الجزء الثاني من الفصل الخامس والعشرون رواية الرقيقة والبربري
مساءً في المطعم .. جلست نور أمام رامي على طاولة قريبة من الحافة كالعادة .. الشموع تتراقص فوق الطاولة بهدوء، وعطر العنب والدخان الخفيف يعبق في الأجواء... كانت ترتدي فستانًا بسيطًا بأكمام ومستور كعادتها ، تُخفي به خجلها، وتُظهر فيه نعومتها التي لا تحتاج لتكلّف.
بينما هما يتناولان العشاء، علت الموسيقى تدريجيًا، وانطفأت الأضواء عدا تلك المسلطة على خشبة العرض.
دخلت الراقصة...
خطواتها بطيئة، وابتسامتها واثقة... بعينين مكحلتين ونظرات جريئة .. راحت تتمايل وسط الأضواء ... لم يمر سوى لحظات، حتى بدأت تقترب من طاولتهما.
نور رفعت عينيها ناحية رامي، فوجدته قد تجمّد.. وعندما دققت النظر .. اكتشفت أنها نفس الفتاة التي سلمت عليه صباحًا !!! .. لم تنسى كلماتها حتى الآن!!
أما رامي فكان يحدّق في الراقصة بذات التوتر الذي لم يفارقه عند لقائه بها صباحًا ، إلى أن اقتربت منهم، والتقت أعينهما.
الراقصة ابتسمت...
ثم أمالت جسدها بخفة بجوار طاولتهم، حتى كادت تلامس طرف كتف رامي
رمش رامي ببطء، وصوته خرج مبحوحًا
ــ ينهار أسود
نور وضعت السكين بهدوء على الطبق... لم تقل شيئًا.
كانت تراه.. وتراها. وتشعر أن العالم كله بات ساخرًا من أنوثتها، من حبها، من رقتها... قلبها انقبض، ويدها تجمّدت فوق المنديل..
الراقصة استدارت، ورقصت بخفة أكثر، لكن عينيها ما زالتا تنظران إلى رامي وكأنها تقول: أنا هنا !
نور، بصوت منخفض
ــ قولتلي إنك يادوب تعرفها !
رامي، بعد لحظة صمت طويلة، وكأنه اختنق بالكلام
ــ معرفش يا حبيبتي هي بتعمل كدة ليه ! مكونتش أعرف أصلا إنها رقاصة .
نظرت الراقصة من بعيد على رامي الذي حاول أن يتنفس .. لاحظت همساته بين زوجته ذات الوجه المتجهم لتبتسم باتساع مستمرة في عرضها الراقص ...
نور بابتسامة باهتة تخنق وجعها
ــ آه… أديك عرفت .
رامي وهو بيحاول يمسك بيدها المرتجفة
ــ نور، بلاش تعصّبي نفسك، أنا مش…
نور سحبت يدها بهدوء
ــ أنا مش متعصبة… أنا بس مستغربة إن اللي بتسلم عليك الصبح، بترقصلك باليل ..
رامي، بعصبية خافتة وصوت منخفض
_ انتي ليه محسساني انها بترقصلي أنا لواحدي مخصوص ! البنت دي باين إنها… بتحاول تستفزني أو تضايقنا .. ما تديهاش فرصة.
نور نظرت إليه نظرة طويلة، ثم همست
ــ أنا ما بغيرش من رقاصة… بس بص لنفسك متوتر إزاي .
ثم أضافت، وهي تنهض
ــ خلص أكلك لو جعان… أنا شبعت.
غادرت الطاولة بهدوء.
بينما بقي رامي مكانه، مشدوهًا، عالقًا بين نظرة المرأة التي عشقته بصدق وفي عيونها لمعت الدموع وظهر الاحراج … ونظرة امرأة أخرى تمايلت حوله، وكأنها تشتهي اهتمامه هو..
انتهت الرقصة وخرج رامي من تفكيره على صوت التصفيق الحار قبل أن تقترب منه الراقصة وتهمس
_ شكلها خنيقة أوي .. أوضتي رقم ٢٥ .. مستنياك .
ثم مشت وتركته مكانه يصارع أفكاره بعدما كانت بلبس الرقص وبهذا القرب تغويه .