" الفصل الثالث عشر بعد المائة ١١٣"
هيام جلست أمام المرآة في غرفتها تتأمل نفسها وهي ترتدي ثوبها الفخم الذي انتقته بعناية
. اليوم كان عليها الذهاب لمقابلة صديقاتها في احدى المطاعم الفاخرة ، ولكنها لم تكن متحمسة. فكرت في ذكي الذي أصر على أن يوصلها بعربته الجديدة...
_العربية مش وحشة، بس .. مش برستيج
فكرت هيام، وهي تتنهد بخوف. لم يكن الأمر متعلقًا فقط بالعربية، بل بما قد يقوله عنها الناس. ذكي حاول مرارًا أن يقنعها بأن العربية نظيفة وجديدة وتفي بالغرض، لكنها كانت تعلم جيدًا أن هذا لا يكفي لأصدقائها.
حاولت إقناع نفسها بأن لا تهتم لكلامهم، لكنها كانت تشعر بالقلق.
_هيقولوا إيه؟ هيبصلوا له إزاي؟
تساءلت في سرها، قلبها يملؤه القلق. أدركت أن المظهر يمكن أن يكون مهمًا في دائرة الأصدقاء، وخاصة في مجتمع يحب الحكم على الأمور من الخارج.
سمعت بوق السيارة يناديها فوقفت لبرهة أمام المرآة، وأخذت نفسًا عميقًا.
_ هيام ، دي حياتك... ومش لازم تهتمي برأي حد، المهم إن ذكي بيحبك وانت بتحبيه
همست لنفسها محاولة تشجيع ذاتها.
نزلت إلى الشارع، لتجد ذكي يبتسم لها من داخل السيارة، وكأنها كانت الشمس التي أضاءت يومه. نظرت إلى السيارة للحظة، ثم عادت بنظرها إليه. كان وجهه مليئًا بالحب والاهتمام، وبدلاً من الشعور بالحرج، شعرت بفخر بسيط.
فتحت الباب وجلست بجانبه، وهي تقول بخجل
_يلا يا ذكي وصلني بسرعة قبل ما اندم !
ضحك ذكي ضحكة صافية، وأدار المحرك. وبينما انطلقوا في الشوارع، تلاشت مخاوف هيام شيئًا فشيئًا، واكتشفت أن ما كان يشغل بالها كان أقل أهمية بكثير مما اعتقدت.
أوصلها ذكي لتقول له بينما كان يريد أن يوصلها لداخل المطعم قالت
_ خلاص يا حبيبي كدة كفاية .. تقدر تمشي ولما اجي اروح هقولك
_ طيب مش هسلم عليهم ويشوفوني !
سأل ذكي لتحتد عيني هيام فجاة
_ تسلم عليهم ليه يا ذكي وعاوزهم يشوفوك فين ؟!
شعرت بالخوف. القلق فهي لا تريد ما حدث مع فواز قديما أن يحدث مع ذكي .. وهذا ما خمنه ذكي ليقول بينما يحاول تهدأتها
_ حبيبتي
_ لو سمحت امشي انت عصبتني اصلا هو ايه اللي تسلم عليهم دي
ردت عليه في غضب ولم تستطع الهدوء والماضي يداهمها ليضع يدن فوق شعرها في حنان قائلاً
_ ماشي يا غيورة .. قبل ما تخلصي رني عليا
هزت رأسها ثم ذهب هو وبقت هي في الجراج الخاص بالمطعم تحاول تهدئة نفسها ثم غادرت وذهبت للمطعم
هيام كانت ترتدي فستانًا أنيقًا بسيطًا، تبدو جميلة ورقيقة كما اعتادت، لكنها لم تستطع التخلص من الشعور بالتوتر الذي يرافقها. دخلت إلى المطعم وهي تبتسم بتهذيب، وعيناها تبحثان عن صديقاتها. وجدتهم لتتجه له في خطوات واثقة وقوية .. ما إن وصلت حتى سلمت عليهم بأطراف أصابعها وهم كذلك ثم جلسن يثرثرن عن آخر الأخبار والمواضيع، بينما هيام تستمع بتصنع، تحاول أن تُبدي اهتمامها.
رغم أنها تزعم أنها سعيدة، كانت مشاعرها مختلطة. وجدت نفسها تشعر بغصة في قلبها كلما رأت ابتسامات صديقاتها التي تبدو بلا هموم. وكانت تنظر بين الحين والآخر إلى ساعة يدها، كأنها تنتظر انتهاء هذه المقابلة التي لم تكن ترغب في حضورها من البداية...
بينما كانت هيام تستمع لصديقتها "نادين" تتحدث بحماس عن خطوبتها القادمة، صُدمت عندما علمت أن الخطيب المرتقب هو أحد أكبر رجال الأعمال في البلاد، رجل معروف بنفوذه وثروته. "نادين؟!" كانت هذه الفتاة دائمًا ما تعتبرها هيام منافسة لها في كل شيء، من الدراسة إلى العمل وحتى الأمور الشخصية.
تبدلت ابتسامة هيام إلى ابتسامة متوترة، وعيناها تغليان بحيرة. شعرت بتلك الغيرة القديمة تتسلل إلى قلبها، ولكنها حاولت إخفاءها. كيف استطاعت نادين أن تفوز بقلب رجل أعمال بمثل هذه القوة والنفوذ؟ ولماذا تشعر هيام بأن الأمر يتعلق بمنافسة غير معلنة بينهما؟
بدأت الأفكار تتزاحم في رأس هيام، هل ما زالت نادين تلك الفتاة التي تنافسها في كل شيء؟ أم أن الأمر أصبح أكبر من ذلك الآن؟ بينما كانت تفكر، نظرت هيام إلى صديقتها وقررت أن تتحكم في مشاعرها.
_مبروك يا نادين، تستاهلي كل خير.
قالتها بابتسامة مصطنعة، بينما قلبها يمتلئ بالتساؤلات والتحديات الجديدة التي ربما تكون في طريقها.
ثم صمتت ووجهها تحول للون الأسود فأمر تعريف أصدقائها أنها تزوجت .. أصبح اصعب
قالت نادين
_ هو طبعا قوي بس مش زي فواز زين الدين !
انتبهت لها هيام لتعود نادين وتقول
_ بصراحة خسارة انك طلبتي منه الطلاق .. إيه المشكلة بو كنتي فضلتي معاه
رفعت هيام رأسها وقد بدأ الاستفزاز يظهر على ملامحها .. فهي تعلم جيدا ان نادين لا تقصد أي خير من هذا الحديث..
لقد اخبرتهم هيام ان بسبب زواجه من أخرى هي من ارادت الانفصال عنه واخبرتهم ايضا انه انفصل من الأخرى وطلب أن يرجع لها لكنها رفضته ! وفعلت كل ذلك حتى تحفظ ماء وجهها فقط ..
لم تجيب هيام ولم تعلق وقضي الأمر بانشغال الفتيات في عدة أحاديث أخرى ..
بعد انقضاء العشاء .. جاء الحساب ، وكعادتهم .. دائماً هناك منافسة بين نادين وبين هيام على من سيدفع الحساب للجميع !
أخذت هيام الحساب ثم نظرت لهم وابتسمت في مجاملة لتهم في دفعه ... وما ان فتحته حتى وجدت مبلغ كبير لكنه بالنسبة لها عادي ..
وفجأة تذكرت شيئ جعلها تشعر أن جسدها كله تصلب ! .. تصلبت حركتها وجسدها تمسمر في الأرض
لقد نست أنها اعطت الفيزا الخاصة بها لذكي ..المال الذي أعطاه لها لن يكفي حتى لدفع حسابها الشخصي ...
لتشعر أنها ستشل مكانها .. نادت عليها نادين قائلة
_ فيه ايه يا هيام؟ لو المبلغ صدمك هاتي وانا ادفع
ثم ضحكت هي واصدقائها فاشتدت قبضة هيام على الحساب وكادت أن تبكي أمامهم ولأول مرة في حياتها تختبر هذا الشعور
_ هيام...
صوت من خلفها نادى عليها ولم تلتفتت له من شدة صدمتها لتهمس نادين التي سُحرت مما رات هاتفة في دلال
_ فواز !
هنا انتبهت لها هيام ونظرت خلفها لتنفتح عينيها ما إن رأته أمامها. .
وقفت بسرعة واندفعت نحوه ترتمي بين زراعيه ليضمها فواز وقد تفاجئ من فعلتها لكنه شعر بدموعها تسقط على رقبته ليتفاجئ بما يحدث وتشتد قبضته عليها أكثر وأخذها على طاولته التي كان قد حجزها مسبقًا
_ في ايه ؟
تسائلت نادين لتقول الأخرى
_ تلاقيهم رجعوا لبعض !
هنا شعرت نادين بالغيظ الشديد يأكلها ثم توترت بقوة وكان هيام قد عادت لتنافسها فهي معها الكارت الرابح.. فواز زين الدين...
_ مالك يا هيام ؟
سأل فواز في قلق وهو يرى ابنة خالته تبكي في صمت تحاول ألا تجذب الأنظار وألا يرى أحد دموعها
_ ماليش ..
_ هيام انتي باردة مبتعيطيش بسهولة فيه ايه؟
قال فواز بعدما أجابته في محاولة منها للثبات بينما تمسح دموعها .
ما ان سمعت كلامه حتى انهمرت في البكاء مرة أخرى تشتكي له
_ أنا مش عارفة اشتري اللي أنا عوزاه .. مش عارفة اكل واخرج زي منا عاوزة .. مش عارفة حتى أدفع الحساب النهاردة !
تنهد في أسف .. هو يعلم .. يعلم أنها لا تستطيع التحمل .. لا تستطيع أن تجلس دون أن تنفق وتشتري وتذهب هنا وهناك وتصرف ببزخ .. هو يعلم أن ذكي براتبه البسيط لن يكفي حق وجبتين في مطعم مثل هذا
_ بس مش كل حاجة شرا يا هيام .. مشي على أد جوزك
ردت _ يعني انا اكتر من ٣٠ سنة ماشية على ادي عاوزني امشي على اد جوزي فجأة كدة !!
تنند سائلاً _طب واتجوزتيه ليه طالما كدة ؟ .. دا انتي مكملتيش شهر !
قالت _ مكونتش أعرف ان هيبقى صعب أوي كدة
نظر لها ثم قال في هدوء _ خلاص .. متعيطيش .. قومي اغسلي وشك وظبطي نفسك وتعالي
_والحساب ؟
_ وحتى لو معاكي فلوس كنت هسيبك تدفعيه ؟
سأل فواز لتهز رأسها بالنفي وقد توقفت دموعها عن الهطول وبدأ الخوف يقل .. ابتسم لها فواز وحمل يدها ليقبلها فانبهر اصدقائها وهم يرونه يقبل يدها ثم وضع يده على شعرها قائلا
_ مش عايزك تخافي ولا تعيطي كدة تاني .. أنا عارف إني كنت وحش وقاسي عليكي .. واعتذرتلك وبعتذر من تاني
ابتسمت ممتنة ليسال _ اصحابك عارفين انك بتحبي عصير ايه ؟
أجابت _ باشون فروت !
_اوك
كان ظهر هيام لأصدقائها وكان هذا في صالحها فابتسمت له ثم قامت متوجهه لللحمام ونادى فواز على عامل المكان يخبره أن حساب هذه الطاولة عليه وطلب منه انزال مشروب إضافي طبيعي لهم .. طلب المشروب المفضل لهيام الذي اخبرته عنه ..
عندما عادت هيام وجدت العصير الخاص بها على الطاولة وأصدقائها ينظرون إليها في فضول لتسأل احداهن
_ ur fav juice!
ردت الأخرى ضاحكة _ بيهتم بالتفاصيل
وارتفعت ضحكاتهم لتشعر هيام بالخجل والفخر والغرور عاد لها مرة أخرى .. شربت العصير ثم وقفت وقالت
_ أنا همشي علشان متأخرش .. يلا باي !
ثم ودعتهم وغادرت وقفت لتفتح حقيبتها وتتصل بذكي لكنها تفاجئت بفواز ينتظرها في الخارج بسيارته حتى تأتي فركبت معه وأوصلها للمنزل
<**
_____
_____
أسبوع آخر مر حتى قاربت على شهر على ذمة محمود. ..
كانت رنيم مستلقية على سريرها، تتألم من ألم مفاجئ في بطنها. حاولت أن تتحمل الألم بصمت، لكنها لم تستطع. تصاعدت حدة الألم، وبدأت تتنفس بصعوبة، وعينيها تغمرها الدموع. حاولت أن تنادي بصوت متهدج
محمود... محمود!
محمود، الذي كان مستلقيًا سمع صوتها فهب بسرعة نحوها. رأى وجهها الشاحب وعينيها المليئتين بالدموع، فشعر بالقلق يتسلل إلى قلبه. اقترب منها بسرعة وقال بصوت قلق
_في إيه يا رنيم؟ مالك؟
رنيم بصوت ضعيف
_ بطني بتوجعني قوي... مش قادرة أتحمل.
محمود، الذي لم ينتظر لحظة، قرر أن يتصرف فورًا. نزل إلى الطابق السفلي بسرعة وأخذ هاتفه للاتصال بالطبيب، وعينيه تبحث عن حلول سريعة لإنقاذها من الألم. بعدما اتصل بالطبيب واتفق معه على القدوم فورًا، قرر أن يذهب بنفسه لعمل أي شيى ساخن .
وصل الطبيب بعدها بأقل من ربع ساعة لأنه يكون جارهم في المسكن ...
فحص رنيم وطمئنه على حالتها وكتب له على أدوية يجب أن تأتي لها في الحال
محمود نظر إلى رنيم، وعينيه تعكس القلق والخوف، ثم أمسك بيدها بلطف وقال
_ما تخافيش يا رنيم، أنا هنا معاكي... وكل حاجة هتبقى كويسة إن شاء الله.
رنيم، التي كانت تشعر بالألم والخوف، شعرت بشيء من الراحة والطمأنينة في صوت محمود. ومع أنهما كانا في لحظة من عدم اليقين، إلا أن شعور الحب والدعم كان حاضرًا بقوة بينهما.
نزل محمود إلى الشارع مسرعًا، وقلبه مليء بالخوف على رنيم. شعر ببرودة الليل تضرب وجهه، لكنه لم يهتم، كان كل ما يشغله الآن هو أن يعود سريعًا إلى المنزل بالأدوية .
وصل إلى الصيدلية، واشترى الأدوية التي نصحه بها الطبيب، وعاد بسرعة إلى المنزل. عندما وصل
كانت في هذه الأثناء، استيقظت والدته على صوت الحركة والضجة في المنزل. رأت محمود وهو يدخل من باب المنزل ويجري بسرعة ليصل الى شقته في هذا الوقن فتوقفت امامه بدعشة وسألته
_إيه اللي حصل يا محمود؟ ليه نازل دلوقتي؟
محمود وهو يحاول التحدث بسرعة
_رنيم تعبانة، عندها ألم شديد الدكتور لسة ماشي وقالي هات الدوا بسرعة ميعديش ساعة وتكون وخداه فنزلت أجيبه
نظرت والدته إليه بقلق وحيرة، ثم سألت بخوف
_ هي رنيم حامل يا محمود ؟
محمود توقف للحظة، نظر إليها ولم يعرف ماذا يقول !
______
الرواية كاملة وسعرها ٥٠ بدل ٧٠ اول ما تشتروها هتتبعت فورا 🦅❤️
**نهاية الفصل**