنيم ثم نظرت لمحمود في ثقة ليعطيها موافقته برأسه وفواز منتظر على احر من الجمر أن توقع عليها .. وبالفعل وقعت ووقع محمود ثم ألقى عليها يمين الطلاق
_ قولها إنها طالق بالتلاتة !
قال فواز وقلبه ينبض بسرعة لينظر له محمود في سخرية بينما قالت رنيم بتمنع مصطنع
_ متفقناش على كدة
كاد فواز أن يتحدث لكن رنيم قالت
_ ولا عادي .. كدة كدة لو عاوزة أرجعله هرجعله .. أصل أنا واحدة خاينة مبيفرقش معايا متجوزة ولا متطلقة !
اجتمعت بعيون فواز المتألمة الذي قال
_ متقوليش عل نفسك كدة !
ارتفعت ضحكاتها الصاخبة ليعلم الجميع أنها لم تكن ضحكة مرحة ابدًا بل ضحكة نبعت من سخرية القدر
أراح محمود فواز وطلقها بالتلاتة بالنية ليشعر فواز بالإرتياح قليلا ً ثم سأل
_ فيه عدة ؟
_ فيه !
أجابت رنيم في صدق ولم تكن تكذب لتنفتح عيني فواز وتدمع في قهر
_ ليه عملتي كدة ... ليه يا رنيم !
هدرت فيه رنيم بعنف وتكبر
_ مش من حقك تسألني عن أي حاجة.. أعمل إللي أعمله براحتي واللي معملوش معملوش وكله على كيفي
ثم اعتدلت في جلستها تتلذذ بملامح القهر والحزن المرتسمة فوق وجه فواز وملامح الذل التي كست وجه زين الدين
_ و دلوقتي أنا بالنسبالكوا رنيم هانم !
قالتها رنيم وابتسامة شيطانية على وجهها ثم نظرت للمحامي ولمحمود
_ خد رقمه يا محمود عشان تروح معاه وتتابع الباقي خطوة بخطوة
وافق محمود وهو مذهول من أسلوبها بينما فواز يتأملها في صمت وزين الدين يكظم غيظه حتى أنه لم يستطع إخراج ولو حرف من بين شفتيه فلو فعل سينفجر قلبه !
_ يلا يا ماما أنتي وهاجر لموا هدومكوا عشان رايحين بيتنا الجديد !
ارتفع صوت رنيم يصدح في البيت ثم وجهت كلامها لزين وفواز
_ ويلا أنتوا اطلعوا برة
لم يكن ينقصهم ذيادة الشعور بالحرج فوقفوا ليتوجهوا للخارج لكن صوتها أوقفهم مرة أخرى
_ سيبوا مفاتيح العربية وأنتوا نازلين وروحوا جهزلونا أكل واستقبال يليق بينا وإحنا جايين بيتنا !
ثم اقتربت من فواز ووقفت أمامه مباشرة .. عينيه الحمراء لم تؤثر بها وتلك الشفاة التي ارتعشت أمامها لم تغريها وتابعت الإقتراب وانزلت يديها على صدره ليتفاجئ من فعلتها أمام الجميع وعيونها متمركزة فوق عيونه ويديها هزت كيانه بالكامل فهذه اول لمسة... أول اقتراب منذ أشهر ليشعر أنه يريد تهشيمها بين زراعيه ...
نزلت يديها أكثر لتنخفض وترتفع تفاحة آدم لديه لترتسن فوق ملامحها نظرة خبيثة ثم فجأة أخرجت من جيبه محفظته وسحبت منها كروته والمال الذي معه ومفاتيح سيارته ورمتها خالية إلا من أوراق نقدية بسيطة وبطاقة تعريف الهوية وأمرته في حزم
_ يلا زي الشاطر أعمل إللي عملته فيك مع أبوك
صُدم من فعلتها وكذلك زين والمحامي ومن معه وقفوا حائرين لم يصدقوا أن هذا يحدث أمامهم
_ يلا يا زين ..
نظر لها زين وكأن عينيه رصاص تريد إختراقها وفواز تجمد مكانه فكيف سيفعل ذلك لتقول رنيم
_ خليك جدع وطلع إللي في جيبك من غير شوشرة
ثم نظرت لفواز قائلة في خبث
_ يلا يا فواز ولا أعمله إللي عملته معاك .. معنديش مانع على فكرة
هنا اقترب فواز من والده بسرعة خوفًا من أن تنفذ ما قالت وتلمس غيره حتى لو والده ثم أخذ منه محفظته لينظر له زين الدين في ذهول من فعلة إبنه لكن فواز بادله النظرة بنظرة تحكي كلمات وكأنه يخبره .. نستحق كل ما يحدث
أعطى فواز كروت والده لرنيم لتبتسم بينما تضرب الكروت بكف يديها
_ بثبتك أهو في بيتنا .. خدامة بنت شارع بقى !
فلتت ضحكة من بين شفتي محمود دون إرادته لينظر له فواو وزين بغيظ ثم قالت رنيم
_ يلا غوروا روحوا اعملوا إللي قولتلكم عليه ..
_________
نهاية الفصل وبداية مواقف محدش كان يتخيل إنها تحصل حتى في أحلام العصر والله العظيم 😂😂😂😂😂😂😂
فضل عظيم والله ومحتاجة آرائكم جداا
________