الفصل الأول من رواية إبنة الراقصة
💗__ الفصل الاول___💗
في قلب الظلام والقوة ، هناك بيت انفصل عن الحي .. حوله سور من الصخور القوية ، مترابطة بروابط من الحديد والصلب. تتداخل الظلال مع الضوء في أرجاءه، مما يخلق أجواءً مليئة بالتناقضات والغموض ..
البيت يتسم بتصميم معماري قوي ومتين، يتألق بوجوده الضخم يحاط بسور شامخ يعكس القوة والثبات ، مع بوابة رئيسية تعلوها شموخ العائلة المترابطة. يمتد البيت على أرض مساحتها واسعة، تضم حدائق خضراء ، بينما تتوزع الأشجار الكبيرة والزهور الملونة حوله، مما يضفي لمسة من الجمال الطبيعي والهدوء العميق. وفي أرجاء الحديقة، تنتشر مقاعد خشبية مريحة تدعو للجلوس والاسترخاء، محاطة بأضواء خافتة تضفي أجواءً دافئة ومريحة خلال الليالي الطويلة.
في داخل المنزل ساد الصمت والهدوء وكأنه لا يسكنه أحد رغم أن داخل البيت، تتجلى الأناقة والقوة في كل زاوية وركن. يمتد مدخل واسع ومهيب، تزينه أرضيات من الرخام الفاخر وأعمدة مزخرفة بأشكال دقيقة، تنبثق منه رائحة الزمن العريق والحداثة في آن واحد. في منتصف المدخل، يتفرع سلم مزدوج بتصميم رائع، يصعد أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار، يلتقيان عند شرفة تطل على بهو كبير
الغرف عديدة، كل منها يحمل طابعًا خاصًا يعكس تنوع الحياة العائلية. الصالون الرئيسي فسيح، مزين بأثاث كلاسيكي يفيض بالفخامة، تتوسطه مدفأة كبيرة تعلوها مرآة ضخمة بإطار ذهبي قديم. المكتبة، بغرفتها الهادئة، تحتوي على رفوف مليئة بالكتب القديمة والجديدة
غرف النوم مريحة وواسعة، تُزيّنها نوافذ كبيرة تسمح بدخول الضوء الطبيعي، وتمنح إطلالات خلابة على الحدائق المحيطة. غرفة الطعام تتألق بطاولة خشبية طويلة تحيط بها كراسٍ متينة، جاهزة لاستقبال أفراد العائلة في تجمعاتهم. الطابق العلوي يضم جناحًا خاصًا للجدة الكبيرة ، مليئًا بالتحف والأثاث الفاخر، يبرز مكانتها المهيبة في العائلة... وهناك أيضًا جناحيم خاصين بشخصيتين أخرتين مهمين سنعرفهما لاحقا ...
في النهاية، البيت بأكمله يعكس ترابط العائلة وقوتها، حيث يتجمع الجميع تحت سقف واحد، يتبادلون القوة والعزيمة في كل خطوة وكل زاوية.
يتصدى أفراد الأسرة للظروف الصعبة بشجاعة وعزم، معًا يتحدون الظلام ويبنون جسورًا من الأمل والتفاؤل. وعلى الرغم من القتامة التي تخيم على البيت، إلا أنها لا تحجب بريق الوحدة والترابط بين أفراد العائلة، حيث يتمسكون ببعضهم البعض بقوة وثبات، جاهزين لمواجهة أي تحديات قد تعترض طريقهم، مما يجعل البيت ملتقى للقوة والتماسك في وجه العواصف الصاعدة.
في جناح الجدة الكبيرة .. نجد رجال العائلة يتجمعون حول امرأة تبلغ من السن خمس وسبعون عاما ، يلتفون حولها كالأسود ، تتقاسم أعينهم تلك الحكمة العتيقة والاحترام العميق لشخصيتها المهيبة. ترتسم على وجوههم ملامح الاعتزاز والاحترام المتقدّم، بينما تتفجر أصواتهم الثقيلة بالاستماع إلى أوامرها وتوجيهاتها. بينهم، يعتلي الجاه والسلطة، مع تأكيد كل كلمة تنطلق من فمها، وتنعكس على ملامحهم ملمحات الانقياد والولاء المطلق.
ولكن مع كل هذا الاحترام والتقدير ، ارتسم الغضب والعنفوان وكأنهم يخططون لخوض حرب ما
_ روح هات بنت أخوك وعرضك يا هارون.
هتفت الجدة أخيرًا بصوتها ، تأمر في خشونه فرغم كبر سنها إلا أنها تتمتع بصحة جيدة
نظر الرجال لذلك التي كفلته الجدة بالمهمة ..
هارون ! صاحب العينين التي تظهر كشمس غروب تتوهج بجمال رجولته ، فقوامه المقتدر يتصدر المشهد بكل هيبة وثبات. ملامح وجهه، مختومة بقوة القرار والعزم، تنطلق منها الثقة المطلقة والسيطرة المتفجّرة. عيناه تتألقان بلمعان الصخور الثمينة، تحمل كل ومضة فيها وعيا عميقًا يملأه الحكمة والقوة. تلك النظرات، تحمل في طياتها سلطة لا تُعبأ بالمنازعات، بينما يعبق حضوره بجاذبية مغناطيسية تسحب الأنظار وتثير الإعجاب والتبجيل.... لكنه يحمل من الغضب ما جعله يهتف بصوته القوي الجهور بينما ينوي الشر
_ هدفنها هي وأمها
_ لأ ياهارون ... البت ملهاش ذنب ، أمها أعمل فيها إللي تشوفه ، إنما بنتها عرضنا وشرفنا واحنا أولى بيها نربيها من أول وجديد
هتفت بها الجدة تخبره وتخبر الجميع بما تريد ليقول أحد أفراد العائلة والذي كان يسمى " ماهر " وقد كان غاضباً للغاية
_ البت دي نطفة نجسة زي أمها إللي قتلت إبنك يا عمتي ، نسيتي خلااص إبنك
وافقه الرجال على ما قال ولكن الجدة قالت بدورها بلمحة حنان واشتياق ظهرت في صوتها
_ أنا أنسى نفسي ولا أنساه لكن بنته ملهاش ذنب وهي ريحته الوحيدة إللي فضلالي من الدنيا ، هات البت ومتعملش فيها حاجة يا هارون دي زي بنتك
ثم مالت ناحية هارون قائلة _ هاتها يا هارون وهنخليها ، هنغسلها من ذنوبها ... نفذ طلب عمتك وبرد قلبها
ورغم اعتراض جميع رجال العائلة وأولهم هارون الذين يكنون كل الكره لهذه الفتاة وأمها ، إلا أن لا سلطة تعلو فوق سلطة الجدة ليردف هارون بنبرة غامضة
_ على الله يا عمتي .. على الله !
____
وقفت تلك الفتاة الشابة حائرة تراقب أمها التي تلملم حاجاياتها ويبدو أنها ستذهب لمكان ما أو بالمعنى الأصح هي تهرب لتقول
_ انتي رايحة فين ؟
أجابت الأم والتي كانت هي الأخرى صغيرة بدورها وجميلة
_ أنا لازم أهرب دلوقتي !
ثم عادت لتكمل في غضب وتوتر _ الزفت اتمسك وأكيد بيعترف عليا دلوقتي
هنا الفتاة وقفت كالضائعة تسأل
_ وأنا ، أنا هروح فين ؟
_ عمك جاي ياخدك
قالتها الأم في عجل لتنفتح عيني الفتاة في تفاجئ مرددة
_ عمي مين ؟!
_ عمك هارون
ترد عليها الأم بينما تضع آخر أشيائها في الحقيبة وتجر الذهب والمال لتضعهم في حقيبة أخرى محكمة الغلق بينما ابنتها بدأت تهذي غير مصدقة أن لديها عائلة
_ أنا .. أنا ليا عم وا
_ اخرسي مش ناقصة رغيك .. هييجي دلوقتي ياخدك من هناا اوعي تتحركي من مكانك
حذرتها أمها وأمرتها ثم حملت حقائبها وهمت بالخروج لتقف أمامها الفتاة بعيون حزين ضائعة
_ ماما .. انتي رايحة فين ؟
لم ترد الأم وتعلقت عينيها بعيون ابنتها لتتوسلها الفتاة قائلة
_ عزيزة .. متسيبنيش !
اقتربت منها تقبلها .. ثم ضمتها بقوة وشدة لتغمض الفتاة عينيها بينما تخبرها أمها عزيزة في ثقة ويقين
_ هرجع يا شوق ، هرجع !
ثم غادرت شبه جارية تاركة ورائها ابنتها شوق تنزل الدموع من عينيها وهي ترى أمها عزيزة تفر هاربة من الشرطة ...
كان الليل قد أسدل ستاره الثقيل وبقت شوق كما أمرتها أمها .. لم تأتي الشرطة لتحمد ربها ويخف قلقها على أمها لكن فجأة سمعت صوت ضجة وطلقات نارية ارتفعت في المكان ليصيبها الذعر والخوف ... جرت من مكانها لتختبئ تحت الفراش أو في الخزانة لشعورها أن هناك خطر قادم وهي تسير أحد الأدوات التي تستدخمها أمها في الرقص شرخ لها بلوزتها لتقطعها لكنها لم تأبه بذلك واندفعت تحت الفراش لتختبئ وجسدها يرجف من الخوف
أصوات الصراخ عالية فوضعت يدها فوق أذنها حتى لا تسمع ما يجدث وبعد قليل وجدت الأجواء قد هدأت تماماً وما كادت أن تفرح حتى وجدت أحد يفتح الغرفة ..
لم تكن ترى إلا قدميه .. حذاءه الأسود اللامح وذلك البنطال الأسود الذي يرتديه ..
كانت تتابعه من أسفل الفراش وهي واضعة يدها فوق فمها حتى لا يسمع صوت تنفسها وخوفها
فجأة وجدت من يسحبها من قدمها لتخرج من تحت الفراش .. وهنا تنصدم برجل ضخم بشرته تميل للسمار مع عينين بنيتين تنظر لها بقسوة ورموش كحيلة حادة كالسيوف ..
إنه هو .. هارون !
اقتحم هارون المكان كعاصفة لا تُوقف، طغت هيبته على الأجواء، فتوقف الهمس والغناء. بقامته الفارعة وجسده الرياضي، كان يقطع طريقه بين الجموع بسهولة بينما رجالة يضربون النار ويقفون كل من يحاول التدخل ، وكأن البحر ينشق ليمر هو بقوته وهيبته. عيون الزبائن والعاملين تتبعه بخوف وترتفع الصرخات من جانبه .
فتح عدة غرف ... وفي كل مرة يفتح غرفة يدق قلبه في صدره بقوة ... خائف أن يجد إبنة أخيه على أحد السرائر تفعل ما لم يسره بل سيجعله يقتلها فوراً !
آخر غرفة فتحها وجدها فارغة تماماً... كاد أن يخرج لكن لفت نظره قطرات الدماء الموجودة على السيراميك الأبيض ... ليتتبعه حتى وجد أنها تستقر تحت الفراش ! ... اقترب من الفراش لتبدأ الصورة في الظهور ..
وجد قدم فتاة مكشوفة ارتفعت جيبتها بسبب جريها وانها مختبئة بهذا الشكل فجأة سحبها من تحت الفراش لتخرج من الفتاة أخيراً! ..
كانت تقف متجمدة، عيناها الواسعتان تتقابلان مع نظراته الثاقبة. شعرها الأسود ينسدل على كتفيها كليل بلا نجوم، وجسدها يرتعش بخليط من الخوف والارتباك.
نظر ليجد بلوزتها مشقوقة من عند الصدر ويدها تنزف .. ليجد أن بها جرح قد تم كشفه وبفعل جريها قد انفتح ونزف !
إنها هي .. هي من يبحث عنها ، تلك هي صورتها التي أرسلتها له أمها ، إنها ابنة أخيه الصغير ، إنها إبنة الراقصة ، إنها شوق !
لم تكن شوق تفهم أي شيئ بل كانت ستموت رعباً أمام ذلك الوحش لكنه لم يبالي بشرح نفسه أو تقديمه لها وأمسكها بقوة ولكن شيئ بداخله أراد أن يمسكها برفق ، يديه الخشنتين تحيطان بذراعها الرفيع، يجذبها نحو الباب بخطوات ثابتة وواثقة.
لكن فجأة وجد الفتاة تمانعه .. على عكس ما كانت منذ قليل... وقفت الفتاة فجأة وفي لحظة كانت جرت منه لتمسك خنجر والدتها الذي تركته لها
ثم قالت في خوف لكن بشجاعة
_ أنت مين وعاوز مني إيه ؟!!
يبدو أنها بالفعل تمتلك دماء عائلتهم وحرارتهم ! ها هي تشهر السكين في وجهه في أول لقاء لهما ...
ضيق عينيه في خبث ثم قال
_ نزليها علشان مقطعش إيدك إللي مسكاها بيها
رغم ذعرها إلا أن لسانها الطويل قال
_ أنا إللي هقطعك لو مقولتليش أنت مين
أراد أن يضحك ... كل جزء بها يرتعش ، حتى صوتها يخرج مهزوز ومرتعش بقوة وهاهي تقف أمامه تهدده ! ..
ساد صمت ولم يتحدث أيًا منهما لتستنتج الفتاة من عدم محاولته إيذائها سائلة
_ أنت عمي !؟
رفع رأسه في شموخ لتكون هذه إجابته
_ إيهاب الله يرحمه خلف عيلة غبية
لمعت عينيها بالسعادة وغمرتها الفرحة ووصعت الخنجر في جنبها كما كانت تضعه دائماً ثم اقتربت منه تجري عليه قائلة
_ متخيلتش انك تكون بالحلاوة دي كلها
ضيق عينيه متفاجئًا بما قالته ففرحتها به وقولها ذلك .. جعله ينصدم ولم يتوقع تلك الجملة
اقتربت منه أكثر تتأمل ملامحه ثم وضعت أطراف أصابعها فوق لحيته المتسلل فيها شعيرات بيضاء قائلة
_ فكرتك راجل كبير وعجوز ، بس طلعت حلو أوي
شعر بشيئ غريب بينما تقف أمامه تتلمسه .. تتلمس وجهه في جرأة شديدة بلا خجل .. وهنا قد علم أن أمها الرخيصة لم تربيها جيداً ليبعد يدها عنه في قسوة ثم قبض عليها حتى شعؤت بالألم هادرًا بها
_ لمي لسانك واختشي يا فاجرة
خافت شوق منه وحاولت أن تفلت نفسها منه
ليردد في إذدراء
_ تربية رقاصة صحيح
تجمعت الدموع في عينيها بينما تدافع عن نفسها
_ متشتمنيش
لكنه جذبها بعنف ناحيته حتى شعرت أن زراعها سيتم كسرها بينما يتحدث بقسوة أمامها حتى شعرت بأن الهواء حفلها يختفي
_ مشتمكيش ، دا أنا الود ودي احفرلك قبرك بايديا دول وادفنك حية
ثم أكد على كلماته مكملاً _ بس ملحوقة ، هربيكي من أول وجديد عشان قذارة تربية الرقاصة فايحة منك
وأخذ شوق عنوة عنها مغادرًا المكان راميًا إياها في السيارة لينطلق بها ووراءه عدة سيارات خاصة برجاله .... متجهين للبيت الكبير ، بيت العائلة المهيب .. الذي ينتظرها فيه المجهول حيث لا تعلم أين ستذهب بالتحديد وماذا سيفعلون بها أهل أبيها الذي هي حتى لا تعرفه .. فقد مات صغيراً.. صغيرا جدا حتى أنه لم يكن على علم أنه ستكون لديه فتاة !
____
نهاية الفصل الأول ♥️
الرواية لها اشتراك إللي عاوز يعرف تفاصيل يقدر يكلمنا ❤️💖