الجزء الثالث من الفصل العشرون رواية الرقيقة والبربري
نزلا معًا إلى الطابق السفلي.. كانت نور تسير إلى جانب رامي، تسنده بخفة وكأنها طفلة وجدت الأمان بعد تيه طويل. ارتدت الفستان الوردي البسيط الذي اختاره رامي ، ناعم الملمس، أضفى على ملامحها رقةً وطفولية، بينما كانت ضفيرتها تنسدل على كتفها برقة.. أما رامي، فكان يرتدي قميصًا ورديًا من نفس الدرجة تقريبًا كما اقترحت نور ..
وقف رأفت في منتصف الصالة، وقد اتسعت عيناه من وقع المفاجأة وهو يرى تسنيق الملابس
بل تفاجئ بها وهي في هذا السلام ! هل رامي له تأثير كبير عليها إلى هذا الحد !! ... صُدم وشعر بالقليل من الغيرة فهو الذي هو والدها لم يفعل بها مثل فعل رامي ولم يؤثر فيها مثلما أثر رامي ! .. لكنه نهى نفسه عن التفكير بهذا الشكل واهتم فقط بأنه يراها اليوم تتوهج وترتدي ملابس جديدة وجميلة
فاندفع رأفت نحوها بدهشة ممزوجة بالفرحة
_ إيه دا؟! إيه الجمال دا؟!
تقدم نحوهما بخطوات مسرعة، لكن عينيه كانت مشدودة إلى نور، وكأن قلبه لم يصدق أنه يراها بهذه الطلة.
رأفت وهو يحتضنها بشوق
_إيه القمر دا؟! وإيه الضفيرة الحلوة دي يا نوري ؟!
ضحكت نور بخجل وهي تشعر بدفء حضنه، دفءٌ شعرت أنها افتقدته طويلًا لكن ما مر به أمس لم يكن هين عليها ... نظرت إلى رامي وقالت بصوت خافت وقد احمرّ وجهها
_ رامي هو اللي عملها ليا ..
كان رامي واقفًا إلى جانبها، إحدى يديه في جيبه، وابتسامة خفيفة تعلو وجهه، بعينيه نظرة دافئة ومرحة
ابتسم رأفت ونظر إلى رامي نظرة امتنان، وقال له
_ جميلة فعلاً… تسلم إيدك.
وضع رامي يده على ظهرها بحنان وهو يقول
_ المهم إنها عجبتها.
أطرقت نور برأسها إلى الأرض، لكن ملامحها كانت ناعمة مطمئنة
قال رأفت بحماس وهو يستدير نحو السفرة ويسحب نور بخفة من يديها
_ يلا بينا… السفرة جاهزة، جعان ومش هقدر أقاوم الأكل ده.. كل للفطار اللي بتحبيه موجود يانور مش عاوزك تسيبي حاجة إلا لما تاكلي منها
تحركوا جميعًا نحو المائدة... كانت السفرة مجهزة بعناية واهتمام ، وكأنه استقبال خاص بل اختفال لعودة نور سالمة بعد اختفائها لساعات ..
جلس رأفت على رأس الطاولة، وجلست نور إلى جواره، بينما جلس رامي في المقعد المقابل.
بدأوا في تناول الطعام، وكان الجو يحمل شيئًا من الراحة، نوعًا من الهدنة العاطفية المؤقتة، كأن الجميع أراد أن يستنشق لحظة سلام.
كانت نور تأكل ببطئ ، وعيون رامي تراقبها في صمت. بين الحين والآخر، يمدّ لها طبقًا، أو يوجه لها كلمة خفيفة
– جربي دي، دي هايلة.
فتبتسم وتشكره بخجل.
أما رأفت، فكان يراقب ما يحدث بصمت، ونظراته تتنقل بين الاثنين بقلبٍ بدأ يهدأ، لكن داخله كان يعجّ بالكثير… هو ورامي الحديث بينهما لم ينتهي بعد ! وهذا ما يقلقه للغاية ...
نظر رامي إلى رأفت وتبادلا النظرات وكأنه عرف ما يدور في عقله ليتنهد ثم ابتسم ونظر لنور ليخبر رأفت أن نور هي كل ما يهم الآن ...
بعد أن انتهوا من تناول الطعام، مسح رامي يده بمنديل ورقي، ثم التفت إلى نور وقال بنبرة خفيفة
– يلا يا نور علشان منتأخرش.
رفعت نور حاجبيها بدهشة خفيفة، بينما سبقها والدها بالسؤال، وقد بدا عليه الاستغراب
– متتأخروش على إيه؟
نظرت نور إلى رامي، تنتظر منه التوضيح. فابتسم رامي ابتسامة بسيطة وقال بثقة
– أنا... هاخد نور ونروح أسوان نقعد شويه... الجو هناك في الوقت دا تحفة، وهنروح كمان الأقصر شوية كده...
لم تكن نور على علم بما خطط له رامي لكن ما ان نظرت له حتى ابتسم في وجهها ابتسامة مطمئنة ...
سكن وجه رأفت للحظة، كأن شيئًا ثقيلًا هبط على قلبه، ثم قال بنبرة جافة بعض الشيء ..
–ليه؟... ماتستنوا شوية؟
رد رامي بهدوء
_ عادي يعني، إحنا بس هنغير جو مش أكتر... شوية راحة بعيد عن كل حاجة حصلت.
لكن رأفت لم يقتنع، وملامحه ازدادت توترًا.. قال بنبرة حاسمة لم يستطع أن يخفي فيها ضيقه
_رامي اسمع! بنتي امبارح كانت ضايعة مني... وانت النهاردة عايز تاخدها وتسافر؟ لأ... اجّل الموضوع ده لوقت تاني.
تبدّل وجه رامي... شعر كأن الجدار نفسه يُبنى من جديد أمامه، كأن كل خطوة يحاول بها الاقتراب من نور، تُقابل بعائق من والدها.. غضبه اشتعل في صدره، لكنه كبته، فقط لأجل نور.
ظلّ صامتًا، ونور كذلك، حتى التفت إليها رأفت فجأة وقال بصوته العالي قليلًا
– إيه ساكتة ليه؟عاوزة تروحي معاه وتسيبيني هنا لواحدي .. أنا مش هقدر اسيبك تروحي مني تاني يانور !
رفعت نور عينيها إلى والدها وشعرت بالحزن تجاهه فمسكت يديه بحب وقالت
_ بابي أنا مش عاوزة أمشي بعيد عنك يا حبيبي .. أنا هفضل جنبك أكيد وهكون مع رامي جوزي مفيش أي قلق خالص ..
نظرت إلى رامي بعدما وجدت والدها لا يتسجيب لكلامها ليتحدث رامي يحاول ان يجد حل ، يحاول أن يمسك العصا من المنتصف
_ خلاص يا عمي... هنروح نقعد في مكان على النيل، علشان نبقى قريبين منك، وفي نفس الوقت نغير جو شوية... كده كويس؟
ظل رأفت صامتًا للحظات... كان واضحًا أنه لا يحب الفكرة، لكنه لم يرد أن يصطدم بهما أكثر...وفي النهاية، ردّ بضيق
–ماشي ..
سادت لحظة من الصمت بعدها، ثم عاد رأفت ليقول
_ اكلمكوا في أي وقت تردوا ولو طلبت تيجولي تيجوا فورا أنت فاهم ..
_ فاهم ياعمي ومقدر قلقك على نور متخافش ..
_ عاوزك يا رامي في المكتب ..
قال رأفت ليرد رامي بجمود
_ لا معلش مش دلوقتي .. خليها وقت تاني
_ رامي !
قال رأفت ليشدد رامي على قراره وهو ينظر لرأفت
_ وقت تاني ياعمي ..
ثم أشاح بنظره ونظر لنور التي لم تفهم شيئًا ثم قال بابتسامة
_ يلا يا نور ! يلا يا قلبي..
هزت رأسها وكم شعرت بالسعادة لأنها ستذهب معه لمكان جديد ومختلف وسيقضيا الكثير من الوقت وحدها ..
صعد نور ورامي وبدأت نور في أخذ ما تريد في حقيبة السفر وبقى رامي فوق الفراش يتفقد هاتفه رغم أنه عرض عليها المساعدة إلا أنها أصرت ان يتفقد أمور عمله فلم يخفى عليها انشغاله بها وأنه كان لابد أن يسافر خارج البلاد ولغى كل شيئ لأجلها ..
ما ان أوصل هاتفه في الشاحن وفتحه حتى وجد العديد من المكالمات الفائة ورسائل البريد والرسائل على مواقع التواصل وحتى النصية !! ..
نصفها يحتوي على شتائم من مصطفى وفارس ...والنصف الآخر هيفاء ..
_ مراتك عارفة ان العربية اللي راكنة أدام بيتهم دي عربيتي ؟؟ ...
ما ان رأى الرسالة حتى شعر بتوتر وفجأة وجد رسالة من عمه رأفت تظهر يقول فيها
_ هيفا أخدت عربيتها .. مرضتش اقول أدام نور علشان متضايقش .. بس خلي بالك يا رامي .. خلي بالك من بنتي مرة ...ومني ألف مرة ! ..
تنهد رامي ثم أغلق عينيه وفجأة ارتفع هاتفه برنين وكان المتصل هيفا ..
لم يجيب فبعثت له رسالة تقول فيها
_ رد وإلا والله العظيم هتلاقيني في نص البيت بحكي لمراتك عن كل حاجة !! ...
______________________
تابعوا القراءة للجزء الرابع من الفصل العشرون رواية الرقيقة والبربري