الجزء الأول من الفصل السابع عشر رواية الرقيقة والبربري
جلست بجانبه في السيارة مستعدة للإنطلاق .. ترتسم على وجهها ابتسامة سعادة وثقة كمان ظفرت بشيئ غاية في الأهمية...
أما هو فلم يكن على وجهه أي تعابير،فبعدما حدث بينه وبين نور آخر مرة وهو يشعر بالبرود تجاه كل شيئ حتى أنه وافق على السفر الذي عرضه عليه فارس وقد رفضه من قبل لكنه عاد وقبله وهيفاء بالطبع .. ستسافر معه ..
_ مالك يا رامي ؟
تحدثت دون تكليف وبصوت رقيق لينتبه لها أخيرًا ولم يجيبها لكنه تنهد وتابع نظره للطريق وتركيزه عليه ..
_ مبتردش يعني .. خايف من حماك !
_ أنا مبخافش من حد .
رد منفعلاً لتهز رأسها في خبث قبل أن تقول
_ عادي يعني دا شغل ولازم نروحله .. وبعدين متقلقش .. أنا معاك !
ثم مدت يدها فوق يده الحرة ليتردد لحظات قبل أن ينظر لها ويترك يده ! .. شعر أنه ان ترك نفسه كلها لها .. فلن يكن ذلك وافي لشفاء جروحه .. شعر برغبة في الانتقام من رأفت .. من نور ! من كل شيئ حتى من نفسه ..
سحب يده وتابع القيادة لكن استسلامه أمامها ولو للحظات .. أعاد لها ثقتها في أنها ستحصل عليه قريبًا .
_________________________________
في قاعة الاجتماعات الفاخرة ، ساد الصمت لحظة قبل أن يقطع صوت خطواتهم رتابة الأجواء.
دخل رامي أولاً، بهيئته الهادئة الجادة، يليه هيفا بثقة وابتسامة ناعمة تليق بسيدة أعمال تعرف جيدًا كيف تترك انطباعًا.. أنيقة، واثقة، تحمل ملف العرض وكأنها معتادة على الاجتماعات الكبيرة..
ما إن دخل رامي حتى وقعت عينه على نور التي جلست بجانب والدها كقطة صغيرة تتوارى خلف زراعه العريض ... لم تنظر له نور بل بدت كمن يتحاشى النظر نحوه .. فكتم ضيقه داخله وتابع تقدمه ولم يتوارى عن هيفا ما حدث
تجاهل رأفت ما لاحظه وقال بنبرة جافة وهو يأشر على الكراسي
_ اتفضلوا.
جلسا على الطاولة المقابلة لمكتب رأفت ، الذي جلس بدوره وعلى يمينه نور
رامي جلس ، وبدأ يتكلم بنبرة جادة ومباشرة
_ العرض اللي جايين نقدمه بخصوص مشروع تعاون جديد بين شركتنا وشركة حضرتك ... الفكرة إننا نبدأ شراكة في توزيع أجهزة طبية جديدة هتدخل السوق قريب، والشركة محتاجة شريك محلي قوي..
هيفا تدخلت بصوت ناعم، وهي تمد الملف لرأفت
_كل التفاصيل موجودة هنا يا فندم، وإحنا شايفين إن شركتكم الأنسب للشراكة دي.
نور تتابع الحوار بصمت ،تحاول أن تركز على الكلام،لكن نظراتها كانت دايمًا تروح ناحية هيفا، وطريقتها في الكلام، تناغمها مع رامي، والراحة الواضحة بينهم.
كانت نور تحاول أن تبدو طبيعية، تنظر للملف أمامها، لكن عينيها لا تتوقفان عن التسلل إلى وجه رامي، تقرأ فيه الغرابة، البرود، القسوة التي لم تعهدها.
رامي بصوت هادئ وواضح
_الملف قدام حضرتك يا أستاذ رأفت، العرض واضح، إحنا طالبين رد خلال ساعتين... أقصى حاجة.
رأفت بسخرية حادة وهو يرفع حاجبه
_ ليه؟ البيه وراه إيه؟
رامي دون أي تردد، و بنبرة عملية قال
_ معاد السفر النهاردة بالليل.
هنا، تحركت عينا رأفت بتأمل ناحية هيفا، قبل أن يرجع نظره ناحية رامي وهو يقول بنبرة أقرب للتفتيش
_ والآنسة رايحة معاك؟
هيفا بابتسامة رقيقة، بثقة محسوبة
_أيوه، أنا رايحة مع مستر رامي.
لحظات صمت.
في تلك اللحظة، شعرت نور وكأن الأرض بدأت تميد تحتها. لم تكن فقط هيفا التي قالت الجملة، بل الطريقة... الثقة... النظرة السريعة المتبادلة بين رامي وهيفا، وكأن بينهما اتفاق لا تعرف عنه شيئًا..هنا، نور شعرت أن نفسها يتقطع ... هذه اللحظة كسرتها ... ضحكة هيفا الخفيفة، وهدوء رامي، وطريقة كلامهما كأنهما فريق منسجم يعمل في تناغم منذ زمن ..
ضربات قلبها تعالت، لكن وجهها ظل صامتًا. فقط نظرة طويلة، حزينة، مكسورة، انطلقت منها نحو رامي... وكأنها تسأله "بجد؟ وصلت لكده؟"
لكنه لم يرد النظر. أو ربما تعمّد ألا يرد..
اكتفى بتحريك أوراقه أمامه وكأنه يهرب من عينيها، من سؤالها، من كسرها.
رأفت حوّل نظره إلى نور للحظة، وجد ملامحها متماسكة خارجيًا، لكن في عينيها دمعة تختبئ خلف كبرياء.. لكن داخله كان يعرف أن ما حدث من رامي وتجاهله لنور بهذا الشكل دون توجيه حتى كلمة لها .. يسهل الأمر عليه في اثبات وجهة نظره فيه أمامها ...
لا تنسوا قراءة الجزء الثاني من الفصل
__________________________