"الفصل الثاني عشر بعد المائة ١١٢"
كانت عيناه تبحثان عن الراحة من كل الأفكار التي تدور في رأسه. لكن ظهور غادة المفاجئ ومناداتها لإسمه جعلته يلتف لها وبنظرات تحمل مزيجًا من الغيرة والقلق. وقفت أمامه بتوتر، ثم بدأت الحديث بنبرة هادئة لكنها مشبعة بالمرارة.
غادة
_ذكي... عايزة أتكلم معاك في موضوع مهم.
ذكي نظر إليها ببرود، محاولًا أن يحافظ على هدوئه ، لم يتحدث معها ولم يخاطبها بعد آخر مرة رآها فيها
_ خير يا غادة؟ عايزة تقولي إيه؟
غادة تنهدت بعمق قبل أن تكمل:
_هيام... شايفة نفسها عليك. هي ما بتحبكش بجد، هي عايشة في عالم تاني، عالم الطبقة اللي هي منها.
تفاجئ ذكي من كلامها و عبس وجهه قليلاً ، ولم يفهم مقصودها على الفور
_قصدك إيه يا غادة؟
_ قصدي إنها مش بتحبك واتجوزتك لأي سبب تاني غير الحب !
قالت بأنف مرفوع ورغم عدم اقتناع ذكي بما تقول وتفاجئه من حديثها الوقح في وجهة نظره وتدخلها إلى هذا الحد في حياته بعد هذا الانقطاع .. لو كانت قد قالت ذلك قديمًا لكان تقبلها لأن علاقتهما كانت أكثر من رائعة أما بعد كل ما مرا فيه .. فلا يوجد لها أي حق لتقول هذا الكلام
رد ذكي _ هيام بتحبني ، وحياتنا متبنتش غير على ثقة ووضوح واحترام
غادة ابتسمت بسخرية
_بتحبك؟ ده كلام يا ذكي. هيام من طبقة تانية، طبقة ما ترضاش إلا بمستوى معين، مستوى أعلى من اللي تقدر توفره أنت. هيام جاية من عيلة غنية ، وعارفة كويس إزاي تقيم الناس بالمظاهر والفلوس.
ذكي شعر بطعنة خفية في قلبه، لكنه حاول أن يحافظ على ثقته
هيام مش كدة _ هيام اختارتني علشان بتحبني، مش علشان فلوس أو طبقة وانا اختارتها لأني بحبها
غادة رفعت حاجبها بنبرة تحذيرية
_ ذكي أنت طيب قوي وبتصدق بسرعة. ما شوفتش نظراتها لما بتتكلم معاك ونظراتها لما تتكلم مع فواز زين الدين ؟ ولا تفتكر هو ليه معملتش فرح وليه مدعتش حد من صحابها ؟ تفتكر اصلا بتجيب سيرتك وسط صحابها أو عيلتها؟أنا متأكدة إن هي دايمًا حاسة إنك مش من مستواها.
ذكي حاول أن يتجاهل كلماتها، لكنه شعر بأن هناك بذرة من الشك بدأت تنبت في قلبه.
_طيب... وليه بتقولي الكلام ده دلوقتي؟ إيه مصلحتك؟
غادة نظرت إليه بجدية
_مش عشان مصلحتي، لكن عشان حقيقتك. عايزة تفهم إن مش كل اللي بيقولك بحبك فعلاً بيحس بيك. أوقات بنصدق اللي إحنا عايزين نصدقه، ونغفل عن الواقع.
قالتها غادة بصدق ... فقد عاشت نفس هذه الحالة ! واكتشفت في النهاية أن الواقع يظل واقع ..
ذكي شعر بتداخل مشاعره بين الثقة والشك، لكنه أدرك أن عليه أن يكتشف بنفسه حقيقة مشاعر هيام تجاهه.
_هشوف بنفسي يا غادة، ومش هسمح لأي حد يشككني في حب هيام.
غادة هزت رأسها بابتسامة باردة
_يا ريتك تكتشف الحقيقة قبل ما يكون فات الأوان، يا ذكي.
ثم اقتربت منه قائلة بعيون تجمعت بها الدموع
_ عشان نهايتك متبقاش زيي .. مركون على الرف وولاد الزوات هما إللي يكسبوا .. يكسبوا الحب والاحترام والتقدير والفلوس وكل حاجة
بلعت غصة مريرة في حلقها قبل أنتقول بصوت ظهر منه أنها تكتم مشاعرها بصعوبة
_ خلي بالك من نفسك .. مهما كان اللي حصل بنا انت عشرة عمري .. واللي عديت بيه مش عوزاك تجربه .. كل إللي عوزاه منك انك تخلي عينك وسط راسك ومتخليش حد يغفلك ... وعارفة اني غلطت فيك وأي أسف مش هيكفيك وربنا بيعاقبني على كل إللي عملته أهو وبتقهر أدام كل الناس ..
نزلت دمعة منها ثم تركت المكان، تاركة ذكي مع أفكاره المتشابكة، بينما كانت كلماتها تدوي في عقله، تفتح أبوابًا من الأسئلة التي لم يكن يتوقعها... استشعر صدقها في نصحه .. فهي لم تكن تكرهه يوما وهو يعلم أن مهما ما طان حدث بينهما لن تكرهه أو تتمنى له الشر .. لكنه يثق في هيام. . زوجته التي يعشقها .. رغم مرورة خمسة عشر يوما على زواجهما إلا أن تعلقه بها يذداد وعشقه لها يفيض
بينما ترتدي ريم الفستان تذكرت أنها في وسط الاحتفال، وقف فايز بابتسامة هادئة ونظرات مليئة بالحب وهو يمد يده بعلبة أنيقة لها. كانت العلبة تحتضن هدية غير متوقعة؛ فستان أبيض واسع ينسدل برقة، يهفهف مع كل حركة، مزين بتطريزات ناعمة تضفي لمسة من الجمال. بجواره، حجاب بسيط ولكنه متناسق بعناية مع الفستان، أضاف لمسة من الرقي.
ابتسمت ريم بخجل وهي تأخذ العلبة، ثم اختفت للحظات لتعود وقد ارتدت الفستان الأبيض الذي يبرز جمالها ويضفي على ملامحها رونقًا خاصًا. عندما ظهرت، شعر الجميع بالدهشة والفرحة في آن واحد. الحجاب الأنيق الذي يزين رأسها أضاف لمسة خاصة، وبدا الفستان يهفهف حولها بخفة، مما جعلها تبدو كأنها ملكة في ليلة عرسها.
نزلت لتقف أمامه ليقترب منها
قال فايز وهو ينظر في عينيها
_زي ما توقعت شكله عليكي بالظبط .. . حبيت تشوفي نفسك زي ما بشوفك... جميلة وبسيطة، زي الفستان ده.
ابتسمت في خجل ووضعت عينيها في الأرض لينظر لهم الجميع في ابتسامة فبعد كل ما مرا به ها هما يجتمعان بأفضل الطرق من جديد ..
_ مامي أميرة !
قالت رقية وهي تداعب الفصوص الموجودة بفستان أمها ونظرات الإعجاب خرجت من ياسين وعمر والجميع وهيام نظرت بفخر لأختها
قطعت ريم قالب الكيك واستمر الاحتفال بالضحك والمزاح مع العائلة. كانت الأجواء مليئة بالحب والبهجة، حيث شعر الجميع بأنهم جزء من لحظة لا تُنسى، وأن عيد ميلاد ريم كان احتفالًا بمشاعر الحب والعائلة الحقيقية.
بعد عدة دقاىق اقترب فايز أكثر منها وهو يشعر بالفخر والسرور، ثم همس لها في أذنها
_ممكن آخدك من وسطهم شوية؟
هزت ريم رأسها بالموافقة
ثم اقترب من ياسين ، ابنهما الأكبر، وقال له بنبرة هادئة ولكنها مليئة بالثقة
_ عمر، انت المسؤول عن إخواتك دلوقتي، خلي بالك منهم لحد ما نرجع.
ياسين أومأ برأسه وهو يشعر بفخر بثقة والده فيه
_حاضر يا بابي ، ما تقلقش. هنكون كويسين.
قال فواز _ روح أنت وسيب الولاد معايا ياخويا
ليرد فايز _ ماهو دا أخرك فعلا
كاد أن ينال منه فواز لكن فوزية منعته بضحكة ليبتسم فواز على ذلك الأخ الذي اخيرًا عاد لصوابه
وفي لحظة هادئة، أمسك فايز بيدها بلطف وأخذها بعيدًا عن الجميع، متجاوزًا الضحكات والتهاني، وقادهما إلى كوخ صغير بعيدًا عن ضجيج الاحتفال. كان هذا الكوخ مكانًا هادئًا، مكانًا خاصًا بها وبذكرياتهما معًا.
عندما اقتربا من الكوخ، تفاجأت ريم بالمشهد أمامها. كان الكوخ مضاءً بأضواء ناعمة ودافئة تزين كل زاوية فيه، تضفي على المكان جوًا ساحرًا من الراحة والحنان. الزهور الجميلة كانت تزين الطاولات والنوافذ، وأضواء صغيرة متلألئة تتدلى من السقف، تضيء الأجواء وتضيف لمسة من الرومانسية الحالمة. كان المكان مهيأ تمامًا ليكون ملاذًا خاصًا لهما، بعيدًا عن صخب الحياة وضغوطاتها.
ريم وقفت مذهولة للحظة، ثم نظرت لفايز بدهشة:
_عملت كل ده عشاننا؟
ابتسم فايز وهو يحتضن يدها بحنان
_عايزك تحسي إنك ملكة في الليلة دي. مكاننا ده يستحق إنه يكون زي قلبك... مليان نور وجمال.
اقترب فايز من ريم وابتسم قائلاً:
_يلا، نبدأ الليلة بتاعتنا هنا
نظرت ريم إلى المكان وهي تغمرها مشاعر من السعادة والامتنان، ثم قالت بهدوء:
_شكراً يا فايز... ما توقعتش كل ده.
فايز اقترب منها واحتضن يدها مرة أخرى، ونظراته تفيض بالحب
_إنتِ تستاهلي كل ده وأكتر يا ريم... وإحنا مع بعض دايمًا هنعمل لحظاتنا الخاصة.
في تلك اللحظة، شعر كلاهما بأن هذه الليلة ستكون مميزة، ليس فقط بسبب الترتيبات الجميلة، ولكن لأن الحب الذي يجمعهما دائمًا كان وسيظل، النور الذي يضيء حياتهما.
______
** ...
____
في اليوم التالي، كانت هيام تجلس في غرفة المعيشة، تقرأ في مجلة أزياء جديدة، بينما هاتفها على الطاولة بجانبها. فجأة، رن الهاتف، وكانت صديقتها المقربة على الخط.
صديقتها بحماس
_هيام! مش هتصدقي! نزلت الجذمة الجديد من ماركة *جيمي تشو*، اللي كل الناس كانت بتتكلم عليه! لسه نازل ومحدود جداً.
هيام فتحت عينيها بدهشة واهتمام واضح
_ ايه؟! بجد؟! دي الجذمة اللي كنت بدور عليه من زمان! لازم أجيبه حالًا.
دون تفكير، التقطت هاتفها وبحثت سريعًا عن الحذاء على موقع الماركة الرسمي. لم تستطع التحكم في حماستها وهي ترى الصورة ، حذاء مميز بتصميم أنيق، يتماشى تمامًا مع ذوقها الرفيع. بسرعة، بدأت بإجراء الطلب حتى تتأكد أن الحذاء سيصل إليها في أسرع وقت ممكن...
في تلك الأثناء، كان ذكي يجلس في المطبخ، يحتسي كوبًا من الشاي ويحاول التركيز على قراءة بعض الأشياء المهمة المتعلقة بالعمل التي أرسلها له فوزي .. لكنه لاحظ حالة الاندفاع التي كانت هيام فيها. اقترب منها بهدوء وسألها:
_فيه إيه يا هيام؟ إيه اللي شاغلك كده؟
هيام بنبرة فرحة
_ اسكت يا ذكي دي الجذمة اللي كنت بحلم بيه، من *جيمي تشو*، نزل أخيرًا. طلبته دلوقتي حالًا. مش عايزة أفوّت الفرصة.
ذكي، الذي شعر مرة أخرى بمشاعر سلبية تهاجمه .. عز عليه أن يبطل فرحتها لكنه قال
_ أنا مقدر فرحتك يا قلبي جدا بس انتي عارفة اني مش هقدر دلوقتي اجيبلك الجذمة دي .. بس أكيد ادام هوفرلك كل حاجة
كان هذا الموقف يعاد .. نفس الموقف الذي يحدث بينهما .. هيام لا تكف عن شراء الأشياء الغالية .. وهو يحاول أن يبقى هادئًا دومًا .. فليس ذنبها أنها اعتادت على امتلاك الأشياء الغالية وهو لا يستطيع توفيرها
قالت هيام بحب
._ مش لازم يا قلبي أنا دفعت تمنها خلاص
ذكي شعر بالغضب المكتوم، لكنه لم يُظهره على الفور.
_ دفعتي تمنها منين ؟
قالت _ من معايا عادي .. أنا عارفة إنك مش هتقدر تستريها ولو بعد سنة حتى .
ثم ارتفعت ضحكاتها في تسلية ولم تدرك ماءا فعلت في زوجها بهذه الكلمات التي ظنت أنها خفيفة الظل وتخفف الأمر عليهما
وقف ذكي من جانبها فورا وابتعد عنها متجهًا لغرفتهما .. وهنا أدركت هيام شر ما فعلت !
دخلت عليه الغرفة لتجده يقف امام الشرفة المفتوحة يشتم بعض الهواء لتشعر هي بمدى حزنه ثم اقتربت منه قالئة في اسف
_ أنا آسفة يا حبيبي ..
لم يجيبها لتقترب أكثر موضحة وجهة نظرها
_ انا قصدي اني أنا مش بطلب منك تجيبه ليا، أنا قدرت أجيبه بنفسي، وده شيء أنا بحبه. ليه بتحسسني إني غلطانة في كل مرة أحب أجيب حاجة لنفسي؟ .. إيه المشكلة يا حبيبي ؟
التف لها قائلاً
_ أنا بتضايق يا هيام ...أنا جوزك .. أنا المسؤول عن كل دا وانتي مسبتيش فرصة محسستنيش فيها بالعجز
كان هناك توتر في الهواء، وذكي شعر بأن النقاش قد لا يؤدي إلى نتيجة الآن. قرر أن يهدأ قليلاً ويتحدث معها في وقت لاحق، لكن كان واضحًا أن هناك فجوة في فهمهما لحالته وما يريده وأن تصبر على ما يستهويها . خرج من الغرفة تاركًا هيام تستمتع بلحظتها، بينما كانت في داخله مشاعر متضاربة من الغضب والحيرة .
_ أنا بعمل كل دا !
سألت هيام وهي ترى وجهه سينفجر من الغضب ثم خرجت من الغرفة
شعر أنها لا تهتم بحزنه ليدور كلام غادة في عقله ولكنه وجدها عائدة بيديها عدة كروت قائلة بينما ترفع يده لتناوله إياهم
_ خليهم معاك . مش عوزاهم ..
_ انتي بتعمل ايه ؟
سأل في استنكار لتقول
_ دي الطريقة الوحيدة اللي هتخليني مصرفش كتير ومتسرعش .. أرجوك خدهم يا حبيبي ..
نظر لها قائلاً _ وليه يا حبيبتي كدة .. أنا بس عاوزك تصبري عليا شوية وأنا هجيبلك كل حاجة من غير ما تطلبي
ردت في إصرار _ دي حاجة أنا واثقة منها .. وعشان كدة أرجوك خدهم خبيهم معاك عشان معرفش اوصلهم ..
لم يقتنع بما قالت لكن اصرارها جعله يذعن لها ثم ضمته إلى صدرها قائلة
_ أنت كفاية ياروحي ..
____
الرواية موجودة كاملة سعرها ٥٠ ومعاها نوفيلا هدية مش هتتنشر إلا للمشتريين فقط ❤️التواصل وتساب 01098656097
نهاية الفصل **