الفصل الواحد والخمسون بعد المائة من رواية عشق أولاد الزوات

 الفصل الواحد والخمسون بعد المائة من رواية عشق أولاد الزوات 





فواز كان بين زراعي رنيم فوق الفراش ، عيناه مثبتتان على الحائط أمامه، وكأنه لا يرى شيئًا. الخبر نزل عليه كالصاعقة؛ أمه التي ربته واحتضنته طوال حياته لم تكن أمه الحقيقية. والدته الحقيقية هربت عندما كان صغيرًا، بل فوق ذلك سرقت مال والده وخانته، ثم اختفت. كل تلك الحقيقة كانت مخفية خلف حياة ظنّ فواز أنها حقيقته، لكنها كانت كذبة... 


صدمته كانت أعمق من أن تُعبر عنها الكلمات. "كل هذا كان كذبًا؟" الصوت في رأسه كان يتردد باستمرار، عاجزًا عن استيعاب ما حدث. 


رنيم، زوجته التي كانت تقف بجواره تحتضنه داخل صدرها ليغرق داخله ويختبئ من قسوة ما حدث ، نظرت إليه بقلق بالغ. اقتربت منه ببطء وقبلت جبينه وشدت على احتضانه بصمت ، وكأن حضنها هو الجواب الوحيد الذي تستطيع تقديمه... لقد سمعت كل شيئ الصوت رج المنزل وكما يبدو أن ما كان بين فوزية وزين انفجر بعد هذه السنوات الطويلة وسمعه كل من في المنزل ..


حزن رنيم كان مختلف لقد كانت حزينة من أجل فواز وشعوره .. والآن أدركت فقط قساوة تربية زين لفواز .. الآن أدركت أن فواز تربى بطريقة عدائية هم حتى لم يعلموا دواخلها لكنها ظهرت لهم في تصرفاته وصراعاته وتردده بل وحيرته الدائمة .. لقد ربى له زين الدين وساوس وتصورات وهمية أدت لدمار حياته ويكملها اليوم بالحقيقة الصادمة التي عرفها فواز وبالصدفة ! مما يعني أنه لو لم يسمع لكان عاش عمره كله مخدوع .. عاش عمره كله في حياة ليست حياته فعليًا .. 


همست رنيم بصوتٍ أجش يقطر منه الحنو 


_ فواز ، أنا هنا معاك مهما حصل 


كان صوتها هادئًا لكنه مليء بالدفء. شعر أنه بحاجة إلى هذه اللحظة، بحاجة لأن يكون ضعيفًا أمامها. دموعه خانته وترك نفسه للحزن. كانت رنيم تمسح على ظهره وتهمس له بكلمات تواسيه


_ مش هسيبك أبدا  ... إحنا مع بعض في كل حاجة


كان فواز يريد الهروب من كل شيء، لكن حضن رنيم كان المكان الوحيد الذي شعر فيه بالأمان. بقيت بجواره ساعات ، تحاول أن تخفف من ألمه بكلماتها، بحنانها، وبلمساتها التي كانت أعمق من أي تعبير... لكنه صامت لم تخرج عنه كلمة واحدة 


دق الباب ليستيقظ أطفالها وبدأ البكاء يرتفع تزامنًا مع صوت فايز الذي نادى 


_ فواز ! 


ارتفعت دقات قلب فواز وصوته فايز جعله يدرك أنه ليس أخيه من نفس الأم ليشعر بشرخ في قلبه وألم شديد جعله يرتجف .. فوزي وفايز أخواه غير الشقيقين ! .. وهذه كانت بمثابة صدمة عظيمة أخرى جعلته يشعر أنه غريب بين الجميع ! 


_ متردش يا حبيبي .. مش لازم ترد 


همست له رنيم وهي تربت فوق ظهره ثم مالت لتقبل رأسه ثانية قائلة في حب وهدوء 


_ أدخل خد شاور ساقع وتعالى تاني 


لم يتحرك لتحاول أن تعتدل وتعدل من جلسته ثم مسكت رأسه بين يديها ونظرت داخل عينيه قائلة 


_ رنيم مراتك وحبيبتك وبنتك وكل عيلتك معاك هنا ..  أرجوك أدخل خد شاور واخرج تاني علشان خاطري 


نظراته الحزينة التائهه ورموشه المبللة جعلتها تضمه مرة اخرى بعنف إلى صدرها .. مشاعرها تجاه فواز عميقة لدرجة هي نفسها لا تعلم مداها حتى انها تركت أولادها ونست العالم فقط لتحتضنه 


بعد دقائق ومازال فايز يقف على الباب والأطفال مستمرون في البكاء ورنيم منشغلة فقط بزوجها التي تراه لأول  مرة لا يقوى على حمل نفسه 


لكنه وقف وساعدته رنيم بلمساتها الرقيقة وتوجه للحمام كالجسد المتجمد ...ثم فجأة هدأ صوت أطفالها وكأن البكاء اتعبهما فذهبت لتراهما 


ثم فتحت رنيم الباب بعدما وضعت عليها وشاحها


_ نعم يا فايز !


كانت ملامح فايز حزينة قلقة وتحفز اكثر برد رنيم الجاف ليقول بسبب نبرتها الجافة 


_ نعم يا فايز إيه ! ليه بتردي كدة  .. فواز أخويا 


كلماته كانت مندفعة فبعد ما سمعه وعرفه أراد أن يرفض الواقع هو الآخر ففواز أخيه وأصاب قلبه الرعب من إحتمالية تغير أي شيئ أو معاملة بينهما 


_ أنا مش قصدي أرد عليك أنا بس زعلانة علشانه 


قالن رنيم في هدوء وصدق وأشفقت على فايز فهو الآخر رجل من رجال هذه العائلة وخبر كذلك سيصيبه بالصدمة لا محالة 


ابتلع فايز مافي حلقه ثم قال في قلق 


_ فكرتكوا خلاص زعلانين مني وهتاخدوا جنب ! فواز أخويا الكبير يا رنيم 


نظرت له رنيم بتفهم وحزن على حالهم وهنا جائت ريم من خلفه ووضعت يديها على زراعه بخفة ثم قالت 


_ مفيش حاجة هتتغير أبدًا .. متقلقش يا حبيبي ، فين فواز ! 


سألت لتقول رنيم في خفوت


 _ في الحمام .. 


قالت ريم _ خليكي جنبه يا رنيم أنا مش مصدقة والله إللي سمعته وعرفته 


فأضاف فايز في ضيق 


_ كلهم خبوا علينا .. ماما وبابا وخالتوا .. كلهم !


لم تكن رنيم لديها القدرة الكافية للكلام والنقاش وكذلك الجميع فالصدمة طالتهم كلهم 


_ ممكن ياريم تاخدي بالك من الولاد !


طلبت من ريم لتوافق فورًا وجرت أسرة الأطفال هي وفايز واستعملت رنيم أدوات معينة وسحبت اللبن من صدرها وحضرت لهم رضعة ووضعها في الغطاء حتى تحافظ على حرارتها ثم خرجت بعدها لتتوجه لغرفة ريم 

واعطتها الرضعات وقبلت أطفالها ثم طمئنتها ريم وغادرت رنيم لتفرغ نفسها تمامًا لفواز 


عادت رنيم للغرفة لكنها لم تجد فواز ... دخلت الحمام لتراه فارغ فأصابها الذعر 


لكنها وجدت قطرات المياة فتبعتها ولم تكن جفت بعد وكأن فواز خرج من الحمام دون أن ينشف جسده ودون ارتداء ملابسه ! ... 


تبعتها رنيم حتى بدأت أن تجف وتختفي لكنها كانت بالفعل عرفت وجهة فواز ! ... والوجهة جعلت جسدها يرتعش وتقف تنظر لذلك الممر المظلم ! .. اظلم بعدما تركته .. اظلم فأظلمت أيامهما .. لكنها فجأة لمحت النور يأتي من الجانب الذي يؤدي للباب .. باب غرفتها القديمة ! 


نزلت دموعها وبخطوات بطيئة للغاية توجهت للغرفة ومع كل خطوة تتذكر ذكرى .. وقفت أمام باب الغرفة ثم فتحتها .. لقد قضت أسعد أوقاتها هنا .. في هذه الغرفة الضيقة وذاك الفراش الصغير .. لقد أصبح القصر بالكامل بوسعه ومساحته الكبيرة ملكها لكنها لم تذق طعم السعادة ! 


دخلت الغرفة ومشاعرها توهجت ثم وجدت فواز متسطحًا فوق الفراش ينظر للسقف بلا تعبير 


_ فواز 


نادت برفق وما هي لحظات حتى وجدت دموعه تنزل ثم بدأ صوت بكاءه يرتفع رويدًا رويدًا ...


نهاية الفصل😐❤️

تعليقات