الفصل الثاني من رواية الخيَّال

 الفصل الثاني من رواية الخيَّال






_______________________________________

كعادتها منذ شهر ، تحديداً منذ ذلك اليوم المشئوم الذي إنصابت به برصاصة ناريه علي بُعد سنتيمترات من القلب وهي تقوم بتنفيذ أهم وأخطر عملية في تاريخ منظمتها المشبوهه


تقف شاردة تفكر في كل ما حدث ، لا يهمها الألم القاتل الذي تعرضت له فهي قد إعتادت عليه منذ أن كانت صغيرة ، ولكنها لأول مرة تشعر أن أنفاسها تُذهق وأنها قريبة جداً من الموت إلي ذلك الحد


منذ أسبوع وهي لا تفعل شيئ سوىٰ التفكير ، أنتهي بها الأمر في بيت الجبل بعيداً عن المدينة وتم علاجها بتلك المشفي الصغيره المُلحقة بذلك المنزل والتي كانت مُجهزة بأعلي المُعدات الطبية وأمهر الجراحين متأهبين لتلك الحوادث


لقد قضت حياتها كلها وحيدة ، والدها علي قيد الحياة ولديها أختين _غير أشقاء_ مرحتين   ، ولكنها كانت تشعر بأنها دائماً تدور في حلقة من فراغ ..


"أصيل"


قاطع وصلة تفكيرها ذلك الصوت الهادئ الذي ناداها


لم تلتفت له وظلت علي جمودها ، فتأفف إبن عمها "رؤؤف" ونطق بنفاذ صبر


" أي إللي طلعك برة عاوزة تموتي و تجيبيلي مصيبة "


لم يجد منها رد فأشتعل غضبه ببرطمة قصد أن تصل إليها


" صحيح دلع حريم "


تلك المرة التفتت له ، إهتز جسده وتوترت نظراته ما إن اقتحمت نظرات عيناها البُنيه عيناه


كانت صاحبة نظرات ثاقبة وقوية تُرهب من أمامها ، انتظر أن تقول أي شيئ أو حتي أن تلكُمه ، فمهما كانت ستفعل سيكون أهون من نظرات عينيها المُعذِبه له


لم تُقل شيئ وتركته ورحلت بكل بهدوء وتجاهلت الرد علي سخافاته كالعادة، اكتفت برؤيته يرتعب أمام نظرات عينيها وهذا يكسفه ليعلم مقدار حجمه الضئيل أمامها


رمش رؤوف عدة مرات وسحق شفتيه بغضب نادماً علي ضعفه وخوفه أمامها وتمني لو بإمكانه الذهاب ورائها وقتلها ويتخلص من تلك الحقيرة المُتعجرفة


______________


" حربي "


بصوت خشن كصوت الرجال نادت علي رئيس حرس منزل الجبل 


علي الفور أجابها بإحترام "ست أصيل "


" هات مفاتيح العربية "


حاول تنظيم أنفاسه لما سيخبرها به وأنه سيعصاها لأول مرة


" أنا آسف يا ست أصيل  ، معنديش تعليمات من الباشا الكبير "


ضيقت عينيها تناظره بهدوء وبداخلها حرب ضارية ، لأول مرة يرفض أحد رجال منظمتها أمرا ً لها ، قتلته نظرتها ولكنها أبت ألا تتركه قبل أن تقذفه بدرس ، لذا وبلحظة خاطفة سحبت سلاحه من خصره ودفنته أعلي رأسه ووجهها ارتسم عليه تعبيرات مرعبة


رددت ما أمرته به مرة أخري وهي تضغط علي حروف كلماتها بتهديد


" هات المفاتيح "


اصابه الهلع لم يعلم ماذا يفعل و كيف أنها بسرعة البرق سحبت سلاحهمنه وهو حتي لم يستوعب تلك اللحظة الخاطفة التي فعلتها بها، هو يدرك أن "أصيل" مُدربة للغاية وماهرة أكثر حتي من أقوي رجال المُنظمة ومهابة من الجميع وكلمتها كالرصاص إذا خرجت تصيب لا تُرد ، ولكنه لم يتوقع أنها ستقدر علي فعل ذلك حتي وهي بتلك الحالة الخطِرة


رد بصوت شبه مهزوز وهو يحاول الحفاظ علي لقب رجل الذي أودىٰ به جبروت أصيل للجحيم


" أنا آسف يا ست أصيل  ، دي أوامر الباشا ، لو منفذتهاش فيها موتي "


ردت بتوعد وعضمتي فكيها إشتدا


" أنا بقول إنك تموت علي أيدي أحسن"


ارتعش جسد حربي بالكامل فهي جادة فيما تقول ، ياله من غبي ، لِمَ يُغضِبُها وهو يعلم أن بفعلته تلك ستكون نهايته حتماً الموت


ارتعش حينما عمرت المسدس بثانيه و قبل أن تطلق رصاصتها تفجر بها رأسه اللعين


" أصيل ! "


موجات صوته زلزلت جسدها واوقفتها رغماً عنها ، اغمضت عينيها تُلملم فُتات ما قد كُسر إثر ارتطام صوته بقوة بقلبها !


اللعنه علي صوته الخشن الذي لم يحمل لها العاطفة يوماً ، أنه الرجل الوحيد الذي أذلها ودهسها وأحرق روحها ومشاعرها ، حاولت التنفس وصوته كان كالشرارة التي اقتربت من قنينة بِنزين !


التفتت له وعينيها مُحمرة بقهر وغضب دائماً ما حبستهم عميقاً داخلها


آتي الآن ليراها بعدما كانت تنازع الموت وحدها ! وماذا كانت تنتظر منه ، أن يأتي لاهثا ً متلهفا ً لرؤيتها والإطمئنان عليها ،ساذجة أصيل هه بالطبع لن يفعل !


سخرت داخلها ورمت السلاح أرضا ً واقتربت من ذلك الرجل قائلة بتهكم مرير


" أهلا بالباشا الكبير "


تعلق نظره بها ولم يتحدث ، جامدا ً كالعادة ، فاقتربت منه متابعه 


" نورت الجبل _نظرت للرجال من حولهم قائلة بضحكة متهكمة _ فرغ سلاحك ورحب بالكبير يا كلب منك ليه _ ثم نظرت مرة أخري له _ أتمني مكونش عطلتك عن حاجه يا حسن بيه "


انهدش الرجال من حولهم وهم يشاهدون انتفاخ عروق سيدهم واصيل تتابع بإحتقار بعدما أفلتت السيطرة علي أعصابها  لأول مرة أمامه


" تصدق إني بت زبالة وغبية أوي ، صدقت للحظة إنك ممكن تطلع انسان وعندك دم ، إنك ممكن تطلع راجل وتخاف علي لحمك "


ما إن أخشن صوتها وارتفع بأخر جملتها حتي تلقت كف قوي علي وجنتها أمام الجمع الكبير من الرجال ، كادت أن تجن ،، إنه يضربها بدلاً من ان يأخذها بين أحضانه يداويها ويداوي جرحها منه ومن أعماله وليس هذا فقط ، بل دمر هيبتها أمامهم !


اعتقدت أنها ستجد الحنان داخل ذلك المدعو بوالدها " حسن البحراوي " كبير عائلة البحراوي وكبير منظمتهم الإجرامية


لم يكتفي بهذا بل شدها بمخالبه المُسننه من خصلاتها ولم يعبأ بإصابتها وصرخ بقوة واعصابه قد فلتت صائحا ً بصوت قاسي


" مُصرة علي موتك مع أني اديتك فرصة ، خسرتينا عملية تمنها أغلي منك ومن إللي خلفوكي وكنا هنروح في داهية بسببك ، ضيعتي عليا صفقة العمر "


هتف  بخشونة كبيرة في آخر كلامه ثم أحرق خدها الرقيق رغم الشقىٰ بكف آخر  أعنف جعلها تمضي بعيداً في طيات صدمتها !


كانت تنتظر منه أن يحن عليها ولو لمرة واحدة بحياته ، ولكنه كالعادة يحطمها ويحرق مشاعرها ولكن تلك المرة مُهينه ، مُهينه للغاية فهي أمام الرجال الذين يرتعبون فقط عندما تسلط نظراتها القوية عليهم ! لقد أضاع هيبتها ومكانتها أمامهم فكيف سينظرون إليها بعد الآن !!؟


رفعت نظرها إليه وتلك المرة نزفت دماً من فمها وجرحها يؤلمها للغاية ولكنها تحملت كالعادة


" نص رجالتنا ماتوا بسببك وبسبب غبائك ، سمعتك وخدت برأيك أنتي ، وأديني شوفت إللي حصل في الآخر "


نطق رؤوف بسخرية ومُعايره وروحه تحلق في السماء من رؤيته لإهانة تلك المتعجرفة بقسوة أمام الجميع ، يشعر بنشوه غريبة وهو يراها ولأول مرة تُهان وتُذل وتتدمر هيبتها


" مستني أي ييجي من ورا الحريم يا عمي "


تابع حسن البحراوي متجاهلا ً كلامه 


" شهر مانع نفسي من إني اجي ادفنك حيه "


أقترب منها ونظر داخل عينيها بنظرات كارهه وغلولة أرهبتها من الداخل


" ياريتني دفنتك حيه ساعة الشوم اللي اتولدتي فيها "


دنىٰ منها  أكثر حتي وقف أمامها مباشرة هامسا ً بخشونة وغلظة تسربت لقلبها كحُمم اللاڤا


"أنتي لعنة حلت عليا يا أصيل "


تعلم أنه يكرهها ويكره وجودها ، تعلم أنه لطالما كان قاسي القلب مُتحجر المشاعر لكن اليوم ، اكتشفت أنه اقسي مما كانت تظن ..  دائماً ما كان يقهرها سواء بحديثه المسموم أو بتعذيبه الجسدي لها ، ولكنها لم تتوقع أن يتصرف هكذا في مثل هذا موقف


" هدِي نفسك ياعمي ، مش حتة مرة اللي تعصبك كده "


أعاد رؤؤف بث سمومه  بتشفي بعدما أقترب من عمه وهو يربت علي كتفه ناظرا ً لأصيل بضحكة خبيثة ، أصيل التي رفعت وجهها ودارت بعيناها علي كل الموجودين تخترقهم بثاقبتيها ، مرت ثواني ثم رفعت رأسها أكثر في شموخ وبحركة عنيفة مسحت الدماء من جانب فمها وملامح وجهها امتلئت بالشراسة


أقتربت خطوة حتي أصبحت أقرب لوالدها قائلة بنبرة خالية من الحياة


" المرة دي إللي خلت لكم إسم "


شعر رؤوف أن روحه تُسحب منه عندما أدرك أنها تحدثه هو وليس والدها


وها قد صدق حدسه عندما دارت بحركة دائرية ومدت يديها التقفت السلاح من الأرض وبالذراع الآخر قبضت علي عنق ذلك الوغد في حركة مفاجأة وسريعة


حاول الهروب من قبضتها ولكنها كالفولاذ لا تتزحزح


صوبت السلاح برأسه وقد فاض بها الأمر صارخة


" المرة دي إللي تركعلها لو أمرتك يا كلب ، المرة دي إللي بإشارة منها توديك قبرك ، علي الأقل أنا مرة ، بس أنت محدش عارفلك مِله ولا جنس "


كان سيفعلها علي نفسه مثل الاطفال بل أذل ، حاول التخلص من قبضتها لكنه لم يعرف فحاول استفزازها بكلماته السامة وصوته المهزوز


"ب بتداري علي خيبتك بإيه ، ا ا  أنتي فشلتي للمرة الألف أدام الخيّال وعلِّم عليكي تاني "


الخيَّال ! لعنتها الأبدية التي تود لو تُذِهبها للجحيم السابع لتتفحم وتخلد ، دائماً ما حملت السواد داخلها  ولكن عندما ظهر إسم إبن الخيَّال أصبح السواد هو من يحملها   ..


"سيبيه  ، كفاية خسارة لحد كدة ، كفاية العار إللي جبتهولي"


نطقها حسن في خزي ألحقه بنظرات إحتقار فتت قلبها وصدمتها حتي اشعلت لهيباً أكل داخلها أكلاً بلا رحمة


نظرت له طويلاً وهي تعض شفتيها من الداخل ، تحاول السيطرة علي كل تلك الذكريات التي تدفقت لعقلها مُشكِله هجوم كاد أن يُفجر عقلها  ، تباً للصبر والتعقل ، انتهى الأمر هنا ..


سحقت يد السلاح ثم رفعته بقوة وانزلته بسرعة علي كتف  ذلك الرؤوف  الذي ليس له أي نصيب من إسمه


صرخ عالياً و انبطح أرضا ً مُمسكا كتفه في ألم جم ولكنها كالصنم ، لم تبالي به ، فقط تقف ناظرة لأبيها في شرود ونظرات غلقتها الخيبة ، نعم ،  حاولت هي و حاولوا هم قتل إحساسها ، لكنها مازالت تشعر وتتألم من أمور لم تخبر بها أحد بعد ولا تمتلك حتي الجرأة لسردها  


رؤوف يتألم في الوسط  وليس لديه القدرة علي الصمود وهي تقف تتبادل النظرات مع والدها الذي طالعها بقسوة وإحتقار


اقتربت منه ولم تحيد نظرها عنه ،  ضاقت مساحة الهواء بينهما


رفعت أنفها عالياً ثم كشرت عن أنيابها قائلة في شر وقسوة تماثل خاصته


"وأنا ميرضنيش تعيش في العار "


كانت جملة واحدة فقط ولكنها جعلت قلب حسن يرتعب لأنه فهم مقصدها جيدا ً فسبق أن هددته بأنها ستأتي وتتركه يوماً ما ، ولكنه آلف وجودها وظن أنه ضمنها بجانبه لنهاية العمر ولم يحسب أبدا ً أن تلك التي روضها علي طاعته ستهرول بعيداً عنه يوماً  !  حسبها سمكة لا تستطيع أن تعيش سوىٰ في الماء ، لكن و اللعنة كان مخطئً فلقد نسى أنها إنسانة


إبتسمت له إبتسامة شر ووعيد أقسم أنه لن ينساها أبداً ، تذكره بنفسه في صباه قوية وشامخة لا تخشى أحد


اعطته ظهرها ثم بدأت خِطاباً في الغفر الكبير من الرجال بصوت لا يقل قوة عن قوتهم ولا خشونتهم


" يا رجالة من النهاردة أصيل مش معاكوا ، يعني هتقعوا واحد ورا التاني لحد ما تتبادوا وولا حد هيسأل فيكوا ، مانتوا اصلكوا كلاب مالكوش عازة  "


شدها حسن بقسوة من زراعيها


"انتي بتقومي رجالتي عليا ، تعالي معايا "


ضحكت بشر هاتفة بخبث وإهانة 


" عمرهم ما كانوا رجالتك ، طول عمرهم رجالة أصيل وفي حماها _نظرت للرجالة " حسن باشا خايف من دلوقتي يا رجالة ، جالكوا كلامي ، أصيل إللي ممشياكوا مبتقولش حاجه غلط أبدا"


تقدم أحد الرجال هاتفاً برفض


"لو الست أصيل مشت أحنا هنمشي معاها "


كانت اخر جملة ينطق بها بعدما أفرغ حسن رصاص مسدسه برأسه ليقع ميتاً فوراً


هتف حسن بإنفعال واضح


"أي كلب فيكوا هيعترض  هيكون مصيره الموت "


نظر الرجال لأصيل بهلع  ينتظرون منها أن تحميهم وتساعدهم كما تفعل دائماً ولكنها ضحكت رافعة يديها بإستسلام


"مانا قولتلكوا ، أنا خليت أيدي منكوا " 


ثم شدت حربي من رقبته بقوة واخذت مفاتيح السيارة من خصره قائلة بغلظة وهي تنظر داخل عينيه


"لما أصيل تؤمر ما عليك إلا تنفذ "


ثم اطلقت الرصاص في منتصف فخذه فوقع أرضاً يتلوى من الألم الشديد


اقلعت بهيبة كبيرة بسيارة الدفع الرباعي ولم تنظر للخلف ولا لأبيها الذي صبر نفسه بأنها ستعود إليه مرة أخرى فليس لها سواه ، وعندما تعود سيعاقبها أشد عقاب علي ما فعلت أمام الرجال .


__________


دخل عليها الغرفة قائلاً بتصميم وحزم


"مفيش سفر"


"مش أنت إللي تقرر يا حسن بيه"


امسكها بقوة من كتفها واوقفها عن تجهيز اغراضها للسفر


"كلمة البحراوي واحدة  ميكسرهاش مخلوق"


رفعت عيناها بقسوة وتحدي إليه


" واصيل البحراوي غير كل الخلق "


حدثها بمراوغة منه للتأثير عليها


"عاوزة تمشي وتسيبي ابوكي يا أصيل "؟!


أجابته بسخرية حادة


"أبويا ! تصدق الكلمة غريبة أوى علي ودني "


"بس مش غريبة علي قلبك يا بنت زهرة "


لم تعرف ماذا حدث عندما ذكرها بأمها ولم تعرف لم دائماً تجد تلك الغصة بصوته عندما يتذكر والدتها ، لم تسأله يوماً ولن تفعل


بسخريتها الباردة اجابتها مرة أخري


  " متحاولش يا حسن يا بحراوي ، أنا عار عليك ، أنا كان لازم تدفني ساعة الشوم إللي اتولدت فيها ، يا ابويا !"


نظر لها بخبث قائلاً


" تابِع ، هتفضلي طول عمرك تابع ونسخة ، إيه عاوزة تقلدي نوح وتختفي ومحدش يعرفلك مكان ، عاوزة تقلدي  إبن الخيال  "


رمت ما كانت تمسكه بين يديها بقوة وهتفت صارحة بخشونة صوتها  وجهورته التي اكتسبتها عبر السنين


"نوح نوح نوح مفيش سيرة من يوم ما اتخلقت غير نوح ، كل حاجه بتحصل في الدنيا لازم نوح ،  خليتوا حياتي جحيم بسبب نوح ، كل لحظة وجع في حياتي بعيشها بيبقي وراها نوح إللي خلى حياتي جحيم "


قال أبوها بعدما اشعل فتيلة الحقد داخلها واقترب منها يوسوس كالشياطين 


"عمل كل دا وانتي حتي ملمحتهوش مرة واحدة بس "


عضت شفتيها غضبا ً من الداخل ونست كل ما خطتت له والتفتت لأبيها تخبره بعينان ارتسم بهما الهلاك  وصوت وعد بالجحيم


"أنا هجبلك نوح دا في يوم تحت رجلك مذلول وهخليك تبص في عينيه وتشبع من ذله وقهره وهخلي الدنيا كلها تتفرج عليا وانا بعلق راسه علي مدخل الجبل بعد ما أفصلها من جسمه  "


ضحك حسن داخله ، يعلمها خير العلم ، هي تلك الفتاة التي لا تستطيع مقاومة شياطينه أبدا ً لهذا كان طوال عمره يتحكم بها وبكل أفعالها حتي خُيّل له أنه يستطيع تحريكها كيفما يشاء


"وأنا مستني يا أصيل اليوم إللي نخلي عيلة الخيال يركعولنا ويطلبوا مننا الرحمة والغفران "


أمامك


"وساعتها مش هنرحمهم وأولهم الكلب الجبان إللي مستخبي ومش قادر يواجه "


اغمض حسن عيناه يتمني وبشدة هذا اليوم أن يأتي قريباً  ، تخيل الحياة بدون عائلة الخيال ، آآآه كم هذا رائع !  يستحق ما فعل وما سيفعل من خطط ومؤمرات وقررات صعبة يمكنها بسهولة تدمير من حوله وإبقائهم أموات علي وجه الحياة 


نشل نفسه من أحلامه وأمرها بحزم قائلاً


" ارجعي بيت الجبل عندك شغل والسفر منهي "


نظرت له بدهشه ، منذ دقائق كانت قد أصرت علي السفر فماذا حدث الآن ؟!


والأغرب أنها بدون وعي منها رمت الحقيبة التي قد أعدت نصفها علي الأرض للتناثر اشياءها بكل مكان وذهبت خارجاً كالعاصفة وقد ذكرها أبيها بألد أعداءها


ذكرها !؟ علي أساس أنها تنساه ولو لحظة ، ذاك الذي  عاشت  طوال حياتها تُقارن به ، نوح القوي ، نوح الذكي ، نوح العامل الحفاز لعائلته دائماً ما يكون السبب الرئيسي في تنيشط أعمالهم وتجارتهم المشبوهه ولكن يستحيل أن تجد له أثر ، أنه كاللعنة ، لهيب يحرق قلبها حقدا ً وغل ،  لو فقط تراه  لقد أقسمت أنها ستمزق أحشاؤه وتطعم جسده للكلاب ، اللعنه عليك أينما كنت يا نوح ..


__________


تجمع كبار  رؤوساء العائلات  علي طاولة القمار يلعبون بتحدي واضح بمكان تملؤه زجاجات الكحول بأنواعه المختلفة وبعض النسوة متفرقين بجانب زراع كل رجل 


قال سميح  كبير إحدى العائلات في العشيرة


"إللي حصل دا مش طبيعي يا حسن   ، أنت لازم تشوف مين إللي طلع أسراركم برا "


تحدث سليمان بشماتة واضحة لحسن


" وهي تدابير النسوان بتجيب أدام من امتى يا سميح  "


ضحك كل من علي الطاولة بما فيهم سليمان الذي نظر داخل عيون حسن بخبث ولكن  الأخير لم يبادله سوى نظرات باردة 


قال سميح


"آه لو كان نوح إللي ماسك العملية دي "


رد عليه سليمان بعجرفة وفخر


" عملية إيه دي إللي نوح  إبني أنا  يمسكها، دي عملية مبتدأين وياريتهم عرفوا يسلكوا فيها ، نوح مالوش في لعب العيال"


قال أحد الكبار علي الطاولة


"انت هتقولنا عن نوح ، دا مخلينا راقم واحد وسط باقي العشاير ومحدش يقدر يكسر لنا كلمة "


سليمان بثقة وغرور


"خيَّال إبن خيَّال "


همهم الرجال بالموافقة والتفاخر بنوح وسيرته ومسايرة أبيه  للتقرب منه وانشغلوا عن الذي كان ينظر لسليمان بشرود وتفكير حتي قال


"إبنك متجوزش ليه ياسليمان "


قال الآخر بتكبر ليكيده


"افرح أو حسن".


ثم نظر لبقية الحضور وأكمل


"إبني راجل و أظن أنت عارف إن الراجل ميعيبوش حاجه الدور والباقي عليك ، ههه يا أبو البنات "


"معلوم يا سليمان ، الراجل ميعبوش حاجه _ثم أكمل بخبث  شديد _ بس دا لو كان راجل "


في رأي سليمان


"قصدك إيه يا حسن "


" أنا اتجوزت وأنا إبن ١٨  أنت اتجوزت وأنت إبن ١٩ ، مش دا وريثك إللي هيجيبلك ولي عهد جديد "


تلميحات حسن المشبوهة جعلت سليمان ينفعل قائلاً


"من كتر ما حواليك نسوان بقيت تلاوع زيهم في الكلام"


تجاهله حسن وحدث الرجال


"  نوح  قرب يتم ٣٥ سنة ، وهو كبير العشيرة ، كان لازم يتجوز ويخلف وولي العهد كان لازم ييجي من عشر سنين علي الأقل بس الظاهر أبوه مالوش عليه كلمة "


قذفه سليمان بنظرات وعيد وكره وهو يحاول بشتى الطرق المحافظة علي اعصابه


" لسانك  هيدخلك قبرك يا حسن "


رد عليه حسن بتصنع البراءة وهو يبث السم بكلماته الموحيه


"أنا بس قلقان ومستغرب الواد مطلعش زيك ليه ، ولا يكونش طالع لأمه "


وبلمح البصر قد أشهر سليمان سلاحه بوجهه صارخاً به بقوة


"حسن !"


وقف سميح يحاول تهدئة الوضع


"اقعد يا سليمان ونزل سلاحك ، أنتوا بينكم هدنة و "


قال سليمان بغضب جم وهو يناظر حسن بحقد وكره كبيرين


" السلاح اترفع ورافع راية الحرب معاه والهدنة هتقلب دم مش سليمان الخيال إللي يتغلط فيه وفي إبنه ويسكت  "


وخرج بعد ما أن أوقع زجاجات الخمر الموجودة علي الطاولة وهو في طريقه للخروج منسحب ووراءه انسحب باقي الرجال في توتر وخوف للقادم فما حدث سيقلب الدنيا وستكون الأيام الاتيه جحيم عليهم جميعاً


اقترب رؤوف من عمه قائلاً بخوف وغضب


"ايه ياعمي إللي أنت قولت ،،"


قاطعه  حسن بقسوة


"رؤؤف "


استدرك نفسه سريعاً واجاب وبلهجته بعض من الخوف


" مش مش قصدي يا عمي بس ، بس دا ممكن ينفذ كلامه وساعتها هتقلب دم بجد "


أجابه حسن بثقة


" سليمان بيحب مصلحته ومصلحته معايا  "


ثم رفع رأسه عالياً " تفتكر يا رؤوف إيه إللي يخلي راجل في مكان نوح  لحد دلوقتي ميتجوزش مع إن الجواز والخلفة هيعززوا مكانته اكتر واكتر وأبوه هيموت ويجوزه ويشوفله عيل "


"ياعمي أحنا منعرفش عنه حاجه أحنا حتي منعرفش شكله إيه ولا نفتكره من ساعة ما اختفي ، يمكن مقضيها برة وأحنا مش عارفين   "


" وكويس إننا مش عارفين "


نظر روؤف لندرة الخبث بعينان عمه ثم قال بترقب


"يعني إيه يا عمي "


" أسمع يا رؤوف ، نوح إسمه معروف حتى لو محدش عارف شكله ، شركاته مخلية إسمه أشهر من النار علي العلم "


تأفف روؤف من ذكر عمه لإنجازات نوح أمامه ثم قال معاتبا ً بينما يغار بشده من شركات نوح التي يستخدمها للمدارة على العشيرة ومع ذلك عمله ناجح للغاية


"انت إللي بتقول كدة يا عمي "


" دي الحقيقة يا إبن أخويا ، مع كل شهرته دي بس عامل زي إبره في شونة أش استحالة تعرف توصله  ، بس أنا بقي هطلعه منها "


نظرته التى امتلئت بالوعيد اوضحت وبشده أنه يخطط لشيئ سيغير مجرى الواقع في الأيام القادمة ، فحسن هادئ ، يصبر ، ولكن وقتما يريد شيئ ، يحدث حتي ولو بعد أجل

.

__________


نظلت امرأة في الخامسة والأربعين من عمرها جميلة جدا تظهر تجاعيد بسيطة علي وجهها وجسدها صغير وخصلاتها ذهبية رائعة ترتدي أحد فساتينها الباهظة المرصعة بحبات اللؤلؤ الناصع  ، تأمر أحد الخدم بتكبر وخيلاء قائلة 


"خطيب رودي هانم جاي آخر الأسبوع   ، عاوزاله إستقبال يليق بيه ، بيحب السمك على الطريقة البرتغالية وكافيار sevruga... تطلبوا كل الأكل إللي بيحبه وفيه مندوب جاي جايب معاه حجات استقبلوه كويس وشيلوا كل حاجة بشويش عشان ممكن تتكسر"


"مالوش لزوم التجهيزات دي كلها لأنها مش هتحصل ، الفلوس إللي بترميها في الأرض عشان تعظمى لخطيب بنتك مش هتتصرف   " 


نظرت"ريهام" زوجة حسن البحراوي الثانية ، والدة رودي ورفيف أخوات أصيل من الأب ، اعتقل الرعب قلبها عندما نظرت لهيئة تلك الفتاة التي تخلت منذ زمن عن مظهرها الأنثوي متمسكة أكثر بصوتها الخشن الذي ينافس خشونته خشونة صوت حسن زوجها نفسه


استجمعت شجاعتها وحاولت عدم النظر لعيون أصيل المخيفة بينما تجيب


"ليه إن شاء الله وانتي مالك دا مالي ومال بناتي واتصرف فيه زي ما أنا عاوزة  "


" أنا إللي بجيب المال دا ، ومش هسيبه يتصرف علي هدايا وعزومات أكلها بيترمي في الزبالة  "


قالت معترضة بغيظ


"دا علي أساس اننا مالنا بيخلص "


ابتسمت نصف ابتسامة بسخرية


" لأ ، علي أساس إنك لو تحت إيدك مال قارون هتخلصيه"


"بطلي البخل إللي فيكي دا بقي هو انتي مفيش فايدة معاكي ابدا "


"إللي عندي قولته يا مراة ابويا ، الناس هنا يعملوا الأكل والحفلات إللي بتعمليها والهدايا إللي مالهاش أول من آخر والكلام الفاضي دا مش هيحصل   "


اشتعلت نار الغيرة والغيظ في قلبها حتي كادت أن تحرق روحها فاقتربت تقول بخبث


"وياتري  بقي خايفة علي مالنا بجد ولا متغاظة عشان بنتي أصغر منك بخمس سنين ومخطوبة وعلي وش جواز  وانتي أهو داخلة علي التلاتين ومفيش راجل بس هوب ناحيتك  "


ضحكت أصيل علي تفاهة تلك المرأة التي لا تكف أبدا ً علي ايجاد الفرص لإهانتها لكنها لا تتأثر


اقتربت منها قائلة بتشفي


"إيه ، مبترديش يعني ؟!  جتلك علي الجرح مش كدة ، بصي علي نفسك في المرايا وهتعرفي إني عندى حق ، دا حتي جسمك مش حلو زي أمك تمام نفس الوش والطبع إللي يخلي أي راجل يهرب وميعتبش ناحيتكوا أبدا "


لم ترد عليها أصيل واكتفت بتلك النظرة التي تحرق من أمامها ثم قالت ببرود وكأن زوجة ابيها لم تقل شيئ


" بردو مفيش فلوس يا ريهام "


هنا انفعلت بقوة صارخة بصوت شبه عالي


"بقولك إيه يا أصيل ، أنا هعمل إللي أنا عوزاه ، خطيب بنتي مسافر طول السنة وكل فين وفين ما بييجي ، وأنا مش باخد اذنك أنا هقول لحسن حبيبي وهو مبيرفضليش طلب "


قالت أصيل بإنتصار


"وحسن حبيبك سايبلي كل حاجة وأول حاجه وصاني عليها الشهر دا هو المصاريف إللي ملهاش لازمة علي هدايا  وغيره لخطيب بنتك  "


كادت أن ترد عليها زوجة أبيها التي أحمر وجهها من برودة تلك الفتاة ، ودت لو تقتلها أو تضربها حتي تتكسر عظامها ولكن بالطبع لن تقدر أبدا عليها فهي تعلم خير العلم أنها لا تُقهر ابدا


"اصيل" 


صرخة فتاتين  اخرجنها من حوارها الحامي مع زوجة أبيها الحاقدة 


"وحشتينا اووى "


ردت بصوت ظهر عليه  الحنو  وهي تتلاقهم بين زراعيها لتحتضنهم بشوق


" أنتوا كمان وحشتوني  "


سألتها  أختها رفيف  وهي تنظر لملابسها


"انتي خارجه ولا إيه "


"أوه ، أيوب."


"لا مفيش شغل الليلة انتي بتاعتنا النهاردة ولا إيه يا رفيف "


"طبعا يارودي يلا يا أصيل معانا علي فوق "


واخذوها من يديها لغرفتهم في الأعلي وسط اعتراض أصيل الضعيف وملامحها المشتاقة لأخواتها المحببين لقلبها  وتابعتها أمهم  بغيرة وحقد من أصيل التي تسيطر علي كل شيئ وعلي كل الثروة  ...


______________


قالت رفيف بضيق بينما تقوم بإستبدال ملابسها


" محبتش البنت إللي كانت جمبه "


" جمب مين؟ "


سألت أصيل فأجابت رودي


" جمب الكراش بتاع رفيف "


لتقول رفيف في ضيق أكبر


" شوفتي كانت بترقص إزاي ! أغاني الحفلة كانت كلاسيك مكانتش مستاهلة حركاتها دي يعني"


نظرت لها أصيل بإستغراب


"حفلة إيه؟! "


وضحت لها رفيف.


"حفلة الساحل يابنتي ما أحنا كنا هناك امبارح  ، بابا بعت معانا فؤاد  وودانا  امبارح باليل ولسه جايين حالاً هو بابا مقالكيش ولا إيه   "


شعرت أن صخرة أخري سقطت علي قلبها ، في نفس الوقت التي كانت هي تصارع الموت وتتجرع العذاب كان هناك اختاها تمرحان وتتمتعان بالحياة ولا علي بالهما شيئ ، ولكن ما الجديد في الأمر فلطالما كانتا مرفهتين للغاية واعتادت هي أن تعيش في النار وتعيشان هما بالجنة  ، ولكن من الظاهر أن بعد آخر حادثة مرت عليها قد افاقتها من غفلتها وجعلتها تدرك مكانتها الحقيقية في هذه العائلة ويالبشاعة الحقيقة وقسوتها


حاولت تجاهل آلمها وسألت بإستفسار


"أيوة حفلة إيه يعني ؟!"


" دي حفلة ل Enrique iglesias  أكبر حفلة اتعملت في مصر كلها لحد دلوقتي "


سألت بجهل شديد "  مين Enrique  دا ؟"


ضحكت رفيف ساخرة


"انتي بجد مش عرفاه ! "


ثم بدأت أختاها في الثرثرة ، عن ديكور الحفلة وعن شبابها ، وحتى عن المغني الشهير الذي خطف نظريهما .. وأصيل في دوامة أخرى ، دوامة رمتها أخيرًا على البر الذي أدركت فيها أنها نكرة وأن العدل في حياتها ليس له وجود ، بينما تصارع الموت ، أختاها تعيشان أيام عمرهما تنطلقان كالرياح بينما هي مكبلة بأصفاء صنعها لها نفس الأب الذي سمح لهما بأن يطيرا ...

______________


اللعنة علي الحياة ، اللعنة علي كل شيئ ، اللعنة علي ابيها وعلي أختاها وزوجة ابيها ، اللعنه عليها حد ذاتها ، تلك الحياة الدنيئة التي لم تجلب لها سوى المتاعب والألم الشديد الذي لا يتحمله من الإناث سواها


"كل الناس عايشة حياتها إلا أنتي ومحدش مقدرلك حتي إنك واقفة جمبهم وأنك بتحميهم وبتعمليلهم كل حاجه ووهبتيهم حياة ، انتي ضيعتي حياتك يا أصيل ، أخواتك كل واحدة فيهم  سعيدة ومبسوطة وانتي كأنك عندك ٦٧ سنة مش ٢٧ ، فين صوتك الناعم ورقتك وأنوثتك ، متخليش حسن وعشيرته يهزموكي اكتر من كدة ، عيشي لنفسك يا أصيل ، عيشي لنفسك !"


وهنا نطقت أصيل بصوت مسموع وتصميم


" أنا هعيش لنفسي وبس "


ولم تكن تلك .. إلا شرارة ما قبل الإنفجار

__________________________________

الفصل الجاي لقاء نوح مع أصيل 


______________

إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
”نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.“
لا يتوفر اتصال بالإنترنت!
”يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت ، يرجى التحقق من اتصالك بالإنترنت والمحاولة مرة أخرى.“
تم الكشف عن مانع الإعلانات!
”لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك.
تُستخدم العائدات التي نحققها من الإعلانات لإدارة موقع الويب هذا ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.“
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.