الفصل الثاني والثمانون من رواية عشق أولاد الزوات
عشق أولاد الذوات
___
مر أسبوع .. وها هي رنيم تجلس بين أحضان أغطية السرير ، نظراتها شاردة وعيناها غارقتان في بحر من الدموع. شعرت بأن قلبها قد تحطم إلى شظايا متناثرة، كل واحدة منها تحمل ألماً لا يمكن احتماله. الألم الجسدي الذي سببه لها الضرب لم يكن شيئًا مقارنة بالألم النفسي الذي تركته الاتهامات الجائرة والخيانة العاطفية .
كل مرة كانت تغمض فيها عينيها، كانت ترى وجه فواز مشحونًا بالغضب والشك. تذكرت صوته الجارح وهو يتهمها بشيء لم تفعله، وهو يعايرها بجسدها وشكلها ، يشبهها بالماشيه ، ينعتها بأبشع الألفاظ ويخبرها أنه كان غبي لأنه تزوجها .. شعرت بالاختناق. كيف يمكن لشخص أحبته بصدق أن يتحول إلى هذا الوحش القاسي؟ تساءلت في داخلها وهي تمسح دموعها بظهر يدها المرتجفة.
أحست بثقل الوحدانية، وكأنها أصبحت سجينة في عالم لا يعرف فيه أحد ألمها. كانت تفتقد الأمان الذي كانت تشعر به بجانبه قبل أن ينهار كل شيء. الآن، لم يبق سوى الخوف والمرارة. كانت تعذبت ليس فقط من الضربات التي تركت كدمات على جسدها، بل من تلك الكلمات اللاذعة التي حفرت في روحها ندوبًا لن تلتئم.
رنيم حاولت أن تجد تفسيرًا لما حدث، لكنها كلما بحثت، كلما وجدت نفسها تغرق أكثر في بحر من التساؤلات والشكوك. كان الألم يمزقها من الداخل، وكأنها تتآكل ببطء.
لماذا لم يسمع منها أي تفسير ، وكأنه كان ينتظر أي سبب ليبتعد عنها به .. بعد تفكير كثير تأكدت من ذلك .. إنه لا يحبها ولم يحبها ولم يحتمل أن يضحي من أجلها
_ أبلة رنيم ...
دق الباب وتبعه صوت رقيق ارتفع لينادي عليها لينتشلها من افكارها فمدت يدها إلى وجهها تمسح دموعها ثم قالت
_ تعالي يا هاجر
فتحت هاجر الباب بيد وبالأخرى كانت تحمل صينية طعام صغيرة ، دخلت بها لتقول رنيم
_ اتفضلي
دخلت هاجر ووضعت الصينية بجانب رنيم فوق الكومود لتعزم عليها قائلة
_ الغدا علشان تاخدي الدوا
ابتسمت رنيم ولم ترد لتستغرب هاجر الأمر لتشعر بالغرابة قائلة
_ مش هتاكلي ؟
هزت رأسها بالرفض
_ لأ مش هاكل .. ماليش نفس ، بس تسلم ايدك تعبتك معايا
قالت هاجر _ لازم عشان الدوا
لتجيب رنيم بنبرة خالية من الحياة
_ مش لازم حتى الدوا
تألمت هاجر من استسلام رنيم للحزن بهذا الشكل لتقول في أسف
_ بس كدة مينفعش
عادت رنيم لتقول بتهذيب
_ معلش أنا آسفة عارفة إني تعبتك بس مش هقدر أكل أي حاجة
صمتت هاجر ثم أخذت الطعام وخرجت من الغرفة لتعود رنيم لشرودها وتتهدل ملامحها مرة أخرى ...
_
جلست إسعاد بجانب محمود الذي استقبلته ما إن عاد من الخارج قائلة له
_ هي هتفضل قاعدة عندنا كدة !
لم يدعها محمود ، فبعدما أطلق فواز صراحه عاد ليستعين بإحدى أصدقائه ليعود للمكان .. لم يستطع أخذ أي فعل لأنه يعلم أن رجال فواز مسلحين وبأن رنيم هي زوجة فواز ولا يستطيع أن يخطتف زوجة من زوجها ! .. لطنه ظل يراقب المكان رغم ألمه ورغم حسرته على ما فعله به فواز ...
ما إن رأى رنيم تخرج بين يدي فواز حتى تبعهما ولما سقطت رنيم في الشارع كان هو من لحقها وأخذها معه لمنزل أمه ، حتى تطمئن وتشفى من جروحها التي تفاجؤوا جميعاً بها وشعروا بالشفقة من أجلها ليشعر محمود أنه لن يتركها تذهب أبدا وحدها رغم شعوره بالذنب بسبب ما فعل ، فهو شريك في جعل فواز يغير على رنيم . حتى لو دون قصد ..لكن مضايقته له ولرنيم كانت من أهم السباب التي جعلت فواز يصدق خيانة رنيم معه .
رد محمود
_ حرام عليكي ياما خلي في قلبك شوية رحمة ، دا أنتي كنت هتموتي على ضافر بت اعتبريها بنتك
رفعت إسعاد حاجبها مجيبة
_ أنا بنتي هاجر وبس
هتف إبنها في تأنيب _ يعني هترمي ست ملهاش حد في الشارع ياما؟ أنتي ناسية لما جيت كونت عاملة إزاي ولسة تعبانة إزاي ؟
تضايقت إسعاد وشعرت بالشفقة الشديدة على هذه الفتاة المسكينة ، بعدما تذكرت هيئتها وبينما هي تداوي جروح جسدها.. لقد عذبها زوحها بأبشع طريقة وضربها بقسوة .. لكنها ايضا تريد الحفاظ على ابنها وتريده أن يبتعد عن رنيم بأي شكل من الأشكال وبذات الوقت لا تستطيع التخلي عن فتاة تخلى عنها الجميع لتقول
_ خلاص يبقى متعبتش البيت دا وهي فيه
ليجيب محمود في ضيق
_ يعني انتي شيفاني باجي أوى ، أنا باجي اتطمن عليكي وامشي
_ تطمن عليا بردو
قالتها إسعاد في خبث لتكشف محمود ليشعر بالخجل من أمه فهو بالطبع يأتي ليطمئن على رنيم فقط ، خرجت هاجر لهما بالصينية لتجدهم يجلسان لتقول
_ ماما ، أبلة رنيم مش عايزة تاكل
غضبت اسعاد بشدة فليست هذه المرة الأولى التي ترفض فيها رنيم الطعام فدفعت هاجر من طريقها
_ اوعي
شعر محمود بالقلق عليها وهم ليدخل لتنظر له أمه في تحذير
_ خليك أنت هنا
ليهتف في ضيق _ ياما هدخل اشوف مالها
لتستهزء به أمه قائلو
_ ياخويا شوف نفسك ، كفاية خيبة بلا حسرة
شعر محمود بالإحراج الشديد خصوصاً أن أمه وبخته أمام هاجر الصغيرة ، وهو بالأساس بعدما أخذها فواز وهدده بها ولم يستطيع مساعدتها وكان مكبلاً مذلولاً أمامها ...
هربت هاجر منه وكانها شعرت بإحراجه فلم ترد أن تذيد عليه المحنة فدخلت للمطبخ بعدما دخلت إسعاد عند رنيم
شهقت فجأة ما إن وجدت محمود خلفها يقول
_ عاملة إيه ؟
حاولت سحب أنفاسها لأنها لم تتوقع مجيئه خلفها
_ الحمد لله
لم يعرف ماذا يقول .. لقد تعهد أن يحافظ عليها ويكمل تربيتها ، لكنه لم يستطيع ومع أول خطر تم اختطافها
_ معلش يا هاجر !
_ معلش أنت يا أستاذ محمود
قالتها هاجر كرد تلقائي حزين ، وهي ترى ندبات في وجهه لم تختفي وزراعه مربوط فيه رباط ضاغط ، وذلك الوجه الذي لم يضحك بعدما حدث ، لتدرك كما هو متألم وحزين
_ لأ أنا كويس ، المهم أنتي تبقي كويسة ، واوعدك تاني يا هاجر إني مش هخلي أي حاجة تأذيكي ولا تقربلك
قالها محمود بجدية شديدة لتهز هاجر رأسها في ابتسامة بسيطة مجيبة
_ إن شاء الله
نظر لها محمود وطالت نظرت لها ، شعرت هاجر بالخجل فغادرت بسرعة إلى غرفتها هاربة منه ليقف محمود مكانه مندهشًا من نفسه ، ومندهشًا من حنانها ، ومندهشًا من خوفه واحراجه أمامها وشعوره بأنه يريد أن يصبح في أبهى صورة أمام عينيها ..
____
_ مبتاكليش ليه يا رنيم ؟
دخلت إسعاد الغرفة فجأة في قوة لتنظر لها رنيم وخافت فهي أصبحت تخاف بشدة هذه الأيام بعدما حدث لكنها ابتلعت مافي حلقها مجيبة في خفوت
_ ماليش نفس
لم يعجب الرد إسعاد لتندفع نحوها وتصيح بها
_ هو إيه دا إللي مالكيش نفس ، كفاية دلع وقومي كلي عشان تاخدي دواكي ، ولا عايزة تبلينا بيكي أكتر ، فزي قومي اطفحي
امتلئت عيون رنيم بالدموع من قسوة إسعاد وكلماتها التي جعلتها تشعر وكأنها ثقلاً عليهم .. وكأنها ثقلاً على الجميع .. لتشعر إسعاد بالضيق لأنها أشعرتها بالسوؤ ثم اقتربت منها وجلست جانبها قائلة
_ متزعليش من كلامي ، دا خوف وحب ليكي
ردت رنيم وقط سقطت دموعها بالفعل
_ دا مش خوف عليا ولا حب
نظرت إسعاد لها ولحالها ، فهي ترى أمامها إمراة أصبحت تبكي من أقل شيئ ، تنفعل وتخاف من أي شخص .. لتقول إسعاد في حكمة
_ ومقولتيش لنفسك كدة ليه وهو بيعاملك وحش ومع ذلك فضلتي معاه !
نظرت لها رنيم قائلة بينما صوتها مخنوق بالبكاء مندفعة بالحديث بعد صمتها الدائم
_ أنتي عارفة أنا حبيته أد إيه ؟ عارفة أنا استحملت أد إيه عشان أفضل معاه وقريبة منه
_ وعملتي إيه يا ست البنات ، قوليلي أنا قاعدة أهو وموراناش حاجة
قالتها إسعاد ونظرت لرنيم في تركيز تحثها على أن تحكي وتقول كل مافي قلبها ، لتنظر لها رنيم في حيرة ، فهي منذ أن أتت وهي لا تتحدث مع أحد سوى حديث خفيف وبسيط ولا يتعدى حدود الذوق ، لكنها الآن وفي هذه اللحظة استشعرت في إسعاد ثقة غريبة ، وبالطبع هي تريد أن تحكي ، تريد أن تخبر أحد على مشاعرها التي تقتلها من الداخل لتبدأ رنيم في حكي كل ما حدث لها مع فواز ..
كانت تبكي أحيانا وتتوقف عن الحديث احيانا أخرى وبعد أن طال الكلام وانتهت رنيم بعيون منتفخة من قص ما حدث حتى ما وصلت إليه ، تنهدت إسعاد في أسى على قصتها ثم قالت
_ انتي الغلطانة يا بنتي !
نظرت لها رنيم قائلة في حدة بسبب بكائها
_ غلطانة ليه ، هتقولي عليا ظالمة أنا كمان !!؟
_ لأ ، عشان ضحيتي وقدمتي كتير ، ومكانش فيه ولا مقابل ولا ردة فعل من إللي أدامك ولو لمرة واحدة بس ، وصبرتي سنين ، الراجل تديله أسبوع ، أسبوع واحد بس ، إن ماخدش خطوة بنسيبه مبنصبرش عليه ونفضل ندادي فيه ويبقى ناقص نعمله تمثال
استغربت رنيم من حديث إسعاد وشعرت بأنها توبخها ، لتكمل إسعاد سائلة
_ إيه يجبر بنت حلوة وصغيرة تصبر مع راجل كل دا من غير حتى ما تقوله هاتلي شقة برة ومبقاش بخدمك أنت وأهلك!
ردت رنيم مندفعة وكأن أحدهم اتهمها اتهامًا قويًا
_ عشان أفضل جمبه علطول وهو كمان كان عنده شغل طول الوقت ، كانت هي دي الطريقة الوحيدة
ابتسمت إسعاد بسخرية ثم تحدثت صادمة رنيم بصراحتها
_عشان مش مالية إيدك من حبه ليكي وأنه مش ماسك فيكي زي مانتي ماسكة فيه ، خوفتي لو خدلك شقة برا يهرب ومتعرفيش توصليله لما يشبع منك لأنك حاسة إنه إبن الزوات بيجيلك عشان يغير شوية من حياته ومزاجه
نظرت لها رنيم في صدمة وبعيون حمراء لتكمل إسعاد غير مبالية بقلب رنيم الذي يتكسر مع كل كلمة تقولها
_ قبلتي تعيشي خدامة رغم كان في إيدك تعيشي ملكة وتحرميه منك وتخليه لو صحيح بيحبك يعلنك ويفتخر بيكي أدام الناس ،بس كنتي عارفة إنه مش بيحبك زي مانتي بتحبيه ، وكأنك عاوزة تفضلي أدام عينه علطول عشان مينساكيش ! أنتي إللي مسحتي بكرامة نفسك الأرض مش هو ...
كانت إسعاد تتكلم في قوة وحدة وتشعر بالغيظ الشديد لما عاشته رنيم فما عاشته استفزها كثيراً ... استفز المرأة التي بداخلها فكيف لرجل أن يفعل هذا مع امرأة ويذلها بهذا الشكل أو أن امرأة تذل نفسها بهذا الشكل من أجل رجل .. لتكمل اسعاد
_ بصي يابنتي بالحلال ولا بالحرام ، انتي رخصتي نفسك أوي عشان واحد موقفش معاكي وشك في أخلاقك بعد كل إللي قدمتهوله إللي هو أصلا مكانش ينفع تقدميه وكنتي سبب للمهانة إللي عيشتي فيها ، أنتي تزعلي من نفسك مش منه ..
بكت رنيم بقوة ثم تحدثت بصعوبة بين دموعها
_ وكنت أعمل إيه يعني؟
هنا اهتاجت إسعاد وقالت _ لو كنتي مظبوطة معاه مكانش كل دا حصل ! واحد راح اتجوز وعاش ، ليلة معاكي وليلة معاها ، وكل مرة يضحك عليكي بكلمتين ، هي بعد ما طلقها لسة متصانة ومتشالة على الراس وهانم وخدك ذلك أدامها بعد ما طلقك وقبل ما يطلقك ذلك ادامها بدل المرة مية ، وأقولك على حاجة كمان ، أنتي ظلمتي يابنتي ! مش نفسك بس ، لأ مراته التانية !
_ دي هي إللي طول عمرها بتكرهني وبتذلني ، أنا مراته الأولى مش هي
اندفعت رنيم بصوت مبحوح تدافع عن نفسها وترفض اتهام إسعاد لها لتقول اسعاد بإنصاف
_ الست ملهاش دعوة ومكانتش تعرف وانتي سبتيها على عماها ونمتي على فرشتها قبل ماهي تنام عليها ، جنانك بيه صورلك إن دا إنتصار ، بس دا نقص وقلة أدب منك !
بُهتت ملامح رنيم من هذه الصدمات التي ترميها عليها إسعاد واحدة تلو الاخرى ، لتبدأ بالفعل تفكر في كلامها وتعيد حساباتها مرة أخرى بينما تكمل إسعاد
_ ترضي واحدة تنام على فرشتك مع جوزك ! ترضي تتجوزي واحد وبعدين تكتشفي إنك المرة التانية مش الأولى ، دا إسمه غش وخداع... وفرحانة أوي وانتي بتقوليلي إنه كان بيفضلك انتي وكنتوا في اوضتها كام مرة ، عينك كان فيها انتصار ، رغم المفروض يكون فيها عار !
صُعقت رنيم من الحقيقة التي تراها لأول مرة ، وصدمت أكثر من نضج وفهم ولباقة أم محمود وكان الأخرى شعرت بما يدور في رأسها من نظرات عينها فقالت
_ إيه كنتي مفكراني جاهلة! لأ يا حبيتي إحنا كمان ولاد عز بس بنحب شارعنا ومنطقتنا إللي أهل جوزك بيحتقروهم ومفكرينهم كلهم فقرا وجهله .. لا يا حبيبتي ولادنا متعلمين بس مش معوجين ولا بتوع منظرة ، هي شوارع بلدنا كدة لازم نعيش فيها مش كل البلد هتروح تعيش في شوارع جاردن سيتي !
شعرت رنيم بالخجل بسبب الإحساس الذي وصل إلى السيدة إسعاد وأنها قللت منها ولو حتى بنظرات عيونها ...
تنهدت إسعاد التي لم تكن كبيرة للغاية في السن فهي كانت في الخمسينات من عمرها وتتمتع بصحو جيدة ومظهر جيد وخبرة طويلة بسبب موت زوجها مبكرًا وتوليها هي أمور البيت وأمور أمواله وتربية ابنها ...
شعرت إسعاد أنها أذادت العيار على رنيم التي بدأت تشهق شهقات متقطعة بسبب البكاء المتواصل لتربت على ساقها وتنظر لها في تعاطف قائلة
_ بس أنتي معذورة ، مكانش ليكي حد غيره وأمك وابوكي راحوا للي خلقهم بدري ، للأسف هو مراعاش إنك لواحدك وخد كل حاجة فيكي من غير ما يديكي أي حاجة غير شوية سعادة ومتعة بيرميهملك كل كام يوم ... ولا حد كان جنبك يقولك صح ولا غلط .. ماشية ورا قلبك ووراه زي المتساقة وخلاص
سحبت رنيم نفس عميق ومازالت الدموع متواصلة تنزل فوق صدغيها لتقول إسعاد في مرارة على حال ابنها وما فعله فهو له دور كبير في هذه المأساة
_ الدور والباقي عليا أنا وابني ، ابني للأسف معرفتش أربيه .. لو كنت عرفت أربيه مكانش جرى ورا واحدة متجوزة وخلى جوزها يشك فيها وخسر كل حاجة عشان شيطانه لهاه ، مع إني محسورة على تضييعه مال أبوه وشقاه هو ذات نفسه بس عقاب ربنا وهو يستاهله
لتصدم رنيم مما قالت فسألت _ إزاي يعني ؟
تنهدت إسعاد مخبرة إياها _ طليقك مضاه على كل حاجة بإسمه وكتبه وصولات أمانه كمان ..
انفتحت عيني رنيم على آخرهما من الصدمة ، قد أخذ فواز أموال محمود وكل ما يملك ، ليدعه بلا شيئ كما فعل مع رنيم ، وكأنه يخبرهما أنه لن يتركهما ينعما بحياتهما أبدًا ، وكأنه يخبرهما أنه سيطلقها لأجل خيانتها لكنه لن يدعها تستمع مع عشيقها ...
تداركت إسعاد الأمر وقالت _ بس الحمد لله مستورة ، ليا حاجتي بتاعتي مراحتش ومنها الشقة إللي إحنا فيها دلوقتي !
نظرت لها رنيم في أسف ، فهي السبب في ضياع اموالهم وفضحهم في المنطقة ، لتتمنى لو أنها ما كانت أتت إلى هنا أبدا ودخلت في بكاء مرير بصوت مرتفع لتضع إسعاد يدها على وجهها بقوة منزعجة من انهيارها قائلة
إسعاد بصوت دافئ وحازم
_مفيش قدامك دلوقتي غير حاجتين، يا تقعدي زي مانتي قاعدة كدة رافضة الأكل والشرب وصحتك تروح منك وانتي زعلانة ويجيلك السكر ولا الضغط، وإلا تقولي إللي فات مات وأنا لسة عايشة وربنا هيعوضني.
لتنظر لها رنيم بعيون فاقدة للامل والحيلة لتضغط على كتفها قائلة في ابتسامة ثقة
_أصل مادام مظلومة، ربنا هيعوضك.
شعرت أنها يجب أن تثق بالله لتقول ام محمود
_ ثقي في الله واستعيني بيه ، انتي أول غلطك إنك محطتيش ربنا ادامك في كل خطوة خدتيها وفي كل حاجة عملتيها ..
جعلت وجهها في الأرض من الخجل من ذنوبها لتقول إسعاد بمزاح مرير
_ كلنا عندنا ذنوب يابنتي ، عندك ابني أهو والله خايفة الواد دا يدخلني النار
ابتسمت رنيم رغم بكائها واندفعت قائلة
_ بعيد الشر ، يارب تدخلي الجنة
لترد إسعاد في رقة وحنان
_ يارب أنا وانتي وكل خلق الله ، انتي عندك كام سنة؟
ردت رنيم بصوت مهزوز _26 سنة.
انفرج وجه إسعاد وهتفت بتشجيع
_طب حلو، لسة عيلة صغيرة، عيشي حياتك يا بنتي وانسيه.
لترد رنيم بغضب وألم نابع من قلبها
_ أنا أصلا بقيت بكرهه ومش عايزة منه أي حاجة، أنا نفسي انتقم منه وأكسر قلبه وأذله زي ما عمل فيا.
لتتنهد إسعاد قائلة بحزم وهدوء
_ولا تكرهيه ولا تحبيه، تجاهليه، انسيه خالص كأنه معداش عليكي.
عادت الاخرى لتحتار ، فكيف لها أن تتجاهله وتنساه هكذا لتردف بحزن عميق واستسلام
_إزاي بس؟
فردت أم محمود زراعيها قائلة في بساطة
_زي الناس يا حبيبة أمك، الزمن كدة كدة هينسيكي.
لم تستوعب رنيم كلامها ودخلت في حالة بكاء أخرى متحدثة صوت مختنق
_مش قادرة أتخيل حياتي من غيره، رغم إنه جرحني وأثبتلي في الآخر إنه عمره ما حبني بصدق زي ما أنا حبيته. رغم إني نفسي انتقم منه على إللي عمله فيا، بس والله ما قادرة استوعب إنه إحنا بعدنا عن بعض، إنه خلاص راح مني، أصدق إزاي إن إللي عيشت عشانه مبقاش موجود، أصدق إزاي يا ناس!
وما ذاد ذلك إسعاد إلا إصرار لتخبرها في حنان
_ وماله ، خدي وقتك في الزعل، انتي عشتي كتير في المر وإللي حصل مش سهل. اجمدي كدة عشان تعرفي تقفي بعد الوقعة السودا دي، وأحلفلك على المصحف إنك هتعرفي وهتقدري، بس أنتي ساعدي نفسك ومتقعديش تأنبي في نفسك كدة، إللي حصل حصل.
نظرت لها رنيم بعيون دب فيها بصيص بسيط من الألم ، لتربت إسعاد على كتفها بينما تنهض قائلة
_ أنا هقوم اجيبلك الأكل ، تاكل من سُكات
هزت رنيم رأسها بالموافقة لتخرج إسعاد تاركة رنيم تفكر في كل ما قيل لها
كانت تحاول إسعاد بث الأمل في قلب رنيم، وتحاول أن تجعلها تتجاوز هذه المحنة الصعبة من خلال نصائحها الحكيمة.
رنيم تستمع إلى كلام إسعاد وهي تشعر بمشاعر مختلطة من الحزن والخزي والألم. الحزن يغمرها بسبب فراق زوجها الذي كانت تحبه بصدق ، والخزي يرافقها لأنها تشعر بأنها لم تكن كافية لجعله يبقى بجانبها ولم يكن يحبها وأنها هي من اهانت نفسها من البداية عندما بسطت نفسها له ، وبأنها اكتشفت إنها ظلمت كما ظُلمت ، وأنها قد طغت على حق هيام في سبيل الحب والغيرة ، ومع ذلك، ومع كل كلمة كنت تقولها إسعاد، يبدأ شعور بالأمل يشق طريقه إلى قلب رنيم، مشجعةً إياها على النهوض مجددًا ومواجهة الحياة بشجاعة.
ومع ذلك لم تكن تعرف كيف ستستطيع المواصلة
لكن كانت تعلم أنها لا تستطيع الاستسلام. رغم كل شيء، كان في داخلها بريق أمل ضعيف، أمل بأنها ستجد يومًا ما القوة للوقوف من جديد، رغم الجروح العميقة التي تركها زوجها في قلبها وروحها...
وبعد كلام إسعاد أم محمود .. زارها الأمل والتفاؤل بأنها ستستطيع أن تنساه وتتخطاه . ...
نهاية الفصل