الجزء الثالث من الفصل الخامس والعشرون رواية الرقيقة والبربري

 الجزء الثالث من الفصل الخامس والعشرون رواية الرقيقة والبربري 



________________________


بعد دقائق .. أخذ رامي قراره وقاوم الاغواء .. وجد قوة غريبة به تمنعه من الانصياع وراء شهواته ! لا .. نور أهم .. حب نور أقوى .. بل وفوق ذلك ... شعر بنسيم التوبة يطوف حوله .. يريد أن يتوب من أجل نفسه ومن من أجل نور التي لا تستحق أي شيئ من هذا العبث .. سيدفن الماضي بكل من فيه من أجل نور . 


ما ان وصل للغرفة وفتحها راح ينادي عليها ... 

_نور؟! 


لا رد.


تحرك مسرعًا، بحث عنها في الحمام، في البلكونة، حتى خزانة الملابس فتحها بارتباك، كأنها قد تكون مختبئة داخلها... 

لكنها لم تكن هناك.


نظر إلى الطاولة الصغيرة بجوار السرير، هاتفها ليس موجودًا.


اتسعت عيناه أكثر، وارتجفت أنفاسه.


خرج من الغرفة وسأل موظف الاستقبال، فرد عليه بتوتر أن  .مدام نور لم تعد للغرفة من الأساس! 


تجمّد في مكانه، يداه على خصره، وأسنانه تضغط على شفتيه.


كأن ألف خنجر استقر في صدره دفعة واحدة.


_راحت فين ؟ 


أين ستذهب  ؟ تاه واحتار لكن المؤكد أنها لم تخرج من السفينة فأين ستذهب والمياة تحاوطهم من كل الجهات ؟ .. 


توجه ليسأل أحد الموظفين عليه يجدها ليجيبه واحد 


_ مدام نور سألت من شوية عن مكان ال club  يا فندم ! ..


انصدم رامي مما يسمع ! كازينو ! .. نادي ليلي !! .. وضع يده فوق جبينه ولم يستوعب بعد خطورة ما يحدث على قلبه وغيرته !! ... 


__________________________


وقفت أمام مرآة الحمام بصمت، تتأمل انعكاسها كما لو كانت ترى شخصًا آخر...لم تكن تُحاول أن تكون جميلة… كانت تُحاول أن تكون مختلفة بعض الشيئ .. 


سحبت خصلات شعرها للخلف وربطتها على عجل، ثم تركت بعض الخصلات تتسلل بحرية حول وجهها. لم تكن تسريحة كاملة، لكنها بدت… عفوية. جذابة بشكل لم تقصده.


ما ترتديه لم  يلتصق بجسدها.. لم يكن مكلفًا ولا فاخرًا، وأخفى ما لا داعي لإظهاره.


مرّرت بأطراف أصابعها على خديها، وضعت قليلًا من أحمر الخدود، مسحة ناعمة من الكحل، ولمعة خفيفة على الشفاه… لا أكثر... لم تكن تُجيد وضع الزينة الكاملة، لكنها كانت تعرف متى وأين تضع لمستها.


في عينيها نظرة جديدة، ليست نظرة حزن أو عناد… بل توق..توق لأن تُرى، أن تُرغب، أن تُحسَب.. 


هي لا تُجيد الحيل ولا الكلمات… لكنها أدركت أخيرًا أن بعض النساء لا ينتصرن بالكلام، بل بالحضور.


رغم بساطة الفستان الذي ارتدته، ورغم أنّه لم يكن يعكس تمامًا الصورة التي أرادتها لنفسها، فإنها حين نظرت إلى المرآة، شعرت بشيء مختلف.. زادت من أحمر الشفاه، مرّرت إصبعها فوق حاجبيها المرتّبين بعناية ... 


تذكرت الراقصة التي غازلت زوجها منذ قليل .. شعرت بالضيق الشديد والغضب ووجدت نفسها هنا .. في حمام الكازينو ! لا تعرف السبب الذي جعلها تدخل هكذا مكان لأول مرة في حياتها كنّها أرادت أن تجرّب أن تكون "نسخةً من عينة هذه النساء على طريقتها".. 


ذهبت وحدها... لم تُخبر رامي إلى أين هي ذاهبة وبنفس ملابس العشاء توجهت للكازينو ولكن قررت وضع لمسات أكثر ظهورًا ، ولم تكن حتى قد قرّرت ما الذي تريده تحديدًا.. كلّ ما تعرفه هو أنّها ستذهب إلى هناك... إلى الكازينو.


حيث الإضاءة الذهبية، والموسيقى الصاخبة، والضحكات التي تتقاطع مع نظراتٍ لا تُفسَّر بسهولة.. كانت تظنّ أنّ مثل هذه الأماكن ليست لها، وأنّها لن تنتمي إليها يومًا، لكنّ شيئًا في داخلها قال لها إنّها يجب أن تجرّب... 


خرجت من الحمام بخطًى متردّدة، لكنّ عينيها كانتا تبحثان..


لم تكن تعرف عن القمار شيئًا ، ولا تفقه في ألعاب الطاولة، ولا حتى الرقص مع الناس ولا الشُرب ! لكنها لم تأتِ لتلعب أو تجرب كل هذه الأشياء ...لقد جاءت لتُرى وتَرى ما يفعله الآخرون ... 


نظرت لفستانها ثانية بعدم رضى .. لم تكن تملك في دولابها ما يليق بكازينو أنيق على النيل، لكن ستقضي الليلة بهذا ! ... 


بعد سيرها في الكازينو وسط الموسيقى وضجيج ناعم للضحكات والأحاديث المتقاطعة.. الأضواء خافتة، والدخان خفيف في الجو، والسُفرة التي دُعيت إليها كانت في ركن جانبي، مع مجموعة من رجال الأعمال وسائحين أوروبيين، تتوسطهم فتيات بابتسامة واثقة وملابس سهرة مناسبة للمكان ولأجواءه .. 


لم تجد مكان تجلس فيه وقد بدى عليه التوتر حتى أنها تعثرت وهي تجلس فوق كرسي البار .. لم تجد غيره ! .. 


جلست وهي تحاول أن تبدو طبيعية، لكنها كانت تراقب كل شيء: كيف يتحدث الرجال، كيف تضحك النساء ، كيف تُمَرِّر الفتاة المثيرة  الواقفة هناك كلماتها بخفة والأخرى تتراقص دون خجل .. دون خوف ! هزت رأسها وهي تشيح بعينها عنهم .. بلا حياء !!..



بينما هو ابتسم وهو يراها تدخل .. كانت عينيه تتابعها في صمت وهي تسير بخطوات بطيئة وبخبرته اكتشف أنها أول مرة تدخل مكان كهذا ... 


جلست على الكرسي العالي وهي تضغط كفيها فوق حضنها في محاولة يائسة لتثبيت ارتجافها الداخلي. كانت تحاول أن تبدو قوية، متمكنة، لكن الحقيقة أن كل دقيقة كانت تقضيها في هذا المكان تزيد من اهتزازها الداخلي ...لمعت عينيها بالخوف والناس يزداد جنونها بالرقص مع تغير الموسيقى لأخرى صاخبة أكثر ... وفجأة كتمت شفتيها وكأنها تحبس شهقة عندما جاء من خلفها صوت 


_ may I take you to my table !


ممكن اخدك للطرابيزة بتاعتي .. ردت بسرعة 


_i don't do this stuff


أنا مبعملش الحجات دي .. ضحك والتف ثم جلس على الكرسي المقابل لها وهو يقول 



_ unfortunately 


لسوء الحظ .. 


وبعدما جلس سأل وهو يراها تنظر له في خوف بل صدمة 


_ is this seat taken ?

هو الكرسي محجوز ؟ 


هزت رأسها بالنفي فابتسم ثم قال وكأنه يتعرف هليها 




_just came to say hello.. 

جيت بس اقولك أهلا.. 


جاءها الصوت منه ، خافتًا وواثقًا .. 


تأملت الولد ، فوجدت شابًا بملامح أوروبية، شعره أشقر قصير، يرتدي قميصًا بسيطًا وساعة جلدية على معصمه... ابتسم لها وسأل

_First time here?


أول مرة هنا ؟ 


لم تعرف كيف ترد في البداية. .لثوانٍ، كانت تنظر إليه كأنها تحاول فك شفرة حديثه... ثم ابتسمت بتوتر وهزّت رأسها إيجابًا...


_Thought so," تابع بنبرة مرحة، "You’ve got that... ‘lost in the jungle’ look."


فكرت في كدة .. باين عليكي تايهه زي التايه في الغابة .. 


ضحك وحده، ثم رفع حاجبيه يسألها بعينيه 


_ can I get you a drink ? What do you like ? 


اطلبلك حاجة تشربيها ؟ بتحبي إيه 


لم تجيبه نور وفضلت الصمت لكنه كان مصر وهو يقول بينما يميل قليلاً للأمام  


_ You look like you could use something nice...

What’s your drink? Wine? Vodka? Something sweet? 



شكلك محتاجة حاجة حلوة تشربيها...

بتحبي تشربي إيه؟ نبيذ؟ فودكا؟ حاجة مسكرة؟


نظرت له نور وقد شعرت بالضيق .. بل بالمضايقة وتمنت لو تخرج من هنا حالا لكنها لسببٍ ما خافت وأجابت بشفتين مرتعشتين !!


_ orange juice 


عصير برتقال .. قالتها نور وهو ابتسم .. تأكد انها مثل ما أعتقد هو ... مال على الواقف خلف البار ... ثم قال 


_ orange juice.. with shot of vodka ..


عصير برتقال مع شوت فودكا ..  


ثم ابتسم بخبث بعدما أملى طلبه في همس للواقف أمامه بينما نور كانت تنظر للأسفل في خجل .. 


بعد دقائق وضع كوب العصير أمام نور التي استلمته وبدأت تشرب من شدة توترها 

 يداها تتشبّثان بالكوب الزجاجي كأنما هو حبل نجاة... كانت هذه أول مرة تخطو فيها إلى نادٍ ليلي، وكل شيء حولها بدا غريبًا ومربكًا.


نظراتها متوترة، تتفادى العيون التي تلتقي بها صدفة خصوصًا الرجل الذي جلس أمامها ... قلبها يخفق بسرعة، وداخلها صوت صغير يلومها على مجيئها ... 



_ Drink’s good?


حلو المشروب  


نظرت إلى كوبها ثم إليه، وقالت بخجل 


_Yes... it’s okay.


أه كويس .. 

أومأ بلطف نظر يلاحظها وهي تأخذ رشفة بعد الأخرى .. وببساطة .. بدأت نور عينيها تزوغ .. 


بدأت تشعر بأن الموسيقى أقل إزعاجًا مما ظنت، وأن صوت قلبها لم يعد يغلب كل شيء.. 


أنهت العصير وحين جائت لتضع الكوب على البار .. كاد أن يقع منها وينكسر من قلة التركيز وتشتت عقلها ... لينهض الولد ويمنع ترنحها مستغلاً قربه منها ليلمسها ويتنفس بجانب أذنها..... وهنا .. كان رامي قد وصل ورأى آخر مشهد تمنى أن يراه في حياته .. زوجته بين زراعي رجل آخر! 


إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
”نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.“
لا يتوفر اتصال بالإنترنت!
”يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت ، يرجى التحقق من اتصالك بالإنترنت والمحاولة مرة أخرى.“
تم الكشف عن مانع الإعلانات!
”لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك.
تُستخدم العائدات التي نحققها من الإعلانات لإدارة موقع الويب هذا ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.“
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.