الفصل السابع من رواية عشق أولاد الزوات
💢💢💢البارت السابع 💢💢💢
_____________
جلست رنيم امام السيد " زين الدين " تناوله أدويته والماء بينما يتحدث إلى ابنه
_ أخوك عاوز يموتني يا فواز
كان قد هدأت أعصاب فواز بعض الشيئ لكن ما تزال عروقه نافرة ونظراته مرعبة
_ لا عاش ولا كان
هز رأسه في أسف_ عاوز يعر إسم العيلة ويحط راسنا في الطين
احتدت معالم فواز مردفًا_ دا على جثتي أنه يحصل
نظرت رنيم له في نفور شديد .. لم تكن تتخيل أنه بهذه القسوة والدنائه
رد عليه والده _ بعيد الشر عنك يا حبيبي .. أنا ماليش غيرك يا فواز اتسند عليه
اقترب منه قائلاً_ أنا إللي بتسند عليك يابابا وكلنا بنتسند عليك
ليتناول حبه أخرى من يد رنيم ويشرب بعدها الماء ثم يقول في حزن
_ بعد إيه بقى ... بعد إللي أخوك عمله دا أنا مش هعرف ارفع راسي في وش حد تاني
كشر فواز عن أنيابه قائلاً_ إللي في دماغه دا استحالة ينفذه
اغمضت عينيها في ألم بينما تراه يرفض بكل الطرق قبول فكرة أن يتزوج أخيه من طبيبة لمجرد أن أبويها كانا خادمين فما بالك بها وهي لم تكمل حتى دراستها وتعمل خادمة في منزلهم
تحدث والده في أسى _ دي باين عليها جننته يابني .. فوزي اتخانق مع أبوه وأخواته عشانها ، أول مرة نختلف في حياتنا يبقى بسببها
ثم احتدت عينيه في إصرار وشر بل وتوعد إذا حدث عكس ما يقول
_ البنت دي مش هتشيل إسم عيلتنا ولا رجليها هتخطي بيتنا ، أنا مستعد اخفيها من على وش الدنيا
نظرت له رنيم في إشمئزاز .. إلى هذ الحد تلك العائلة مريضة !؟
رجعت نبرته للحزن مرة أخرى قائلاً _ بس إزاي و البيه بيقولك بيحبها ومش هيتجوز غيرها
هنا وقف فواز وصاح في استحقار واهانة قصوى وملامحه مذدرءة كأن أحدًا يطعمه طعام فاسد
_ بيحبها إيه ، دي حقيرة لافت عليه وطمعانة في فلوسه ، وانت مستني ايه يطلع من خدامة .. طبعا عاوزة تعيش في العز والبيه ملهوف عليها وخلاها عاوزة تركب وتدلدل كمان
هل تعلم شعور الخذلان !؟ عندما تختار شخصًا ما وتستثنيه عن الجميع ، ثم يحاربك هو مع الدنيا .. ثم يقف ضدك وينهر قلبك .. ثم يصبح جرحك بالنسبة إليه روتين يومي لا يستطيع العيش بدونه .. كادت أن تنزل دموعها قهرًا وكمدًا لكنها تحملت ..
انتبه فواز لها في تلك اللحظة وهي مغمضة عينيها ويبدو على معالم وجهها الألم الشديد .. تجاهل نداء قلبه بضمها ليقول في حدة
_ خلصتي ؟!
فتحت عينيها تنظر له صامتة وعينيها تحكي مواويل حزن وعتاب تجاهلهم هو سائلاً في سخرية لاذعة ومريرة
_ واقفة ليه ؟؟
وقفت من مكانها من جانب والده ثم رفعت رأسها قائلة بصوتها الرقيق مهما كانت غاضبة أو حزينة
_ آسفة يا فواز بيه
لم يهتم وهتف في غلظة _ برا بقى
خرجت بسرعة .. ولثاني مرة في خلال يومين تخرج من ذلك المكتب مقهورة باكية .. جرت على غرفتها فورًا واغلقت الباب في مشهد دومًا ما يتكرر في حياتها الحزينة
بكت بقهر وبصوتٍ عالي ولم تأبه إن كان سمعها أحد أو لا .. فألم قلبها كان أكبر من كل شيئ .. كيف فعل هذا ! كيف ترك تلك الكلمات تخرج من بين الشفتيه دون الإلتفات لمشاعرها ولا الإهتمام بقلبها وبكرامتها
عادا بذاكرتها للوراء .. عندما تحدثت هي وأمها المرحومة في أمر فواز
تصحتها أمها في حب
_ يابنتي فواز دا مش من توبنا ولا من طيتنا
.. شيلي عينك من عليه
نظرت رنيم للجهه الأخرى وداعبت خصلات شعرها غير مهتمة لما تقوله والدتها فكل ما يهمها هو فواز وأي مسميات أخرى كانت بالنسبة لها مجرد شكليات ليس لها حاجة
هزت امها رأسها في عدم رضا مكملة _ دا إبن البيه الكبير عارفة يعني ايه .. يعني استحالة يعترفوا بيكي دا اسهلهم يخلصوا منك ومني
لم تكن رنيم ترى إلا هي وفواز في بيت الزوجية كما تمنت طوال حياتها منذ أن كانت طفلة لا تتعدى الخمس سنوات
ربتت أمها على كف ابنتها الرقيق قائلة _ متقطعيش عيشنا يا رنيم ومتبصيش لفوق
ثم أردفت في حنان محاولة الا تجرح مشاعرها وبنفس الوقت تريد منعها من التفكير في ذلك الرجل
_ كل واحد بياخد إللي شبهه وهما لا شبهنا ولا إحنا شبههم
لتعترض رنيم وحبها لفواز مسيطر عليها فلم تكن ترى سوى العشق فقط
_ دول ناس طيبين يا ماما
هزت رأسها معترضة وحال ابنتها يصعُب عليها
_ لأ اسألي أمك يا حبيبة أمك ، أمك إللي عاشرتهم طول عمرها وامي من قبلي .. الناس دي بتفضل محترمة وطيبة لحد ما تقربي من حاجة بتاعتهم ولا تخصهم .. إذا كان قطتهم جمل ما بالك وانتي حاطة عينك على ابنهم الكبير
تهكمت رنيم لتقول أمها مرة أخرى_ شيلي فواز من بالك يا رنيم
تحدثت في ثقة رافضة كل ما تقوله والدتها
_ لأ فواز بيحبني وهيتجوزني
بدأ صوت أمها أن يقسوا عليها قليلاً _ ولا عمره هيحبك ولا حتى هيتجوزك .. اوعي يدخل عليكي شغل الدلع اللي كان بيعملهولك وانتي صغيرة .. دا بس عشان لقى حاجة مختلفة وقال أما العب بيها شوية ..
تألم قلب رنيم لكن أمها أكملت في صراحةٍ تامة _ولما كبرتي احلويتي في عينيه .. وانتي بنت الخدامة حاجة عمره ما جربها ولا داق منك وساعة ما يهفه الشوق مفيش وراكي حد يحميكي منه يعمي لقمة سهلة مش هتقف لحظة في زوره
اهتاجت الأخرى في غضب _ الكلام دا مش صح يا ماما
هنا فقدت أمها صبرها وقالت لها الحقيقة دون أي تجميل
_ من الآخر الراجل دا لسة مطالكيش ، أول ما يطولك هيخليكي مداس في رجليه الاتنين ..
لم يَهُن عليها أن ترى الحزن والقهر مرتسم على وجه ابنتها الصغيرة لتقترب منها وتحتضنها موصية إياها في حنان وخوف على قلبها الصغير والصافي
_اقفلي بابك في وشه يابنتي وابلعي مفتاحك جوا بطنك ، تموتي مخنوقة منه ولا تموتي بعد ما واحد زيه ياخد شرفك ويكسر قلبك
عادت رنيم من شرودها ومازالت كلمات أمها تتردد في أذنيها وكأنها سمعتها للتو ..
ليتها سمعت كلام أمها .. ليتها تراجعت عن حبها له .. ولكن نتيجة جهلها وسذاجتها تعض أصابع الندم الآن وتبكي بدل الدمع دمًا بل وينكسر قلبها وتنهار كرامتها أمامها كل يوم
لتصرخ بصوت عالي يملؤه البكاء _ ياريتني سمعت كلامك يا ماما وشيلته من دماغي .. ياريتني قفلت بابي في وشه من سنين ..
وانبطحت على الأرض تبكي كالطفلة الصغيرة .. تبكي أحلامها به وطموحها في أن تعيش معه حياة هنيئة خالية من الدمع والأسى الذي عانته خلال سنوات عمرها .. لكن فواز لم يكن سوى عذابًا جديدًا بل جحيمًا من نوع آخر
__________________
انفتحت عينيها غير مصدقة ما فعل ذلك القذر لتصرخ به وتتوعده
_ أنت واحد سافل .. وايدك إللي لمستني دي هقطعهالك
شده إليه أكثر وشيئًا ما بداخله عشق لسانها الطويل وجرئتها الشديدة بل وحدتها وشراستها ليشعر وكأنه يريد أن يرى منها المذيد ليقول متحديًا إياها
_ وريني !
نظرت داخل عينيه وغابا عن العالم للحظات بدت طويلة .. شغف غريب شعرا به .. شغف لا يناسب الموقف العدائي الواقعان فيه الآن ... ارتجفت شفتيها دون أن تعي في حركة تظهر مدى ضعفها أمامه ليتابعها هو ويبتسم في خبث ، فما يشعر به .. تشعر به هي الأخرى
اقترب منها وعقله تغيب .. نعم أراد تقبيلها وبقوة فقط من اللقاء الثاني .. هه تخيل ما سيحدث في لقائهما الثالث !؟
_ معندناش حد يمد ايده على حريم ويطلع سليم !
تلك الجملة سمعها بعدما ضربه أحد الرجال على ظهره من الخلف ليترنح قليلاً ويترك زراعها وهنا استعادت هي وعيها واشتدت معالمها حدة .. لقد أدركت أنها كانت ستقبل رجل هددها بل ويريد تشريد أختها .. اللعنة ماذا حدث لها لتضعف هكذااا
وقفت خلف الرجل الذي دافع عنها واستعادت قوتها وعقلها بل وجحظت معالمها تنظر لفايز في تحفز أشد من ذي قبل
تدارك فايز الألم ثم وزع نظراته بين الرجل وغادة وقال قاصدًا أن يهينها
_بس أنا مش شايف أي حريم
اندفع الرجل في عنف وضربه في وجهه بقبضته
_ نخليك تشوف ياروح أمك
وقع على الأرض من شدة الضربة لتنظر له غادة في تشفي وانتصار بل وتكبر لوجوده واقعًا أسفل قدميها يمسك خده من الألم
اقترب منه الرجل ليرفعه ويضربه مرة أخرى .. لكن فايز لم يكن ذلك الرجل السهل ! .. بل كان يعمن من فنون القتال ما يخوله بأن يقف ويلوي زراع ذلك ويضربه بركبته في نصف ظهره ليفقد القدرة على التحرك والمقاومة ويقع على الأرض متألمًا
انفتحت عينها في ذعر مما رأت ، فلقد ضرب ذلك القذر الرجل الوحيد الذي بحياتها
هنا هجمت عليه واخرجت خنجرًا آليًا وضعته على رقبته من الخلف بينما كان منشغل هو في ضرب الآخر
_ سيبه بدل ما اقلبك مره
ألفاظها كانت قوية جدا ومؤذية واستفزته واغضبته .. لم يكن يتخيل أن هناك إمرأة باستطاعتها حمل خنجرًا أو حتى التلفظ بتلك الكلمات النابية
لكنها نجحت في إثارة غضبه الساحق ليمسك يديها في حركة خاطفة ويسقط منها الأداة الحادة ويرتفع صوته لأول مرة تقريبًا في حياته وعينيه تطلق الشرر والتوعد
_ انتي بتقولي كدة ليا أنا ..
ارتجف جسدها ولم تستطع مدارة خوفها الذي ظهر جليًا في عينيها من مظهره المرعب والمشتعل
شدها من كفها ضاغطًا على كل حرف يخرج منه ولم يعلم لَِم أراد أن يتلفظ بتلك الكلمات .. لكنه أراد أن يهذبها وأن يعلمها درس لا تنساه .. حتى عندما يقابلها في المرة القادمة تكون مهذبة أكثر .. مهلا !!! اللعنة هل يفكر في مقابلتها مرةً أخرى ؟!
_ أنا عمري ما شوفت ست معندهاش حياء ولا أخلاق زيك
إهانته كانت قاسية وجارحة ... نظرت للأرض لتجد جسد من كان يدافع عنها ساكنًا وكأنه قد فقد الوعي من الألم
شعرت بالضعف الشديد وعينيه القوية لا ترحمها .. تجمعت الدموع بعينيها وهتفت فيه بقهر حاولت مداراته عميقًا لكنه خرج غصبًا
_ وأنا عمري ما شوفت ناس بتستقوى على اتنين ولايا بكل قوتهم زيكوا .. إذا كنت مش شايف إني ست فنا مش شيفاك انت باللي في عيلتك رجالة
عينيها الحزينة ونظرتها المنكسرة التي حوالت اخفائها اوجعت قلبه رغم كلماتها الفظة ، ترك كف يديها بعد حرب نظرات وصراع دار بينهما .. فجرت على المرمي أرضًا تحاول أن تجعله يستعيد وعيه لتهتف بفايز في حقد
_ ذكي لولا أنه تعبان كان قتلك تحت ايده .. راجل من ضهر راجل مش زيك
صرخت وثارت هاتفه في كره
_ غور من هنا ومتجيش تاني .. ولو دكر ابقى اتعرضلي أنا ولا اختي
تصنم مكانه يناظر تلك المرأة الغريبة .. مزيج مثير من الحدة والقوة والضعف والإثارة .. والشغف .. الشغف الذي يفتقده في حياته .. الشغف الذي جعله يتحرك فورًا مبتعدًا عنها كأنه يهرب من قربها حتى لا يذهب الآن ويفعل شيئ لن يسامح نفسه عليه ما حيَّ .
_____________
جلست تبكي وتتذكر ماحدث معها هذا النهار .. كم تكره الحقيقة كونها بلا سند أو ظهر في هذه الحياة ليأتي الذئاب يلنهشوا لحمها
ترتدي عبائات رجالية وتلف ثائر جسدها بأربطة ضغط عديدة حتى تداري مفاتنها وتظهر في هيئة الرجال ضخام البنية
عانت في حياتها ما لم تعانيه امرأة قبلها ومع ذلك تضحك ومازالت صامدة تحافظ على أختها وملكها وأرضها ولا تضع أنفها تحت قدمي أحد
لكن ذلك الفايز .. هذا الرجل اللعين جرعها الذل والمهانة وأوقفها أمامه خائبة الرجى غير قادرة على فعل شيئ
بل والأصعب .. أنها شعرت بالإثارة من نظراته .. دومًا كانت غالية وشريفة لا يلمح طيفها أحد .. ولكن لسخرية القذر ارتعشت شفتيها لأول مرة أمام ذلك القذر الحقير الذي بنظرها يستغل نفوذه لتهديده ويتكبر عليها هي واختها الصغيرة !
انهمرت أكثر في البكاء فمهما كانت قوية هي في النهاية تكتم داخلها انثى مرهفة الحس والمشاعر ...
دخلت أختها عليها لتتفاجى بها تبكي لتسألها في قلق واعر .. فتلك أول مرة ترى بها دموع أختها الكبيرة
_ مالك يا غادة فيكي ايه
مسحت دموعها بسرعة قائلة
_ مفيش و قومي ذاكري
اصرت على معرفة ما في أختها لتتوسلها أن تخبرها
_ بتعيطي ليه قوليلي متوجعيش قلبي عليكي
هتفت بها في حدة _ لاء مبتزفتش تعرفي تقومي بقى
بصوتٍ حزين سألت مرة أخرى _ حصل إيه بس !!؟
هنا هبت غادة واقفة كارهه أن تراها أختها في موضع ضعف ، كارهه أن يراها أي أحد وهي تبكي
_ يووووه أنا قايمة وسيبهالك مخضرة
ثم توجهت للخارج تحت أنظار أختها ريهام الحزينة الحائرة .. غريبة بل هي صدمة أن ترى أختها في ذلك الوضع .. نزلت دمعه منها حزنًا عليها ، فليس هناك من هو أغلى في قلبها منها ...
جلست على سلالم السطح تجفف دموعها ليخرج عليها " ذكي " يربط على خصره بلفافة بيضاء حتى تخفف عليه الألم ..
جلس أمامها قائلاً بحنو _ معلش يا غادة
تناست أمرها قليلاً ومثلت أنها بخير وسألته
_ عامل ايه دلوقتي يا ذكي ؟
سايرها فهو يعلم أنها لا تحب أن تظهر ضعيفة
_ حاسس إن التعب بياكل جسمي !
تأثرت ملامحها حزنًا .. ف "ذكي" وقع في حادث منذ أسبوعين ، وأثر هذا الحادث على ظهره خصيصًا وما إن تعافى قليلاً حتى جاء فايز وضربه عليه مرتًا أخرى ليفقد وعيه وقتها فورًا .. ذكي ليس بالضعيف بال على العكس تمامًا لم ترى رجلاً أقوى منه .. لكن الحادث أثر عليه كثيرًا ومازال لم يتعافى
نظر لها في آسف معتذرًا _ سامحيني يا غادة معرفتش احميكي
أصيل من يومه ! هكذا رددت داخل عقلها وهي تنظر إلي وجهه المرهق وجسده المتكسر حرفيًا ومع ذلك يرى أن الحق كله عليه
ابتسمت له في صفاء ثم هونت عليه الأمر
_ معرفتش تحميني إيه بس منا عارفة إللي فيها .. دا الحمد لله إنك بخير ياخويا
هز رأسه ساخرًا _ حظنا أسود عنبه مش موجود والاتنين التانيين سابوا الشغل ، مقدر ومكتوب عليا اتضرب النهارده ..
ضحكت ثم تذكرت فايز صاحب العيون الثاقبة والنظرات القاتلة .. اغمضت عينيها لحظة لتتذكر قبضته على زراعها التي تركت أثرًا بالغًا لتقول
_اتقطعت ايده إبن الكلب
ابتسم هازئًا لتبتسم هي الأخرى وتنسى همومها كالعادة قائلة
_ بس عارف يا واد يا ذكي .. في كل خناقة ولا عوء بيحصل ، بنده بأعلي صوتي
ثم تقلد نفسها وهي تنادي _ يا واد يا عنبببه نادي لذكي ..
ضحك عليها وعلى ظرافتها في الحديث لتتنهد هي مكملة في مشاعر صادقة
_ مع إني ببقى عارفة انك لسة تعبان ومش قادر تقوم .. بس اسمك لواحده بيقويني
تعلقت عينيه بها وشرد وأثرت جملتها قلبه ليقول
_ ربنا ميحرمنيش منك ابدا
مصمصت شفتيها ثم سخرت فهي تكره الدراما
_ هنخشها صعبنيات بقى ...
ابتسم وبادلها السخرية قائلاً_ ولا صعبنيات ولا يحزنون قومي غوري
لترد عليه في حدة _ تاك غورة تاخدك منشوفكش تاني
ضجر قائلاً _ ياباي على لسانك !
رفعت حاجبها له لتغيظه ثم وقفت ونزلت للاسفل فمنزلها هي وأختها في الدور الأول أما هو فكان يمتلك غرفة وحمام على السطح يكتفي بهما ...
وقف يتأملها طويلاً حتى اطمئن أنها نزلت لشقتها ..
ثم تنهد قائلاً _ آه يا غادة .. نفسي تحسي بذكي ولو مرة واحدة
ظل سارحًا بها حتى لفحه الهواء البارد وجعل ألم ظهره يشتد عليه ليدخل إلى غرفته سريعًا قبل أن يسوء الأمر ..
_____________
_ مشوني يا غادة النهاردة .. والله العظيم أنا معملتش أي حاجة
تفاجئت غادة بأختها في اليوم التالي تجري على أحضانها باكية تخبرها بما حدث في الجامعة
_ أنا منتظمة في محاضراتي وعمري ما ضايقت أي حد ...
ربتت غادة على ظهر أختها وارتعد جسدها واحتدت معالمها .. ذلك القذر قد نفذ تهديده ومنع أختها من الجامعة .. هتفت في أختها رافضة ضعفها
_ بس يابت متعيطيش .. أنا هجبلك حقك تالت ومتلت وهترجعي جامعتك يعني هترجعي
استمرت الأخرى في النحيب_ إزاي بس يا غادة إزاي!!؟
صرخت بها بنظرات قوية _ مالكيش دعوة أنا هتصرف _ ثم مسحت دموع أختها قائلة _ مش عاوزة أشوف دموع تاني طول منا عايشة
ضمتها ريهام في حب شديد _ ربنا يخليكي ليا أنا ماليش غيرك
حاوبت أن تخفف عليها الأمر فقالت _ يلا قومي استحمي وارتاحي وهتصحي تلاقي الموضوع اتحل
التمعت عينيها _ بجد !؟
_ عيب غادة عمرها قالت ومنفذتش
هزت رأسها يمينًا ويسارًا في ابتسامة _ عمرها
لتربت على كتفها مطمئنة إياها _ يبقى حطي في بطنك بطيخة صيفي
وشردت بعيدًا ونظرة عينيها توحي بكاثرة بل بجريمة ستحدث _ وسيبي كله على غادة
_______________
رأى فوزي ريهام وهي خارجة من الجامعة تبكي وتمشي بسرعة حتى أنه لم يستطع لحاقها لكن قلبه تهشم لأجلها .. ركب سيارته ولحقها وتوقف أمام بيتها .. كان النهار لتوه غاب وحل محله الليل
وقف في سيارته محتارًا لا يعلم ماذا يفعل أو كيف سيتواصل معها وقلبه منعه من التراجع فلابد أن يراها ويسمع صوتها ويعلم ما بها بل ويهون عليها ويسعى في حل مشاكلها
انتظر طويلاً حتى وجدها تخرج من البلكون وتقف تنظر للشارع وكأنها تنتظر أحدًا .. وهي فعلا كانت تنتظر أختها التي خرجت من عدة ساعات ولم تأتي حتى الآن فأصاب قلبها القلق
خرج مسرعًا حتى لا يضيع الفرصة ونادى عليها في حنين
_ ريهام !
اسرعت في الدخول ليمنعها بصوته المتوسل
_ استني أرجوك متدخليش .. كلمة بس لو سمحتِ !
شيئ ما جعلها تنتظر رغم أن أفعال ذلك المعتوه لا تروق لها
بسبب مكثوها في الطابق الأول استطاع فوزي أن يحدثها بصوته الهادئ دون أن يعلم أحد
_ أنا فاتحت أهلي في موضوع جوازي منك .. صدقيني أنا مش بستغلك لأي مصالح شخصية ..
لم تتغير ملامحها ليلحق هو نفسه قائلاً_ إلا الجواز بصراحه يعني أنا هموت واتجوزك !
احتدت معالمها واسرعت مرة أخرى في الدخول ليرتفع صوته معتذرًا عدة مرات بسرعة
_ آسف آسف آسف .. أنا كلامي طول عمره تلقائي ومش مترتب ، إللي بحس بيه بقوله
تنهد قائلاً في حب _ وأنا كل حتة فيا حست بيكي ...
ظهرها كان له ولكن ما إن استمعت لحديثه حتى استشعرت الصدق فالتفت له ولأول مرة تتلاقى أعينهما بذلك القرب فانتفض قلبه وارتفعت رقبته على آخر ما بها كأنها تريد الوصول إليها .. هتف دون وعي مسحورًا بها
_هو في كدة !
دغدغت نظراته أنوثتها وحبست ابتسامتها داخلها .. فهيئته وطريقته أوصلت لها مشاعر لم تختبرها من قبل ، ورغم خجلها الشديد إلا أن فضولها جعلها تسأله في رقةٍ وهمس غير معتمدين
_ في ايه ؟!
لم تحيد عينيه عنها وافصح عن مشاعره دون خجل أو تراجع هائمًا بها
_ في إن حد ممكن يعشق من مجرد نظرات بيخطفها خطف من إنسانة ميعرفهاش ولا يعرف عنها حاجة .. أنا شكلي مجنون زي ما بيقولوا
_ ولسة هجننك أكتر !
وجد أحدًا يرفع عليه أحد الأسلحة البيضاء ويتعوده بتلك الجملة لتخيب ملامحه ويقول في إرهاق وتعب
_ أنا معملتش حاجة .. يا جماعة أقسم بالله أنا غرضي شريف !!!
ابتسمت على شكله اللطيف فيبدو أنه يمتلك حس دعابة عاليًا لتتدخل هنا قائلة
_ استنى يا ذكي .. اسمعه الأول !
وما إن استمع فوزي تلك الجملة حتى وقع فاقدًا للوعي ... انفتحت عينيها في صدمه ورغم ذعرها إلا انها تأكدت هنا أنه مجنون حقيقي وليست كلمة هكذا تقال ...
_________________
ذهبت للشركة لتواجهه لكنها لم تجده .. وسألت عن عنوانه فأعطاها إياه أحد العمال بعدما رشته بمبلغ مالي ...
لتتوجه فورًا للمنزل وما إن أخرجت بطاقتها للحرس حتى يتحققوا من هويتها .. سمحوا لها بالمرور فهم لديهم علم بها من " زين الدين" ، لأنه كان يأمل أن تأتي إلى المنزل وتتفاوض معهم عن الأرض ...
دقت الباب وما إن انفتح حتى دفعت العاملة ودخلت سائلة بصوتٍ عالي وعنيف
_ فين فايز زين الدين ؟؟!!
كانت ريم تحتسي قهوتها في غرفة الصالون وما إن استمعت لذلك الصوت المرتفع للغاية حتى وقفت متجهه لمصدره وما إن وجدتها إمرأة ترتدي عبائه سوداء وتلف على شعرها حجاب عشوائى ووجهها أحمر منفعل وبيديها حقيبة سوداء صغيرة والغريب أنها تسأل عن زوجها بتلك الطريقة .. مظهرها شعبي للغاية لكن ذلك لم يمنع ريم من السؤال عن هويتها بلباقة واحترام
_ مين حضرتك ؟!
طالعتها غادة من أسفل لاعلي لتدفعها هي الأخرى هازئة
_ اوعي من ادامي يا سنيورة ..
تمسكت ريم بهدوئها رغم همجية الأخرى
_ أنا مراة فايز ممكن حضرتك توطي صوتك وتفهميني عاوزة إيه
وقفت أمامها غادة في شموخ وجبروت ورفعت حاجبها عاليًا قبل أن تقول في قوة وإصرار
_ أنا عاوزة جوزك
نزلت الجملة على قلب ريم لتزلزله حتى أنها لم ترد .. فمعنى الجملة أخذها لعالم آخر فقدت فيه روحها للحظات
دفعتها مرة أخرى من طريقها مستغلة شرودها
_ إيه اطرشتي ، وسعي من طريقي
ثم صرخت مرة أخرى _ أنت فين يا فايز يا زين الدين
نزل فايز من الدرج وتفاجىء بوجود تلك المرأة هنا وصوتها الصارخ ورأى ريم وهي تحاول منعها مما تفعل ولكن عبثًا فريم الراقية لا تتماشى مع أسلوب غادة الهمجي
ما إن لمحته غادة حتى أطلقت النيران من عينيها واحتدت وقالت في شر ونية سوداء
_ قولتلك لو دكر اتعرضلي أنا ولا أختي
وفجأة هجمت عليه بسكين اخرجته من حقيبتها الصغيرة وضربتها في صدره وكل ما كان يسمع هو جسد ريم الذي وقع على الأرض فاقدة للوعي من أثر الصدمة !
____________