الفصل السبعون من رواية عشق أولاد الزوات
شعرت بالغيرة الشديدة ووقفت أمامه قائلة
_ لا قولي أعمل إيه وأنا هعمله
لكن فايز لم يكن معه وقت للشرح وصرخ بها
_ هي عارفة يلا بسرعة
جرت غادة من الغرفة ما إن رأت حالة فايز تسوء ودقت على باب ريم بسرعة لتخرج ريم متفاجئة من وجودها أمامها لتهتف غادة في قلق بالغ
_ فايز اتحسس من الفلفل الأسود
انفتحت عيني ريم ثم جرت لداخل الغرفة بسرعة وعادت معها حقيبة صغيرة واندفعت بسرعة لغرفة فايز وغادة لتجده فوق الفراش يجاهد ليتنفس لتقترب منه وتصعد فوقه تقريباً هاتفة بقوة وثبات محاول إبقاؤه متيقًا معها
_ فايز ركز معايا واهدى ... هتعدي وهتبقى كويس بس اثبت
ثم عدلت من وضعه وكل ذلك تحت صدمة غادة ووقوفوها متصنمة بجانب الباب بينما ريم تتعامل وتفعل كل شيئ
أخرجت حاقن الابنفرلين ثم وضعته في زراعه من الأعلى .. ليتألم فايز قليلاً تحت نظرات غادة التي تتابع ما يحدث وكأنها جاهلة مغيبة لا تعلم أي شيئ ، وبلا وعي منها كانت نظرات الانبهار تفر من عينيها فريم سيطرت على الموقف في عدة دقائق لا تُحسب
سألت ريم _ أحسن ؟
عشق أولاد الذوات:
هز فايز رأسه بالإيجاب في تعب فقد كان يتكئ على كتفها برأسه يشعر بالخمول والإرهاق ، أخذته ريم في حضنها أكثر فكادت أن تخسره منذ دقائق ! سمعت دقات قلبه العالية وشعرت بها متسارعة لتدرك حالة الرعب التي دخل فيها .. فهي خير من يعلم أن فايز يخاف على صحته أكثر من أي شيئ وتشكل مشكلة نفسية لديه صعب التعامل معها .. بل هي هاجز وتصل أحياناً إلى وسواس قهري مؤلم ..
_ اتنفس براحة .. حاول تنظم نفسك عشان متحسش بخنقة
نفذ ما قالت لتشعر بألم في قلبها على كل تلك الأشياء التي يعاني منها زوجها لتسأله في رفق بينما تربت فوق كتفه في حنان
_ معلش يا فايز .. مخدتش بالك منه ليه دا لونه بيبقى واضح في البيض ؟
تحركت شفتي فايز ليرد ولكن هنا تدخلت غادة بصوتها المرتفع المزعج
_ محسودين .. محسودين والعين صيبانا من ساعة ما جينا من السفر
تجاهلتها ريم ثم نظرت لزوجها الذي مازال مطمئنًا بضمها له والتي كانت تتحدث بصوت أقرب للهمس بعث في جميع أجزاء جسده الراحة والإسترخاء
_ لازم تاخد بالك أكتر ..
رد فايز على نفس الوتيرة الهادئة ولكن صوته حمل في طياته اللوم والعتاب
_ أنتي عارفه أنا كنت باكل إزاي
فهمت ريم ما يرمي إليه لتقول _ شوية وهتتعود على أكل الchef ..
لم يكن يريد أن يسمع تلك الإجابة بل كان يريد أن يسمعها تخبره أنه يستطيع أن يأكل معهم كما السابق ، هي لم تمنعه لكن غروره أرادها أن تخبره أنه بإستطاعته بعد كل ما حدث أن يأكل من طعامها اللذيذ الذي يتناسب تماماً مع جسده وأهواءه !
بينما ريم نظرت للغرفة وكل الألم تجمع في قلبها ، ثم استوعبت أنها فوق فراش زوجها وزوجته الجديدة لتشعر بتهشم قلبها داخلها ! .. تأملت الغرفة لتجدها غير مرتبة ورائحتها وكأنها لم تدخلها الشمس منذ فترة لتشعر أخيرًا بالغيثان من ذلك القرف وتلك المزبلة التي أضحى زوجها يعيش فيها ويقبلها ، زوجها الذي لم يكن يحب أن يرى غبارة واحدة في أي مكان أصبح يقبل تلك العيشة الدنيئة ! ليردد صوت داخلها " أنه يحبها لذلك تحمل " ليضرب ذلك الصوت
قلبها بقسوة شديدة فهذه هي الحقيقة فرغم كل الذي قدمته له إلا أنه فضل أخرى عليها !
_ بعد إذنك بقى منعطلكيش ولا تعطلينا
قالتها غادة بينما تقترب من ريم وتشدها من زراعها لتوقفها وتدفعها ناحية الباب ..دفعتها ريم بقوة ونظرت لها نظرة تحذيرية ثم خرجت ريم من الغرفة بنفسها وفي هدوء
_ ليه كدة يا غادة ؟
سأل فايز في وهن
_ عمالة تلمس فيك وتتكاهن
ليبتسم _ غيرانة ؟
أبت الإعتراف_ مبغيرش
ليضحك بخفة وتداعب غيرتها غروره
_ غيرانة
تأفقت في ضجر هاتفة _ آه بغير وهطق كمان من ست ريم دي مش عاوزة اشوفها جمبك
_ بس هي كمان مراتي
قالها فايز في ثبات وكم تخنقها هذه الحقيقة لتضرب على يديها قائلة
_ مقولتش حاجة بس أول شهر جواز يتحرق دمي كدة ، وهي عمالة تتسهوك دا كان لازم أجيبها من شعرها
أعجبته شراستها ليهتف _ مكونتش أعرف إنك شرس في الغيرة بالشكل دا
اقتربت منه غادة هاتفة بكلمات تلعب على أوتار قلبه ورجولته
_ إللي معاها راجل زيك لازم تغير عليه من أمه
اقترب فايز منها رغم تعبه ليقبلها لكنها دفعته في رفق قائلة
_ الأكل
اقترح فايز فجأة_ هنطلب أكل ..
كنوع من أنواع التجديد وافقت غادة
_ ماشي بس تاكل معايا
ليقبل خدها برقة _ هو أنا هعرف أكل من غيرك
خرجت غادة من الغرفة متحججة بطلبها من أحد العمال أن يتصل بإحدى المطاعم لطلب الطعام .. لكنها توجهت لغرفة ريم بسرعة وما إن فتحت ريم حتى قالت غادة
_ لما تدخلي اوضتي تانب تبقي تدخلي باحترامك !
لم يظهر التأثير على وجه ريم وظلت واقفة بلا مبالاة لتندفع غادة في غيرة شديدة
_ جرا إيه ياختي وخداه في حضنك ونازلة طبطبة في إيه أنا مش مالية عينك ..
لم ترد ريم لتغتاظ غادة أكثر من هدوئها وثباتها لتقول
_ بقولك إيه شغل الخبث والضراير دا ميدخلش عليا أنا فهماكي كويس أوي انتي سوهنة ، ماية من تحت تبن
ما إن تلفزت بهذه الألفاظ حتى مسحتها ريم بنظرة من اخمص قديمها حتى ذلك الحجاب الخفيف الموضوع فوق شعرها كالزينة ليذيد ذلك من حنق غادة هاتفة
_ إيه ياختي بتبصيلي كدة ليه هتاخديلي صورة
اقتربت ريم خطوة من غادة لتشعر الأخرى بالتوتر ما إن فعلت ذلك لتقول ريم في قوة وبصوت حاد
_ فايز عنده حساسية من الفلفل الأسود عالية جداً وعنده حساسية من باقي التوابل بنسبة بسيطة بس بتعمله علامات في جسمه وفي مراهم معينة بيستخدمها .. وأي نوع جلوتين واللاكتوز .. كمان فيه أنواع أكل مش بيحب فيها الملح ونادرًا ما بياكل حاجة فيها سكر مش طبيعي .. دا غير إنه عنده الضغط ودا ليه عناية خاصة لواحده ... و بسبب عنادك وكبرك كنتي هتقتليه من شوية ..
ثم اقتربت منها أكثر ناظرة في عينيها بنظرة أرعبتها وصوت ريم تحول من ذلك الرقيق الهادئ إلى آخر قاسي ومُهدد
_ فياريت تاخدي بالك د
_ فياريت تاخدي بالك دا لو عوزاه يكمل حي للاسبوع الجاي
نظرات ريم أرعبت غادة وتلك الكلمات التي قالتها بنبرة كلها اتهام وتهديد كأنها تحذرها من شيئ قادم وخطير ستفعله جعلها تصمت أمام ريم ولم تجد أي كلمة للرد ولا حتى القوة فريم كانت كالأم الخائفة على طفلها ...
ما إن أنهت ريم كلامها حتى دخلت غرفتها وأغلقت الباب في وجه غادة ... صوت هبد الباب جعل غادة تفيق من تلك الحالة التي وضعتها بها كلمات ريم لتردد بينما يأكلها الغيظ والحقد
_ ماشي يا ست ريم ... أنا وانتي والزمن طويل
____
دخلت غادة الغرفة والغيظ يأكلها لتجد فايز قد نام لتجري بسرعة ناحية الفراش تضرب على ظهره ليستيقظ طالبة في إصرار
_ قوم يا فايز .. قوم قولي بتحب إيه وبتكره إيه
رغم ذعره من طريقتها إلا أنه صدم أكثر عندما وجدها تحمل كشكول وقلم ليهتف
_ هو انتي بجد جايبة قلم وورقة؟!!
ردت بتأكيد بينما تريد أن تنافس ريم وتعرف عنه كل شيئ مثل ريم حتى تتفوق عليها
_ أيوة طبعا مجهزة نفسي مش لازم أهتم بيك يا روحي
هز رأسه في استغراب لكنه على أي حال بدأ في اخبارها كما طلبت لتتوقف فجأة عن الكتابة بينما هو مستمر في إخبارها لتندهش من ذلك الكائن الذي يعيش حياته كأنه يسير فوق قشى البيض
لتهتف
_ هو أنت كل حاجة مبتحبهاش وكل حاجة بتتعبك !! أنت بتتصلب يا فايز مالك كدة فرفور كدة ليه
نظر لها فايز في ضيق شديد لتدرك ما قالت فأصلحته
_ مش قصدي .. أنا زعلانة عشانك
ليعود ويقول في غضب _ هو أنا حالي يزعل
توترت غادة وشعرت أنها تعوم في الوحل _ مش قصدي والله أبدًا .. بس يعني مبيهونش على قلبي يشوفك تعبان
نظر فايز للجهه الأخرى غير راضي عما قالت لتحاول غادة مراضاته سائلو في رقة تحاول جذب اهتمامه مرة أخرى
_ وريني جسمك طلعت فيه علامات ولا لأ
نظر لها فايز بحانب عينيه ثم خجل من وضعه الصحي لكنه قال في النهاية على مضص
_ طلعت .. وبتحرقني جدا
أقتربت منه غادة قائلة في دلال _ لأ دا أنا لازم أشوف
ثم مدت يديها لتنزع عنه قميصه وترى تلك العلامات المتوزعة فوق جسده الأبيض لتقترب منه في حنان قائلة
_ العلامات دي وحشة خالص .. امشي يا علامات يا وحشة من على جسم فايز حبيبي
أعجب فايز بتلك الطريقة ليقول _ ممكن تجيبي المراهم إللي بتوديها من ريم وتد
لكنها ردت عليه في غضب _ متجبليش سيرتها نهائي ..
ثم تنفست في ثقة قائلة _ أنا عارفة حاجة هتمشي العلامات دي من دهنة واحدة بس
تسائل فايز _ متأكدة يا روحي ؟
صحكت في ثقة _ طبعاا !!
_ غادة .. أنا جسمي بيهرشني أوي
قالها فايز بعد عدة دقائق من استخدام تلك الوصفة التي أخبرتها أنها تعرفها وأنها فعالة وستساعده في العلاج ...
كانت غادة مذعورة بينما ترى جسده كله متوجه كأنه تم حرقه لتهتف في رعب
_ انت جسمك أحمر كدة ليييههه
أصاب فايز الهلع بينما يسأل _ حاسس إن جسمي بيتحرق ، انتي شايفة إيه أنا مش شايفهه!!
كانت معالم الصدمة فوق وجه غادة كفيلة بجعل فايز يدرك حجم الخطر ليصرخ بها في توسل
_ نادي لريم بسرعة أبوس إيدك
___________
امتدت السماء على مدِّ النظر وتلك الشمس قد غطتها غيوب كثيفة كأنها تحمل دموعًا من الأحزان المكبوتة. الرياح كانت تعصف برفق وكأنها تواسي قلبها الحزين .. كانت تمشي ريهام بسرعة كبيرة بينما لم تجد سيارة أجرى في ذلك المكان ... وجهها متجهم والدموع تنهمر على خديها. كانت الإهانة التي تعرضت لها من صديقتها لا تزال تلسعها في أعماق قلبها، وتشعر بأن الألم لا يطاق .. لم تكن تتوقع أنها ستجرح بهذا الشكل وخاصتًا أمامه !..
كانت هناك سيارة تلاحقها بشكل مريب حتى سمعت صوته يخرج منها..
سيارة فوزي كانت تسرع بخطى متسارعة خلف ريهام، التي غادرت غاضبة وحزينة.
فوزي _استني يا ريهام!
ريهام بغضب _ جاي ورايا ليه؟ عاوز مني إيه تاني مش كفاية اللي عملته واني بتهان وحياتي باظت بسببك!
نزل فوزي من سيارته مسرعا هاتفا بها بوجهه المثقل بالحزن، يحاول أن يحتفظ بصوته هادئًا رغم الألم العالق في حلقه.
فوزي _ بس بقى، كفاية كل شوية تحمليني ذنب حاجات أنا معملتهاش. سبتك طول الشهور دي تتكلمي وأنا ساكت، خايف تطلع مني أي كلمة تجرح مشاعرك أو تجرح كرامتي
أكمل بغضب متصاعد ودموعه تعلقت في عينيه
_ مش أنا إللي قولتلك إني اتجوزتك عشان مصالح ونية خبيثة! مش أنا إللي أذيتك وجرحتك بكلامي كل شوية وعن أد إيه إني مش طايقك ومش طايق لمستك.
وقف فوزي أمامها، محاولًا إيقاف نفسه عن التقدم في تلك الذكريات المره ، عيناه تمتلئان بالحزن والمرارة يخبرها بمطالبه البسيطة في الحياة
فوزي _ أنا واحد عايز يعيش في سلام. لا عايز أتخانق مع حد ولا عاوز أحكم على حد ولا حد يحكم عليا. عايز ناس كويسة ورحيمة عليا في حياتي زي منا هبقى رحيم عليهم.
ريهام توقفت للحظة، تستمع لصوت فوزي الذي يكشف عن جرح عميق.... وقد بدأت هي تشعر بثقل كلماته، بدأت ترى الحقيقة في عينيه
فوزي_ أنتِ إللي سرقتي مني حياتي وأحلامي، أنا على إيدك عشت جرح عمري كله. أنتِ واختك إللي دمرتوني.
الدموع بدأت تتساقط على وجنتي ريهام، وكلمات فوزي تغمرها بالألم.
فوزي _كل إللي حصل مش بسببي. أنا عمري ما كنت سبب في أذاكي. بالعكس، أنا وقفت ضد أهلي كلهم عشانك!
تراجع خطوة، وكأنه يستعيد ذكرى اليوم الذي مزقت فيه قلبه وأحلامه .
فوزي _فاكرة اليوم دا؟ فاكرة أهنتيني إزاي وأهنتي رجولتي وقلبي.
وجدها فوزي فجأة بين زراعيه تحني رأسها بقوة وتبكي بصوت مسموع وانهيار فاجئه حتى أنه صدم ولم يعرف كيف يتصرف وبدأت تتكلم بصوت مختنق.
_ أنا أسفه حقك عليا يا فوزي، سامحني. أنا ماليش حد غيرك.
كانت الكلمات تخرج منها ببطء، مثل شلال من المشاعر المكبوتة..
لكن فوزي وقف عند كلمة معينة قائلاً بصوت مبحوح من التأثر
_ريهام، انتِ قولتي إيه؟
ريهام نظرت إليه بعيون مليئة بالدموع، لكنها مليئة بالصدق أيضًا بينما تعرف تماماً ما يقصد
ريهام _ أنا بحبك يا فوزي
عتلك الجملة التي جعلت عينيه تتفرقان في ذهول ! فعندما اعترفت ريهام بحبها له ، تملكته مشاعر مختلطة ومتضاربة. كان هناك دهشة واضحة في عينيه، لم يكن يتوقع أن يسمع تلك الكلمات التي كانت تبدو مستحيلة بالنسبة له بعد كل ما مر بهما. شعر بقلبه ينبض بسرعة وكأن الزمن توقف للحظة، محاولاً استيعاب ما سمعه للتو.
من بين مشاعره المتضاربة، برز شعور بالارتياح العميق. كان هذا الاعتراف بمثابة البلسم لجراحه العميقة، تلك الجراح التي تركتها الخيبات والإهانات التي عانى منها. أحس بفرحة غامرة تتسلل إلى قلبه، معززاً بالأمل الذي افتقده طويلاً. لم يكن هناك أي شعور بالشك في صدق كلماتها، بل كان هناك شعور بالنصر، بأنه رغم كل الصعوبات والألم، نجح في الوصول إلى قلبها.
بالإضافة إلى ذلك، شعر بمسؤولية كبيرة تجاه ما سمعه. كان يعلم أن هذا الاعتراف هو خطوة أولى نحو بناء الثقة مجدداً، وأن عليه الآن أن يكون مستعداً لبذل جهد كبير لإعادة بناء العلاقة بينهما. كانت مشاعره مختلطة بين الفرح والحذر، بين الرغبة في المسامحة والرغبة في التأكد من أن هذا الاعتراف هو بداية جديدة حقاً.
في النهاية، كانت مشاعره الأساسية هي الحب والحنين. حبٌ لم يخفت رغم كل العقبات، وحنينٌ إلى اللحظات الجميلة القليلة التي قضياها معاً، وآمالٌ جديدة بأن يكون هناك مستقبل مشرق ينتظرهما معاً.
وكأن ريهام استشعرت كل تلك المشاعر فيه فلم تخفي ملامحه وعينيه أي لمحة وقد أظهرت عينيه حبه حتى فاضت عليها وأغرقتها فأكدت له بين دموعها ومازالت تحاوك خصره في حنان
_طبعاً بحبك ومن كل قلبي وعمري ما حبيت ولا حتى كان عندي إعجاب براجل غيرك.
لمعت عينا فوزي بالبريق لأول مرة منذ زمن طويل، وابتسم ابتسامة دافئة، تكاد تذيب جبال الجليد بينهما.
وكأنها قد نوت أن تذيقه الصدمات جميعها في نفس الوقت فعرضت ريهام بعينين تناغمت فيه روحيهما
_ تتجوزني يا فوزي ؟
ابتسامة ريهام كانت مليئة بالأمل والفرح، وكأن الشمس أشرقت بعد ليلة طويلة مظلمة. أمسكت بيده، وعيناها تلمعان بالحب.. صمته طال فعادت لتقول في إصرار
ريهام _ حتى لو رفضت، أنا هصمم
لكن فوزي الذي كان قد سرح في عالم آخر ما إن سمع ما قالت قد عاد بروح جديدة مليئة بالسلام، قال بلهفة ما إن أدرك آخر كلماتها التي أخرجته من شروده ، واختلطت كلماته بروحه الخفيفة المرحة
_لأ، ناخد وقت إيه أنا أصلاً راجل سهل.. يلا بسرعة على المأذون قبل ما تغيري رأيك
ضحكت ريهام ثم شدها فوزي من يديها في حماس وتحركا معًا، متشابكي الأيدي، مستعدين لبدء فصل جديد من حياتهما، مبني على الفهم والحب والاحترام المتبادل. ...
______
بعدما خرجت من مكتبه لم تستطع إلا أن تسير ، لم توقف سيارة أجرة ولم تستخدم المواصلات العامة .. بل تجولت بين الطرقات!
تتجول وحيدة في الشوارع، تمشي وكأنها تائهة في ليل دامس، لا تنطق شفتاها بكلمة واحدة، ولكن صوت خطواتها يروي قصة الحزن والعجز. تتأمل في الأفق البعيد بعينين مليئتين باليأس و تحمل عبء الإهانة التي وجهها لها حماها ، زين الدين القاسي الذي هشم تلك الوردة الرقيقة حتى جعلها تشعر بأنها تمشي على درب شائك لا نهاية له .
تعكس ملامح وجهها الحزينة الجراح العميقة التي تمزق قلبها، وينعكس في عيونها لون اليأس والإحباط ، فهي على وشك أن تتأكد أنه لا فرصة لها مع زوجها وأن حياتهما ستتدمر في أي لحظة . تحاول تكبيل دموعها، ولكنها تتساقط بحرية على وجنتيها، ترسم الألم الذي لا يُطاق على ملامحها الجميلة.
تعبر عن شعورها بالعجز والاحتقار لذاتها، تشعر بأنها تسير في طريق مظلم لا نهاية له، تحمل أعباء الحياة بثقل لا يُطاق، وتعتقد أنها لن تجد الراحة والسعادة أبدًا.. وستظل في أعينهم تلك الخادمة التي سعت للإيقاع بسيد العائلة!
بعد ساعات مشي طويلة باتت على أعتاب حارتها وحيَّها الذي تعيش فيه
_ رنيم !
وجدها تسير متخبطة في الشارع كأنها لا تدري أين هي ولولا أن قدميها هي من قادتها لبيتها لكانت تاهت في شوارع القاهرة كما تاهت في دوامة أفكارها وهي ترى نهايتها مع زوجها تتسطر أمام عينيها اليائسة
_ رنيم !!!
كان قد اقترب منها عندما لم يجد رد من أول مرة ليجري عليها بينما يراها تترنح وكادت أن تسقط ليسندها في رفق وقلق شديدين
_ هات ازازة ماية ساقعة
نادى في قلق بالغ على ذلك العامل بالقهوة التي يمتلكها ... ثم أدخل رنيم مدخل العمارة الخاصة به وأجلسها على أحد الكراسي التي جلبها له الصبي بينما رنيم كانت في عالم آخر غير مدركة لما يحدث
_ مالك يا رنيم ؟
بدأت رنيم في استعادة وعيها لتدرك أنها مع محمود في مدخل أحد العماير الخاصة به .. لا إنها في مدخل مسكنهم خصيصاً وقد اكتشفت ذلك بسبب رؤية القهوة أمامها .. لم تكن واعية بالقدر الكافي لتدرك أي شيئ حتى ما وصلت إليه لم تكن متأكدة منه فبدأت في الهرتلة وقول عدة كلمات غير صحيحة وغير مرتبطة ليحاول محمود تهدئها وقد نهشه قلبه عليها
_ أنا بعت اجيبلك دكتور مش لسة هوديكي متقلقيش .. مالك يا رنيم ردي عليا طب !!
لم يجد رد .. رغم إنها حاولت إلا أن لسانها كان ثقيلاً وجفنيها ثقيلان كلما أرادت فتح عينيها وتأمل ما حولها تجد عينيها تضم على بعضها كزهرة حل عليها الليل....
_ رنيم!
جاء هذا الصوت أخيراً من فواز الذي قد أكله القلق عليها وعلى هاتفها الذي لم يرد وكل ذلك الغياب وعدم معرفته عن وجهتها مسبقاً جعله يجلس ينتظرها في المنزل لا يعرف ماذا يفعل ..
خرج ليسأل دينا أو أي فرد في بيت عمها لكن لم يجد أحد يعرف مكانها ... فقرر النزول وترك المنزل عازما على البحث عنها حتى وإن لزم ذلك أن يمسح الشوارع!
وجد محمود يكاد أن يكون محاصرا لها بينما هي تجلس على الكرسي
_________________________
.png)