الجزء الثالث من الفصل السادس والعشرون رواية الرقيقة والبربري
وصلت السفينة المينا وتجهز الركاب ينزلون بانتظام .. بينما ينزل رامي مع نور .. كان يضع يده في خصرها ويبتادلا الكلمات في سعادة .. ثم لمح رامي الرجل الأجنبي الشنيع ! لينظر له في شماتة وهو يرى أثر لكماته عليه ..
_ يلا بينا يا حبيبتي ..
قال لنور بينما يضع النضارات فوق عينيه في ثقة وغرور وأحكم زراعه حول خصر نور جيدًا في تملك .. لينظر له الشاب البريطاني بضيق وغضب مكتوم ... وهو يخطط لإفساد رحلة رامي ! بينما رامي لم يتوقع أبدًا ما سيفعله ذلك البغيض ..
وصل الوفد للفندق وأتموا تسجيل الدخول ..
كانت غرفتهما في فندق مطلّ على النيل، الضوء الذهبي لأسوان يتسلّل من الشرفة، يرسم خطوطًا على الأرض كأنها شرائط من عسل.
رمى رامي نفسه على السرير، بينما كانت نور واقفة عند الحقيبة، تفكّك الملابس وتعلّقها بعناية وكأنها ترتّب عالمها الصغير...
اعتدل رامي وهو يقول
_ حبيبي تعالي ارتاحي وأنا هبقى أعملهم ..
كان يعرض مساعدته بشكل جدي .. لكنها قالت وهي تشعر بالتسلية
_ بحب أرص الهدوم وأنظمها زي التُحف كدة ...
وقف رامي ومشى حتى أصبح خلفها وقال بنبرة متصنعة الغموض
_على فكرة… أنا معايا تحفة أثرية نادرة الوجود.
رفعت حاجبها، مستغربة ومهتمة في الوقت نفسه بينما تكمل ترتيب الملابس في الخزانة ..
_ تحفة؟ بجد؟!
ابتسم بخبث، وصوته انخفض كأنه يروي سرًا خطيرًا وهو يضع رأسه في عنقها يقبلها برقة هناك
_ أيوه… مفيش منها غير قطعة واحدة بس في العالم كله.
لفت له ، عيناها تلمعان في استغراب واضح ليؤكد لها بعيونه مصطنعة البراءة
_ لسّه مفتوح عليها التابوت طازة
_ رامي أنت بتتكلم جد !!
سألت وقد ضحك عليها بسهولة فهي تتأمله كأنه يتحدث عن حقيقة مطلقة !
ضحك بخفة ثم قال
_ آه طبعًا .. بس التحفة دي مش حجر ولا دهب.
_الله ! طب إيه؟
أشار إليها بطرف عينه لكنها لم تفهم .. ليقول وهو يوزع نظراته عليها من الأعلى للأسفل
_ لحم !
_ نعم !!
رددت مستنكرة ليقترب منها ويشد خصرها نحوه لتقع قطعة الملابس من بين يديها وتتفاجئ بالتصاقها به
_ ما تفتحي كدة يا معايا يا مُزة
ثم غمزها قائلاً وهو يقضم شفتيه
_ بتكلم عن التحفة … يا تحفة.
احمرّ وجهها قليلًا، وضربته بخفة على كتفه
_ فكرتك بتتكلم بجد !
_ وأنا بتاع آثار بردو يا نونو ! دا ظنك في جوزك أبو عيالك ..
أشار على نفسه معاتبًا متصنع الحزن لكنها على ما يبدو فهمته ... لتقول
_ بقيت مصحصحة يا أستاذ ومش بيتضحك عليا ..
ضحك هو بصوت واطي وقال وهو يمد يده نحوها يعبث بأي شيئ يطاله بها
_ طب والله التحفة أدامي ومغرية أوي .
تراجعت وهي تقول بنغمة مزاح ممزوجة بالغيرة
_ والرقاصة! مش تحفة بردو ؟
نبرة الغيرة كانت مستولية عليها .. ليتأفف رامي ثم رفع يديه باستسلام مصطنع
_ يادي الرقاصة! يا حبيبتي، فكك بقى....أنا مفيش في حياتي غيرك، والله لو فتحتي قلبي كده مش هتلاقي فيه غير نور… نور وبس.
نظرت له بحدة مدلّلة وهي تتوعده بنبرة جديدة كل الجدية عليها
وأنا أفتح قلبك ليه؟ أنا ممكن أفتحلك دماغك وأحط صوابعي في عينيك لو بصيت على واحدة تانية !
ضحك من قلبه، وقال بإعجاب صادق
_ يا واد يا شرس…
ابتسمت بتحدٍ خفيف ثم اقتربت منه وهي تمسك بحاملة الملابس ترتكز بها فوق عنقة كحركة جريئة للغاية جعلته يرفع حاجبه مندهشًا بل .. ومعجبًا !
_ ياريتنا شفنا الرقاصة دي من زمان .. كان زمانا عشنا ليالي حمرا موت
اقتربت منها، صوتها انخفض وهي تنظر في عينيه بتحدي مقررة أن تشعل فيه النيران
_ وأنا برضو هرجع أقعد مع ..
قاطعها بلهفة فيها غيرة حاملة
_ نور!
مدّت يدها ولمست خدّه بخفة وهي تربت عليه وكأنه طفل جيد
_ يبقى زي ما بتتوجّع بالغيرة… متوجّعنيش بيها .
صمت لحظة، ثم قال بخفوت ومازال وجه بين كفها
_ مقدرش أوجعك.
ابتسمت له هامسة وهي تقترب أكثر وترمي حمالة الملابس من بين يديها
_ ولا أنا.
ضمها رامي لحضنه .. شاعرًا بلهفة شديدة .. كلما مر عليه وقت وهي خارج زراعيه ..
_ معرفش مبقتش عارف أخرجك من حضني ..
قال وهو يقبل رأسها وشعرها بحتواء وحب لتقول هي
_ متأكد ان الست دي ملهاش علاقة بيك !
كانت تسأل كمن يستجديه أن ينكر ! أن يقول لا ..
غابت إجابته لتخرج قليلاً عن حضنه وتنظر داخل عينيه
_ رامي !
كانت عيونها تلمع .. ليشعر بالخطر .. فقال بسرعة
_ ماليش علاقة بيها يا حبيبتي بس .. بس زمان .. زمان كنت أعرفها !
اعترف رامي لتشعر نور بالإحباط .. لكنها عادت تسأل في قلق
_ قبل ما نتجوز صح ؟ قبل ما تعرفني !
توتر رامي وشعر بالدماء تتجمد في عروقه ! .. ابتلع ماء حلقه بصعوبة وهو يفكر في كلامها .. ماذا سيحدث لو عرفت نور عن علاقاته المتكررة وهي في عصمته وعلى ذمته !! ... نبذ عنه أفكاره وأردف سريعًا
_ آه طبعا يا حياتي .. كانت قبل ما أشوفك..
نظرت في أمل وهي تسمع إجابته .. ليداعب خصلات شعرها بنعومة وهو ينظر داخل عينيها مؤكدًا ..
_ هو في حد يبقى معاه ملاك .. ويبص لغيره !
هزت رأسها بالنفي وتركت نفسها لحضنه مرة أخرى تغرق فيه ... صمت حاوطهم زاد من توتر رامي .. وتفكيره الذي راح في منطقة خطرة عليه في التفكير وأشد خطرًا عليه ان وقعت على أرض الواقع !!
حاول تشتيت نفسه وهو يخرجها من بين أحضانه ويحاوط وجهها بين كفين وأضاف فجأة وهو يتأملها
_ على فكرة… انتي عارفة النهارده يوم إيه؟
_ إيه؟
_ واحد وعشرين أكتوبر.
ضحكت بخفة وقالت وهي تقول
_ مش فاهمة إيه المهم ؟
قال رامي
_ يعني بكرة فيه حدث فلكي وتاريخي مهم جدًا.
لم تفهم ليضيف
_ بكرة السمس هتتعامد على وجه الملك رمسيس التاني ! ..
_ صح ! دي ظاهرة مش بتحصل غير مرتين في السنة !
قالت نور وهي تتذكر ! ... ثم عادت لتردف تحدث رامي في حماس
_ ظاهرة فعلا عظيمة .. تعرف ان دي لوحدها بتجذب آلاف العلماء والسياح عشان بس يشهدوا عليها كل سنة ويشوفوا المعجزة والعبقرية !
ثم أكملت وعينيها تلمع بالثقافة ورامي عينيه تلمع من الإعجاب..
_ الشمس وهي بتنور وجه الملك رمسيس الثاني.. ورموز الآلهه إللي كانوا بيعتقدوا فيها .. رع حور .. وآمون رع
أكمل رامي وهو مندمج معها .. وهنا لاحظ أنه يقدر على خلق حوار ممتع جدًا مع زوجته نور
_ وبيفضل وجه بتاح .. إله الظلام .. مظلم ظلام أبدي والشمس مش بتقرب منه أبدًا ! ..
لتعود نور وتؤكد على انبهارها بهذه الظاهرة العبقرية التي وصل لها المصريون القدماء
_ دا من أهم الأحداث الفلكية
اقترب منها ووضع يده على كتفها، صوته أصبح أكثر دفئًا
_ لازم نشوفه مع بعض ..
هزت رأسها موافقة في لهفة وحماس .. لينظر داخل عينيها وهو يشعر بأن بين يديه فعلا تحفة نادرة الوجود .. ليتمتم بصدق وحب
_ بس خليكي عارفة إن الحدث الأهم حصل خلاص … لما شوفتك يا نور ...
ارتمت نور بين زراعيه وهو ضمها بقوة يغمض عينيه يستشعر قربها منه .. يشعر بها بين زراعيه العريضة ويقبض عليها بقوة .. لا يريدها أن تفارقه ولو للحظة .. وما ان تذكر أسئلتها حول الراقصة .. شعر بالتوتر يغزو عروقه ثانية .. ليقر أن نور لن تعرف أي شيئ عن ماضيه مهما كلفه الأمر .
.png)