الجزء الأول من الفصل الواحد والعشرون رواية الرقيقة والبربري
______________________
بعد حواره مع هيفاء ... ظل رامي جالسًا في مكانه، يتأمل الهاتف في يده وكأن الكلمات المنبعثة منه تصفعه... ساقه تهتز بلا وعي، وجبهته مرهقة من التفكير... لم يكن يدري كيف يتصرف... يرفع الهاتف، يضعه، ينهض، يتحرك بضع خطوات، ثم يعود إلى المقعد.
_ أنا إيه اللي دخلني في الحوار دا من الأول؟ ما كنت خلّيت دماغي في شغلي وبيتي وخلاص !
ظلّ ساكنًا للحظة، ثم ضغط براحة يده على ركبته، كأنها صمّام أعصابه. صمت ثقيل خيّم عليه، يلتقط أنفاسه بتوتر، ثم قال لنفسه بهمس
_ وإللي جوا بتحضر الشنط دي هتعمل إيه لما تعرف .. فكر يا زفت !
لم يكد يُنهي كلماته حتى سمع صوات ، وظهرت نور واقفة تُطالع وجهه القَلِق والشارد بقلق أكبر..
_ رامي! مالك؟ ... حصل حاجة ؟
رفع عينيه إليها، ابتسم ابتسامة شاحبة، وقال بصوت مزيج بين الحرج والقلق
_ ما حصلش حاجة...
ثم سكت للحظة وعاد ليقول
_ يعني حصل، بس مش حاجة تخوّف... ما تقلقيش.
اقتربت منه بخطى حذرة، وجلست بجواره، وعيناها تتفحصان وجهه بدقة ثم ربتت فوق كتفه
_ رامي ما تقلقنيش أكتر... إنت واضح إنك متضايق من حاجة كبيرة... قول.
أخذ نفسًا طويلًا، وعقد حاجبيه وهو يزفر ببطء، ثم التفت إليها
_ بصي يا نور من الآخر وأنا مش هقدر أخبي عليكي أكتر من كدة ....
ذاد قلقها لتقول
_ أنت خوفتني أوي فيه إيه؟
_ في الشغل عندي واحدة... كانت سكرتيرة زمان، اسمها هيفا.
رفعت حاجبيها بدهشة خفيفة ، دون أن تقاطعه.
_ الست دي عاملة زي اللزقة بالظبط ... مش بتفهم ! من ساعة ما جات تشتغل عندنا وهي بتحاول تقربلي بأي طريقة... رغي واتصالات ، تتحجج بالغشل .. تحاول حتى تلمسني وآخر مرة حاولت تبوسني !!
_ إيه!!
انصدمت نور ليكمل رامي
_ كنا متأخر ومروحين من الشغل .. فجأة لقيتها برا واقفة لوحدها فصعبت عليا مينفعش أسيبها كدة وقولت هوصلها كجدعنة مني يعني .. ولما وصلنا لقيتها قربت مني باستني !
وضعت نور يديها فوق شفتيها من هول ما تسمع
ولم ترد نور، لكن وجهها ظهر عليه ملامح الصدمة .
_ بعدها أنا طبعا زعقت ورفضت إللي هي عملته ! .. حاولت أقول لفارس انه يمشيها من الشغل بس أبوها غني ومستثمر في الشركة .. فمعرفش يعمل حاجة ! .. وبالعكس كمان خلاها تسافر معايا
_ هي دي البنت ال !
قالت نور بلسان ثقيل وهي تتذكر الموظفة التي أتت معه يوم الاجتماع ليقول
_ أيوة .. هي للأسف! وكان المفروض نسافر .. جات البيت يا نور وعدت عليا بعربيتها ! بفتح الباب أشوف مين لقيتها هي ودخلت من غير حتى ما أقولها ادخلي .. صدمتني .. بس أنا خرجتها علطول مقبلتش إنها تقعد في البيت خالص ...
لم ترد نور وكانت على ملامح وجهها الترقب تنتظر أن يكمل كلامه ... ليتمتم رامي يمزج حديثه بين الحقيقة والكذب
_ لما جينا نسافر خلاص لقيت بباكي بيرن وبيقول إنك اختفيتي طبعا انا مقدرتش استحمل وقولت تولع كل حاجة المهم نور .. كنا رايحين بعربيتها فخدت عربيتها وسبتها في نص المطار وجيتلك ! ..
ثم اقترب منها ومسك يديها وقال بينما ينظر داخل عينيها
_ أنتِ أغلى عندي من كل حاجة في الدنيا !
بادلته النظرة بصمت ليكمل متقمصًا دور الضحية ..
_ امبارح بعتتلي تهديدات... بتقوللي لو ما اعتذرتلهاش إني مشيت وسِبتها فآخر لحظة في الشغل، هتيجي تقولك كل دا بس بطريقتها هي ... وتفهمك حاجات غلط!
ظلت نور تنظر إليه بعينين ثابتتين
_ وأنا مش خايف منها... أنا زعلان إن في واحدة عايزة تعمل بنا كدة وتفرق اتنين متجوزين وبيحبوا بعض عن بعض .. من ساعة ما عرفت إني استحالة أخونك وهي عملىة تلف وتدور ! ... أنا جيتلك دلوقتي لأني مش عايزك تسمعي حاجة من غيري وتفهميني غلط .. صدقيني يا نور أنا لو كذاب مكونتش جيت وحكيت ! أرجوكِ متزعليش مني
أغمضت نور عينيها للحظة، وكأنها تحاول فهم الصورة كاملة، ثم فتحتها ببطء وقالت
_ طب وإنت ليه كنت ساكت قبل كده ؟
هز كتفيه، وتنهد وهو يحاول الابتسام
_ عشان مكنتش عايز أفتح مواضيع سخيفة ومكانش فيه وقت مناسب كان علطول بنا مشاكل ... بس لما لقيتها بتتمادى، قولت لأ... أنا هروح أحكيلك، أحسن ما الدنيا تتقلب .. وأنا مقدرش أخسرك يا نور ..
ظلّت نور تنظر إليه، ملامحها غير واضحة... مزيج من الشك والخوف ... وضع رامي يده على قلبه ..يريد أن يسمعها تقول أنها تصدقه .. لكن بدى على وجهها التردد وهذا ما جعل خوفه يتصاعد ... !
وأخيرًا همت نور لتتحدث قائلة ..
الفصل أربع أجزاء
-________________