الفصل التاسع والسبعون من رواية عشق أولاد الزوات

الفصل التاسع والسبعون من رواية عشق أولاد الزوات 

ياريت نركز  السرد يا جواهر الكوكب الأبيض 🤍💎💎

الرواية طويلة ومش رواية عادية أو بسيطة وفيها جوانب نفسية كتيرة جدا وقصة بكل جوانبها وتفاصيلها رائعة ومحتاجة تركيز وهدوء مش مجرد رواية عادية هتتقرء في ساعة أو ساعتين ! .. لو حد بيدور على رواية بسيطة فهيلاقي كتير جدا لكن لحسن الحظ روايتنا إحنا مش بسيطة أبدا 💖


دخل فايز إلى المنزل ، وقد أثقل الحزن والإحباط قلبه. كان ماحدث مع ريم أشعره أن العالم بأثره انتهى ، شعر أن لا طريق ولا وسلية له معها ، كان طلب ريم الطلاق قد أحكم قبضته على مشاعره، فأصبح كالعصفور الجريح الذي يبحث عن ملاذٍ ليرتاح فيه. جلس في زاوية الغرفة التي يتشاركها هو وغادة فلن يرد أن يذهب لغرفة ريم هناك حيث خسرها ولا يرد أن يرى أطفاله ، فهو ليس مستعد أن يواجه أجسادهم الصغيرة وعيونهم التي ورثوها عن أمهم .. تلك النظرة التي يراها فيهم بعدما يفعل شيىء يحزنهم ، نفس النظرة التي تمتلكها ريم .. وبعد ما حدث من أمه وأبيه ، يعلم أنه ليس لديه ملجأ يذهب إليه 


 فتوجه لغرفة غادة، عابس الوجه، كأن هموم العالم قد تجمعت فوق رأسه.


دخلت زوجته الثانية تفاجئت بوجوده وعودته إلى غرفتها لكنها وجدته حزينًا وفي حالة من القهر لم تراه فيها من قبل ، غادة التي رغم غيرتها وحقدها إلا أنها طالعته بنظرة قلق وحنان، وجلست بجواره. مدت يدها لتلمس يده بحذر، ولكن فايز لم يحرك ساكنًا... 


_فايز... مش عاوز تكلمني لسة؟


كانت نبرتها مليئة بالعتاب والتوسل. حاولت فهم ما يدور في خلده، فتابعت بحزن:


_حرام عليك، أنا عملت إيه لكل دا؟ يعني أنا كنت عارفة إنها هتيجي؟ أنا كنت مبسوطة، إيه المشكلة في إللي عملته مع جوزي؟ أنت رامي الموضوع كله عليا أنا لواحدي وكأني أنا كنت قاصدة.


سكتت للحظة تنتظر ردًا، ولكن فايز بقي صامتًا، يحدق في الأرض. لم تستطع كبح دموعها، وهي تراه غارقًا في حزنه.


_فايز! رد عليا يا حبيبي.


اقتربت منه أكثر، محاولة أن تجد طريقة لكسر جدار الصمت الذي بناه حول نفسه. ولكن فايز بقي على حاله، وكأن الكلمات لم تصل إلى مسامعه.


_زعلان كدة ليه ؟ هي إللي ظلمتك ، وظلمتني ! أنت حتى مقولتليش مبروك على ابننا إللي جاي في الطريق 


لم يأبه بحديثها الباطل عن ريم فهو يعي كرهها تجاهها ولكن عندما ذكرته بقدوم مولودهما، شعر فايز بوخزة في قلبه، ولكنه لم يرفع رأسه. كانت أفكاره مشتتة، بين الماضي والحاضر والمستقبل الغامض.


_أخوك جه. فواز أخوك هنا في البيت، أنا شوفته. 


كانت كلماتها تحمل الأمل بأن وجود فواز قد يخفف من حزنه. ولكن حتى هذا لم يحرك ساكنًا في فايز.


_فايز ...


عندما نطقت باسمه مرة أخرى، بنبرة أكثر حنانًا ورجاءً، رفع فايز رأسه أخيرًا. نظر إلى عينيها، وكانت تلك النظرة مليئة بالألم والارتباك. لم يكن لديه كلمات ليعبر بها عن مشاعره المعقدة. فقط اكتفى بالنظر إليها، مدركًا أنها هي سبب تعاسته ، بل اختياره لها هو سبب تعاسته ، هي من جعلت آلامه العادية إلي آلام كان أعمق مما يمكن للكلمات أن تداويه.


عادت غادة لتقول


_ فواز أخوك جه البيت ، شكل أبوك صالحه ! 


انتبه فايز هذه المرة لما تقول ، إن أخيه الأكبر هنا ! ياللعجب ! .. نهفض فايز فجأة وقد اشتعلت الأفكار في رأسه وخرج ليبحث عن فواز تاركًا غادة خلفه تتأمل أثره في حزن .. وتبتلع شعور بالإهانة يجرعها إياه مرة وراء مرة .. ترى محاولاتها في التقرب منه والتهوين عليه ومصالحته كلها تعود عليها بالفشل والخزي 


تتأكد يومًا بعد يوم أن لا شيئ يشغل بال فايز سوى زوجته ريم .. حتى أولاده لا يشغلوه كما تفعل هي ، لتجحظ عينيها في غيظ وغل .. وحقد وتتحر عقدها الدفينة لتظهر أكثر وأكثر ناوية أنها لن تترك ريم تنعم بفايز يومًا . 


_____


كانت الشمس قد بدأت تغيب، وأشعتها الذهبية تتسلل عبر نافذة غرفة فواز، تضيء المكان بوهج خافت. والدته، فوزية، دخلت الغرفة بخطوات متثاقلة، عيناها تحملان همومًا كثيرة وقلبها يتقد قلقًا على ابنها. كان فواز جالسًا على طرف السرير، رأسه منحنٍ وعيناه تشعان حزنًا عميقًا.


فوزية بصوت ملؤه الحنان والحزن 


_بردو مش عاوز تقولي مالك وإيه اللي حصل؟ وليه الدموع دي في عينك كدة 


 حاولت الاقتراب منه ببطء، وكأنها تخشى أن تزعجه أكثر.


نظر له فواز متحجر العيون، محاولًا إخفاء ألمه 


_مفيش دموع.


لاحظت فوزية الدموع التي كانت تلمع في عينيه، تدرك أنها ليست دموعًا عادية بل هي دموع قلب مكسور لتعود وتقول بعدما جلست على مقربة منه متحدثة بصوتٍ خافت 


_فيه دموع وعشان كدة جيت هنا، فين مراتك يا فواز؟ 


رد فواز بصوت متقطع، يكاد يختنق من الغضب والحزن


_طلقتها.


تسمرت فوزية في مكانها للحظة، تحاول أن تستوعب ما قاله. كان الأمر أشبه بطعنة في قلبها، لكنها لم تستسلم لتعود وتقول 


_ مش هيام، فين رنيم؟!


عند سماع اسم رنيم، احتكت أسنانه ببعضها ، رأت فوزية تضخم فكيه ورمشة عيونه العنيفة التي كاد أن يُكسر فيها جفنه .. لتشعر وكأنه معبئ بالغضب وسينفجر بها لتقول سريعًا بعدما استوعبت هول الوضع الذي هو فيه 


_مش عاوزة أعرف.


 ارتعد صدره يتنفس بتردد وبحركة غير مستقرة يحاول أن يسيطر على تدفق الدم في عروقه وكأنه يحارب الإصابة بجلطة ما ...


تأملته فوزية بحزن عميق وألم في قلبها، تقترب منه أكثر وتحاول أن تمسك بيده التي تشنجت وانتفخت عروقها أمامها محاولة أن تهون عليه ذلك الحزن المرير 


_ هو غيابك عني نساك إني أمك، نساك إنك أغلى حد عندي يا فواز؟ موحشكش حضني يا حبيبي؟ 


ثم اقترب أكثر لتجلس بجواره، تحتضنه بذراعيها بقوة، وكأنها تحاول أن تمحو كل الآلام والأحزان التي تملأ قلبه بينما تخبره بعيون دامعة وقلب مجروح على ابنها 


_ خليك عارف إنك مش لواحدك وإني هنا عشانك. أنا عارفة إني قصرت في حقك الفترة اللي فاتت بس دا مش هيحصل تاني... كان غصب عني يا فواز ، والله كنت غصب عني يا قلب ماما 


كانت كلماتها تخرج من قلب أم مكلومة، تشعر بعجزها أمام حزن ابنها، لكنها مصممة على أن تكون له سندًا. شعر فواز بدفء حضنها، وهو يذوب تدريجيًا في بكاء صامت ليس به دموع ، مُستسلمًا لحب أمه الذي لم يتغير أبدًا، مهما قست عليه الأيام .. لم يحتضنها فلم تكن عنده القوة لكنه ترك جسده في استسلام لها.... لم تستطع الدموع أن تفارق مقلتيه لكن الناظر له سيشعر أنه ينتحب ، كالجريح ينزف بلا دماء... وعلمت فوزية أن ابنها ينزف من الداخل وأن الحزن المخبئ داخله أكبر بكثير مما تراه ظاهرًا .


انفتح باب الغرفة فجأة ، ليصدم فايز من هذا المنظر ، وهو يرى فوزية أمه تضم فواز إليها في حنانٍ شديد ، ليلوح في خاطره مشهدها بينما تعامله بجفاء شديد كل هذه الفترة الماضية ، لم تضمه إلى زراعيها منذ أشهر ، مرورًا باليوم حينما ضربته ! ليشعر بالحزن يغزوه وتحمر عينيه ، لطالما فضلت فوزية فواز ! مهما أخطأ ومهما فعل ، دائمًا تسامحه وتضمه إليها ، رغم أنه فعل فعلة شنيعة بهيام إبنة أختها وخبئ زواجه برنيم وصدم كل العائلة إلا أن فوزية لم تقبل معاملة أبيه القاسية له ، لم تغضب على فواز ولم تحتقره مثلما فعلت معه ، لم تضرب فوزية فواز يومًا لكنها دائمًا ما كانت قاسية في تربيتها لفايز .. وقف فايز يراها وهي تعتصر أخيه الأكبر بين زراعيها ، ليشعر بصوت طفل صغير وقع عميقًا داخله يبكي ويصرخ .. لكنه نهى نفسه من التفكير بهذا الشكل ثم دخل الغرفة وتعلقت عينيه بعيني فواز ثم سأل بصوتٍ متحشرج


_ أنت جيت إزاي ؟


فصلت فوزية العناق لكنها ظلت متمسكة بزراع فواز كأنه سيهرب منها إن تركته ليجيب فواز بثبات وعينيه مثبتة فوق فايز الذي من ثانية لأخرى تزوغ عينيه على أمه التي تعطي من حنانها لفواز بلا نهاية وتتركه هو وحيدًا يتخبط 


_ مكونتش عاوزني أرجع بيتي !.


رد بها فواز على فايز الذي نفى سريعًا 


_ لأ أكيد ، بس مشكلتك أنت وبابا 


_ اتحلت يا فايز ! 


جاء صوت زين الدين من خلف فايز مجيبًا على استفساره ، لينظر له فايز في دهشة ، حتى فوزية تعلقت عينيها به في غموض لكن عيني زين الدين تركزت فوق إبنه الأكبر بينما يأمرهم في صوتٍ رتيب 


_ أطلع يا فايز ، سيبيني معاه يا فوزية لوحدنا 


نظر فايز له ولم يبدي ردة فعل تذكر لكن فوزية عارضت 


_ لأ يا زين أنا إللي عاوزة أقعد مع ابني ، أنت منعتنا عن بعض الفترة إللي فاتت فسيبنا مع بعض 


قلب زين الدين عينيه ثم عاد لينظر داخل عينيها آمرًا 



_ فوزية ، أنا قولت سيبيني معاه لوحدنا


اضطربت فوزية وكادت أن ترحل لكن فوزية تمسك بيدها في رفق ثم قربها من شفتيه يقبلها قائلاً في حنان 


_ خليكي يا ماما 


ابتلع زين غضبه تاركًا بعض الإنفعال الذي هتف به 


_ فواز ، متعندش معايا ، هنتكلم وبعدها خديه كله يا فوزية 


نظر فواز لفوزية برفق ثم قبل رأسها لتبتسم له في حزن ثم وقفت من جانبه ومرت من جانب زين ، لم ينظر لها زين لتكمل هي طريقها في حزنٍ شديد ، فهي باتت ترى نهاية الطريق ، بعد كل تلك السنوات القاسية ! 


بينما وقف فايز مكانه لينظر له زين الدين بضجر 


_ مستني إيه ؟


شعر فايز بالحرج من موقفه ثم رحل عنهما تاركهما يغرقان في حديث ، لا يستطيع أحد غيرهما الغوص فيه .. 


بينما زين الدين مازال واقفً لا واضعًا يديه في جيب بنطاله وعينيه مسلطة على إبنه سأل 


_ حصل إيه ؟ 


لم يجيب فواز ، فتنهد زين الدين ثم أخرج يديه من جيبه ونزع وجه الحزم من فوق ملامحه ليحل آخر حنون وقلق محله سائلاً 



_ حصل إيه يا فواز ؟ 



أقترب من فواز ليجلس جانبه على الفراش ، لم ينظر له فواز وبقى يطالع الأرض ، يتأمل الفراغ 


_ عموماً أنا كنت مستنيك وكنت عارف إنك جاي 


قالها زين الدين في ثقة ليتفاجئ فواز سائلاً في تحفز 


_ ليه ؟


قال زين ببساطة _ مفيش حاجه بتستخبى وكنت عارف إنك هتعرف قريب . 


ليضيق فواز عينيه محاولا ً فهم عما يتكلم والده بالتحديد 


_ عرفت إيه ؟! 


نظر له زين الدين مندهشًا_ أنت معرفتش ؟


ملامح فواز كانت في حالة ترقب مما سيسمع ليقول 


_ معرفتش إنها جاتلي عشان تاخد فلوس في مقابل إنها تسيبك ! 


_ أنت كداب !!! 


اندفع بها فواز منفعلاً ، فهو عرف أن والده لا يعلم شيئ عن موضوع الخيانة لكنه الآن صُدم مما قال ، هل ذهبت رنيم لتتفق مع أبيه هذا الإتفاق القذر ! 


ليقول زين في عتاب


_ لأ مش كداب ، أبوك مش كداب 


نظر له فواز بأعين زائغة بينما يخرج زين هاتفه من جيبه مشيرًا 


_ أهي ، وهي داخلة مكتبي وهي خارجة ، باليوم والساعة ... البنت دي مكانتش عايزة غير حاجة واحدة بس وخدتها ! 


نظر فواز لها ، إنها هي بذلك الرداء الذي أغمى عليه به ، حينما رآها مع محمود ! حينما تأخرت ولم يجدها في أي مكان ولم يستطع الوصول إليها... هل كانت تخدعه ، ذلك البغيض في ذلك الوقت طلب لها الطبيب الخاص به ، هل مثلت التعب حينما رآها مع محمود حتى لا يشك بها ، تلك الخائنة التي لعبت به وحبه لها أعماه .. 


شعر فواز أنه تلقي جعنة أخرى في قلبه فذاد صمت ودمعت عينيه وارتعش فكه وانفرجت شفتيه ، ليشعر زين بالقلق الشديد 

 

_ مالك !؟


لم يجيل فزاز ومازالت عيناه مرتكزة فوق صورها حتى أدمعت 


_ فواز ! 


نادى زين الدين في قلق بالغ ليردد فواز بينما هطلت دموعه الآن ، بل سعي أبوه لإفساد علاقته برنيم ، متجاهلا ً قلبه وحبه ، متجاهلا أنه من الممكن أن يدمر ابنه الكبير بهذه الفعلة 


_ إزاي عملتوا فيا كدة !؟


كان جسده ساكنًا، لكن في داخله كان العاصفة تعصف بكل قوته. اكتشافه الأخير تركه محطمًا، عاجزًا عن استيعاب ما حدث.


لم يكن مجرد خيانة من زوجته، بل كانت خيانة مضاعفة، مؤامرة حاكتها مع والده . تلك المرأة التي أحبها من كل قلبه، والتي ظن أنها شريكته في الحياة، كانت تتآمر مع والده لتطلقه من أجل المال ومن أجل أن تعيش حياة مرحة مع عشيقها.


شعر فواز بألم حاد في صدره، وكأن قلبه يتمزق إلى أشلاء. كانت الصدمة تعصف بعقله، تجعله غير قادر على التفكير بوضوح. كيف يمكن أن يخوناه بهذا الشكل؟ كيف يمكن أن يتفقا على تدمير حياته بهذه الطريقة؟ الأسئلة كانت تزدحم في رأسه، كل واحدة منها تحمل معها المزيد من الألم والخذلان.


ثم بدأ الغضب يتصاعد في داخله، يغلي مثل حمم بركانية. كان غضبه موجهاً نحو زوجته ووالده، ولكنه أيضًا كان يغضب من نفسه. كيف لم يرَ العلامات؟ كيف كان غافلاً عن هذه الخيانة التي تُنسج حوله؟ كان الإحباط يغمره، يجعله يشعر بالضعف والعجز.


دموعه انهمرت دون أن يتمكن من منعها، تعبيرًا عن الحزن العميق الذي يعتريه. كان يبكي على الحب الذي ضاع، على الثقة التي تحطمت، وعلى الوقت والمشاعر التي أهدرها في علاقة كانت مبنية على الكذب والخداع.. يعلم أنه أذاها في أوقات كثيرة إلا أنه كانت لديه أسبابه ، وفي النهاية اختارها هي وفضلها على حياته وممتلكاته لتأتي هي في النهاية تبيعه لمقابل بضع آلاف! 


شعر بالخيانة تضرب جذور ثقته بالناس. لم يعد يثق بأحد، فقد تزعزعت كل أساسات الثقة التي كان يبني عليها علاقاته ..


تراجع عن والده ودموعه رطبت شعيرات لحيته 


_ أنت عملت فيا كدة ليه ؟ فضلت ورايا ووراها لحد ما دمرت حياتي ليه ؟ 


صرخ بوالده ليقول زين الدين بقسوة 


_ أنا عرضت عليها وهي وافقت ، زي ما عرضت عليك أنك تسيبها وكل حاجة ترجعلك، بس أنت رفضت وهي وافقت!


تسارعت الدموع في الهطول .. تشنجت معالمه ليراه زين الدين يبكي بقوة شديدة ، جعلت قلبه ينفطر لأجله لكنه كان معتقدًا أن ما يفعله كله لمصلحته 


ردد فواز بين بكاءه في حسرة ، يسأل نفسه كالمجنون 


_ إزاي باعتني كدة ! إزاي عملت فيا كدة ؟

 


شاهد زين الدين انهياره ، ليشعر بنغزة قوية تضرب قلبه ، ذلك المشهد يذكره بشيئٍ لا يريد أن يتذكره ، لكن لابد لفواز أن يختبر ذلك الألم ، فالألم لن يقتله لكن انسياقه وراء الحب سيفعل . 


هتف فواز في قهر 



_ روحت البيت لقيتها معاه بقميص النوم في أوضتي ، مترعبتش ولا اتوترت ، كأن مش فارق عندها إني شوفتها 


انفتحت عيني زين الدين من هول ما سمع ليقف ويشد فواز إلى حضنه ، ليقول فواز بينما يبكي بصوتٍ لم يعد يخجل أن يكتمه بل أراد أن تسمع الدنيا كلها نحيبه وحزنه 


_ خانتني ، خانتني يا بابا


اشتدت زراعي زين الدين على فواز واحتقن وجهه ، ذلك لألم الذي يتعرض له إبنه ليش بالهين عليه ... ردد فواز في ضعف وحيرة 


_ مش قادر أصدق إن رنيم حبيبتي عملت فيا كدة 


فصل زين الدين العناق ونظر إلى فواز في حزم وبعيون محمرة وأيدي غليظة مسك بها وجهها حتى يلقنه كلمات تشد من أزره وتمنع عنه تلك التخيلات الحانية إلى تلك الخائنة


_ لأ صدق ، صدق وصدق وصدق ، دي واحدة مش مظبوطة ولا محترمة ، لعبت بيك وبقلبك وجرحتك .. لازم تصدق وتطلقها لأنها مش حبيبتك ولازم تطلعها من حياتك ومتفكرش فيها تاني . 


كانت عيناه تعكس الحنان والحزن في الوقت نفسه، فقد شعر بألم ينخر في قلبه لرؤية إبنه هكذا، مكسور الروح والجسد بسبب خيانة من كان يحبها ويثق بها.


_أنت قوي، يا ابني 


قال زين الدين بصوت يحمل الدفء والثقة، 


 _ هتعدي الوقت الصعب دا وهتقوم من تاني ، أنت قوي ، أقوى مما أنت ممكن تفكر أو تعتقد 




فواز لم لم يكن يستطيع أن يتمالك نفسه من البكاء ، لكن كلمات والده أعطته القوة للمضي قدمًا. كانت تلك الكلمات كالشعلة التي تنير الظلام، وأن لديه دائمًا شخص يقف إلى جانبه، يدعمه ويحميه.


وفي تلك اللحظة، وجد فواز في حضن والده الدفء الذي كان يحتاجه، وشعر بأنه ليس وحيدًا في مواجهة هذه الصعوبات.. وشعر أنه سامح والده وأنه كان على حق فيما قاله له عن رنيم ، عاد زين الدين يسأل 


_ رميت عليها اليمين ؟ 


انفصل فواز عنه وقد استجمع بعض من قوته وتوقفت دموعه وقد بدى في وجهه النفي عن سؤال أبيه ليقول زين الدين في إصرار 


_ يبقى لازم تطلقها .. 


_ دا في أحلامها ، تبقى بتحلم لو طلقتها ! 


رد فواز شراسة وكأنه قد تحول تماماً من عصفور صغير يبكي لذئب يتربص بقسوة لفريسته .. لم تعجب زين هذه الفكرة فهو يريد أن يبتعد فواز عن رنيم بأسرع وقت 


_ صدقني أحسن حاجة تعملها إنك تطلقها 


نظر فواز لأبيه ثم ردد بعيون غامضة 


_ هطلقها ، هطلقها! 



____

 

دق هاتف ريهام عدة مرات ، لترى المتصلة ثم قلبته في توتر شديد ، عاد الهاتف ليرن مرة أخرى وهنا لم تتماسك نفسها ومسكته لتجيب 


_نعم عاوزة إيه!؟ 


ردت في ضيق وغضب فهي لم تغفر لها ما فعلته لكن صوتها الباكي جعل قلبها يحن وتقلق عليها خصوصا وأنها تعرف إن فوزي قد ذهب ليرى فايز أخوه الذي هو الآخر كان في حالة انهيار .. حكت لها عما حدث مع فايز لتشعر ريهام بالأسف عليها وأنبتها وأخبرتها أنها هي الملامة الوحيدة على كل ما وصلت له في حياتها ولتلك التعاسة والمهانة ...


أغلقت ريهام الهاتف وهي حزينة وممتلىة بالأسف والشفقة ، عاد فوزي إلى المنزل وما إن فتحه حتى تقدم يبحث عنها بلهفة 


 _ وحشتيني ياروح قلبي 


لم تجيبه ريهام ليلاحظ فوزي انطفاءها نحوه ونحو حضنه ليبتعد عنها قليلاً سائلاً 


_ مالك يا ريهام ؟ 


أجابت في خفوت _ ماليش. 


هز رأسه في غموض ثم مال على هاتفها الذي بجانبها ليفتحه وابتسن في سخرية ما إن رأى إسم غادة في المكالمات الواردة ليهتف فيها 


_ أنتي كلمتي غادة ؟ 


استنكرت ريهام تعديه على خصوصيتها قائلة في غضب 


_ أنت بتدور في تليفوني ليه ؟ 


لم يهمها إلا هذا الأمر! ليشعر كم أن حالة ريهام ميؤوس منها وأنها دائما ستفضل أختها عليه وستنساق خلفها وتعاقبه على أفعال هو لم يقوم بها ليقول في فقدان امل وتأنيب 


_ ماشي يا ريهام ... كنت مفكر إنك عقلتي . 


ثم توجه فوزي للمطبخ .. أراد أن يشرب أي شيئ يحاول أن يهدئ به نفسه بينما ريهام أدركت فداحة ما فعلت ونادت عليه لكنه لم يجيب 



_ فوزي! 



دخلت ريهام المطبخ لتجده أمام الرخامة يشرب الماء ويعطيها ظهره لتنادي مرة أخرى 



_ فوزي 


لم يعطيها اهتمام وكاد أن يرحل لتركض نحوه في خوفٍ شديد من أن يتركها ويذهب لتلتصق به من الخلف متوسلة إياه 


_ متبعدش عني يا حبيبي ، أنا مش زعلانة منك ولا عمري هزعل منك ، أنا بس زعلانة عليها هي بردو مهما كان أختي ومقدرش أتحمل أشوفها زعلانه ، عشان خاطري اوعي تبعد عني مش هقدر على بعدك تاني ، هي أختي 


ثم ذاد تمسكها به بينما بقى فوزي ثابتًا يسمع ما تقوله لأول مرة في حنان شديد 


_ بس أنت أغلى حاجة في حياتي ، أنت الوحيد اللي ليا بعد ربنا 


شعرت به يتنهد لتقضم شفتيها في خجل ثم رفعت نفسها بقدر ما يمكن لتطول عنقه وتطبع قبلة هناك بينما تهمس له وزراعيها محاوطتان خصره وجسدها ملتصق به 


_ أوعى تزعل مني يا روحي 


شعرت بتشنج جسده بسبب فعلتها تلك لتبتسم في ثقة انثى ترى تأثيرها على زوجها الذي تعشقه لتهمس له مرة أخرى بإسم دلع لأول مرة تناديه به 


_ زوزتي ! 



_ إيه! 


خرجت من بين شفتي فوزي متأثرًا بها بصوتٍ متحشرج لتقول في مشاكسة 


_ زوزتي وحشة ؟


التف لها فوزي وشدها نحوه بقوة ناظرًا داخل عينيها كالمسحور مسلمًا بكل ما تقول وما تفعل 


_ قوليلي أي حاجة ، أي حاجة منك حلوة يا ريهام 


شكله وهو في هذه الحالة جعلها تتأمل جماله الأخاذ فمالت على جانب شفتيه تقبله هناك قائلة 




_ بحبك يا قلب ريهام ! 


مال عليها فوزي ، بعدما أغوته هي ، برقتها ودلالها ، لتعطيه موافقة تامة بل ترحب بما سيفعله ، ترحب به كله وتريد أن تدخل عالمه الذي لم يتردد فوزي لحظة واحدة ليتقدم نحوها ليحملها ويذهب بها لغرفتهما .. وها هي حياة فوزي تبدأ أخيرًا بعد طول انتظار وصبر ... 


بعد دقائق في الغرفة ابتعد فوزي عن ريهام فجأة لتتمسك بكتفه تسأل في تذمر ودلال 



_ إيه يا روحي 


ابتلع ماء حلقه متناولاً هاتفه ثم أغلقه ورماه على الأرض هاتفًافي عشق وسحر كامل بها 


_ هقفل التليفون ، خلي العالم يولع ، أنا هنا مش عاوز أخرج من حضنك ! 



ضحكت ريهام في رقة لينهار هو معها ويأخذها لوقت تمم به زواجه منها ... 



__



في اليوم الثاني عند رنيم ، بقت في شقتها ، مغلقة بابها عليها ، تجلس في رقعة صغيرة لا تريد أن تتعرف على الدنيا وفواز ليس بها .. لا تريد أن تبتسم في حياة عرفت فيها أن زوجها من المحتمل أنه خانها ! فتلك الصور وهذا الحديث الذي آراه لها محمود اليوم الفئت جعلتها لا تستطيع أن تتنفس جيدًا ..


_يعني إيه ؟


هتفت رنيم كالمتوقف عقلها عن التفكير رغم أنه شرح لها كل شيئ ، حتى وصل إلا أن فواز هو السيئ في الرواية وليست هي ليريها تلك الصور والمحادثات 


ليعود ويقول في نبرة تأكيدية 


_ يعني فواز كان بيكلم دينا والصور أهي تأكدلك إني كنت بشوفهم علطول واقفين مع بعض! 


توقف الزمن عند رنيم ما إن أدركت أن فواز هو الخائن في هذه الحكاية وليست هي ..


لكن لا ، لابد أن محمود يكذب ، لابد أنه يريد أن يفسد علاقتها بزوجتها أكثر 


هدرت به رنيم 


_ أنت بتعمل كل دا عشان توقع بيني وبين جوزي أكتر ، أنت بتعمل كل دا عشان تدمر حياتنا أكتر


ليقول محمود_ الصور والمحادثات مبتكدبش ، إذا كانت دينا مسكت تليفونك، فمين مسك تليفون جوزك !


كادت رنيم أن ترد عليه لكنها فجأة ربطت كل الاحداث ببعضها لتجحظ عينيها قائلة 


_ دي هي ! 


_ هي ايه ؟


سأل في استفسار لتقول رنيم بينما تتذكر ما حدث بالتفصيل 



_ هي إللي لبستني قميص النوم ! وقالتلي لازم أشوفه عليكي ، وهي إللي كان تليفوني معاها لما ضاع مني 


ثم استرسلت ومحمود يتابعها _ وبعتتلك رسالة وبعدين 


لتشهق ما إن علمت أن دينا تركت الباب مفتوحًا لمحمود وجعلتها ترتدي قميص نوم وبعتت له رسالة فيدخل محمود ليراها منتظرة إياه وكأنها عروس في ليلة دخلتها 


_ هي !! هي إللي عملت كل دا ! بنت عمي هي اللي عملت كل دا 


قالتها في صدمة كبيرة بينما تبكي على خيانة دينا التي اعتبرتها كأخت لها ... 


ثم أشارت لمحمود الذي وقف أمامها يريد أن يشككها في فواز لتقول له في كره 


_ وأنت متفق معاها ، أنت إللي جاي دلوقتي وعاوزني أشك في جوزي وأكرهه عشان تفرقوا ما بنا


دافع محمود عن نفسه في قوة قائلاً 


_ مش يمكن جوزك هو اللي متفق معاها عشان يلاقي سبب يطلقك بيه من غير ما تقولي عنه ندل 


كادت أن تجنن من مجرد أفتراضه لهذا الأمر ء لتتذكر عرض أبيه له ! وتتذكر تغير فواز معها في الفترة الأخيرة ومعايرته لها بحجمها لتشعر بالقلق والرعب وأن من الممكن أن يكون افتراض محمود صحيح لتتقدم نجوه رافضه ومنكرة كل هذه العلامات صارخة به في بكاء مرير .


_ أنت كداب ومفتري ، اطلع برا ، أطلع برا ومش عاوزة أشوف وشك تاني 

 


خرج محمود دون أن يحاول أن يدافع عن نفسه مرة أخرى فهي على مشارف أن تفقد عقلها وتنهار ثانية ..


ومن هذه اللحظة ورنيم على حالها ذاك ؤ صامتة ، بلا أكل ولا شرب وكانت تجلس في الظلام ، مغلقة كل المنافذ ، فجأة سمعت أصوات صراخ عالية تأتي من الأسفل .. لم تعطها اهتمام في بادئ الأمر لكن فجأة صوت السلاح خرم أذنها لتقف من فوق مقعدها مذعورة 


جرت نحو أقرب نافذة تطل على الشارع لتفتحها بسرعة وترى ما لم تتوقع رؤيته أبدًا .. 


إنه فواز! مع رجاله يسيطرون على الشارع ، وبينهم محمود يتلقى ضربات متتالية من فواز تحت حماية حراسه ! 



كانت مشاعر فواز تتأجج كبركان على وشك الانفجار. تلاحمت مشاعر الغضب والإحباط في أعماقه، لتتحول إلى كره شديد وتوق عارم للانتقام. كانت عيناه تلمعان بنارٍ خبيثة، تعكس الألم والمهانة التي يشعر بها. كلما تذكر تفاصيل الخيانة، اشتعلت نيران حقده أكثر، وكأنها تغذي غضبه بالزيت.


كان يمر بأوقات طويلة من الصمت المطبق، يجلس وحده في غرفته المظلمة، يتأمل الجدران بعيون جافة وجسد مشدود. كانت الأفكار الانتقامية تدور في ذهنه كدوامة لا تنتهي، تزرع في قلبه رغبة عميقة في رد الصاع صاعين. كل نبضة في عروقه كانت تردد صدى الانتقام، وكل زفرة من صدره كانت تنذر بعاصفة قادمة.


لم يكن مجرد الغضب ما يسيطر عليه، بل كان شعورًا بالخيانة العميقة والمهانة التي لا تُغتفر. كانت هذه المشاعر تتفاعل داخله، تحوله إلى شخص آخر، قاسٍ وحاد، لا يعرف الرحمة ولا التسامح. في تلك اللحظات، كان فواز يشعر أن العالم كله قد ضاق عليه، ولم يعد هناك سبيل سوى الانتقام ليرتاح قلبه المعذب.


كان عقله يعج بأفكار مظلمة، يخطط وينسج سيناريوهات الانتقام بتفصيل دقيق، مستمتعًا بكل لحظة خيال عن العذاب الذي سيلحق بزوجته. لم يكن الأمر مجرد رغبة في معاقبتها، بل كان شعورًا عارمًا بضرورة استعادة كرامته المسلوبة وكبريائه المجروح. في عينيه اللامعتين، كان يمكن رؤية مستقبل مليء بالندم والألم لمن خان ثقته، وأقسم أن يعيد الحق لنفسه مهما كلفه الأمر.


إنها رنيم! الصغيرة المغوية هي من خانته وخانت زواجهما وبكل ما بينهما ! هشمت قلبه وكرامته ورجولته ، ضحكت عليه ولعبت به وبعقله وبقلبه ، فعلت به الأفاعيل بينما كانت ترسم الوجه البريئ العاشق وهي أفعى سامة دست سمها به ... لن يصمت .. لن يهدأ بعد الآن ، إنه بحاجة إلى الانتقام .



ليذهب في اليوم الثاني للحارة .. تلك الحارة القذرة التي دخلها كمهان ومطرود من بيت والده .. الآن يرجع لها سيدًا مستغلاً سلطته وعلاقاته لينتقم من ذلك العشيق القذر ومن زوجته الخائنة 

_______________


💖💖💖💖 نهاية الفصل 💖💖💖💖

6 تعليقات

  1. ممكن اقتباس لفواز ورنيم
  2. صعبو عليا كلهم 😮‍💨😮‍💨😮‍💨😮‍💨
  3. 💔💔💔💔💔
  4. 😭😭😭😭😭😭😭😭
  5. 💔💔💔💔💔💔
  6. 💔💔💔💔💔💔💔💔
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
”نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.“
لا يتوفر اتصال بالإنترنت!
”يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت ، يرجى التحقق من اتصالك بالإنترنت والمحاولة مرة أخرى.“
تم الكشف عن مانع الإعلانات!
”لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك.
تُستخدم العائدات التي نحققها من الإعلانات لإدارة موقع الويب هذا ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.“
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.