الجزء الأول من الفصل السابع والعشرون رواية الرقيقة والبربري
__________________________
كانت ألوان السوق في أسوان تتوهج تحت شمس العصر، ورائحة البخور تمتزج بالتمر والفانيليا، كأن المكان نفسه يتنفس سحرًا.
نور كانت تمشي بخطوات بطيئة، عيناها تتأمل التفاصيل بفضول طفولي، بينما رامي يسير بجوارها، يراقبها أكثر مما يراقب السوق.
وفجأة توقّف عند واجهة محل صغير يعرض أثوابًا نوبية وفرعونية، تتدلى كالأسرار من السقف...
لكن عينيه لم تلتقط كل الأثواب ، بل ثوبًا واحدًا فقط.
كان لونه عاجيًا، خفيف القماش، مُطرّز بخيوط فضية دقيقة، مفتوح قليلًا من الكتفين والظهر ومقدمة الصدر وفتحة خصر كبيرة ، ومزين بحزام ذهبي يلتف أسفل فتحة الخصر كأنه خُلق ليحتوي أنوثة ما..
نظر له بإعجاب، ثم ابتسم بخبث طفولي لم تفهمه نور أولًا.... مسك يديها بينما كانت تريد التقدم أكثر في المشي
_ استني كده يا نور… شوفي التحفة دي.
اقتربت منه بخطوات مترددة وهي تدور بعينيها لترى أين يشير بيديه .. وهنا قالت
_ حلو أوي فعلا ...
_ هتلبسيه ليا يا ملكة !
قال رامي بنبرة جلعتها تضحك وفي نفس الوقت شعرت بالخجل الشديد وهي تقول بينما تتأمل الثوب
_ لاااا، دا مكشوف أوي يا رامي!
_ مكشوف إيه ؟ بالعكس، دا فن مصري أصيل!
قال في آخر كلماته يحاول إقناعها بأسلوبه المتلاعب ... أسلوبه الجذاب في كل شيئ .. لتقول
_ فن يارامي صح .. بس دا مينفعش ألبسه ... شكله متصمم للأجانب هما يقدروا يلبسوه ..
قالت فابتسم رامي بتحدي وبرود واقترب من المحلوهو يمسك يديها متجاهل كلامها ثم نظر للبائع وهو يسأل
_ بكام دا يا عمّنا ؟
من لهجته المصرية شعر البائع أن هناك فصال وصدمة من السعر سيسمعهم الآن .. . فقال
_ دا غالي شوية يا بيه ، كله شغل يدوي .
أخرج رامي محفظته دون تردد ثم قال
_ قول سعرك ..
نظر له الرجل بلمعة في عينيه بسبب اتمام البيعة ... لكن مع ذلك قال لرامي
_ مش المدام تقيسه الأول!..
قال لينظر له رامي ويقول
_ يلا يا حبيبتي .. أنا داخل معاكي ..
لم يفكر مرتين على عكس نور التي كانت وسط دهشتها من تصرفه
_ إنت بتعمل إيه؟
اقترب منها وسحبها لداخل المحل بينما البائع يختار المقاسات المناسبة تقديرًا لحجم نور ... وأجاب رامي لنور بصوت خافت بينما يغمز بعينيه بحميمية
_ بشتري التاريخ … والتاريخ هيبقى في أوضتنا النهارده..
_ إنت بتقول إيه بجد ؟!
كانت متوترة للغاية .. ورامي يبدو مُصرًا ... فاقترب منها وقال بنبرة حازمة وعيونه تلمع بشغف ولهفة نارية لرؤيتها فعلا في هذا الثوب
_ بقول إنك هتلبسيه ليا في الفندق…
اتسعت عيناها بدهشة وارتباك وهي تحاول مقاومة جرأته
_ رامي! دا مكشوف أوي...دا كله مكشوف !
اقترب منها يقول بصوته مصطنع البراءة الذي يقنعها به دائمًا بعيون ذئب يخطط ليصل لما يريد
_ مكشوف مكشوف .. وماله يا حبيبتي ، دا أنا بشتري قطعة تارخية لتحفة أثرية نادرة الوجود … لازم نظبط الشغل.
ثم غمزها رامي وهو يقول بنبرة أشد خبثًا فهمتها جيدًا
_ ظبطي الشغل ياعمري .. يلا يانور.
أمرها في آخر كلماته وابتعد حينما دخل الرجل بمقاسين وهو يقول
_ تقدري تجربي دول ..
أخذ رامي الثوبين وقال
_ يلا يا حبيبتي لو احتاجتي حاجة ناديلي هقف جنب البروفا ..
ترددت وظلت تنظر له بعيون تترجاه أن يتراجع ... لكنه شجعها بدفعِ رقيق حتى دخلت لغرفة القياس وظل رامي ينتظرها حتى تنهي من ارتدائه
_ لازم توريني شكلك بيه ! ..
هدر بهذه الكلمات .. فهو يريد رؤيته عليها الآن ... كان قد خرج الرجل ليتشاور ويرى باقي الزبائن ليبقى رامي أمام باب غرفة القياس .. حتى وجد الباب يُفتح وتظهر يد نور تشير له أن يقترب .. اقترب رامي .. اقترب للغاية
_ مش هعرف أخرج.. تعالى أنت..
قالت في توتر .. ليبتسم باتساع .. هذا أكثر مما يريد ..
.png)