الجزء الرابع من الفصل الخامس والعشرون رواية الرقيقة والبربري
لم يكن يتوقع أن يراها هكذا...
كانت واقفة، أو تحاول أن تقف، يتمايل جسدها برقةٍ مكسورة، كأن الأرض لم تعد تعرفها، وفي اللحظة التي كادت فيها أن تسقط… امتدت يدٌ غريبة لتسندها... يدُ رجلٍ آخر.
تجمّد الزمن...
كأن الهواء انقطع فجأة عن رئتيه... شعور بالاختناق داهمه دون إنذار... عيونه لا ترمش، تحدّق فيها… في ذراعها التي توازت مع ذراعه، في كتفها الذي استند على غيره، في تلك الثواني التي لم يكن فيها حاضرًا… فكان الغريب مكانه... غريب لم يتعرف عليه من بعيد ..
دوى في صدره صوت لم يسمعه من قبل... مزيجٌ مسموم من الغيرة والوجع، والرغبة في تدمير زراع من لمسها !! لم يتخيل يومًا أن مجرد لمسة ممكن أن تفعل به كل ذلك !
كل تفصيلة في جسده تصلبت، كأن عظامه تنفجر من الداخل.... قبضته ارتجفت على جانب جسده، عينه تتابع المشهد بنظرة ذئب رأى فريسته تُنتهك أمامه، لا يستطيع أن ينهش، لكنه لا يستطيع أن يسامح.
كان كمن يرى خيانة لا تعرف معنى الخيانة، كمن يغار من الهواء، من الضوء، من العيون التي تتوقف على وجهها، ومن اليد التي تُمسك بها، ولو للحظة عابرة..
لكن قلبه لم يعبُر تلك اللحظة.
الغريب ابتسم لها، بكلمة ما، وهو لا يسمع شيئًا، فقط يرى الشفاه تتحرك، وصدره يتقلص كلما اقترب منها أكثر.
والأدهى… أنها لم تبعده فورًا.
هذه الملاحظة طعنته أكثر من ألف خنجر.
كانت تلك اللحظة كفيلة بأن تشعل النار في قلبٍ ظن نفسه الأقوى، فإذا به أضعف مخلوق على الأرض أمام لمسةٍ لم تكن منه.
غار. نعم.
غار حد الجنون، حد الرغبة في جره بعيدًا عنها وصرخ وجهه بها ..
كل هذه الأفكار كانت تتكالب عليه في لحظة خاطفة !!! حتى أنه لم يكن يشعر بخطاه نحو نور والحقير معها ! ..
كأن الأرض نفسها تسحبه نحوها، كأن الغضب صار له أجنحة..
انطلق "رامي" كالسهم، قلبه يسبق جسده، عيناه لا تريان سوى وجه ذلك الشاب… ذلك الغريب الذي تجرأ، ولمسهَا.
ما ان اقترب حتى تذكر ذلك الرجل ! إنه نفسه الذي كان ينظر لها في الطعم دون خجل !! وفي لمح البصر، وقبل أن يلتقط أحدهم أنفاسه
كان قد انقضّ عليه كوحش جائع...
ضربه بقوة مزلزلة ..قبضته الأولى اخترقت الهواء وارتطمت بفكّه، فأصابه الذهول ..والثانية سقطت فوق صدره والثالثة كانت أسرع من أن تُمنع حين هوى بها على أنفسه
صوت اللكمات دوّى وسط البار،الكؤوس تكسّرت، والموسيقى صمتت،والأنظار تجمّدت على المشهد
حاول البعض التدخل، موظفون، أشخاص، أذرع تمسك بـ"رامي"، لكنه كان كالثور الهائج، يدفعهم عنه دون وعي.
كان قلبه يشتعل كجمرٍ تحت رماد الصبر، وكل خطوة خطاها إلى الداخل كانت كأنها تدفع به نحو هاوية لم يتخيلها.... وحين وقعت عيناه عليها، هناك… تقف وحدها تترنح ، وفي مواجهتها ذلك الشاب الغريب يهمس لها بابتسامة، كان كأن شيئًا انفجر داخله.
لم يشعر كيف اقترب، أو متى انفلت زمام غضبه، فقط وجد نفسه يشد الشاب من ياقة قميصه، ويرفعه عن الأرض كأنما يحمل خطيئته في يديه.
_ لو بصتلها تاني بس هقتلك !!
نطقها من بين أسنانه، كل كلمة كانت كالسيف، وكل نظرة منه تنذر بعاصفة لا تبقي ولا تذر.
الشاب ارتبك وكان يتألم بقوة ، لم يقاوم، لم يفهم حتى من أين جاء هذا الرجل الغاضب... أما "نور"، فوقفت مذهولة، تحاول أن تنهض من على المقعد، لكن ساقيها لم تطاوعاها... كانت تعرف هذا الصوت... تعرف هذا الغضب.
– رامي ا
لكن صوته قاطعها، كالسوط
– بتعملي إيه هنا يا نور؟! دا انتي كنتي في حضنه!
كان صوته يمزقها من الداخل، وعيونه المتسعة، المجنونة، لم تترك لها مفرًّا.. انكمشت أمامه، وكأن كل شيء فيها تراجع.. دموعها تساقطت بصمت، تنظر إليه كطفلة ضلت الطريق.
– مش قصدي… أنا كنت… كنت
لم تكمل... لم تجد الكلمات... رأى بعينيه كل شيء، الخوف، الجهل، الندم… والاحتياج الذي لم تفهمه هي ذاتها....رأى امرأة تائهة لا تعرف ماذا تفعل بقلبها، ولا بجسدها، فقط تبحث عن ذاتها وسط العتمة.... وتستند على البار ويظهر على وجهها عدم الثبات !
أفلت الشاب من يده فسقط أرضًا، يلهث بذل، يتحاشى النظر إليه.
أمسك بذراع "نور" فجأة، وسحبها خلفه دون أن ينظر في عينيها... مرّا وسط الطرقات كأن الأرض انشقت تحتهما، وكل من في المكان تجمّدت نظراتهم عند المشهد، بين دهشة وخوف وهمسٍ لا يسمعه سوى الكؤوس المرتجفة.
دخل رامي بها إلى الغرفة ودفعها داخلها و توقفت خطواته، ثم استدار إليها بعينين تملؤهما نار ومرارة
– إنتي عارفة أنا شوفت إيه؟… إنتي عارفة انتي كنتي فين ومع مين ومين لمسك !!
لم ترد.
فقط كانت رأسها تترنح يمينًا ويسارًا ليقترب منها ويهزها ....
_ انتي سكرانة !! شاربة ؟؟!
لم تستطع أن تجيبه ليدفعها فتسقط على الفراش وهو لا يصدق بينما يشير عليها
_ انتي نور !! انتي نور مراتي البريئة الطيبة إللي على نياتها .. تشرب وتسكر وتتحضن من رجالة متعرفهاش !!
وفي لحظة حضرت بشاعة الصورة في عقله لينقض عليها يشدها من زراعيها بعنف مرة أخرى بينما يقول
_ إيه؟ عجبك شعره الأصفر وعينيه الزرقا !! .. ولا كلامه الناعم المايع !!!
مكان يرج جسدها وهي بين زراعيه لا تقوى حتى على رفع عينيه في عينيه قبل أن يتأمل وجهها ويرى المكياج الظاهر
_ وحاطة روج أحمر! روج أحمر يا نوررر!!
ثم بغضب شديد مسحه باصابعه عن شفتيها وبعنف قبل أن يزيد اعيائها وتستفرغ نور فوق ملابسه ليتوقف غضبه ويبدأ قلقه على حالتها ...
_ نور !!..
لم تجيبه فأخذها رامي للحمام بسرعة وبدأ في فعل اللازم .. غسل لها وجهها بعدما تأكدت أنها لن تستفرغ ثانية ... كانت مرهقة ومريضة .. حملها رامي ووضعها فوق الفراش لتتمدد دون مقاومة .. خلع رامي ملابسه وبقى بسرواله ... جلس بجانبها فوق الفراش وهو ينظر لها قبل أن يربت فوق وجنتها بحنان
_ ليه كدة يا نور ؟
تنهد بألم ثم لمسها برقة وهو يقول في خفوت
_ ينفع إللي عملتيه دا ! تشربي يانور !
كانت مجهدة لكنها رغم ذلك هزت رأسها وقالت بصعوبة
_ كنت .. كنت عاوزة عصير برتقان ..
_ والعصير بردو هيعمل فيكي كدة !
قال .. لم يصدقها ... لكن على أي حال كان يتألم من أجل وجعها .. ويحترق من شدة غيرته !
لم تكن قادرة على مناقشته .. لكن عينيها كانت ناعسة .. تحركت نور فوق الفراش قبل أن تهمس بصوتِ مغري
_ رامي ..
.png)