" الفصل السابع عشر بعد المائة من رواية عشق أولاد الزوات "
_____
كان فواز يشعر بضيق لا يطاق، كأن الجدران تضيق عليه والهواء يختنق في رئتيه. في تلك اللحظة، وصلت إليه أخبار لم يتوقعها أبدًا: رنيم حامل. ليس طفله، بل طفل شخص آخر. لم يكن الخبر مجرد صدمة، بل كان طعنة حادة في قلبه.
عاد إلى منزله وكأن خطواته تحمل أطنانًا من الهموم. دخل إلى البيت ولم ينطق بكلمة، عيناه كانتا زائغتين وكأنهما تبحثان عن شيء لم يعد موجودًا. رأى أخاه فايز جالسًا وشعر وكأنه على وشك الانهيار. تفاجئ فايز بمشية فواز .. تفاجئ بدخوله دون قول شيئ برأس منحني وكافين مدهولين ...
جلس بجانبه، ولكن هذه المرة لم يكن قادرًا على كتم مشاعره. بدأت الدموع تتساقط من عينيه بلا توقف، وكأنها تعبير عن كل ما لم يستطع قوله...
صُدم فايز بل أصابه الهلع وهو يرى أخاه المهيب في هذه الحالة ليسأل
_ في إيه يا فواز ؟!!
_ رنيم حامل...
قالها بصوت مختنق بالدموع ، فلم يتوانى فايز عن ضمه بين زراعيه يقبض على جسده بقوة شديدة وهو يعلم الآن حجم حزن وكسرة أخيه ...
_ فضلنا مع بعض سنين .. سنين ومحصلش مرة انها تحمل .. دلوقتي حامل وهتخلف من غيري
صوته كان يرتجف بحرقة شديدة ، وكأنه يعبر عن بحر من الألم لا نهاية له. أحس بالقهر يعتصر قلبه، لم يكن الأمر مجرد حزن على فقدان رنيم، بل كان ألمًا من نوع آخر، ألم أن يرى حلم الأبوة يتحقق لغيره بينما بقى هو عاجزًا أمام القدر.
_ ليه يا فايز ؟ ليه ربنا اختار إنها تخلف من غيري؟
كانت كلماته مليئة بالحسرة والعجز، بينما كان يحاول فايز تهدئته دون جدوى. حضنه بقوة وكأنه يحاول جمع أجزاء فواز المتناثرة... ولم يكن يعرف أن رنيم تزوجت من الأساس .. لم يكن يعرف أي شيى ولم يسأل بل ظل يسمع ويشدد على ظهر أخيه ليلهمه الصبر والمسانده
كل لحظة كان يقضيها في حضن أخيه كانت تعبيرًا عن قهره، عن حلم الأبوة الذي لم يتحقق، وعن حب فقده دون رجعة. لم يستطع تقبل الأمر، ولم يستطع إيقاف دموعه التي كانت تفيض من عينيه كأنها نهر من الألم.
____
رنيم لم تصدق الخبر عندما أخبرها محمود أن فواز أعاد لهم كل شيء، وكأن كل شيء اختفى فجأة: الأموال، العقود، وحتى الشقة التي كانت تضم ذكرياتهم المشتركة لتطلب أنتذهب إلىهناك لتتحقق بنفسها رغم مرارة الذكريات التي عاشتها هنا آخرفترة
وقفت أمام باب شقتهم القديمة، المفتاح بين يديها ويد ترتجف، وكأنها تخشى أن تفتح الباب وتواجه ما خلفه.
دخلت الشقة ببطء، خطوة خطوة، والذكريات بدأت تتسرب إلى ذهنها كالأمواج، تلامس قلبها وتغمره بالحنين والألم. كل زاوية كانت تحمل ذكرى، وكل قطعة أثاث كانت تنطق باسم فواز، باسمهما معًا. لكن هذه المرة، كانت الأمور مختلفة. كان كل شيء في مكانه، لكنه بدا خاليًا من الحياة، خاليًا من وجودهما سويًا... لم تدع محمود يدخل بل تركته أمام الباب رافضة دخوله كليًا
رنيم مشت نحو الأريكة التي كانا يجلسان عليها ليلًا يتحدثان ويخططان للمستقبل وتضمه فوقها كما كان يحب ، وضعت يدها عليها وكأنها تلمس جزءًا من روحها الضائعة. نظرت حولها ورأت الأشياء التي تخص فواز، كأنها تركها وراءه لتبقى شاهدة على ما كان بينهم. أخذت أحد قمصانه الذي التهمه الغبار لكنه مازال له .. مازال ملكه ورائحته لم يستطيع أي شيئ التغلب عليها
قربت القميص منها ببطئ وضغطته على صدرها، وانهارت بالبكاء. دموعها كانت تسقط بحرقة، مختلطة بمشاعر الفقد، الخذلان، والشوق الذي لا يهدأ... ورغم كل ما حدث بينهما وكل العذاب .. لم تستطيع كرهه !
لماذا أعاد فواز كل شيء؟ سؤال واحد كان يدور في ذهنها بلا توقف. هل كان يريد أن ينهي كل شيء بطريقة تامة؟ أم كان هذا نوعًا من الاعتذار، أم مجرد انتقام صامت؟ بغض النظر عن السبب، كان الألم يزداد، وكان قلبها يئن تحت وطأة الذكريات.
جلست على الأرض، ظهرها مسنود على الحائط، واحتضنت قميصه بقوة. شعرت كأنها تحاول جمع ما تبقى من فواز، تحاول استرجاع الأيام التي مضت، لكنها تدرك أن لا شيء سيعود كما كان. كل قطعة كانت تروي حكاية، وكل ذكرى كانت تفتح جرحًا جديدًا.
كانت تبكي بحرقة، ليس فقط على فواز وما كان بينهما، بل على كل شيء فُقد منهما. على الأحلام التي تبعثرت، على الثقة التي انكسرت، وعلى الحياة التي تغيرت بشكل لم تتوقعه أبدًا. كانت تبكي على نفسها، على الحب الذي لا زال يربطها بفواز رغم كل الألم، وعلى البداية الجديدة التي لم تكن كما أرادت... على هذا الحمل الذي لا يخصه ..
رنيم أدركت وهي تبكي في شقتها القديمة، أنه رغم كل شيء، قلبها لا يزال عالقًا في الماضي. كان من الصعب التخلي عن كل هذه الذكريات، وكان من الأصعب تقبل أن فواز، بكل ما فعل بداية من ظنه واقتناعه انها خانته الا التعدي عليها، أغلق فصلًا من حياتها للأبد، تاركًا إياها في مواجهة الحقيقة، وحدها مع كل هذا الألم.
________
عاد ذكي إلى المنزل متعبًا بعد يوم عمل طويل .. ليلة أمسلم يعد للبيت ليترك لهيام مساحة أن ترتاح وأرسل لها رسائل إعتذار كثيرة حتى يطيب خاطرها
لم يعرف هل يشغل ذهنه تفاصيل اليوم والمهام التي تراكمت عليه أم بمشاكله التي تذداد مع هيام ولغة الحوار التي أصبحت منعدمة بينهما ..
ولكن مهما فكر .. فهو لم يكن يتوقع أن يواجه ما رآه عند وصوله إلى البيت. بمجرد أن وصل إلى باب البيت، رأى حقيبته ملقاة على الأرض، وحاجياته مبعثرة أمام المنزل. في البداية، لم يستوعب ما يحدث، وقف للحظات مذهولًا، يحاول فهم الأمر، ثم سارع بالدخول إلى المنزل وهو ينادي بصوت مرتفع
_هيام! إيه اللي بيحصل؟
وجد أم هيام واقفة في منتصف الصالة، ووجهها يحمل تعبيرًا غاضبًا، وكأنها تتحدث بالنيابة عن ابنتها.
_ما فيش حاجة ترجعك البيت ده تاني، ذكي. هيام عايزة الطلاق!
قالتها بصوت قاطع، لا يقبل النقاش.
ذكي شعر كأن الأرض تدور من تحته، لم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى هذه النقطة.
_طلاق إيه يا طنط؟ إيه اللي حصل؟
سألها بصوت مرتجف، وعيناه تتنقلان بين الأم والغرفة باحثًا عن هيام.
في تلك اللحظة، خرجت هيام من غرفتها، وعينيها مليئتان بالإصرار، لكنها أيضًا تحمل ألمًا واضحًا.
_عايزة الطلاق يا ذكي، الموضوع انتهى!
كانت كلماتها مثل الطعنات في قلبه، لكنه حاول الحفاظ على هدوئه، أملاً في الوصول إلى تفسير.
_ ليه يا هيام؟ إيه اللي غيرك بالشكل ده؟ احنا كنا كويسين، كنا مع بعض.
حاول أن يقترب منها، أن يفهم ما يحدث، لكنها كانت تقف بعيدة، تبعد نفسها عنه وكأنها تضع حاجزًا لا يمكن تجاوزه.
أم هيام رفعت يدها لتمنعه من الاقتراب، وقالت بصوت حاسم
_هيام تعبت! ومش عايزة تكمل. ما فيش حاجة بتتغير، وده قرارها.
نظرت هيام إلى ذكي، ودموعها تكاد تتساقط لكنها تماسكت.
_ إنت مش فاهم حاجة، مش شايف اللي أنا فيه. كل يوم بحاول، بحاول أعيش وأنا حاسة إنك مش شبهي، مش حاسة بالأمان معاك، ومش قادرة أكمل بالطريقة دي.
ذكي شعر بالعجز. كانت كلماته تتلاشى، وكل ما كان يستطيع فعله هو الوقوف هناك، عاجزًا عن استيعاب الموقف. كانت كلماته تتقطع بين الشرح والرجاء، لكن هيام لم تتراجع. كان إصرارها واضحًا في عينيها، وهو يعلم الآن أن الأمر ليس مجرد خلاف عابر، بل قرار نهائي.
جمع ذكي حاجياته بهدوء، وفي داخله كانت عاصفة من المشاعر. كان يشعر بالإحباط والغضب والحزن، وكلما نظر إلى هيام كان يرى إصرارها يتجدد. ترك البيت وهو يشعر بالثقل في قلبه، ويده تمسك بحقيبته، كأنه يحمل معها كل الآلام والأحلام المكسورة. خرج من الباب وهو يدرك أن شيئًا قد انكسر بينهما، ولن يعود كما كان.. وعقله كله يفكر .. كيف يمكن أن تقسوا عليه إلى هذا الحد ..وكيف له أن يطلقها بعدما وقع تماما في غرامها !
استنوا الفصول التانية ولو مش عاوز تستنى .. فانضم لجروب rakafalef المميز وكلمنا وتساب واشتري الرواية كاملة معاها النوفيلا إللي مش هتتنشر غير للمشترين فقط ❤️💅
______