الجزء الثاني من الفصل العشرون رواية الرقيقة والبربري
الجزء الثاني من الفصل العشرون من رواية الرقيقة والبربري
______________________
اقترب منها بخطوات هادئة، وعيناه لا تفارق ملامح وجهها المرتبك، كأنه يقرأ فيها مخاوفها وريبتها ... مدّ يده برفق وربّت على ذراعها، ثم قال بصوت خافت يمتلئ دفئًا وحنانًا
– إيه يا حبيبتي؟ مالك؟
رفعت عينيها إليه بتوتر، وابتسامة خجولة ارتسمت على شفتيها، لكنها ما لبثت أن ذابت بسبب التوتر والضغط ... قرأ ذلك في نظرتها، فابتسم هو مطمئنًا، وقال وهو يلمس طرف أنفها بإصبعه برقة
– عادي يا نور... دا شاور بس... مع بعض! مفيهاش حاجة يعني!
ضحكت بخجل وهي تخفض عينيها، كأنها عادت طفلة، فمد ذراعيه ليحتويها في حضن دافئ حتى استكان رأسها فوق موضع قلبه وحاوط ظهرها بزراعيه ، ثم همس في أذنها بنبرة طمأنينة
– مش هعمل أي حاجة إنتي مش عاوزاها أوعدك ...
أنا بس عاوزك تهدي، وتسيبي نفسك لرامي... رامي اللي بيحبك... رامي اللي كل اللي يتمناه دلوقتي إنه يطمنك... ويسعدك...اتفقنا؟
هزّت رأسها ببطء، وجفناها يغرقان في مزيج من الخجل والارتياح، ثم قالت بصوت خفيض
– اتفقنا.
ابتسم ثم أمسك بيدها وقادها بلطف نحو الحمام، وهناك، كان كل شيء مُعدًّا بعناية رغم أنه لم يأخذ وقت طويل في التجهيز ...
بخار دافئ يتصاعد بهدوء، وفقاعات الصابون تتراقص في الهواء كأنها أحلام صغيرة،. والماء في البانيو يلمع حتى شعرت نور أنها تحمست للغوص في حوض الاستحمام !
دخلت معه وتركت ترددها، واستسلمت لكل ما يريد فعله وصدقت وعده ونفذ ما وعد به ... فكان هناك يطمئنها بعينيه، بصوته، بيديه التي لم تترك يدها أبدًا.. جلس خلفها، يضمها إلى صدره، وذراعيه يحيطان بها كملاذ... أسندت رأسها إلى كتفه، فأغمض عينيه، كأنما يحتضن كل تعبها في صدره...
مد يده إلى رغوة الصابون، وبدأ يكوّن فقاعات صغيرة، ينفخ فيها ويتركها تطير حولها، ثم يهمس لها وهو يلاعبها....
– بصي .. أدي آخرة الحياة الوردية إللي انتي معيشاني فيها ... حتى الصابون لونه وردي ..
ضحكت بخفة، ووجهها يتورد كزهرة بلّلها الندى، فقبّل وجنتها ، وضمها إليه من جديد.
في تلك اللحظة، لم يكن هناك سوى الدفء... الحب... والسكينة.
ولم يكن بينهما إلا صدق المشاعر... وكأنها بداية جديدة، تُغسل فيها كل الجراح القديمة بماء الحنان... كأنه اختار أن يتحمما سويًا ليبدآن حياة نظيفة دافئة وكأنه يجدد عهده بنور ..
خرج من الحوض قبلها فخجلت لكنه لم يلبس وعاد يحمل بين يديه مناشف ... قال
_ تعالي ..
ترددت فكيف ستخرج أمامه هكذا لكنه أرادها ان تتخطى خجلها هكذا وهو يقول
_ مش بضغط عليكي يا نوري .. بس أنا جوزك .. إحنا الاتنين مراية بعض ومفيش بنا الكسوف دا .. ارتاحي وخدي وقتك وتعالي يلا ..
كلماته الني رفعت عنها الحرج جعلتها تتشجع وتخرج من حوض الاستحمام ثم وقفت والماء ينساب من خصلاتها كأنها حورية خرجت من نبع صافٍ... كان رامي واقفًا في انتظارها، يحمل المنشفة بين يديه بعناية، وابتسامة دافئة ترتسم على وجهه...
اقترب منها دون كلمة، وبدأ يربّت على وجهها ورقبتها برقة شديدة، وكأن يديه تخاف أن تزعج براءتها ، جففها جيدًا برفق ثم لفّ المنشفة حول كتفيها، وقال بهمس
– لفي كده يا قلب رامي لازم ننشفك كويس قبل ما تبردي...
لم تُجبه، فقط دارن أمامه تستسلم لدلاله كطفلة صغيرة وجدت أخيرًا من يغمرها بالحنان... أخذ يجفف شعرها بحركات خفيفة، يمرر المنشفة برقة على خصلاتها، ثم انحنى ليقبّل شعرها ويستنشقه وقال مغازلاًا غزل عفيف لا يشبه شخصيته لكنه كان يحاول أن يختار أرق الكلمات لتناسبها ..
– حاسس اني متجوز حورية نازلة من الجنة
ضحكت، وارتفعت وجنتاها بلون الخجل، فألبسها البرنص الأبيض ولفّه حولها بإحكام، ثم ضمّها لحظة وقال
– كده بقيتي جاهزة… بس ناقص نسرّح الشعر الحلو ده!
رفعت نظرها إليه بدهشة طفولية
– إنتَ اللي هتسرّحه؟
غمز لها، ومد يده لها لتمسكها ثم قال
– آه، رامي من وهنا ورايح هيعمل كل حاجة بنفسه لحبيبته
وبسرعة وجدت نفسها محمولة بين زراعيه فانصدمت من المفاجأة لكنه كان يبتسم بثقة واستعداد لكل ما سيقدمه لها ..
جلست أمامه على طرف السرير، بينما وقف خلفها، وبدأ يمرر الفرشاة في شعرها برفق، من الجذور حتى الأطراف، وكأن كل خصلة يستمتع بملامستها ..
مرر أنامله بين خصلاتها الطويلة، وقال بنبرة مازحة
– إيه الجمال ده؟ شعرك من جماله محتاج تصريح دولي عشان أي حد يلمسه !
ضحكت نور ثم قالت
_ للدرجادي هو حلو
أكد رامي وهو يقترب منه ليشمه ويهمس بجانب اذنها بنبرة جلعت القشعريرة تسري في جسدها
_ هو حلو بعقل .. دا حلو بجنون .. ..
لديه نبرة .. تعرف جيدًا ماذا تفعل بها ! شعر بها ترتجف بين يديه فابتسم بثقة وعاد ليكمل في تمشيط شعرها الحريري الطويل
– اعملك ضفيرة حلوة؟
سأل لتهز رأسها ففهم أنها تريد ذلك فبدأ في تمشيطه كما تريد وهو يستمتع بما يفعل بينما كانت عيناها تلمعان، وقلبها يخفق كأنها تعيش حلمًا لا يُصدق... لم تكن مجرد لحظة دلال… بل كانت لحظة حب خالص، نقي، يتسلل إلى أعماقها ويطمئنها بأنها أخيرًا أصبحت مع نسخة رامي التي تمنتها .. النسخة التي تعرف كيف تحتويها… و كيف يدلّلها… وكيف يجعلها تضحك وهي ما تزال ترتعش من الماضي.
كل لمسة منه كانت رسالة، وكل ابتسامة كانت وعدًا بأنها لن تكون وحيدة بعد اليوم... وأنه سيشاركها حزنها وألمها
_ خلصت ياستي ..
قال ثم جعلها تنظر للمرآة لتقول وهي مندهشة من براعته
_ الله .. حلوة أوي!
ابتسم بثقة ومال نحوها وهو يقول
_ مفكرة انتي بس اللي بتعرفي تظبطي الشعر ؟
ابتسمت وقالت
_ أنت كمان طلعت شطور
ضحك بخضة وقرص وجنتها
_ طول عمري شطور يا حبيبتي .. يلا عشان منتأخرش .. احنا هنلبس حاجة مريحة وننزل .. تحبي أساعدك؟
ترددت نور ثم فجأة وجدت نفسها تهز رأسها بالموافقة وعيونها تلمع وكأنها تخبره بأنها مستعدة لتشاركه كل لحظاتها التي لم يحظيا بها من قبل ...
أخذ رامي يختار لها ملابسها وهو يتأملها تتحمس لكل قطعة يختارها لها قبل أن يستقر أخيرًا ويقول
_ حلو الفستان البينك دا .. الدولاب كله بينك حرام عليكي !
خجلت لتقول
_ بحب البينك .
_ ماهو واضح يا قلبي ..
ثم اقترب وهو يمسك الفستان ويقول بنبرة ماكرة
_ وبعدين أنا كمان بحب البينك .. بموت في البينك .. نفسي امسك الفستان البينك دا وابوسه أوي ومطلعوش من حضني ..
قضمت نور شفتيها وهي تستشعر تأثير كلماته ونظراته لكنه ربت على شعرها وتنهد يحاول أن يسيطر على نفسه ثم قال
_ يلا يلا ادخلي غيري .. واخرجيلي أكون أنا لبست أي حاجة من دولابك دا
اندفعت نور فجأة في الحديث وهي تقول
_ فيه قميص بينك كنت اشتريته ليك .. ممكن تلبسه ؟
_ اشتريتيه ليه ومدتهوليش ليه ؟
سأل رامي لتشعر نور بالحرج وارتفع صدرها وانخفض ثم قالت في خفوت
_ جيت علشان ادهولك بس أنت قولتلي انك مش بتحب اللون دا وان القميص مش ذوقك .. أنت حتى مش فاكر!
شعر بالضيق الشديد تجاه نفسه وكيف كان يتصرف بهذه القسوة لكنه سيعوضها وأول ما فعل هو أنه اقترب منها وقال بحنان
_ كنت حمار أوي.. دا اللون البينك دا أحلى لون في الحياه..
ابتسمت نور ثم سألت على استحياء
_ يعني هتلبسه ؟
هز رأسه وقال _ طبعا هلبسه
_ هنبقى matchy matchy
قالت في حماس ليضحك بخفة ويقترب منها يضمها من خصرها نحوه ويداعب أنفها بأنفه
_ آه ياقردة هنبقى ماتشي ماتشي ..
_ قردة !
قالت ضاحكة ضحكتها الرنانة الجميلة ليقول
_ آه ويلا ادخلي البسي بقى عشان اتأخرنا وابوكي رن عليا وشوية هيطلع يولع فينا .
شهقت نور ثم ضحكت وهي تقول
_ مش تقول كدة على بابي
_ طب يلا يا حبيبة بابي البسي ... أبوكي هيموت ويقعد معاكي من امبارح وأنا واخدك منه لو طال يشرب من دمي هيعملها
_ رااامي !!
قالت ليتأفف ثم ابتسم
_ ادخلي ادخلي انتي غلبانة متعرفيش حاجة ..
ابتسمت نور وهي تعلم الحرب الدائرة بينهما طوال الوقت لكنها تعلم أنها من الغيرة والحب ليس إلا..
مد رامي يده ليبحث عن القميص ليجده أمامه فمسكه وأخرجه ونظر له يتأمله ..
_ على آخر الزمن هلبس بينك ! ...
ثم هز رأسه ساخرًا وشرع في ارتداء ملابسه هو الآخر ...
تابعوا الجزء الثالث من الفصل