الفصل الخامس والسبعون من رواية عشق أولاد الزوات
عشق أولاد الذوات:
جلست في غرفتها تفكر به .. فقد شغل تفكيرها الفترة الماضية خاصتًا بعدما قبلها .. بعدما حاول التهرب من قبلتها .. تتذكر أحد لقائتهما ...
دخلت هيام المعرض في ساعة مبكرة من النهار، وكان الجو هادئًا نوعًا ما ثم سارت بين السيارات الفاخرة بثقة لكن بثقل وكأنها تحمل على كتفيها جبلاً من الهموم لكنها أصرت أنها ستنتقم بعدما أسمعها فايز تلك الكلمات القاسية وستريه هو وكل عائلته الحقيرة
تقدمت بخطوات بطيئة حتى وصلت إلى المهندس ذكي ، الذي كان مشغولاً بفحص إحدى السيارات
صوت طرق كعبها الرفيع جعله يرفع رأسه عن السيارة ثم نظر لها ليجدها فاتنة جميلة كأنها خرجت من إحدى الأفلام الغربية تتقدم نحوه في ثبات .. أبعد عينيه عنها ما إن أدرك أنه قد صفن فيها أكثر مما يجب ..
اقتربت منه هيام وخلعت عنها عويناتها ليقول ذكي قبل أن تتحدث
_ بشمهندس فوزي مش هنا
_مش هنا علشان فوزي
كان ردها بثبات ليضيق عينيه لا يعرف لماذا هي هنا
_ أنا هنا علشانك!
قالت هيام بجدية ظاهرة على وجهها
تجمد ذكي للحظة، ثم قال بلهجة ممزوجة بالدهشة
_ عشاني ليه ؟
طال صمت هيام .. ثم قالت فجأة بعدما كانت تتلاعب بخصلات شعرها وتحدق في عيني ذكي بنظرة تجمع بين الغموض والتحريض. كانت تعرف أن كلماتها يمكن أن تكون سلاحًا فتّاكًا إذا استُخدمت بشكل صحيح.
_مش عاوز تاخد حقك؟
قالتها بصوتٍ هادئ، ولكنه مليء بالتحدي.
ذكي رفع حاجبيه بدهشة
_من مين؟
هيام اقتربت منه ببطء، وعيناها تلمعان ببريق الانتقام
_من إللي ظلموك وأهانوك وداسوا عليك.
توقف الزمن للحظة، وانحبست الأنفاس في صدر ذكي. كانت ذكرى غادة، الفتاة التي أحبها وخدعته، تقفز إلى ذهنه. استشعرت هيام تغير مشاعره، فاستمرت في حديثها بحماس أكبر
_ غادة يا ذكي ! تستاهل تنتقم منها. هي اللي سابتك واتزوجت واحد متجوز ، من غير ما تفكر في مشاعرك ولا مشاعر مراته إللي هي ريم أختي!
تردد ذكي للحظة، ثم قال بصوتٍ مبحوح،
_مقدرتش انتقم منها ولا عايز ، والانتقام مش هيغير حاجة. مش هيرجع اللي راح.
أخذت تحدق في ذكي بغضب مكتوم، تريده أن يتفق معها ليتحدا ويخرجا تلك خاربة البيوت من حياة أختها قائلة
_ لازم تدفعها تمن اللي عملته فيك. لازم تحس بالندم والألم اللي حسيت بيه وحسسته لغيرها
ذكي تنهد بعمق، وابتعد بنظره بعيدًا،
_ هي غلطت ، ويمكن لازم تتوجع فعلاً ، بس مش بالطريقة دي ...
هيام شعرت بخيبة أمل، لكنها لم تستطع إجباره و كان ذكي أقوى مما توقعت ، لكن ربما إن عرضت عليه المال سيوافق لتعتدل في وقفتها مساومة إياه ...
_ بص يا ذكي ، أنا هديك الفلوس إللي أنت عاوزها ، بشرط إنك تساعدني اطرد غادة من البيت وأخلي فايز يطلقها ....
نظر لها ذكي مندهشًا من دنائتها ومساومتها إياه بهذه الطريقة الرخيصة .. ظهر على وجهه ملامح التقزز والقرف لتشعر هيام بها وتقرأها ...
_ وانتي بقى متعودة تشتري البني أدمين إللي أقل منك بالفلوس ؟
شعرت بأنها قد تعدت حدودها وقد أهاانته وما إن هم أن يرحل حتى مسكت زراعه لتمنعه .. ثم تركته وهو يناظرها في تفاجئ من فعلتها
_ استنى ...
نظرت له في توتر ثم تخلت عن غرورها قائلة
_ أنا آسفة يا ذكي
صمت ذكي ولم يتحدث لتستند ريهام إلى هيكل السيارة التي كان واقفًا بجانبها لتقول
_ أنا مش قصدي زي مانت مافهمت بس من كتر منا عاوزة أخد حق ريم وانتقم من أي واحدة بتخرب بيت أي ست تانية ، مكونتش شايفة ادامي ..
لم يجيبها ذكي ولم ينفعل لكنه شعر بالألم في صوتها ... لتصمت هيام ، تحارب منع دموعها من السقوط ، فهي تخطئ وتستمر في الخطأ وتذكرت ما حدث معها هي الأخرى في هذا اليوم .. لتكسر صمتها قائلة فجأة
_ مش أنا كمان جوزي طلقني في نفس اليوم !
_ بجد !؟
رد ذكي بتفاجؤ.
شعرت أنها تريد أن تتحدث ، تريد أن تفيض بما في قلبها ، باللذي لم تستطع قوله لأي حد قريب منها حتى لا يشمتون بها
_ كان متجوز الخدامة عليا في السر.
قالت هيام، والعينان تمتلئان بالدموع المكبوتة.
_ الحقير الناقص!
قال ذكي بغضب بعدما قال
_ أنا آسف.
نظرت له وهو منفعل من أجلها .. ليقول بأسف
_ أنا آسف إني شتمته هو بردو كان جوزك وابن خالتك
_متعتذرش، هو فعلاً زي ما انت قولت
قالت هيام وهي تبلع ريقها بصعوبة.
اشتد انفعاله ما إن أضائت لها الضوء الأخضر
_ بصراحة أنا مشوفتش راجل بالوساخة دي غير عمي أبو غادة ! ..
ارتفع صوته أكثر مكملاً _ لأ دا عمي أبو غادة أرحم منه كان حاله ضيق ومراته مكانتش حلوة أوي ، دا مش مبرر للعذاب إللي عذبه ليها ولعياله بس جوزك مكانش ناقصه أي حاجة عشان يعمل كدة !! وفي السر كمان ويطلقك انتي !! دا راجل مجنون وقذر وأوحش من أخوه التاني
_ تعرف إن أنت الوحيد إللي أهتم بزعلي وانفعل واتعصب عشاني ، مع إنك متعرفنيش !
رمتها هيام بوجهه بمنتهى الرقة وبصوتها الخافت المليئ بالإمتنان .. لينظر داخل عينيها ويتيه بهما وهو يرى امرأة شابة جميلة تائهه .. تخبي حزنها عن الجميع ليقول
_ ليه محكتيش لحد عن وجعك ؟
قالت بينما تمسك نفسها من البكاء
_ كله عاوز يشمت فيا ، أصحابي عاوزين يشوفوني وأنا مرمية وجوزي متخلي عني عشان خدامة ! وأهلي كفاية عليهم زعل ريم ووضعها ، وأنا دايما ممثلة إني قوية ومبيهمنيش بس أنا هاممني وزعلانة ومقهورة !
ثم بكت في آخر كلماتها ليشعر ذكي بالأسف الشديد عليها ، يرى الوحدة في عينيها ، إنها وحيدة للغاية ، وضعها أصعب من وضعه ، فهي حولها كثيرين لكنها لا تستطيع أن تستند على أحد ، وهذا أسوء من أن تكون وحيدًا بالفعل ....
_ بعد اذنك يا مدام هيام بطلي عياط
أراد ذكي تهدئتها...أراد جعلها أن تتوقف عن البكاء ، لكنه لا يستطيع لمسها أو فعل أي شيئ وهي مستمرة في البكاء بصوت عذب رقيق وكأنه بكاء الفراشات الناعمة ... وجد يده عنوة عنه تربت على كتفها بخفة ..
شعرت هيام بأطراف أصابعه التي ربتت على كتفها لتشعر بالدعم والتضامن
ابتعد ذكي محتارًا لأول مرة يقع في هذا الموقف حيث فاتنة تبك أمامه ليشعر أنه يريد تحطيم العالم حتى لا تبكي هذه العينيان الساحرتان ...
وجد قطعة حلاوة فوق عدته ليجلبها لها ويقدمها لها في ارتباك فهو لا يعرف ماذا يفعل
_ خدي حلاوة ومتعيطيش !
وفي وسط بكائها نظرت لما يقدمه لها لتقول آنفه
_ لأ معرفش نوعها مش هاكلها ...
أدار عينيه .. إنها لا تتخلى عن تكبرها أبدا .. ذلك الغرور الزائف جعله يسحب قطعة الحلوى التي كانت بين يديه ليضعها في جيبه وينتظرها حتى تنتهي
أخيرًا توقفت عن البكاء ومسحت دموعها لتعود قائلة
_ أنت تعرف إن فواز جوزي، أقصد طليقي، عمره ما حبني!
قالت هيام بنبرة حزينة.
_زيك بالظبط، زي ما غادة عمرها ما حبتك.
قالتها وهي تحاول أن تذكره بضرورة الانتقام وأنهما قد تم ظلمهما لينفي ذكي قائلاً
_ لأ فيه فرق، أنا مكونتش متجوز غادة.
_ يعني عاوز تفهمني انكم عشتوا في بيت واحد وعمرك ما فكرت تقربلها؟
نظرت له في شك
_ لأ طبعًا، حد الله بيني وبين الحرام، استغفر الله العظيم.
قال ذكي بنبرة جدية وقوية نافيًا كل تخيلاتها السيئة
_ فيه إيه يابني، اهدى شوية.
حاولت هيام تهدئته...
_ أنا وغادة مكانش بنا أي حاجة. أنا كنت بحبها وبس، بحبها من قلبي، بس خلاص.
قال ذكي بصوت هادئ وثابت ومستقر وكأنه قد وصل
_ خلاص إيه؟
سألت هيام بفضول.
_ من اليوم اللي بقت فيه لغيري، وأنا بطلت أحبها.
قال ذكي بجدية وبساطة
_ اللي يعمل كل دا عشانها يبقى مش بيحبها دلوقتي؟
سألت هيام بدهشة وقد قصدت حينما جاء ىمنزلهم ليطالب في حقه بها
_ أنا عملت كل حاجة ومش ندمان.
قال ذكي بثقة مرة أخرى.. لتتفاجئ بقوته التي أخفاها ولم تتوقع وجودها تحت ذلك الوجه الظاهر عليه الغُلب والضعف ..
_ عارفة لو مكونتش عملت كده، كان زماني ندمان.
قال وهو ينظر في عينيها بصدق.
_ أنا كنت مستعد أحميها تحت أي ظرف، بس هي محبتنيش ودا مش ذنبها، هي بس رفضتني بقسوة وقارنتني بيه وطلعتني قليل وصغير أوي قدامه.
قال ذكي ببساطة رغم مرارة ما تعرض له على يد غادة
_ بس أنا مش صغير ولا قليل ومتقارنش، مش عشان أنا أوحش ولا أحسن، لأ، أنا ذكي، ودا كفاية إن أنا هو أنا مش حد تاني.
قالها وهو ينظر بثقة في نفسه ولا يهمه ما قالت غادة وقد تخطى كل الكلمات المؤلمة والصعبة التي وجهتهة له ..
_ يعني مش عايز تنتقم؟
سألت هيام باستغراب وكأن إجابته لم تكن واضحة على مدار ذلك الحديث الطويل
_ قولتلك لأ...
قال ذكي وهو يهز رأسه.
_ أختك صعبانة عليا أوي على فكرة، أنا شوفتها وهي جاية تخطبها لجوزها.
قال بتعاطف مع ريم وهو يذكر وضعها الصعب ، ارتسم الحزن على وجه هيام ما إن ذكر أختها ليبتسم سائلاً بما إنها قد أتت هنا لتنتقم من عادة لأجلها
_ بتحبيها للدرجادي؟
سأل هيام بفضول.
_ بحبها أوي، دي أختي الوحيدة
قالتها بصدق وتأثر .
_ أنا كمان اتجرحت... اتجرحت أوي، مع إن عارف، مكنتش بحبه، والله مكنتش بحبه!
قالت هيام وهي تبتسم بمرارة ثم اكملت بنبرة مليئة بالألم والغيظ
_ بس فكرة إنه فضل خدامة عليا، قهرتني!
_ يعني أنتِ كل مشكلتك إن هو اتجوز خدامة عليكي؟
سأل ذكي بنبرة مستغربة
توتر وجه هيام، وضاقت عيناها ... فشعر ذكي بشيئ غريب لم تحكيه له هيام .. ليعتدل مضيقًا عينيه مشككًا
_شكلك مخبية حاجة، بصراحة مش قادر أصدق إنك مظلومة أوي كده.
_ أنا... أنا اللي اتجوزني عليها، مش هي اللي اتجوزها عليا!
اعترفت هيام بارتباك واضح خوفاً منها أن تفقد تعاطفه
لم يفهم أي شيئ _ إيه الجملة دي طلاسم؟
_ يعني أنا الزوجة التانية مش الأولى...
قالتها بصوت خافت خجول .
_ نعم؟!
صرخ ذكي بدهشة أكبر.
_ والله، أنا الزوجة التانية، أنت مش مصدقني؟
قالت هيام بقلق.
صمت ذكي لحظات يستوعب ما قالت ثم ارتفعت ضحكاته بشكل غير متوقع لتهتاج اعصاب هيام سائلة في عنف
_أنت بتضحك على إيه؟ يعني أنت دلوقتي مش شايف إن هو ظلمني معاه !!
_ والله عارف إنك مظلومة.
قال ذكي وهو يحاول تهدئة ضحكاته.
هيام نظرت إليه بجدية وقالت
_نا حاسة إنك فاهمني غلط. أنا مش جاية هنا عشان تعطف عليا ... أنا عايزة ننتقم منهم، ننتقم من اللي جرحونا.
ذكي نظر إليها بعمق وقال _ أنا مش من النوع اللي بينتقم. بس خليني أسمع قصتك كاملة، يمكن نفهم إزاي نقدر نعدي المرحلة دي.
ابتسمت هيام ساخرة _كمان هنعديها مع بعض
ليقول ذكي بنفس طريقتها
_ إحنا بقينا عشرة حوادث كتير
لكنها هنا ابتسمت في صدق فكلمته صحيحه بالفعل
_ عندك حق !
ثم بدأت تقص عليه كل ما حدث ، تحكي عن كل شيئ مرت به في زواجها ومشاعرها نحوه ولماذا صبرت على زواجها منه وذكي يستمع لها في تركيز شديد ولا يقاطعها أبدا
كانا يجلسان فوق هيكل السيارة وما إن انتهت من قص كل شيى له حتى أخذت نفسًا عميقًا مكملة
_ أنا كنت فاكرة إن جوازي من فواز هو البداية الجديدة لحياة كلها سعادة وكاملة ومثالية ومفيش واحدة هتبقى متجوزة واحد زيه غيري أنا بس .. فواز مميز أوي في كل حاجة وكل الناس عينها عليه .. كنت حابة أوي إنه جوزي ! ، لكن اكتشفت إنه كان متجوز الخدامة من ورايا. يوم ما عرفت، كنت حاسة إن الأرض بتتهز من تحت رجلي. كنت مصدومة، مش بس من اللي عمله، لكن من إني كنت مغمضة عيني طول الوقت...
ذكي نظر إليها بتعاطف، وقال
_وأنا اللي كنت فاكر إني الوحيد اللي اتعرض للغدر . بس اللي يفرق بينا، إنك عايزة تنتقمي، وأنا مش شايف إن الانتقام هو الحل.
هيام توقفت لحظة، ثم قالت بحماس
_ذكي، لازم نوريهم إنهم غلطوا فينا. لازم نرجع لهم الأذى اللي عملوه.
ذكي هز رأسه بنفي، وقال بهدوء _الانتقام مش هيخليهم يحسوا باللي حاسين بيه. الانتقام هيخليهم يشوفونا بنفس المستوى اللي هما عليه. وأنا مش هسمح لنفسي أبقى زيهم.
هيام نظرت إليه بعيون مليئة بالإصرار، وقالت
_بس ذكي، لازم نعمل حاجة. مش هنسيبهم كده.
ذكي ابتسم لها بابتسامة متفائلة وجميلة وقال
_ مين قالك مش هعمل حاجه ، أنا هعمل حجات ، هعيش حياتي وأبقى سعيد، وده أكبر انتقام ممكن نعمله. إننا نثبت لهم إنهم ما كسروش روحنا، وإننا أقوى منهم.. ومكملين !
تأملت هيام كلماته تفكر بها . .. حارب منطقه نيران الإنتقام داخلها .. ليكمل ذكي
_ و بصراحة أنتي إللي غلطانة .. وانتي عارفة إنك غلطانة ، دا واحد عاملك وحش أوي اتحملتيه ليه أصلا إيه جابرك ، أقولك إيه جبرك ، إنك عاوزة تتفشخري بيه أدام صحابك على حساب نفسك !
نظرت له في أسف ليكمل في تعاطف
_ بس بردو متستاهليش يتضحك عليكي كدة
.. طالما كان بيحب غيرك ومتجوزها مكانش لازم أبدا يتجوزك أو يتجوز أي واحدة تانية ويظلمها معاه
ثم قابلها بعينيه وجسده مشجعًا إياها
_ و شيلي كلام الانتقام دا من دماغك مبيأكلش عيش ، أنتي ما شاء الله متعلمة ومعاكي فلوس ، روحي اشتغلي ولا اعملي مشروع واشغلي نفسك وإن كان على الراجل ف أنتي جميلة أوي ، أي واحد يتمنى منك نظرة
لم تركز هيام في أي شيئ سوى بإشادته بها لتُعلق
_ أنت شايف كدة !؟
استغرب من جملتها لتقترب منه أكثر وتلمع عينيها سائلة في صوتٍ خافت
_ شايف إني جميلة وأي واحد يتمنى مني نظرة
ارتبك ذكي مما قالت وأبعد نظره بعيدًا .. ثم حاول أن يبتلع مافي جوفه واحمر صدغيه في خجل فقد وضعته في مأزق بتلك الكلمات !
وجد لسانه فجأة يتبرأ منه ناطقًا بينما يتأمل تفاصيل وجهها
_ أي حد هيشوفك هيقول كدة !..
ثم تركها واقفة مكانها ورحل من دون تقديم أي أعذار أو تبريرات ...
_ هيام تعالي بسرعة !!
ارتفع صوت أمها يخرجها من ذاكرتها .. ليرنجف جسدها وهي تسمع صوتها المرتفع الخائف قبل أن تفتح الباب مكملة
_ ريم تعبانة أوي وعوزانا
هبت هيام من مكانها سائلة _ مالها ريم !!!
____
_ ريم !!!
نادى فايز عليها في رعب شديد ثم وقف كالممسوس يجري عليها يلتقطها من الأرض...
حاول أن يجعلها تستيقظ لكنه لم يستطيع ليندب حظه .. بالطبع قد انهارت ما إن رأته هو وغادة فوق فراشها !! ليعلم في تلك اللحظة أنه من الممكن أن يخسرها إلى الأبد.. صرخ في تلك التي وقفت متصنمة مكانها
_ اطلبي دكتور بسرعة
كانت غادة متوترة لا تعلم ماذا تفعل ليعود ويصرخ
_ ماماااا .. نادي لماما
كانت فوزية قد أتت بالفعل على صوت الارتطام وصراخه لتذهل من المنظر هاتفة في قلق بالغ
_ ريم !! حصلها إيه
حمل فايز ريم بينما يأمر والدته
_ اتصلي بدكتور
_ وديها المستشفى لسه هتستنى دكتور
بالفعل فايز قد أخذ كللم والدته وجرى بريم حتى وصل لسيارته وبما أنها كانت قادمة من المرسم فكانت ترتدي ملابس محتشمة وتضع الحجاب
وجد غادة بجانبه في السيارة فجأة لكنه لم يكن لديه الوقت ليناقش أي شيئ وانطلق بسيارته ...
ما إن وصل للمستشفى وأدخلها غرفة الطوارئ ووقف بالخارج ينتظرها يدور ويلف حول نفسه مرردًا
_ أنا السبب ، عمرها ما هتسامحني أبدا
ذلك القلق الشديد الذي تراه مرتسم فوق كل سم منه جعلها تشتعل من الغيرة لتقترب منه غادة قائلة
_ إيه مالك راجل ومراته ونايمين سواا إيهه معملناش حاجة حرام
_ مش على سريرها .. مش على سرير ريم !
قالها في أسى بعينين دامعة لتقترب منه غادة مصرة على موقفها
_ وسريرك أنت كمان .. هو أنا مش من حقي أنام معاك على سريرك
صمت فايز ووجهه كله متألم وجسده يرتجف ، لأول مرة ريم تفقد وعيها حتى في حملها في أطفاله لم يحدث ذلك أبدا ...
_ وبعدين هي مسهوكة كدة وقعت من طولها ..
قالتها غادة في سخط لينظر لها هذه المرة فايز بعنف ويندفع نحوها لكنه قاطعه الطبيب الذي خرج من الغرفة قائلاً ..
_ حضرتك جوزها ؟
هز فايز رأسه بسرعة ليقول الطبيب
_ طيب هي فاقت .. كان عندها انهيار عصبي وحصلها صدمة مقدرش جسمها يستحملها لكنها دلوقتي كويسة ، لكنها مش عاوزة تروح معاك وعاوزة مامتها !
صُدم فايز مما سمع ! لأول مرة ترفض ريم رؤيته ! ليعلم في هذه اللحظة تحديدًا أنه قد خسرها ..
لم يجد فايز بدا من الاتصال بحماته وخالته نرمين لتأتي .. وهو يحدثها كمن فقد روحه
_ روحي
ما إن أغلق مع خالته حتى واجه غادة بعينين كارهه لتقول
_ أروح إزاي يا فايز معرفش الطريق
_ ماليش دعوة .. اتصرفي ..
رده القاسي عليها جعلها تنصدم به ..
_ هتسيبني أمشي لواحدي في الوقت دا وأنا حامل ومش عرفه حاجة
اقترب منها قائلاً بعيون غامضة
_ هنشوف موضوع الحمل دا بعدين
توترت غادة من نظراته وغضبه الذي ترى أنه يحاول كبته بكل ما فيه لأنهم في المستشفى... ثم تحاملت وغادرت فالوقت لا يسمح لها بقول أي شيئ
بعد قليل دخلت نرمين وهيام المستشفى في هلع ..
_ فين ريم ؟
سألت نرمين بقلب مخلوع على ابنتها لكن هيام هاجمته بعنف
_ عملت إيه في أختي يا حيوان ؟! أنت أكيد إللي ورا تعبها أنت والشرشوحة إللي متجوزها
_ لو سمحتي وطي صوتك بلاش فضايح
طلب منها فايز بوهن ولم يستطيع إلا أن يخجل من نفسه فكلامها صحيح وهو المخطأ الوحيد لكنهم في المشفى ولم تعرف عليه أحد ستكون مصيبة
لتهاجمه هيام ولم تخف من تحذيره
_ كل إللي همك الفضايح ، أنت لسة شوفت فضايح !
توتر فايز منها ولم يستطيع الرد .. دائماً ما كانا يتقاتلان ولكن هذه المرة وقف فايز أمامها مطأطأ.ً. رأسه للأسفل بينما تهدده هيام بوعيد
_. أنا هدخل لاختي يا فايز أقسم بالله لو عرفت إنك سبب إللي هي فيه مش هرحمك !!
ثم دخلت هي وأمها التي لم تمنعها من محادثة فايز بهذا الشكل فهي مثلها قد شكلت أن فايز له يد فيما حدث وصمته على اهانة وصراخ هيام في وجهه كان خير دليل ...
_____
خرج فوزي وريهام من مكتب المأذون وهما يشعران بفرحة لا توصف. كانت نظراتهما مليئة بالحب والشوق، وكأنهما بدأا حياة جديدة رغم أن هذا الزواج هو الثاني لهما. وفور خروجهما، تقدم فواز والذي شهد على عقد الزواج واحتضنه قائلاً
_مبروك يا حبيبي، إن شاء الله تكون دي بداية جديدة وحياة سعيدة
فوزي رد بابتسامة عريضة_الله يبارك فيك يا فواز، أنا حاسس إن دي فعلاً بداية جديدة لينا.
ثم جاء ذكي، الصديق الوفي، وابتسامته العريضة تملأ وجهه. ضم فوزي بذراع واحدة وهو يقول
_ألف مبروك يا صاحبي، ربنا يتمملكم على خير المرة دي.
فوزي ربت على كتف ذكي _شكراً يا ذكي، دي المرة مش هسيبها مهما كان.
ريهام كانت واقفة بجانب فوزي، عيونها مليانة دموع الفرح والخجل. فواز نظر لها بحنان وقال
_مبروك يا ريهام، ربنا يسعدكم
ريهام ردت بابتسامة خجولة _شكراً يا فواز.
ذكي بدوره توجه لريهام وقال _مبروك يا ريهام، إن شاء الله تفضلوا مع بعض على طول
لتبتسم له ريهام وشعرت بالدفء من مباركاتهما. .. لقد كان هذا اليوم الهادئ الذي تزوجا فيه بدون علم أحد أفضل ألف مرة من ذلك الذي تزوجا فيه أمام الناس ، إن هذا اليوم أكثر سعادة ..
فوزي لاحظ خجل ريهام وشرودها فاقترب منها وأمسك بيدها بلطف، ثم سحبها بهدوء إلى أحد الزوايا البعيدة عن الأنظار. همس في أذنها
_أنا فعلاً بحبك يا ريهام، ومش هسيبك تاني. نظرت إليه بعيونها اللامعة وقالت
_وأنا كمان مش هسيبك أبداً.
فجأة اقترب فوزي منها وقبلها قبلة مليئة بالشوق والحب. شعرت ريهام بتيار من الدفء يجتاحها، واحمرت وجنتاها خجلاً، لكنها لم تستطع إلا أن ترد القبلة بحنان. كانت لحظة تعبر عن مدى عمق مشاعرهما تجاه بعضهما، وكأن كل سوء تفاهم قد تلاشى إلى الأبد وفي قلوبهم أمل بحياة جديدة مليئة بالحب والتفاهم.
ابتعد عنها فوزي بصعوبة فهذه هي القبلة التي تمناها منذ زمن ...
أخذ ريهام من يدها وانطلقا على سيارته التي زينها بزينة الفرح ثم غادر لبيتهما الجديد .. مبتعد عن بيت عائلته وعن الجميع فقد وعدها أن هذه الحياة ستكون بعيدة كل البعد عن توترات ومشاكل عائلته
طبعا ريهام وفوزي كان ممكن يرجعوا من غير كتب كتاب جديد لأن كان بينهم عدة احترازية بسبب خلوتهم ببعض لكن هما مكانوش يعرفوا فاتجوزوا من جديد ... وكدة كدة كانت العدة خلصت ..