الفصل الخامس والثمانون من رواية عشق أولاد الزوات
عشق أولاد الذوات
رواية عشق أولاد الزوات ✨
💗💗💗
______
كان ذكي يسير بخطوات ثابتة نحو منزلها ، قلبه ينبض بحماس ويده ترتجف بخفة وهو يحمل باقة الورد البيضاء. تملؤه مشاعر متباينة؛ امتنان عميق لأن الله قد عوّضه بحب نقي بعد تجربة مريرة جرح فيها قلبه. تذكر كيف كانت حبه الأول ، غادة ! وكيف أن رفضها تركه محطمًا. لكنه الآن أدرك أنه لم يكن يحبها بل تعلقه بها هو ما صور له هذا ، لكنه الآن يقف على عتبة جديدة، يقف على مشارف حياة جديدة مع هيام ، الفتاة التي قلبت موازين حياته بجمالها ورقتها وحنانها الذي لم يعهده من قبل... اهتمامها به رغم كل ما سمعه منها أنها متكبرة ومغرورة ، لكنها كانت شيئًا آخر معه ، وقفت معه في أشد أزماته حزنًا وصعوبة .. تذكر أول مرة عندما أتت له لمكن عمله لتعتذر له بعد ما حدث بينهما في المشفى ، ومن بعدها توالت الصدف والمقابلات ..
هيام ، الفتاة الغنية، ليست فقط جميلة من الخارج بل من الداخل أيضًا، تمتلئ روحها بالدفء والحب. في عينيها يجد ذكي بريقًا يجعله ينسى كل آلام الماضي. منذ اللحظة الأولى التي التقت فيها عيونهما ، شعر بشيء مختلف، شيء يجعل قلبه يخفق بشكل أسرع ويجعله يشعر بأنه إنسان جديد... لكنه وقتها كان مخدوع بتعلق وحب وهمي لم يعرف حقيقة مشاعره إلا ما إن راحت غادة من أمام عينيه وتوالت صدفه مع هيام .. و ها هو اليوم يوم خطبتهما ، التي طلبت هيام أن يكون بينهما هما الإثنين فقط دون علم أحد لأنها الزيجة الثانية لها ..
في طريقه إلى خطبتها، تذكر اللحظات التي جمعتهما؛ الابتسامات الخجولة، الضحكات الصادقة، والأحاديث التي تدفئ الروح والأخرى التي تشعلها ، فهو لا ينسى آخر مرة طردته تقريبا من المنزل وأهانها ثم تذكر كيف أتت بعدها لتصالحه
_ ذكي ، ممكن تكلمني ؟
نادت عليه هيام في صوت ارتفع بعدما وجدته يهرب منها ويبدو واضحاً أنه لا يريد أن يتحدث معها لكنها جرت بخطوات سريعة حتى وقفت أمامه بعيون مشاغبة آسفه على نا فعلت لتقول قبل أن يتحدث ووجهه العابس أقلقها
_ أنا آسفة جدا
لفظ انفاسه في غضب ثم هم ليغادر لتتخطى سرعته وتقف أمامه مرة أخرى قائلة بعينين ودعيتين
_ بجد سوري مكانش قصدي إني أقول كدة
نظر لها في قسوة ثم رد هذه المرة
_ لأ كان قصدك ، بصيتي في عينيا وقولتي كدة رغم إن فوزي كان واقف
هزت رأسها نافية تهمته بسرعة
_ مكونتش شايفة فوزي
ليضيق عينيه قائلاً_ بس كنتي شيفاني أنا !!
تنهدت في قلة حيلة ثم قالت في حزن
_ عشان خاطري يا ذكي بقى متعملش كدة ، والله مكونتش أقصد أي حاجة !
نظر للجهه الأخرى ومازال غاضبًا منها لتعود وتقول بصوتها الرقيق
_ كنت متعصبة وعصبيتي أتصرف بالشكل الوحش دا ..
ثم اقتربت منه خطوة لتصبح على الجهه التي ينظر إليها قائلة
_ أنت أهم وأحسن من الكلام إللي قولته بكتير .
نظر لها بعد تلك الجملة التي خرجت منها في رقة جعلته يتمسك بملامحه العابسة بمنتهى القوة حتى لا ينهار أمام تلك الفاتنة التي عادت لتتودد له
_ كفاية إنك وقفت معايا في المشاكل الأخيرة إللي حصلت
نظر لها بجانب عينيه قائلاً بسخرية
_ من أول ما عرفتك وكل حياتي مشاكل
فتحت عينيها غير مصدقة أنه قال لها هذا ليعود ويغيظها أكثر قائلاً في وجهها
_ لو مكونتيش ضربتيني بالعربية كان زماني عرفت أدافع عن غادة وكانت أعجبت بيا ومضطرتش لا تشوف فايز ولا تعجب بيه !
اصطبغ وجهها باللون الأحمر وشعرت بالغيرة الشديدة لتردد في استهزاء
_ آه ! يعني كل الزعل دا عشان خطافة الرجالة !
_ لأ ، بس أنتي السبب في كل حاجة وحشة في حياتي ... لحد دلوقتي ضهري بيوجعني بسببك !
كلماته لم تعد تسمعها فما إن ذكر إسم غادة ختى غاب عقلها لتردد بحدة
_ بطل تبالغ ، أنا معملتش أي حاجة ، قبلت الاعتذار ولا لأ ؟
تلك الوقحة التي تحدثه في حدة ! .. نظر داخل عينيها في تحدي قائلاً
_ لأ
_ عنك ما قبلته .
انفتحت عينيه ما إن قالتها في غرور ثم غادرت تاركة إياه مصدوم من جرأتها ومشاغبتها ..
ابتسم ذكي وهو في طريقه إليها على تلك الذكرى الجميلة ، رغم أن تلك المشاغبة أرسلت له فينا بعد رسائل اعتذار ، إلا أنها مازالت تفعل كل شيى بطريقتها الشعنونة والمغرورة ، لكنه كان خير من يعلم أن مافي قلبها كله حنان وطيبة
فتذكر كيف كانت تواسيه حين يتحدث عن آلامه الماضية ، حين وقفت معه يوم هد بيته وورشته ، وكيف كانت تزرع في قلبه الأمل وتمنحه الإحساس بالأمان. كانت هيام بالنسبة له ليست فقط حبيبة بل منقذته من ظلام الوحدة والخذلان.. فجائت له وهو وحيد دون عائلته التي شملت ريهام التي تزوجت فوزي وغادة التي تركته وخذلته ..
كان يشعر بالفرح يغمره، وكانت كل خطوة تقرّبه من منزلها تقرّبه أكثر من سعادته الأبدية. كان يتساءل في داخله كيف قدّره الله بهذه الهدية العظيمة بعد كل ما مرّ به. الأزهار في يده كانت شاهدة على تلك الرحلة، على الجراح التي التأمت بفضل حبها.
حين وصل إلى باب منزلها، أخذ نفسًا عميقًا، وحاول تهدئة نبضات قلبه المتسارعة. دق الباب، وفي اللحظة التي فتحت فيها هيام الباب وابتسمت له تلك الابتسامة التي تعكس نقاء قلبها، شعر ذكي بأن كل شيء في مكانه الصحيح. لقد وجد ملاذه، وجد المرأة التي تستحق قلبه وكل حبه.. ترتدي فستان كما طلب منها أن يكون محتشم ، ينوي في داخله أن يقنعها بالحجاب ، ليس لأنه متسلط ويريد التحكم بها ، بل لأنه يحبها ، وإن لم تقتنع به لن يجبرها عليه فالإنسان مأمور بالتذكير لا بالجبر والسيطرة غصب على الناس .. وهو يحسب أن هيام قلبها عامر بالإيمان رغم أنها غير محتشمة في ملابسها والذكرى بالتأكيد ستنفعها ..
دخل المنزل وعيناه لا تفارقان عينيها، وفي تلك اللحظة، شعر ذكي بأن الماضي أصبح مجرد ذكرى بعيدة، وأن المستقبل الذي ينتظره مع سارة سيكون مليئًا بالحب والفرح والسعادة التي لطالما حلم بها.
_ ما شاء الله!
قالها وهو واقف أمامها لا يستطيع أن يرفع عينه من عليها .. لتشعر هيام بالخجل الشديد ، نظرت له لتجده يرتدي س
بدلة رابعة ، نصف رسمية ، لكن ما ارتداه ناسبه للغاية ! ..
مد يده بباقة الورود وعينيه مازالت مثبتة عليها ليقول
_ أنا مكسوف والله وانا بديلك الورد دا ، حتى هو مش في جمالك ولا نعومتك !
توجهت وحنتيها وتعرقت جذور شعرها ، لأول مرة تسمع ذلك الكلام من رجل يخصها ، لأول مرة يتم مدحها بهذا الشكل من رجل يعتبر أنه زوجها ، لاح في خاطرها فجأة فواز ، الذي على مدار سنين لم يقل لها أي شيئ ولم يمدح شكلها ولو مرة!
قطعت تواصلهم البصري وذلك الخجل نرمين التي رحبت به
_ اتفضل !
نظر لها في ابتسامة متوترة كأنه لأول مرة يراها ثم قال
_ أهلا بحضرتك
دخل معها للصالون وذهبت هيام لجلب العصير .. بدأت نرمين تتحدث مع ذكي في أمور جانبية حتى تخفف عنه التوتر ثم ذهب الحوار لمجراه أخيراً بينما تقول
_ فوزي قالي عنك حجات حلوة كتير ، وكمان هيام !
جائت هيام لتتعلق عيني ذكي بها ولم يستطيع أن يزيحها عنها ختى وضعت العصير أمامه بينما نرمين تكمل
_ أنا أهم حاجة عندي تكون
_والله بحبها !
قالها ذكي بسرعة وهو شارد في هيام كأنه في عالم آخر ولا يرى والدتها
نظرت هيام للأرض في خجل من اندفاعه بالإعتراف وكأنه خائف ومتوتر أن ترفضه أمها لتبتسم نرمين نصف ابتسامة ثم تقول
_ دي حاجة كويسة إنك تكون بتحبها بجد ، لكن الأهم يكون عندك اخلاق ، عندك دين ، عشان تراعي ربنا فيها ومتزعلهاش أبدًا أو تظلمها !
نظر لها ذكي في تهذيب ثم قال
_ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال
صلى عليه الموجودين ليكمل ذكي في صدق
_ أوصيكم بالنساء خيرًا ، في خطبة الوداع وفي واصياه وعلى جبل عرفات ، أنا مين عشان ازعلها أو أأذيها ، ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم
ارتفعت ضحكت نرمين قائلة _ دا أنت جاي حافظ بقى .. لأ كويس خالص يا بشمهندس
ابتسم في خجل ونظر للأرض وكذلك فعلت هيام بينما أثار الضحك مازالت في صوت نرمين التي قالت
_ عليه أفضل الصلاة والسلام ، كلامك صح يا ذكي ، وأتمنى إنك تعمل بيه إن شاء الله
هدأت وتيرة الأسئلة والأجواء حتى أشعلتها نرمين بقولها
_ أنا عندي شروط !
قال ذكي فوراً_ أنا موافق طبعا عليهم
ابتسمت فذلك الفتى يبدو عليه الإشراقة والإندفاع للزواج
_ مش لما تسمعهم الأول ..
هز رأسه منصت لها .. كان في غاية التوتر ووحده لا أحد معه ويتصرف ببلاهه شديدة لتقول نرمين
_ أنت أصغر من هيام بكام سنة .. عندك مشكلة ؟
نفى ذكي _ أبدا.. أنا بحس إنها مسوؤلة مني وبحس إني
كاد أن يقول والدها لكن هيام نظرت في تحذير ليتهذب قائلاً
_ يعني إن أنا الكبير وبكتير كمان ! ا هي طبعا عقلها يوزن بلد بس ، يعني الموضوع مش في دماغي أبدا
رات نرمين أن هذا العريس ، واقع لشوشته ! كما رددتها في عقلها لتقول
_ إحنا مش هنعمل فرح ، هنعلن لأهلنا ومعارفنا بس
نظر ذكي لهيام ليجدها تهز رأسها بنعم ليعود وينظر لنرمين قائلاً بإبتسامة مفتعلة جعلتها تريد أن تضحك عاليا على هيئته
_ أنا موافق ، يعني كدة كدة الفرح بيبقى كله أغاني واختلاط ، حرام ، أحسن انكوا لغيتوه
لتضيق عينيها قائلة في خبث _ اللي يسمعك كدة يقول انكوا مش بتتكلموا ومتفقين على كل حاجة
حمحم ذكي وشعر بالخجل ليجلي صوته قائلاً
_ يعني بحاول أعمل حاجة صح مش كله هيبقى غلط
ضحكت نرمين لتقول
_ أنت هتعجب ريم بنتي أوي
_ أتمنى!
ابتسمت أمها في طيبة. ،. فيبدو على هذا الشاب الصدق وعدم التكلف ولا التصنع .. مالت عليها قليلاً في جلستها ليعلم أنها على وشك قول كلام بالغ الأهمية
_ أنا ميهمنيش فلوسك ، قليلة ولا كتير ، إحنا جربنا قبل كدة واتخدعنا جامد أوي ، وعشان كدة الشرط التاني والأهم ، أنا عاوزة هيام تقعد معايا هنا ، أنت وهي ، لو عاوزين حتى تبنوا دور جديد ، تفضوا دور كامل ليكم ، لكن تبقوا هنا ، معايا!
صُدم ذكي من هذا الشرط وراحت عنه الإبتسامة الواسعة لينظر لها ثم لهيام ويعود ليعترض
_ أنا محترم كلام حضرتك طبعاً بس ، أنا عندي شقة ، هو أنا لسة بدفع في قسطها بس ، هي شقة جميلة وإن شاء الله تعجبك وطبعا تعجب هيام
سحبت نرمين نفس عميق ثم عادت لتقول
_ أنا اتجرحت في هيام جرح كبير أوي ، مش قادرة أسيبها تمشي وتبعد عني تاني ! أنت طبعا عارف ظروفها
رد ذكي ببساطة _ هيام بالنسبالي ظروفها عادية جدا مش حرجة يعني ، وحضرتك تقدري تيجي تزوريها في أي وقت تحبيه
لم يعجب نرمين الأمر ، لم يعجبها بتاتاً ، رفضه المتكرر لطلبها جعلها تعتدل وتقول في جدية
_ هي دي شروطي! مش معنى إنها اتجوزت قبل كدة إنها ميكونش ليها شروط
شعر ذكي أن هناك سوء فهم ليوضح موقفه قائلا ً
_ لأ طبعاً ليها وتطلب إللي هي عوزاه بس ، ..
رفعت نرمين رأسها في ترقب لم سيقول ونظر ذكي لهيام ليجد القلق على وجهها ، لم يستطع أن يرى الخوف فوق وجهها في حضرته ليقول في استسلام من أجلها
_ خلاص ، أنا موافق !
_ ادينا فرصة نفكر وهنرد عليك !
وهنا صدمته نرمين بقولها ، بعد اتفاقهم على الشروط وبعد كل شيئ تخبره أن عليه الإنتظار! لقد اتفق مع هيام أن زواجهم سيكون خلال الشهر القادم ! فلا يجب أن يتأخرا أكثر من ذلك طالما أنهما يعرفان بعضهما جيدًا والزيجة لن تكون متكلفة!
ذاك الجمود والصدمة المرتسمة عىلى وجهه والمسلطة نحو هيام التي شعرت أنها وقعت في ورطة بسبب حديث والدها جعلتها تنظر له في رعب لتقول نرمين
_ اتفضل اشرب العصير !
_______
_ فين مامتك ؟
سأل ذكي .. فبعد أسبوع من حديثه مع أمها جائه الرد بالموافقة ، وما إن وافقت حتى حددوا موعد نزولهم لإختيار الشبكة ... وذهب ذكي ليحضر هيام من المنزل وانبهر بجمالها مرة أخرى كعادته ... لكنه لم يستطيع إلا أن يسأل عن والدتها التي اختفت ولم يسلم عليها حتى ..
توترت هيام ثم قالت بينما تركب معه في سيارته وهو يقف بجانب الباب الذي فتحه لها
_ مامي مش هتيجي !
_ ليه ؟
سأل ذكي ثم أغلق بابها وذهب ليجلس في مكانه
_ عشان.. عشان قاعدة مع ريم
أجابت هيام في توتر بائن في صوتها لينظر لها ذكي متنهدًا
_ ولا رافضة جوازنا ، أنا حسيتها مش مرحبة أوي بالموضوع وأتأخرت أوي على ما ردت !
نفت هيام _ مش رفضاه يا ذكي صدقني ، مامي قالت عليك انك لذيذ
ابتسم ذكي ، تلك الرقة وهذا الصوت ، جعلاه يميل برأسه قليلا متحدثًا في خفوت
_ حتى لو رفضاه .. مش مهم ، أهم حاجة إن أنتي موافقة
لمعت عيون هيام .. هناك من يحبها ويتحمل من أجلها الكثير ! .. سألت هيام
_ أنت لحقت تحبني وتتمسك بيا أوي كدة امتى ؟
اذداد همسه وقربه منها قائلاً وهو ينظر داخل عينيها
_ هو حد يشوف الجمال دا كله وميحبوش !؟
نظر له لتتأمله ثم ابتعدت عنه بسرعة خائفة ان يقبلها مرة أخرى ليبتسم ويضحك بخفة قائلاً في تسلية من أفعالها التي المسلية التي لا تنتهي
_ وبعدين بتضحكيني !
رفعت حاجبها _ والله ؟
هز كتفه ليغيظها _ آه والله
ابتسمت هيام على أفعاله ليبادلها الإبتسام لتعود وتسأل
_ بجد إيه إللي حصل يا ذكي خلاك كدة ؟
استغرب سؤالها أكثر ليقول
_ انتي مستغربة كدة ليه ، هو أنتي مش متمسكة بيا ؟
_ طبعاً متمسكة
أجابت بسرعة ليشعر بالإتطمئنان ثم قال
_ أنتي عارفة إحنا نعرف بعض بقالنا أد إيه ؟
نظرت له تريد أن تستمع لما سيقول ليكمل
_ إحنا نعرف بعض قبلهم كلهم .. قبل فوزي ما يعرف ريهام وقبل ما
لم يكمل حتى لا يغضبها بذكر غادة ليعود ويقول في انبهار
_ قبلهم كلهم .. إحنا أول ناس ..
ابتسمت هيام لتذكره كل شيئ قبل أن يهمس كالمهووس
_ و النهاردة خلاص دبلتي هتبقى في إيدك !
_ فين ريم ؟
ذهب فايز سريعاً ما إن جاءه الخبر ، ذلك الخبر الذي هز كيانه ، استدعاء ولي الأمر بسبب أفعال أطفال وحالتهم النفسية ! ..
سأل فايز خالته نرمين التي فتحت له الباب لتقول
_ ريم مش عاوزة تشوفك ، خلاص بقى يا فايز متزعلنيش أكتر من كدة
قالتها نرمين في حزن وغضب ممزوجين ء فهي تعشق فايز وكان أقرب أطفال أختها إلى قلبها ، لكنه جرح ابنتها وأهانها ورغم عدم علمها بما حدث بالضبط بينهما إلا أن من صراخ ريم حينما اقتحم البيت ليراها التقطوا بعض الكلمات وبالطبع قد اكتشفوا من أول يوم أن السبب هو فايز .
كان فايز حالته عثره ويبدو عليه الاكتئاب ظاهرًا ليقول بصوت أشبه بالتوسل
_ لو سمحتي يا خالتو مفيش أي وقت خالص إني أجادل مع حضرتك .. الموضوع مهم
هزت رأسها في قلة حيلة قائلة
_ يا فايز يا حبيبي انا نفسي ادخلك وتحلوا إللي بينكم ، بس مش هقدر أشوفها بتنهار وهي شيفاك تاني
قال فايز بعينين حزينة _ الولاد عندهم مشكلة كبيرة جدا في المدرسة
_ مالهم الولاد ؟
تصنم فايز ما إن رآها ! بعد ما يقرب الشهر ! ها هي أمامه من جديد .. تجمعت الدموع في عينيه ، أنها أصبحت هزيلة الجسد ، عيونها تحتها هالات دلت على حزنها العميق، كل شيئ بها كان حزين ، كان يصرخ من الألم ، وكأنها فارقت الحياة ..
هتف فايز بصوت مختنق
_ ريم
ثم اقترب وأفسحت له نرمين المجال ما إن رأت أن ريم قد تقبلت رؤيته أخيرًا دون أن تنهار وما إن أقترب حتى ابتعدت ريم للوراء ليهتف فايز بصوت شارف على البكاء
_ ريم اا
قاطعته ريد بجمود _ مالهم الولاد؟
ابتلع فايز ما في حلقه ليعلم أنها لا تتقبله إلى الآن ، وهل توقع بعد ما فعله أنها ستتقبله ! ذلك الحالم ...
إنها رجعت لتهتم لأطفالها ليس إلا ، قال فايز بنبرة حزينة وهو ينظر لها
_ عندهم مشكلة في المدرسة ، استدعاء لينا إحنا الاتنين !
نظرت له ريم في شيئ من الصدمة ، لكن معالم وجهها المرهقة وكأن عضلاتها شُلت لم تستطع التعبير بقوة .. تبادلا النظرات في صمت ، وكأن مصيبتهم كبيرة ! كبيرة للغاية ، مشت ريم وصعدت لتترك فايز يتطلع في إثرها في حزن شديد ..
_ ليه يا فايز .. ليه حصل كدة ؟
فصلته نرمين عن تأمله لها بينما اختفت وراء السلم ليقول
_ معرفش تفاصيل ، لما أروح هعرف
_ لازم تكلمني .. لأ أنا هاجي معاك
أمسكها فايز من يدها قائلاً ..
_ مفيش داعي ، أنا هقولهم إن ريم تعبانة ..
نظرت له نرمين بنطرة حزن ، نظرة حسرة على تلك العائلة التي تشتت .. لتشعر بأنهم لن يرجعوا كما كانوا أبداً
أما فايز فخرج يجر أذيال الخيبة إلى سيارته .. قد تصور أنها ما إن تعرف ستأتي له بسرعة وتهرول لترى أطفالها .. لكنه لم يجد منها أي رد ولا تفاعل .. سمعت وغادرت!
نزلت دمعه منه وهو يدير السيارة ، دمعة خائنة دلت على وضعه البائس ، تمنى لو ترجع لحظة واحدة من حياته معهم .. حياتهم المثالية النظيفة الهادئة .. كل ما حدث بسببه .. بسببه هو وحده !
ها هو ألبسها خاتمها عند "الجواهرجي" .. في المحل الذي أخذها إليه.. محل ذهب غير مشهور لكن هذا ما استطاع أن يتحمله .. حتى سيارته من فوزي ليست ملكه ..
فرحت هيام بشدة وكذلك ذكي الذي تمالك نفسه عن تقبيل الخاتم والدبلة التي ألبسهما لها .. ثم هتف في سعادة بالغة بعدما خرجا من المحل
_ شكلهم حلو أوي ، كنت عاوز أجيبلك الماظ .. سوليتير .. كنت عاوز أجيبلك اغلى واحلى حاجه في الدنيا ، أوعدك إني هعمل دا لما أسافر
وقفت هيام تنظر إلى الخاتم والدبلة في يدها لتقول وعلى ثغرها الجميل إبتسامة
_ مش مشكلة أنا معنديش حجات دهب كتير ، دا أول خاتم دهب البسه في حياتي ، تغيير يعني مش وحش أوي !
أرادت أن تراضيه فأحرجته أكثر ليضحك ذكي عليها قائلاً
_ مبروك على الدهب ايديكي يا حبيبتي
نظرت له مبتسمة بإتساع، كانت سعيدة وكأنها لأول مرة تختبر هذه المشاعر ، لكنها بالفعل كانت أول مرة . أول مرة يكون رجلها مرحب بها إلى هذا الحد ، يكون سعيد بها إلى هذا الحد ، تتذكر حتى أن فواز لم يختار معها شبكتها ! بل أهله هم من تولوا الأمر ولبوا لها كل أوامرها
_ نفسي أبوس إيدك أوي
هتف بها ذكي وهو ينظر إلى يدها التي حيرته بجمالها فكن لاق لون الذهب الذهبي يدها البيضاء ...
_ بعد ما نتجوز بقى !
ردت في خجل ليقول بعيون خبيثة وهو يقترب منها هامسًا
_ كلها اخر الشهر يا قلبي
تبتعدت عنه قليلاً في خجل ليبتسم عليها ثم أخذها ليركبها سيارته .. وقد حل الليل .. فهيام أخذت وقت طويل في الإختيار ، عروسة تلو الآخر تدخل وتخرج وتنهي إختيار الذهب كامل وهيام لم تسطتع إن تختار دبلة وخاتم في أربع ساعات! حتى عرض عليهة ذكي أنه سيشتريهم جميعاً لكنها كانت مصرة على أن تبهرهم بذوقها الخاص .. وبالفعل ، انتقت هيام أجمل وأرق القطع ، ليبتسم ذكي ومن بالمحل ، فتلك المرأة الصعبة ، لديها ذوق في النهاية وابتسامة مذهلة ! ..
ركبا السيارة وما إن صعدا وبينما هيام منشغلة بربط حزام الأمان حتى أقترب منها ذكي على غفله وقبل يدها والخاتم ! .. لتنظر له في تفاجئ.. ويسرح هو في ذاكرته في اليوم الذي طلبها فيه ..
جائت هيام لتخبر فوزي بأنها تريد تغيير سيارتها ، لتقابل فواز وذكي ، تجاهلت فواز تماماً لتسلم على ذكي وما إن غضب فواز من فعلها حتى أقترب منها ذكي سائلاً
_ ليه مش بتسلمي عليه ؟ يعني آه أنتوا اتطلقتوا بس هو إبن خالتك
أجابت هيام في انفعال _ وأسلم عليه ليه دا يحمد ربنا إني مرفعتش عليه قضية ودخلته السجن ، دا كل ما أشوفه أحس أني عاوزة أضربه ، وعلى فكرة أنا أصلا من زمان عاوزة أضربه من وأحنا متجوزين
سأل متفاجئًا غضبها نحوه
_ حياتكوا كانت صعبة أوي كدة ؟
قالت هيام في كره _ فواز دا بارد ، معندوش عواطف خالص وأنا مكونتش بحس ناحيته بأي حاجة غير إن هو جوزي وخلاص .. جوزي وبس! ..
هز رأسه متفهمًا .. ثم تابع نظراتها تجاه فواز .. نظر لها فواز لتنظر هيام بعيداً ليتأكد ذكي من مدى كرهها له ...
_ آه صح نسيت أقولك ، مش أما اتقدملي عريس ! الحقيقة أنا بيتقدملي عرسان كتير بس دا بالذات كويس جدا
قالت هيام بصوت مرتفع قليلاً كأنها أرادت أن تُسمع الجميع ، انتبه فواز لها لكنه لم يبدي ردة فعل بينما ذكي لونه انخطف منه ...شعر بضيق في التنفس ... ثم تجاهل الأمر! نكىه كأنه لم يكون ليعود ويرجع لموضوع القديم الذي مر عليه أيام
_ لو كنتي شوفتي فوزي كان ممكن تعامليه بالإحتقار دا
ما زالت ذاكرته معلقة بيوم اتهمته تهمة زور لتنفي هذه المرة بقوة حتى يزيل الفكرة من رأسه
_ لأ طبعاً
حزنت معالم وجهه لتكمل إجابتها
_ قصدي لأ طبعاً أنا مش بحتقرك ..
تنهدت ثم قالت في صدق
_ أنا دا كلامي لما ببقى متعصبة ، أنت متعرفش فايز نفسه أنا بعمل فيه إيه ، ومن قبل ما يتجوز على أختي على فكرة ، وكمان فوزي بس هو طيب أوي بينسى الزعل بسرعة .. أما فواز فهو كان يستاهل كل حاجة عملتها فيه لو كنت أعرف إنه متجوز كنت سودت عيشته أكتر
مالت على سيارة خلفها قائلة بينما ترجع خصله من شعرها لمكانها
_ من الآخر أنا كنت بنت الخالة الرخمة إللي مفيش حد بيستلطفها أوي
هز رأسه متفهمًا وسعيد لأنها تشاركه هذه الأشياء عنها رغم أنه حزن عليها وعلى ما قابلته وعاشته ..
ساد صمت قطعه هو بصوت قلق لم يستطع مداراته
_ هيام .. هو انتي ، موافقة على العريس إللي اتقدملك ؟
ردت هيام
_ معرفش ... بس يعني ، هو مناسب ، ومكانته كويسة ، ومحترم
ثم تمطعت ومدت شفتيها مكملة _وشكله حلو
_ عاجبك !؟
سأل في ترقب ورعب فهزت رأسها في خفة يميناً ويسارًا
_ شوية !
قضم شفتيه من الداخل ليعود ويسأل
_ هو انتي هتوافقي عليه ؟
إصراره الغريب في معرفة الاجابة جعلتها تنظر له مجيبة في تلاعب
_ القرار قراري بتسأل ليه ؟
_ ولا حاجة خلاص .
شعر بالإحراج وتراجع عن السؤال لترفع هيام رأسها ثم أجابت
_ آه هوافق عليه
انفتحت عينيه ولم يستطع السيطرة على صوته الذي فر هارباً
_ هتوافقي عليه عشان غني ومكانته كويسة ؟
نظرت له في سخرية _ جربت مرة ، وانخدعت ! ..
فاستمع لوجهة نظرها في ذلك العريس
_ أنا شايفة إن أخلاقه كويسة ، ومتجوزش قبل كدة ومع ذلك عاوز يتجوزني وأنا مطلقة واتعرف إني جوزي كان متجوز عليا الشغالة !
ثم أكملت في إعجاب_ يعني كمان عقله سليم وأفكاره حلوة أوي
نظر لها معيدًا سؤاله الذكي تكرر بعدة لهجات كلها خائفة وقلقة
_ هتوافقي عليه عشان كدة ؟
رفعت حاجبها _ أنا مقولتش إني هوافق عليه
انهارت كل قواه ليهتف وقد احتار منها ووصل توتره عنان السماء
_امال كل الإعجاب والتركيز فيه دا معناه إيه
حبست ابتسامتها وهي ترى الغيرة تقطر من كل حركة وفعل منه لتقول كالبريئة
_ عادي بدرس حالته ، واحد متقدملي ولازم أشوف كويس ينفع ولا مينفعش
صمتت ليغمض هو عينيه ضاغطا على شفتيه مرة أخرى ثم هتف
_ هيام ..
انتبهت له ليقول بينما هو مازال مغمض عينيه بسرعة
_ أنا ، أنا ممكن .. ممكن أتقدملك !
صمتت هيام متفاجئة بطلبه بينما هو سيموت من الخجل والخوف من الرفض مرة اخرى وصمتها أقلقه ليقول
_ لو مش موافقة إني اتقدم مش هتقدم !
_ موافقة !
فتح عينيه بسرعة على آخرهما ثم شاور على نفسه مرددًا
_ موافقة عليا
تلاعبت هيام بالكلمات قائلة
_ لأ موافقة إنك تتقدم
نظر لها في إرهاق وتعب لتبتسم قائلة
_ الكلمة هتاخدها من مامي... باي !
ثم غادرت تاركة إياه لا يصدق أنها وافقت عليه
وتتوالى الأحداث من بعدها حتى وصل لهذا اليوم الذي يقبل فيه يدها وهي بها خاتمه ودبلته ...
وصل فايز إلى المدرسة ، المدرسة التي لم يتوقع أن يأتيها يوماً وحيدًا ليناقش شكوى في أطفاله! ... لم يستطع أن يستوعب أن ريم .. لم تعد تهتم لأمره هو وأطفاله ... لكن عليه تقبل الحقيقة ، لتقد استفزها كثيراً ، ليتحمل الآن نتيجة أفعاله فقد استنفذ صبرها كله .
رن هاتفه بينما يشرع للنزول من السيارة تفاجئ وانصدم من الرقم ... فتح بأيدي مرتعشة ليستمع إلى صوتها الجاد يقول
_ متدخلش من غيري ، خمس دقايق وهوصل
فرغ فاهه من المفاجأة ، إنها ريم ! قادمة إلى المدرسة ! تريد أن تدخل معه ولم تتجاهل مشكلة أطفالها وأخيراً تريدهم أن يتصرفوا كعائلة ...
انفرجت أساريره وبدأ يصفق فوق المقود عدة مرات في فرحة شديدة وكأنه قادم لتكريم أطفاله وليس لجلسة تأديب ! .. لكن أيًا يكن
ريم قادمة ! وهذا هو المهم .
وصلت ريم لتضع سيرتها جانب ركنته .. نزل فايز من السيارة وعلى وجهه انفراجه لم يستطع منعها لتنظر له ريم بوجه قاتم قائلة
_ متكلمش بأي حاجة جوا ، أنا هرد وهتكلم !
نبرة متسلطة ومتحكمة بل مستهينة به ومشككة في ذكاءه وحكمة تصرفاته
_, حاضر!
تفاجئ من نفسه وهو يذعن لكلامها وكأن غروره قد خضع لها حتى لو مازال يعتقد أنه مميز ويستطيع فعل أشياء كثيره لا يستطيع غيره تنفيذها
لم تذد ريم في الحديث ثم دخلت ليمشي ورائها فايز كالتابع حتى وصلا لغرفة الأخصائية الإجتماعية التي رحبت بهما
.
تفاجئت من هيئتهما .. ففايز مبعثر بلحية كثيفة وشعر غير مصفف جيدًا وريم بإنهاكها الواضح وضعفها العام ليظهر لها الجواب من عنوانه لتقول
_ ازيكم .. عاملين إيه
______
لم يجيبا على سؤالها البسيط ، ينظران إليها في تأمل غريب دون أي رد لتعود وتحاول تلطيف الأجواء قائلة
_ ازيك يا مادام ريم .. ازيك يا أستاذ فايز ؟
لم ترد ريم واكتفت بهز رأسها بإيماء بسيطة بينما فايز تحدث بالنيابة عنهما هما الإثنين
_ الحمد لله .
تأكدت أن هذا الثنائي بينه مشاكل هي السبب وراء ما يحدث لاطفالهما لتبدأ حديثها في لطف
_ ما شاء الله حضرتكم عندكم تلت أطفال في نفس السن ، أكيد مشقة التربية كبيرة جدا عندكم ..
لم تجد رد فعل لتعدل نظارتها وتكمل
_ ربنا يعينكم عليهم .. والحقيقة إن هما أطفال في غاية الاحترام والتهذيب ، وشاطرين جدا ! ذكائهم ومعرفتهم بأمور كتير سابقة سنهم
نظرت لها ريم في تركيز ، تريدها أن تكمل حديثها ولهذا نظرت لها الأخصائية مكملة
_ لحد من فترة .. كل حاجة للأسف مبقتش كويسة زي الأول
نظرا الزوجين لها بإهتمام لتكمل في أسف
_ عمر إللي كان طول الوقت بيهزر مع أصحابه اتغير ، الولد بقى عدائي جدا وبيتعدى باللفظ على أصحابه وبيقولهم إنه مش بيحبهم وإنه بيكرههم ، وغير إن رقية بقت منطوية رغم أنها كانت اجتماعية ومبقتش بتلعب من صحباتها ومش عاوزة تشارك أي نشاط مع أي ولد ! وكمان ياسين على طول زعلان ومستواهم الدراسي قل جدا ... وبعتنا أكتر من إنذار لكن مكانش فيه إستجابة ، بس آخر مرة كان لازم تيجوا بنفسكم
صحيح ما قالته الأخصائية فالأولاد المعدل الخاص بهم في أي اختبار من الاختبارات الخاصة بمراحلهم سواء بالحضانة أو بالعام الأول من المدرسة لا يقل عن الممتاز وفوق الممتاز أيضا ومن الغريب أن ينالوا علامات متدنية
صمتت لحظات ثم طال صمتها ليقلق فايز فسأل
_ عمر عمل حاجة ذيادة ؟
هزت رأسها في أسف ، لتقول
_ لأ مش عمر .. ياسين للأسف كسر المسطرة بتاعته على دماغ زميله ! .. وهو دا إللي خلانا نطلبكم في أسرع وقت ..
توسعت عيني ريم لوهلة من هول ما سمعت وفايز أصابته قدمت كبيرة ، فلو كان بيد ابنهم أداة أخرى لما كان تردد أن يضرب بها زميله ليشعرا بالكارثة التي حدثت وحجم المصيبة التي فعلها ابنهما الصغير بسببهما !
أكمل الأخصائية _ اتحريت عن كل حاجة بتحصل في ال class ، مفيش حاجة بتضايقهم ابدا .. اصحابهم مدرسينهم حتى العمال العاديين
كانت ريم في عالم آخر بعدما استمعت لتلك الأخبار ، مزقها إن تعلم أن أطفالها قد خرجت منهم هذه التصرفات وفايز مسكت فيه الصدمة كأنه لم يستوعب بعد ما قالته لهم ...
لتكمل وهي توزع نظرها بينهما
_ ودا معناه إن السبب الحقيقي من البيت .. السبب عندكم انتم
لا زال الصمت سائد والأبوان يتحسران على حال أطفالهما ... يتحسران على ضياع تلك التربية بسبب مشاكلهم الشخصية ، والاكثر فايو الذي وضع اللوم كله على نفسه .. فهو من بدأ كل ذلك وساهم في تدمير نفسية أطفاله وبناء عقد لهم بصعوبة سيتخطوها !
_ اتفضلوا اتكلموا ليه ساكتين ؟
سألت الأخصائية تشجعهم على الحديث ، فردت ريم بعيون غابت عنها الحياة
_ مفيش حاجة نقولها
بالطبع ، با يوجد أي شيئ يُقال ، فقد تولدت العدوانية والعقد في أطفالهم ، صدمات طفولة من المرجح أنها ستبقى ندبة في صدورهم وعقولهم حتى الكبر ... شعرت ريم أن كل ما بنته بجهد وتعب طوال سنوات ، ضاع على الأرض! .. شعرت بأن قلبها ممزق ، اذداد حقدها على فايز وكرهها له
شعر فايز بالغضب مما سمعه ومن حالتهم التي وصلوا إليها وتلك العائلة المثالية التي تدمرت ليرد في ضيق
_ أكيد احنا مش مطلوب مننا نتكلم في تفاصيل حياتنا الشخصية ..
استدركت غضبه قائلة
_ آه طبعا أكيد .. أنا بس عاوزة أعرف إذا كان فيه مشاكل وهي إللي مأثرة عليهم أو لأ
صمت الزوجين لتنظر لهما الأخصائية في ترقب لأي كلمة يدلون بها .. لتقول ريم في تحفظ
_ إحنا كان بنا مشاكل الفترة إللي فاتت فعلاً
سألت_ المشاكل دي جديده على البيت ؟
قضمت ريم شفتيها من الداخل ، تحاول كظم غيظها فعلى ذكر المشاكر اهتاجت أعصابها لتقول
_ طول عمرنا بيتنا مستقر ! بس الفترة إللي فاتت دخل بنا شيطان للأسف
نظر لها فايز في خجل ثم عاد لينظر في الأرض ، لا يستطيع مجادلتها ، ليي لديه لا الحق ولا الجرأة ، فايز لم يتزوج .. فايز تزوج وأهمل عائلته الأولى وأطفاله ، لو كان تزوج وعدل لكان خير له ولعائلته ، لكنه أختار أن يظلم .. أن يحيد عن الحق والصواب وأن يقلب الحلال الطيب مُر بسبب سوء تنفيذه وآثاره التي دمرت بيت وزوجة وأولاد ..
صمت الاثنين ونظرات الغضب التي خرجت من هيون ريم وفايز اللذي يشعر بالخزي والعار وتلك التلميحات جعلت الأخصائية تجمع صورة عما يحدث وتحترهم أنهما لا يريدا أن يتحدثا أكثر عن حياتهما لتقول
_ طيب ، واضح إن المشاكل هي السبب بما إن المشاكل إللي في البيت جديدة والمشاكل إللي في المدرسة جديدة ..
ثم نصحتهم _ طبعا علشانكم وعلشان الولاد ، لازم المشاكل دي يبقى ليها حل .. وإلا كدة أنا خايفة منقدرش نسيطر على الوضع بعدين !
نظروا لها وبانت على وجههم قلة الحيلة وانعدام الأمل في أن يعودوا كما كانوا ... لتقول
_ فيه رحلة المدرسة منظماها للم الشمل .. دي بتكون بين الأطفال وعائلتهم الصغيرة .. لازم تروحوا !
هنا نظرت لها ريم بقوة وقالت نافية
_ مش هينفع ن
قاطعتها الاخصائية بإبتسامة _ أنا حطيت اسمكم فيها خلاص ... لازم تطلعوا الرحلة دي مع ولادكم عشان تعيدوا التواصل معاهم من جديد وكمان تصفوا إللي بينكم
فتحت ريم عينيها من هول الصدمة فهي لا تريد أن تذهب في أي مكان مع ذلك الخائن وفايز نفسه تفاجئ من هذه الرحلة لتكمل الاخصائية غير مبالية لإعتراضهما
_ انسوا المشاكل أيام الرحلة .. استمتعوا بس وحسسوهم بالدفئ والأمان إللي فقدوه الأيام إللي فاتت
_ ب
قاطعتها بسرعة _ الرحلة بعد يومين ، الوجهه tawila island!
مدت يدها بتعريف الهوية والبار كود الخاص بإجراءات الرحلة لتنظر لهم في ابتسامة أرادت ريم الهادئة أن تنتزعها منها بينما تخبرهم أن لا مفر من هذه الرحلة !
____
رنيم جلست أمام باب مكتب الضابط في القسم الشرطي، وجسدها ملأته مشاعر من الاستغراب والحزن المختلط بالغضب والإحباط. كانت ترتدي ملابسها بشكل متقن رغم أن القوة التي أرسلت لإحضارها استعجلتها لكن كان محمود هناك ولهذا كانت ترتدي ملابس محتشمة في منزل إسعاد ، شيئ يسير في صالحها أخيراً هذه الأيام!
حتى محمود نفسه تم تسليط التهمة نحوه ليصبح شريكها في الجريمة وتم القبض عليه هو الآخر ... أُصيبت بالذعر وقتها ولم تستطع أن تستوعب أن هناك أقفال توضع في يدها وأنها ستذهب إلى القسم بهذا الشكل وبكل تلك القوة ، لكنها على كل حال كانت متوقعة أن هذا هو افتراء آخر من الافتراءات التي تعرضت إليها مؤخرًا ..
كانت عينيها تنبعث منها القلق والتوتر الشديد. بيدها كانت تحمل كلبشات بعدما تم استدعاؤها ، لكنها عزمت أن هذا الإستدعاء سيكون لإثبات براءتها من التهمة الزائفة التي وجهت إليها.
وقف محمود أمامها هو الآخر بيد العسكري وبيده الأقفال لينظر لها قائلاً
_ متقلقيش يا رنيم ، هتتحل
نظرت له بلا تعبير ، ثم فجأة فُتحت عينيها في ذعر ما إن رأتها أمامها! إنها دينا التي دخلت على مكتب الضابط لتنظر لها في تشفي وتوزع نظراتها بينها وبين محمود في تكبر شديد ... ثم أغلق الباب وظلت رنيم في الخارج تنتظر ..
بينما كانت تنتظر، كانت رنيم تعيش لحظات من اللامبالاة، حيث كانت تحاول ترتيب أفكارها ومشاعرها المتقلبة. كانت تتساءل كيف وصلت إلى هذه اللحظة، وكيف انقلبت حياتها رأسًا على عقب بسبب اتهام لم ترتكبه. كانت تتذكر كل تفصيلة من تلك الليلة، عندما ذهبت لتأخذ اغراضها من الشقة ، لكنها حتى لم تستطع أن تدخلها بسبب اكتشافها المرير بأن الشقة قد بيعت لإبنة عمها الغادرة ! وكيف أن الشرطة وصلت وألقت بها في هذا الموقف الصعب ... زوجها وحبيبها الذي ضحى بها وعاملها بقسوة ! قسوة كانت كفيلة أن تنهي ما بينهما
تم استدعاؤها أخيراً لمكتب الضابط.. وها هي تدخل
حينما دخلت أخيرًا لتواجه الضابط، كانت رنيم تشعر بخفقان في قلبها ، ذاد هذا الخفقان عندما وجدتها تجلس في الكرسي المقابل للضابط .. نظرت لها دينا نظرة شامتة ثم ترقبت قول الضابط ..
في مكتب الضابط، كانت الأجواء مليئة بالتوتر والجدية، حيث جلس الضابط أمام رنيم بنظرة حادة وجسم متوتر، يرتدي الزي الرسمي للشرطة ، وجهه كان يعبر عن قسوة وحدة ، وقفت أمامه رنيم لتسمعه يقول بصوته القوي
_ رنيم، بناءً على الأدلة اللي عندنا ، أنتي متهمة في سرقة بنت عمك .. ودينا بنت عمك رافعة عليكي قضية بالتهجم عليها واقتحام بيتها وسرقتها ، وكمان تهمة بالتهديد إنها لو قالت لحد هتأذيها ..
رنيم كانت تستمع بانتباه شديد، تحاول فهم كيف تمت الاتهامات الكاذبة هذه، وكيف ستتمكن من تبرئة نفسها منها. كانت تعرف أنها بريئة، لكن الحقيقة المؤلمة كانت تعلو في عقلها، وعليها أن تجد طريقة لإثبات براءتها بوضوح أمام الضابط .
نظرت لدينا في ذهول من كم التهم هذه ، لتنظر لها دينا في تحفز وما إن جاء لينظر لها الضابط حتى انكمشت في الكرسي كالمسكينة الضحية
_ أنا مسرقتش حاجة يا فندم ، دي شقة ماما وبابا وكنت جاية أخد منها حاجتي بس ، ومعرفتش أدخل لأنها مغيرة كالون الباب !
_ سرقتي مني المفتاح بالعافية ودخلتي يا حرامية ! أنا عاوزة دهبي إللي سرقتيه حالا
صاحت بها دينا لتدين رنيم أكثر لتقول رنيم
_ والله العظيم مخدتش أي حاجة ، أنا إللي دهبي وتليفوني وأجهزتي ولبسي وكل حاجتي في الشقة ومخدتش منهم أي حاجة ، أنا إللي المفروض اقدم فيها بلاغ
قال الضابط _ فيه شهود قالوا إنك دخلتي أنتي ومحمود البيت وخرجتوا شايلين حجات كتير وفيه جيران قالوا أنهم سمعوا صوت صريخ
ذادت صدمة رنيم وشعرت أن الأمر يتعقد لتهتف
_ والله كان معانا خالتي إسعاد أم محمود ! ودي ست كبيرة ، لو الشهود مقالوش كدة يبقى مشافوش حاجة وشاهدين زور !
سأل الضابط _ إيه اللي يجيب ست كبيرة معاكوا ؟
ردت رنيم بصدق _ عشان تبقى ساتر بينا ومحرم
مالت شفتي الضابط بابتسامة خبيثة ليردد في احتقار
_ وانتو محتاجين محرم بردو!
نظرت رنيم للضابط بعيون مستغربة ! لم يتحدث هذا الضابط بهذا الشكل ويرمي هذه التلميحات ..
فجأة انفتح الباب لتفوح من الداخل رائحة جعلت جسد رنيم يتشنج ... انفتحت عينيها على آخرهما وهي قد عرفت هوية القادم دون أن تراه ... مر بجانبها لتراه بجانب عينيها ليتوقف قلبها عن النبض وتغير نظراتها بسرعة من الرعب ، لقد حفر في عقلها ذكرى أليمة لن تنساها ما حيّت .. ارتحفت ونظرت في الأرض وحاولت أن تسحب أي نفس حتى لا تدوخ وتنهار وعقلها لا يفسر تواجده هنا ..
_ فواز باشا
اعتدل الضابط باحترام ليقترب من فواز الذي ذهب ليصافحه ليحيه فواز هو الآخر بإبتسامته المتكلفة ..
_ عماد باشا
جلس فواز أمام دينا ثم نظر لها بابتسامة قائلاً
_ ازيك يا دينا ؟
_ كويسة ، ازيك أنت يا فواز !
صُدمت رنيم من حديثه المعسول مع دينا وصدمت اكثر حينما ردت دينا ببساطة وكانها معتادة على الحديث معه ، كأنها معتادة أن تناديه بلا ألقاب ، لتتأكد هنا .. أنه كان بينهما شيئ لم تكن تعرف عنه أي معلومات
تنهد فواز مجيبًا _ مش كويس
فسألت دينا بخبث_ ليه كدة بس ؟
لينظر فواز لها ، لرنيم التي وقفت عيونها في الأرض، تشعر بالخجل والخزي وهي أمامه متهمة بالسرقة وبيدها الكلبشات لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أو تقول أي شيئ ، تقف مذلولة أمامه وأمام دينا ، شعر بنخزة في قلبه لكنه تجاهلها قائلاً
_ هبقى كويس إزاي وأنا اتغدر بيا واتسرقت !
ضيقت رنيم ما بين حاجبيها في ذعر ، عن ماذا يتحدث! نظر فواز للضابط سائلاً
_ لقيت الساعة ؟
هز الضابط رأسه _ مش راضية تتكلم
ثم وجه لرنيم التهمة قائلاً
_ فواز باشا موجهلك تهمة إنك سرقتي منه ساعة Rolex Daytona
صُعقت رنيم من هذا الإتهام ورفعت رأسها كالتي تم لدعها من أفعى ، نظرت لفواز في ذهول وكأنها تسأله ، عن ماذا يتحدث هذا الشرطي ، لماذا أنت! لماذا أنت من بين الجميع الذي أختار أن يجرب معي كل طرق العذاب والإهانة.. نظر لها فواز بقوة ، قوة امتزجت بملامح سعيدة برؤيتها وهي متألمة ومتهمة بالسرقة .. ابتلعت رنيم مافي حلقها وتجمدت ملامحها وهي تحاول أن تخرج صوتها الذي اختتق داخلها ثم قالت
_ أنا كنت متجوزاه ... في واحدة بتسرق من جوزها !
جملة جعلت عروق فواز تنفر ، تلك الخائنة تدعوه الآن بزوجها ، أين كان هذا المسمى عندما خانته ! .. رد الضابط ودينا تتابع الأمر وهي في قمة السعادة
_ بعد ما طلقك وسابلك فرصة تلمي حاجتك .. خدتيها معاكي
تفاجئت من وصفه لترد بغضب
_ دا إحنا كنا عايشين في شقتي ! سابلي فرصة ألم حاجتي إزاي ؟
_ المعلومات بتقول ان الشقة ملكه من أكتر من سنة ! بيع وشرا منك وبعد كدة اتباعت لدينا أيمن
انفتحت عينيها في اندهاش مما سمعت ، لقد سجل الشقة بعقد تاريخه قديم .. كل هذا من أجل أن يتهمها ويذلها ، هل يريد حقًا أن يدمر حياتها تماماً ويدخلها السجن !
لتعلم هنا أن فواز .. لفق لها التهمة وألف سيناريوا بحبكة قوية ليضمن وقوعها في الفخ .. دافعت رنيم عن نفسها وعيونها تجمعت بها الدموع لتقول كالمجنونة تنفي عنها كل هذه التهم
_ المعلومات دي غلط ، والله العظيم مخدتش حاجة ولا حتى حاجتي خدتها ولا أعرف هي فين والشقة لحد من شهر واحد بس كانت بإسمي أنا، ورثي من بابا وماما !
_ ياريت تقوليلنا فين الساعة من غير شوشرة اكتر من كدة
لم يبالي بها الضابط وبالطبع فواز كان مستمتع بالألم الذي تختبره على يديه ، لقد تجرأت على أن تحلبه معها للشقة لتحتضنه وتغيب معه في الداخل فيها ! سيذيقها العذاب ! وخصوصاً بعدما رأى الصورة التي أرفقتها دينا بعد المكالمة ، صورة تجمع مكمود ورنيم وهما راحلين .. بالطبع أخفت منها إسعاد تماماً ... ليشعر فواز هنا أنه هو الآخر سينتقم منها ... سيتهمها بالسرقة !
ردت رنيم في انهيار
_ وأنا هاخد ساعته من غير السيريال نمبر أبيعها إزاي ! هكسب إيه ؟
ليقول الضابط _ ممكن تكوني ادتيها هدية لعشيقك !
صُدمت رنيم منه ... نظرت للضابط باحتقار فهو تم تأجيره بالمال ليظلمها ويلفق لها التهم سواء أكانت بريئة أم مذنبة .. ثم نظرت لفواز باسمئزاز وعادت لتجيب بقوة
_ أنا ماليش عشيق ..
هنا وقف الضابط غاضبًا ليقترب منها في غضب قائلاً
_ هتكدبي ياروح أمك! أمال إللي برا دا يبقى إيه؟
نظرت له في خوف وفواز لم يحرك ساكنًا ليقول الضابط بينما مد يده ليجرها من شعرها
_ أنتي مينفعش معاكي الأدب ، فهترجعي الساعة بالعافية
لكن فواز منعه بنظرة من عينيه .. توقف الضابط ليقول فواز
_ طلعي الساعة ...
لم تجيبه يل أعطته نظرة محتقرة وكارهه به بعيونها الحمراء ودينا بجانبه تتأملها كأنها تريد أن تحفر مظهرها المذلول في ذاكرتها
عاد فواز ليقول بعدما وضع ساق فوق الأخرى
_ لو طلعتيها من نفسك ممكن أتنازل عن المحضر
ابتلعت رنيم ما في حلقها ثم قالت
_ أنا مسرقتش حاجة.. دي شقة بابا وماما مش شقة حد تاني
_ كدابة ، خدتي دهبي وشقى عمري منك لله حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا شيخة
قالتها دينا بأسلوب مقهور لتظهر كالضحية والمرأة الكادحة التي تمت سرقتها
_ أنا مسرقتش أي حاجة.. هما إللي سرقوني
هما إللي ظلموني
كانت تريد أن تتحدث ، تقول كلماتها بثبات وثقة ببراءتها، لكنها في نفس الوقت كانت تشعر بالخوف من عدم فهم الضابط للحقيقة وإصراره على اتهامها. كانت تشعر بأنها تقف وحيدة في مواجهة الظلم، تعرف أنها تحتاج إلى إثبات براءتها بكل الطرق الممكنة.
رنيم كانت تحاول أن تبقى قوية وثابتة، ولكن داخلها كانت تحترق بالحزن والغضب لما تعرضت له من ظلم وظروف قاسية. كانت تنظر إلى الضابط بعينين متوترتين، تأمل أن يفهمها وأن يقف بجانبها في محنتها هذه، حيث كانت كلبشات البراءة في يدها تمثل الأمل الوحيد الذي تمسكت به... رغم علمها أنه مأجور ، لكنها كانت تأمل أن يصحى ضميره ويساعدها
_ أمضي على أقوالك ...
بعدما انتهت .. نظر الضابط لكاتب المحضر ثم أخذ منه الأوراق وأمرها أن تمضي لترفض رنيم وهي تنظر لهم كأنهم عصابة
_ مش همضي على حاجة مش عرفاها
لكن الضابط صرخ بها يجبرها _ أمضي !
ارتجف جسدها من الخوف ونظرت لفواز .. لتجده لا يبالي بأي شيئ ، يبادلها النظرات وينتظرها أن تمضي على أوراق سترسلها للحبس لا شك .. شعرت أنها مكشوفة بلا ستر ، هو هنا يقف ضدها وليس معها .. هو هنا عدو لها ، يريد أن يقضي عليها تماماً ، يريد ألا تقوم لها قائمة من جديد ..
فجأة مسكت رنيم فمها ثم انتفخ وجهها ليستغرب الجميع ودارت عينيها بسرعة وبحيرة كأنها تبحث عن شيئ ..
فجأة جرت رنيم لسلة القمامة وألصقت وجهها بها لتخرج عنها أصوات التقيؤ وتلمئ المكتب والجميع مصدوم مما يرون ..
_ شكلها حامل !
قالت دينا .. لينظر فواز لها كالمصعوق لتكمل دينا في خبث ولكن بوجهها الذي تظهر عليه علامات البراءة
_ أنا كنت سمعت من الجيران كدة
ارتفعت خفقات قلبه في عنف لتكمل بينما رنيم مستمرة في التقيؤ العنيف أكملت دينا توسوس في عقل فواز
_ كل شوية الدكتور طالع نازل ، وخطيبته قالت إنها حامل في شهر بس رجعت قالت لأ دا في تلاتة كأنها بتخبي حاجة !
هنا شعر فواز بصدمة كبيرة تضربه وتضرب كيانه كله .. منذ هذه المدة وهو لم يقترب منها ، حتى في آخر أيامهما معًا كانت ترفض اقترابه منها .. لقد عرف السبب الآن ، لقد عرف سبب تعبها وتألمها الدائمين ومزاجها المتقلب ... إنها حامل! ومن المرجح أن يكون الطفل ليس طفله فلو كانت حامل في ثلاثة فمن الممكن أن يكون من صلبه أما لو كان شهر .. فلا توجد أي فرصة أن يكون الطفل منه !... ولكن يظل هناك احتمال أن يكون منه ومن صلبه ..
_ الغي كل حاجة!
قالها فواز بنبرة خالية من الحياة للضابط ، الذي استغرب لكنه في النهاية تبع أوامره واندهشت دينا فقد توقعت أن فواز سيكون
قاسي أكثر معها
وقف فواز من كرسيه ثم توجه نحوها ، وجدها مازالت تتقيؤ وتحاول أن تتنفس بصعوبة ، رفع عنها شعرها ، لتشعر بالحرية أكثر... بعد دقيقة رفعت رنيم وجهها عن السلة .. ثم نظرت له .. كانت في عالم آخر ، تشعر بدوران غريب ، العالم يدور وحتى فواز يدور ... أغمضت رنيم عينيها ثم غابت عن الوعي ...
حملها فواز بين يديه ... ثم طلب من الضابط أن يخرجه من الباب الآخر للمكتب .. وتوجه بها فواز لمكان .. سيكتشف فيه الحقيقة
__
كادت دينا أن تشيط .. بل بالفعل هي شاطت لتقول
_ يعني إيه ؟ يعني مفيش قضية !! رنيم مش هتتحبس !
رد الضابط الذي أخذ الأمر من فواز ونفذه
_ أيوة
لتقف من مكانها وتصرخ _دا أنا افضحكوا هنا ..
احتدت عيون الضابط الذي لم يتحمل منها ما قالت ليقف ويتهجم عليها قائلاً
_ لمي لسانك يابت بدل ما ارميكي في التخشيبة !
سقط الضابط على وجهها بضربة قوية أوقعتها أرضًا ليقول ثم نادى بصوت مرتفع
_ خدها على الحجز .. ووصي عليها جوا !
انفرجت شفتيها الذي سقطت منها الدماء في ذعر تحاول أن تتوسله ألا يفعل ذلك .
_ لأ ياباشا أنا آسفة والله مقصدتش أقول كدة والنبي خليه يسيبني
لكنه لم يبالي وتركها تغادر ومازالت تصرخ وتنادي أن يتركها ويسامحها ...
كان محمود قد أبعده العسكري عن المدخل كما أمر فواز ، ثم عاد ليدخل للضابط مع العسكري ليخبره الضابط أن الأدلة لم تكن كافية لإتهامهم وتم إخلاء سبيل منذ ساعة ..
خرج محمود من قسم الشرطة ليجد أمه تنتظره والتي أصرت ألا تتركهما وذهبت خلفهما ليجري عليها يسألها
_ رنيم فين ياما ؟
سأل محمود بينما تدور عيناه في المكان كله لتجيبه أمه
_ مخرجتش لسة
انفتحت عيني محمود في ذعر هاتفًا
_ مخرجتش إزاي دا خرجت بقالها ساعة !
لتهب أمه فيه من غضبه عليها
_ منا قاعدة هنا يا محمود ومشوفتهاش ولا لمحتها ، قالوا لسة في مكتب الظابط
احمرت عيني محمود من الرعب ، إن رنيم لم تخرج إلا الآن رغم معرفته من أحد العساكر أنها خرجت والضابط قد أخلى سبيلها لعدم كفاية الأدلة ..
عاد محمود للعسكري مرة أخرى ، حاول معه .. أعطاه هذه المرة مالاً أكثر بينما يتوسله
_ خرجت مع مين ؟
_ مع الباشا إللي كان هنا ولابس بدلة
قال العسكري ليصيب الهلع محمود .. ثم ردد في ذهول
_ فواز .. فواز !
___
استيقظت رنيم لتجد نفسها في غرفة نوم غريبة لأول مرة تدخلها .. ممددة على الفراش وملابسها مُبدلة.. أصابها الهلع ، آخر ما تتذكره هو وجه فواز الذي كان يدور ثم فقدت الوعي
وجدته يدخل الغرفة وبيده كوب من العصير ، يرتدي تيشريت أسود بيتي ومريح مع بنطال من القطن يشبهه
_ فين هدومي ؟
سألت أول ما رأته بينما تضم عليها اللحاف ليضع ما فيه يده على الكمود ويجلس على جانب الفراش مجيبًا
_ أنا غيرتلك
تفاجئت من وقاحته لتهتف_ أنت إزاي تعمل كدة !!
ليجيب بنظراته المريبة
_ هي أول مرة اغيرلك ؟ ولا تكون خيانتك نستك
نجاهلت حماقته لتهتف في حزم رغم الرعب الذي تشعر به داخلها
_ أنت طليقي مش من حقك تلمسني ولا تشوفني
ليرد باستفزاز _ أنتي مش محجبة ، أنا كدة كدة شايف كل حاجة
هتفت رنيم _ أنت مريض !
تخطى سبها له ليقتري منها سائلاً في ثبات
_ حامل من امتى ؟
نظرت له وقد بدت ملامح التفاجئ على وجهها ليتنهد ثم عاود السؤال
_ حامل من امتى ؟
_ أنا مش حامل
أجابت رنيم ليحاول تهدئة نفسه أمام تلك الكاذبة هاتفًا في صوت خافت ومرعب
_ من امتى ؟
ابتسمت رنيم في سخرية لتقول _ وهو أنا لو كنت حامل منك .. كان زمانه عاش ؟ بعد الضرب إللي ضربتهولي ؟
تشنج كتفيه مما قالت ، ثم دارت عيونه ليميل رأسه مرددًا كالذي استنتج وقوع كارثة ليقول في خفوت قاتم ونظرات سوداوية
_ يعني مش حامل مني ؟
______
خرج فايز وريم من غرفة الأخصائية وهما يحملان أثقالاً فوق كتفيهما .. يحملان حطام بيتهما ليسيرا في ثقل .. سرعت ريم مشيتها ما إن ابتعدت عن المكتب حتى ابتعدت عن التمثيل والتظاهر أنهما زوجين طبيعين ليسير وراءها فايز بسرعة يريد أن يلحقها
_ ريم .. ممكن كلمة لو سمحتي !
_ لأ !
ردت في حزم ووجه قاسي ثم اعتدلت لتصبح في مواجهته ونظرت له في احتقار
_ أنت السبب في كل إللي حصل للولاد
تحمل فايز اللوم كله وحده دون أن ينطق لأنه يعلم أنه هو السبب وهي ما كانت إلا ردة فعل
لتتابع ريم إهانته
_ فاخرس خالص مش عاوزة أسمع صوتك !
صُدم من جُملتها القاسية ، هل طلبت منه أن يخرس ! لهذا الحد وصل بها الكره !!!
لم يستطع فايز أن يرد عليها فهي أخرسته بكلامها
سبقته لتذهب لساحة اللعب .. تحاول أن تجد أطفالها فهما في نشاط لتعلم إحدى الألعاب
ها هي وجدتهم .. وجدت أطفالها ، ما إن رأتهم حتى نزلت دموعها فوراً ، دموع شوق وعشق وحزن .. دموع أم تعذبت في غيابهم وتعذبت من فكرة حضورهم وهم منه .. من ذلك الخائن الأناني الذي لا يهتم إلا لنفسه ..
عمر وياسين ورقية كانوا جالسين متجمعين في إحدى الزوايا من فناء المدرسة، كل واحد منهم يحمل في عينيه لون الحزن العميق. كانت الألعاب تجري حولهم وأصوات الأطفال تعلو في الهواء، لكنهم لم يكن لديهم الرغبة في الانضمام إليهم.
ياسين ، الطفل الأكبر بينهم، كان يحتجب وراء نظراته المكتومة، حيث تعكس عيناه الخجل والأسى من الخلاف الذي حدث بين والدته وأبيهم. كانت هذه اللحظة تجعله يشعر بالعزلة والوحدة، حيث كان يفكر في كيفية إصلاح الأمور بينهم، وكيف يمكن له أن يعيد السلام والفرح إلى حياتهم... رغم صغر سنه إلا أنه كان يفكر بشكل منظومي عقلاني كما علمته والدته التي أشتاق إليها كثيراً
عمر ، الصغير المرح، كان يجلس متسائلاً عن ماضيهم القريب، حيث كان يحب أن يضحك ويمزح مع أخوته، لكن الآن كان يعبر عن حزنه بصمت. كان يحمل في قلبه مشاعر مختلطة من الإحباط والتفاؤل، متسائلاً كيف سيمضون أوقاتهم بلا وجود والدتهم إلى جانبهم.
___
أما رقية، الطفلة الصغيرة الحساسة، كانت تجلس ملتفة بذراعيها، تحاول إخفاء دموعها التي تتساقط بين الحين والآخر. كانت تشعر بالحزن العميق لفراق والدتها، وكانت تفتقد حنانها والكلمات الدافئة التي كانت تنقلها لها في كل لحظة.
الثلاثة كانوا يشعرون بالتأثر والتأمل، كل منهم يحمل في داخله حاجة ملحة للحنان والأمان، وكانت تلك الزاوية مكانًا حيث يمكنهم أن يبوحوا بمشاعرهم الداخلية بحرية، بعيدًا عن أعين الآخرين.
ريم وهي تنظر إلى أطفالها بعد غياب طويل، شعرت بمزيج من اللهفة والفرح، بدموع تتساقط على وجنتيها وهي تنظر إليهم منعزلين في فناء المدرسة. كانت هذه اللحظة تحمل لها كل معاني الحب والأمومة التي كانت تشعر بها بشدة، رغم الخلاف الذي جعلها تبتعد عنهم لفترة.
كانت تلك اللحظة مليئة بالتأملات والتساؤلات، حيث شعرت بأنها فاتت عليها أوقات كثيرة لم تكن بجوار أطفالها. كانت تشعر بالندم على كل لحظة ضاعت من وقتها معهم، ولكن في الوقت نفسه كانت تشعر بالسعادة والراحة لأنها الآن أمامهم، تشاهدهم وتحتضنهم.
عندما نادت عليهم، شعرت بالتسرع والشوق وهي تنتظر رد فعلهم. كانت تريد أن تشعر بأنهم يحتضنونها أيضًا بنفس الشوق والحب الذي تحملته لهم خلال فترة الابتعاد. وعندما اقتربوا منها، شعرت بالسلام والطمأنينة الذين وجدتهم في أذرعها، كما لو كانت تحتفظ بهم بقوة لا تُنفك عنهم مجددًا.
تفاجئ الأطفال بأمهم تقف على مقربة وتناديهم بلهفة
ليجروا عليها بشوق ولهفة شديدة غير مصدقين أنها اخيرا أمامهم لتعود الضحكة وتزورهم من جديد بعد غياب طويل
_ مااامي !
هتف الأطفال في حماس لينقضوا عليها يتصارعون لإحتضانها لتحاول ضمهم كلهم بين زراعيها فتكاد أن تقع لتجد فايز يسندها فتنظر له نظرة خاطفة لتجد السعادة المصاحبة بالدموع في عينيه لتعود وتضم أطفالها وهو في ظهرها يحميها من السقوط ، يحمي عائلته من الإنحناء
ريم كانت تعيش في ذلك اللحظة، مترقبة لكل كلمة وابتسامة من أطفالها، تعلقت بأمل أنهم لم ينسوها أبدًا وأنها لا تزال هي أمهم التي يحبونها ويرغبون في رؤيتها. كانت تشعر بأنها تستعيد جزءًا كبيرًا من نفسها الضائعة، وأن الوقت الذي قضته بعيدًا عنهم كان كفيلًا بتعميق رغبتها في أن تكون أمًا أفضل وأكثر حنانًا.
في كل عناق، في كل لمسة، كانت ريم تعيد بناء روابطها مع أطفالها، تجدد عهدها بالحب الذي لا ينتهي، حيث كانت الأم التي لم تكن تريدهم يعيشون دونها، وكانت تجد في ذلك اللحظة الحنان والأمان الذي بحثت عنه.
_ ليه يا مامي سبتينا !
سأل ياسين لتداعب شعره وتمسح دموعها
_ أنا غلطانة ياسين ، غلطانة يا حبيب مامي
قال عمر في قلق _ هتسيبينا تاني ؟
نفت ريم بسرعة وهي تقترب منه تقبله هو واخوه ياسين
_ عمري ، عمري ما هسيبكم ولو لحظة واحدة تانية ، أنا مقدرش أعيش من غيركم
_ بصي شعري من غيرك يا مامي !
قالتها رقية وهي تبكي وتمسك شعرها الذي تأثر بعدما غاب عنه اهتمام ريم الخاص به لتتلمسه وتقول
_ لسة أحلى شعر في العالم ، أنتي أحلى بنت في العالم يا رقية وعمري ما هبعد عنك تاني
ثم قبلت شعرها قائلة _ شعرك مسامحني دلوقتي ؟
هزت رقية رأسها في سعادة ثم عادت لتضم أمها
انتبه الأطفال أخيرا لوجود والدهم في ظهر أمهم التي نست تماما أنها اعتدلت ولم تعد بحاجة لأن يسندها لكنها تابعت ميلها عليه بشكل لا واعي وكم أسعد ذلك قلب فايز
_ بابي !
صاح عمر ليسأل _ صالحت مامي ؟
توتر فايز وانتبهت ريم لهذا السؤال ثم تركت رقية قليلاً واعتدلت مجيبة بدلاً عنه
_ لأ متصالحناش !
ارتفعت ملامح الاحباط على وجوههم وكذلك فايز الذي شعر بالخجل من نفسه ، نزلت ريم مرة أخرى لمستواهم وأكملت
_ إحنا مكوناش أصلا متخانقين علشان نتصالح
صدق الاطفال والدتهم بالطبع فهما يثقان فيها ثقة كبيرة تتخطى ثقتهم في أي أخد آخر فأخذوا كلامه على محمل الجد دون التفكير ولو للحظة أنه غير صحيح
عادت الروح لوجه فايز وكذلك أطفاله ليتسائل عن السحر الذي تمتلكه ريم ليجعلها تصلح وتنشر البهجة والإستقرار في أي مكان تتواجد فيه لينشرح صدره بينما تكمل
_ إحنا بابي ومامي ، وهنكون أحسن بابي ومامي ليكم
جرى الأطفال عليهما يحتضنوهم معا.. لينضم لهم فايز في سعادة شديدة .. رغم شعوره بأن ريم تريد أن تنتزع نفسها من حضنه إلا أنه تمسك بها كما يتمسك بأطفاله .. لا يستطيع تفويت الفرصة ! لازال داء الاستغلال والأنانية يسري في دمه لكن على الأقل هذه المرة يصب في الصالح العالم للعائلة الصغيرة الرائعة ..
فصل طويل جداااااا جدداااا جداااا بنودعكم بيه قبل ما نرجع لمواعيدنا القديمة .. كل يوم خميس فصلين 💖💖 .. واللي عاوز يحجز الرواية يكلمنا ... اخر أسبوع لحجزها 💖💖💖