"الفصل الواحد والعشرون من رواية عشق أولاد الزوات ١٢١ "
_____
طلقها ذكي ، مسكت ورقة طلاقها بعدما وصلتها .. شعروها غريب لم تفهمه .. فجأة لاح في عقلها شكله وهيئته .. ما هو شعوره الآن! ....
دخلت عليها أمها نرمين لتجلس جانبها وتحتضنها قائلة في حنان
_ متزعليش يا حبيبتي.. انتي لسة صغيرة !
نظرت لها هيام ثم قالت
_ مش زعلانة.. عادي يا ماما
ابتسمت نرمين ثم اقتربت منها أكثر قائلة
_ عايزة أقولك حاجة كمان ..
نظرت لها بتركيز لتتحدث في حرص
_ زين الدين طلبك مني لفواز
نظرت لها هيام ولم يبدو عليها التفاجئ ..فقالت والدتها
_ أنا مش مقتنعة إنك تتجوزيه تاني بعد إللي حصل بينكوا .. حتى لو اعتذر والدنيا هدت بس مينفعش يا هيام !
_ مامي .. قولي لانكل زين الدين إني موافقة .. والفرح بعد أول أسبوع من شهور العدة ..
نظرت لها نرمين في تفاجئ شديد وصدمة حتى أنها لم تسطتع أن تعلق على كلامها ولم تعطيها هيام الفرصة للحديث وخرجت من الغرفة متجهه لمكان لا ترى فيه أحد ولا تواجه فيه حتى نفسها...
ذهبت هيام إلى أصدقائها واجتمعت معهن في حفلة كلها أصوات صاخبة علها تغطي على صوت ضميرها الذي يؤلمها ويصرخ أنها قاسية وسيئة !
وبسرعة أعلنت هيام أن فواز قد طلب يدها مرة أخرى لتتفاجئ صديقاتها وتنتشر الفرحة والسعادة والحقد بينهن .. فصديقاتها الذين يحقدون عليها لم يفرحوا بل شعروا أنها انتصرت وأنها من ضحكت أخيرًا أما الآخرين فقد شعروا بالسعادة من أجلها وأنها قد استردت حقها مرة أخرى من ضرتها التي بوجهة نظرهم هي فاسدة ..
______
طرق فوزي باب شقة ذكي بقلق، يعلم أن صديقه يمر بوقت عصيب بعد الطلاق.. صُدم من ذلك الخبر كان ذكي قد اختفى عن الأنظار منذ سماع فوزي بالخبر، ولم يعد يرد على مكالماته أو رسائله. فوزي، الذي لم يعتد رؤية صديقه في هذا الحال، قرر أن يذهب إليه بنفسه دون سابق إنذار.
بعد لحظات من الانتظار، فتح ذكي الباب بوجه شاحب وعينين متعبتين. كانت شقته مظلمة وهادئة بشكل غير طبيعي، وكأن الحياة غادرتها. نظر فوزي إلى ذكي نظرة مليئة بالأسى، لم يستطع ذكي أن يخفى حزنه رغم محاولاته.
_إيه يا ذكي؟ مكنتش هتفتحلي ولا إيه؟
حاول فوزي أن يرسم ابتسامة صغيرة على وجهه، لكن ذكي لم يستطع الرد سوى بابتسامة حزينة .
دخل فوزي الشقة، ونظر حوله ليجد أن كل شيء في غير موضعه، وكأن عاصفة مرت بالشقة. جلس على الأريكة بجانب ذكي، الذي جلس بدوره بلا مبالاة، عيناه تائهتان في الأفق.
_سمعت إنك طلقت هيام...
بدأ فوزي كلامه بلطف، محاولًا أن يجد الكلمات المناسبة لتخفيف وقع الحديث.
ذكي لم يرد، فقط أومأ برأسه وكأن الكلمات أصبحت عبئًا على لسانه. رأى فوزي الألم العميق في عيني صديقه، وعرف كم كان ذكي يحب هيام، وكم راهن على هذا الحب.
_ أنا عارف إن الموضوع مش سهل، وعارف كمان إن الكلام دلوقتي ملوش فايدة، بس أنا هنا عشانك يا ذكي. ومش هسيبك تعدي ده لوحدك.
ذكي أخيرًا نظر إلى فوزي، وكأن تلك الكلمات كانت كل ما يحتاجه ليسمح لدموعه بالتساقط. لم يحاول فوزي أن يوقفه، بل وضع يده على كتفه بثبات وقال
_ لو عاوز تعيط .. عيط يا ذكي، مش عيب. الحب اللي في قلبك ليها حقيقي ، وأنا عارف إنك عملت اللي تقدر عليه عشان تحافظ عليها
ذكي أجهش بالبكاء، وفوزي جلس بجواره، صامتًا، لكنه كان هناك، ليكون دعمًا لصديقه الذي كان يمر بأصعب لحظات حياته. عرف فوزي أن الكلمات لن تغير ما حدث، لكن وجوده بجانب ذكي كان يكفي ليشعره أنه ليس وحده، وأنه مهما كانت الصعوبات، فالصداقة الحقيقية لا تتخلى عنك في أصعب الأوقات.
بقي فوزي بجانب ذكي طوال المساء، يتحدثان أحيانًا بصوت خافت، وأحيانًا أخرى يتركان للصمت أن يتكلم عنهما. كان فوزي يدرك أن الشفاء من الألم سيستغرق وقتًا، لكنه كان مستعدًا للبقاء بجانب صديقه كلما احتاجه، لأن الأصدقاء الحقيقيين لا يتركون بعضهم أبدًا، حتى في أحلك اللحظات..
_ فوزي... أنا عارف إنك ساعدتني كتير أوي وكل أزمة عديت بيها أنت كنت جمبي بس دي آخر خدمة أنا هطلبها منك
صمت فوزي يستمع له ثم قال .
_ قول من غير مقدمات ملهاش لازمة أنت أخويا
ابتسم ذكي بسخرية مريرة
_ أخوك هيتجوز مراتي !..
_ استحالة ! فواز مش بيحبها ولا هي بتطيقه
قال فوزي بانفعال ليقول ذكي
_ هي قالتلي وأبوك بنفسه جه عشان يخليني أطلقها ..
صمت فوزي مذهولاً مما يسمع وقال الآخر
_ مش وقت الكلام دا .. فوزي أنا عاوز أسافر
نظر له صديقه في حزن ليكمل ذكي كأنه يرجوه
_ لو تقدر تشوفلي أي فرصة شغل برا قولي .. خلال الشهرين دول أرجوك !
_____
كان فواز جالسًا في مكتبه، يحدق في الفراغ يتذكر ما حدث .. لم يكن متأكدًا في البداية من حملها فقلبه كذب بكل الطرق .. فقرر بنفسه الذهاب إلى منزل رنيم ليتأكد من الأمر. وقف على بُعد خطوات من بابها، يراقبها من بعيد وهي تقف مع زوجها وحماتها، وعائلتها الجديدة تلتف حولها بحب.
شعر فواز بطعنة في صدره، وكأن كل الآمال التي كان يتمسك بها قد تبخرت في لحظة واحدة. رنيم، التي كان يظن أنها قد تعود له يومًا رغم الخيانة ورغم أخطائه ورغم كل شيئ ، أصبحت الآن تعيش حياة جديدة، تحمل طفلًا ليس منه، وتحيطها عائلة لم يكن جزءًا منها. كل شيء تغير، وهو بقي وحيدًا.
عاد فواز إلى منزله وهو يشعر بثقل يجثم على صدره، وكأن العالم قد فقد ألوانه. جلس على كرسيه المفضل الذي لازمه في الأيام الأخيرة كلها فقد جافاه النوم ولم يعد يمس الفراش ، وأخذ نفسًا عميقًا محاولاً استيعاب ما حدث. فكر في كلام والده الذي لم يتوقف عن إلحاحه بالزواج من هيام، تلك التي كانت دائمًا الخيار الأمثل بالنسبة له، وكأنها كانت هي الحل لإعادة الأمور إلى نصابها.
دخل والده، زين الدين، إلى الغرفة، وعيناه تحملان شيئًا من الرضا، وكأنه كان يتوقع تلك اللحظة منذ زمن. نظر إلى فواز وقال بثقة
_ عرضت على هيام الجواز وهي وافقت والفرح بعد تلت شهور علطول .. مفاضلش غير موافقتك وكدة كدة هتوافق
نظر له فواز في إحباط فرأى والده في عينيه الإستسلام ليبتسم في فخر
_أهو كل حاجة رجعت مكانها يا فواز... غادة اتطلقت، والدكتورة ريهام مع المهندس فوزي، وفايز مع ريم... وانت مع هيام. الدنيا رجعت لطبيعتها.
فواز نظر إلى والده، لم يكن في قلبه سوى فراغ كبير، لم يعد يشعر بشيء. هو الذي كان دومًا يعارض والده، يقف في وجه قراراته، صار الآن مستسلمًا، بلا أي رغبة في المقاومة.
فواز _ماشي يا بابا... هتجوز هيام.
زين الدين ابتسم بانتصار، لكن فواز كان يشعر بأن كل شيء فقد معناه. زواجه من هيام لم يعد يهمه، ولا حتى الموافقة على رغبات والده. كأنه أصبح مجرد شبح يتحرك بلا هدف، فقط ليُرضي رغبات الآخرين.
نظر فواز إلى والده وهو يشعر بحزن عميق، كأنه يدرك أن كل شيء قد انتهى بالنسبة له. لم يكن حب هيام يكفي ليعيد له الحياة، ولم يعد هناك شيء يستحق أن يقاتل من أجله.
قال زين _ ومالك زعلان كدة .. حد يطول يتجوز هيام هانم .. دي أجمل ست في كل إللي نعرفهم
فواز لم يعير والده اهتمام وكل ما في رأسه هو تلك الرقيقة الصغيرة التي يعذب عشقها قلبه ..
_ولا حاجة فارقة دلوقتي يا بابا، مش مهم... كله بقى عادي.
كان صوته خافتًا، مليئًا بالاستسلام. وقف فواز واتجه نحو النافذة، ينظر إلى الأفق، وكأنه يبحث عن شيء بعيد لا يمكنه الوصول إليه. في تلك اللحظة، أدرك فواز أن الحياة قد أخذت منه كل شيء، ولم يبقَ لديه سوى الذكريات وبعض الأحلام التي لم تتحقق.
كان حزينًا، لكنه لم يعد يُظهر حزنه لأحد. حتى تلك النار التي كانت تشتعل داخله، خمدت. لم يعد هناك شيء يحركه، أو يُعيد له الأمل الذي فقده مع مرور الأيام. وأمام كل ذلك، قرر فواز أن يستسلم لقدر لا مفر منه، لأن المقاومة باتت بلا فائدة، وأصبح كل شيء... بلا معنى.
______
بعد ثلاثة أشهر كانت رنيم في الشهر الرابع وظهر الحمل بوضوح على جسدها الممتلئ .
كانت جالسة في بيتها على الأريكة وسط محمود واسعاد وهاجر الذين كانوا يشاهدون التلفاز على إحدى البرامج الدينية التي جبرتهم إسعاد على مشاهدتها .. رغم ثقافتها الدينية المتواضعة إلا أنها كانت دائمًا تسعى للأفضل في الدين فأجربتهم على الجلوس ليسمعوا كلمتين مفيدتين في حياتهم كما أخبرتهم .. وبالفعل بعد دقائق قليلة انشغل محمود وهاجر في القصة التي يحكيها الشيخ واندمجوا معه .. حيث كان يحكي قصة من بيت رسول الله ...
أما رنيم فيبدوا أنها كانت تعرفها من قبل فجلسن تتصفح هاتفها ومازالت أذنها متعلقة بما تسمع .. كانت تقلب بين الصفحات الإخبارية والمواقع الاجتماعية، تبحث عن أي شيء يشغلها عن أفكارها المتراكمة. وفجأة، ظهر أمامها خبر صدمها كالصاعقة.
_ فواز زين الدين يعود لزوجته السابقة هيام، والزفاف قريب!
حدقت في الشاشة للحظات، غير مصدقة ما تقرأه. خبر عن فواز وهيام، صورتهما معًا، وتفاصيل عن استعداداتهما للزواج. شعرت رنيم وكأن الأرض اهتزت تحتها، تلاحقت أنفاسها بسرعة، وخفق قلبها بجنون.
كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ كيف يمكن أن يعود فواز لهيام بعد كل شيء؟ رنيم كانت تعلم أن هيام لم تخرج من حياة فواز تمامًا، لكنها لم تتخيل أبدًا أنه سيعيد زواجه منها، وبكل هذه الجرأة أمام الجميع.
رنيم حاولت أن تهدئ نفسها، لكن عقلها كان يغلي بالأسئلة والشكوك. تذكرت اللحظات التي قضتها مع فواز، الأوقات التي شعرت فيها بأنها أخيرًا وجدت السعادة، وتذكرت أيضًا خيبة الأمل التي ملأت قلبها بعد طلاقهما. كيف يمكن لفواز أن يتجاهل كل ذلك ويعود لهيام؟
نظرت رنيم حولها فلم ترى أحد بل رأت بيتها الذي كان يومًا ما مليئًا بالضحكات والذكريات، وشعرت بغصة في حلقها. كيف يمكن لهذا البيت أن يصبح فارغًا هكذا؟ وكيف يمكن أن تكون هي وحيدة بينما فواز يمضي قدمًا مع هيام؟
فتحت رنيم أحد المواقع الإخبارية، وبدأت تقرأ التعليقات. الناس يتحدثون عن الحب القديم الذي ينتصر، وعن عودة فواز وهيام لبعضهما. رنيم شعرت وكأنها تقرأ عن شخص آخر، عن قصة ليست قصتها، لكنها كانت تعرف جيدًا أنها جزء من هذه القصة، وأنها الآن تلعب دور الخاسر.
رنيم شعرت بدموعها تحاول أن تخونها، لكنها مسحتها بسرعة. لن تسمح لنفسها بأن تنهار. كانت تعلم أن العالم يراقب، وأن هيام قد تكون الآن في مكان ما تبتسم، تشعر بالنصر. ولكن رنيم لم تكن من النوع الذي يستسلم. كانت تعلم أن هذه ليست النهاية، وأنها ستقف على قدميها من جديد.
قررت رنيم أنها لن تتوقف هنا. ستواصل حياتها وستثبت لنفسها وللجميع أنها أقوى مما يظنون. وضعت هاتفها جانبًا، وأخذت نفسًا عميقًا. ربما فقدت فواز، وربما عادت هيام لتأخذ مكانها، لكن رنيم لن تفقد نفسها. في هذه اللحظة، أدركت أن لديها شيئًا لا يمكن لأي أحد أن يأخذه منها: عزيمتها وإرادتها في المضي قدمًا...
لاحظت إسعاد تشنج جسد رنيم ورعشتها وصوت أنفاسها الذي ارتفع كأنها تعافر لتأخذه فأكفئت التلفاز ثم نظرت لها لينظر الجميع أيضا ويلاحظون
_ مالك يا رنيم في ايه ؟
سألت إسعاد فنظرت لها رنيم ووجهها يذداد في الأصفرار وأجابت بصوت جامد
_ مفيش حاجة !
سقطت دمعها منها دون أن تشعر فاقتربت إسعاد ومحمود منها بسرعة وبدأت التساؤولات لكنها لم تجيب .. لم تستمع .. عينيها انطفئت .. وغابت عن الوعي ... الصدمة كانت كفيلة بتفتيت قلبها نصفين
______
*نهاية الفصل**
____