الفصل الرابع والتسعون من رواية عشق أولاد الزوات 

______

كان الليل قد أسدل ستاره، وتلألأت النجوم في السماء الصافية كما لو كانت ترقب هذا التجمع العائلي الصغير. في خيمة أمام أمواج البحر الهادئة، كانت النيران ترقص بهدوء في حفرة صغيرة أمام خيمتهم، تنشر دفءً لطيفًا وسط البرودة التي بدأت تزحف ببطء.

فايز، الذي كان يرتدي قميصًا ما شورت يناسب أجواءالبحر ، جلس على كرسي محمول ، بينما كانت ريم تجلس على كرسي مشابه بجانبه ، تلتف بغطاء ثقيل بسبب شعورها بالبرودة تزحف إليها وهي تحتسي مشروبها الدافئ. أصوات الضحكات الطفولية كانت تملأ المكان، حيث كان الأطفال الثلاثة يركضون حول الخيمة، يتسابقون لجمع الحطب الصغير لإبقاء النار مشتعلة.. رغم أن الخشب والأدوات التي تساعد على الإشتعال متوفرة .. لكنهم قد فضلوا ذلك .. 

جلس فايز بحانب ريم يشعر ببعض التوتر ، فبعد حديثهم الأخير لم يتكلموا بعدها .. لكن الأمور هادئة وليست متوترة كما السابق وهذا ما جعله يجلس جانبها في ارتياح بعض الشيئ .. لكن الأهم الآن هو أطفاله .. الذين تركهم في حزن وتعب فخرجت عنهم تصرفات عدوانية هي سبب تواجدهم هنا الآن بين عدد من العائلات الأخرى  ... وبسبب انشغاله مع ريم الأيام الفائتة 

أدرك فايز أن الوقت قد حان لتوجيه بعض النصائح لأطفاله. نظر إلى ريم، التي بادلته نظرة هادئة، ثم قال

_ ريم، أعتقد أن الوقت مناسب اننا نتكلم مع ولادنا عن الحجات إللي حصلت واللي هي سبب اننا هنا 

أومأت ريم موافقة وقالت

_ أكيد يا فايز ، أنا كلمتهم في الغلط اللي عملوه ومفيش داعي تذكره تاني ، ممكن تقولهم نصايح عاملة خاصة بالتعامل 

تأملها فايز بينما تتحدث .. هل بدأت تتجاوب معه ؟ لكنه نفى الفكرة فتعاملها معه أمام الناس دائمًا ما يكون هادئ وطبيعي 

وكأنها عرفت ما يدور بعقله بنظرته الطويلة التأملية لها فنادت بصوت هادئ ولكنه ثابت على أطفالها

_عمر، ياسين، رقية! تعالوا هنا 

توقفت الضحكات والركض فجأة، وركض الأطفال نحو والديهم، وجلسوا على الأرض حول النار، متحمسين لمعرفة ما يود والديهم قوله.

ابتسم فايز وشعر بالرضا وهو يرى قططه الصغار يجلسون في انصات شديد ليقول 

_  حبايبي.   

ثم داعب شعر رقية فابتسمت وبدأ فايز وهو ينظر إليهم بعينين مليئتين بالحنان

_  أنا عارف انكم مبسوطين بالرحلة اوي ، بس في حاجة مهمة لازم نتكلم عنها .. لما تكونوا مع صحابكم في المدرسة أو في الرحلات اللي زي دي لازم جدا تتعاملوا مع صحابكوا بلطف وباحترام 

عمر، الذي كان قد جلس بجانب والده، نظر إليه بتركيز وسأل

_ بس ليه يابابي ، احنا بنلعب معاهم وخلاص 

أجابت ريم بابتسامة دافئة

_صح  يا عمر، بس لازم تفتكر ان كل شخص ليه مشاعر 

، فلما نتكلم مع حد أو نلعب معاه لازم ناخد بالنا كويس جدا من مشاعرهم ونحاول نحسسهم بالراحة ، مش أنتوا بتزعلوا لما حد يكلمكم وحش أو يعاملكم بشكل مش لطيف  حتى لو هما مش قاصدين؟

أومأ الأطفال برؤوسهم، وتذكرت رقية عندما بكت ذات مرة لأن صديقتها لم تشاركها لعبتها المفضلة.. وتذكروا حزنهم من زوجة أبيهم فهتف ياسين 

_ زي غادة لما قالت لينا كلام وحش. 

ضغطت ربم على أسنانه وضاق صدر فايز ، لازال صغاره يتذكرون ، شعر بالغضب تجاه تلك التي عاملت أطفاله بشكل قاسي وعدواني .. وريم نظرت له بعيون كلها سخط ولوم .. فهم معناها على الفور 

ليعود ويقول عمر 

_ ولما مامي مكانتش راضية تشوفنا 

دق قلب ريم في حزن .. هي نادمة أشد الندم على ما حدث وبدر منها تجاه أطفالها  .. ربتت فوق شعر عمر وقالت في حنان 

_ أنا آسفة يا حبيبي ، عمري ما هسيبكم تاني 

قالت رقية _ انتي وبابي متسيبوناش 

شعر فايز بفداحة فعلته .. الحزن والخوف تربع في قلوب أطفاله  .. إنهم يخافون الهجر .. يخافون أن ينفصل والديهم ..  فقال فايز في حزم وتصميم

_ عمرنا ما هنسيبكم وهنفضل مع بعض علطول عيلة حلوة وجميلة 

أشاحت ريم بنظرها عنه ليشعر فايز أنه يفرض نفسه عليها ولكن لا يهم .. كل ما يريده أن يلملم شمل عائلته ثانية وهو مستعد على تقديم أي تنازلات 

قال ياسين الإبن الأكبر في شك 

_ وعد 

رد فايز بقوة _ وعد طبعا .. 

ابتهج الأطفال ونظرت لهم ريم في ابتسامة هادئة رغم كلام فايز .. لكن ما همها هي فرحة أطفالهم ، عاد فايز لسير الموضوع وقال 

_ وعشان أنتوا بتزعلوا وللسبب دا بالذات .. من المهم أوي إننا نكون لطيفين ، لو فيه حاجة مش عجباكم أو مزعلاكم .. لو فيه حاجة معصباكم أو مضيقاكم..

ركز على تلك الكلمات وهو ينظر داخل أعين عمر وياسين اللذان أفتعلا أفعال شغب في المدرسة ثم اكمل 

_ الحل مش إنكم تغضبوا أو تزعقوا ، حاولوا تتكلموة بهدوء وتشرحوا اللي بتحسوا بيه ، كدة هنقدر نحافظ على اصحابنا  ونفرح بوقتنا سوا 

ياسين، الذي كان ينظر إلى النار بتفكير، قال

_ بس أعمل إيه لو فيه واحد مش عاوز يكون لطيف معايا؟ 

_سؤال حلو يا ياسين

قال فايز، ثم أضاف _ أحيانًا ممكن يقابلنا شخص مش لطيف، بس لازم نتعلم ونفتكر إزاي نتحكم في تصرفاتنا ، لو هو وحش فاحنا نكون حلوين ، لو حد مش مؤدب ، ممكن نختار اننا أصلا منردش عليه خالص ونتجاهله ، خليكوا دايما راقيين في التعامل، ولو الوضع استمر فنروح نقول للميس بتاعتكم أو تيجوا تقولوا لبابا وماما 

قالت رقية _ ولو بابي ومامي هما اللي مزعلنا ؟ 

_ أيوة نعمل إيه؟ 

قال عمر يؤكد على سؤالها في حماس ، ليتوتر فايز ويتبادل النظرات مع ريم التي تفاجئت من السؤال ، كلمات أطفالهم تجعلهما يدركان كيف أنهما أثرا على نفسيتهم الأشهر الماضية حتى وصل بهم الحال إلى أن يسألوا هذه الأسئلة

قال فايز بعد صمت طال _ تيجوا وتتكلموا بردو ، وتقولوا لبابي ومامي إللي زعلكم ، وتعاتبوهم وتاخدوا موقف ، بس اوعوا تزعلوة وتسكتوا ، أنتوا ليكوا حق عليهم ، متسيبوش حقكم 

_ مش هسيب حقي يا بابي ولما تزعلني أنت أو مامي هنتخانق معاهم 

قالها عمر في اندفاع فابتسمت ريم على مشاغبته وتواطى إخوته معه بالنظرات وحركات الجسد وملامح التحدي التي انتشرت على وجوههم 

_ ايه يا عمر شوية كمان وتقول هتكسر المسطرة فوب دماغي !  

قالها فايز في غيظ فنكزته ريم في خصره ، ذلك الطفل الذي فقد سيطرته على نفسه أمام أطفاله فنظر لها فايز متألمًا فأشارت له بالتحذير عن ذكر هذا الأمر فتذمر فايز وكأنه يخبرها ألا تري هو من بدأ أولاً

قال عمر يهذب والده _ خليك لطيف يا بابي 

كتمت ريم ضحكتها فنظر لها فايز متفاجئًا وهو يراها تضحك عليه وتشمت فيه .. لكنه سيطر على اعصابه ورغم شماتتها بن إلا أنه ابتسم وقال 

_ أنا هبدأ الأول وهبطل أتعصب وهكون لطيف أوي  

رفعت رقية يدها بحماس، وقالت 

_ وأنا كمان هبقى لطيفة اوي وهساعد كل اصحابي لو احتاجوا اي حاجة 

ابتسمت ريم بفخر وقالت

_ جميل أوي يا رقية، وأنتوا كمان ياعمر أنت وياسين ، انا متاكدة ان أنتوا هتبقوا أصحاب حلوين أوي للكل 

أنهى فايز الحديث بجدية ناعمة

_ افتكروة .. اللطف دا هو اللي بيخلينا مميزن .. 

ثم نظر لريم وقال _ ومتستغلوش اللطيف ، متستهونوش بيه ، حبوه أوي، اللي يهتم بيكوا ويخال على مشاعركوا اوعوا تزعلوه او تفرطوا فيه .. 

نظرت ريم في الأرض ناربة من عينيه ليكمل فايز 

_ عاوز صداقات قوية ومش عاوز أي شكوى من أي حد عنكم .. أنا ومامي واثقين ان أنتوا هتكون مثال رائع لكل الناس ولأي حد يتعامل معاكم يا حبايبي 

ياسين، الذي كان غالباً متأملاً، نظر إلى والديه وقال بهدوء

_ هنحاول نكون أنا واخواتي أصحاب كويسين وهاديين زي ما اتعلمنا منك يابابي دلوقتي ومن مامي في البيت

ثم قفز الأطفال من أماكنهم متحمسين وعادوا إلى لعبهم، ولكن مع كلمات والديهم ما زالت تدور في عقولهم الصغيرة. تبادل فايز وريم نظرة مليئة بالفخر والرضا، شعر فايز بجملة ياسين الأخيرة أن العالم كله يبتهج من أجله مرة أخرى.. شعر أنه أرجع أطفاله إلى حضنه وحل بعض مما عاشوا الفترة الماضية ..

قالت ريم بابتسامة هادئة وهي تنظر إلى أطفالها الذين يمرحون وضحكاتهم تملى المكان ثم تذكرتهم وهم صغار مازالوا لم يتعلموا المشي جيدًا وقالت 

_ بيكبروا بسرعة أوي، مش كدة ؟

كان هو ايضا مثلها غارق في تامل سعادة اطفاله .. وما ان وجهت له الحديث حتى شعر بسعادة تغمره وقد حسسته كدوره ولو للحظة كأب وشريك حياة 

فأجاب فايز وهو يلف ذراعه حولها بلطف 

_ أيوة، وبكره يبقوا شباب حلوين أوي، زي مامتهم بالظبط 

نظرت ريم لزراع فايز التي حاوطتها في تحذير ليبادلها فايز النظرة بخبث .. ثم عادت تنظر حولها لترى العائلات حولهم وذلك الرجل الخبيث بجانبها يستغل الوضع لتضغط على أسنانها قائلة 

_ شيىل ايدك 

اقترب فايز منها مستمتعًا باللعب معها ومعاندًا 

_ مش شايلها ياريم ..

نفخت خديها في غضب فمال أكثر وهمس لها بصوته المتلاعب 

_ ما تيجي نروح الفيلا يا ريم .. 

هزت رأسها تخزن له استفزازه لها ثم قالت 

_ ماشي يا فايز أنا هوريك  

همس بصوته الحميم 

_ منا بقولك أهو.. تعالي الفيلا ووريني هناك .

 كل حاجة مش هقولك لأ 

نظرت له ريم في شراسة اخافته فتحمحم فايز ونزع زراعه عنها وقرر أن يجلس باحترامه بدل أن يلقى عواقب .. فهو لا يتوقع ردود أفعال ريم في الفترة الأخيرة فقد اصبحت مجنونة ! .. وكم يعجبه ذلك ..

_____

لم يرجع إلى المنزل بل ظل مكانه يقف أمام البيت الذي قضى فيه آخر أيام حياته في النعيم .. 

نظر فواز إلى تلك الشقة المغلقة ، التي قضى فيها مع رنيم أجمل أيام حياته .. لكنه لم يأتي هنا ليدخلها .. 

دق فواز الباب المقابل .. وبعد دقيقة فتح الباب وتفاجئت الفتاة به يقف أمام بابها 

_ أهلاً بيك يا فواز باشا عاش من شافك اتفضل 

قالتها حسناء بترحاب شديد لكن فواز لن ياتي ليتناقش بل سأل مباشرة 

_ فين دينا ؟ 

عادت حسناء لتقول في رقة 

_ طب اتفضل الأول 

_ فين دينا ؟ 

أصر على سؤاله لتجيبه حسناء 

_ دينا سافرت سفرية تبع الشغل 

_ ومبتردش على تليفونها ليه ؟ 

سألها فشعرت بالتوتر لكنها استطاعت ايجاد إجابة فقالت 

_ لأ هي بس في مكان مفهوش شبكة كويسة 

لم يظهر على وجهه الأقتناع بإجابتها .. يشعر بشيئ غريب ، رغم كل الأدلة التي هي ضد رنيم إلا أنه في الفترة الأخيرة وبعدما خفت الغمامة الموجودة في عقله .. عاد بعض الشيئ لتعقله .. 

تابعت حسناء صمته ثم قالت 

_ تحب أوصلها حاجة لو كلمتنا ؟ 

_ لأ  

رد باقتضاب ثم توجه للرحيل .. وعينيه تعلقت بذلك الباب ، ذلك الباب الذي دخله متألمًا بسببها وخرج منه متألمًا بسببها أيضًا .. 

ركب سيارته ورحل نو ورجاله ومن في الشارع ينظرون إليه ويعرفونه حق المعرفة .. ولم يستوعبوا بعد أن هذا الرجل المهم كان يعيش بينهم في حارتهم البسيطة .. 

دق هاتفه وهو غارق في أفكاره فوجده أباه وما إن فتحه حتى انطلق صوت أبيه الغاضب يهتف فيه 

_ عملتها الزبالة كلبة الفلوس 

_ مين دي ؟ 

سأل مستغربًا ليقول أبيه 

_ اللي بليتنا بيها ! 

صمت فواز لا يعلم عن ماذا يتحدث ليكمل زين الدين 

_ رافعة عليك قضية ! 

انصدم فواز بينما عاد ابيه يهدر في غضب وغيظ 

_ قضية اغتصاب .. 

انفتحت عيني فواز على آخرها ولم يتخيل في كوابيسه أن صغيرته رنيم .. قد تفعل به ذلك .. 

نهاية الفصل والرواية موجودة لوقت محدود جدا للبيع ومعاها عشر فصول إضافية وحلقات خاصة مش هتتنشر في العام وهتتنشر للمشتركين فقط .. سعر الرواية ٥٠ جنية بدل ٧٠ جنية كلمونا على تلجرام او وتساب او فيسبوك وحتى انستجرام والحقوا اشتروها عشان فيه مميزات تانية كتير هتتقدم للمشتركين ..