الجزء الثاني من الفصل التاسع عشر رواية الرقيقة والبربري
رأفت ابتسم وقال وهو يربت على رأسها
– حبيبة بابي .. شطورة يا نوري جيتي لوحدك ..
انفتحت عينيه من هول الصدمة .. هل غازل ابنة رأفت ! لم يجد إلا ابنة مديره الذي يجمعهما عداء لحد السماء ! .. الشيئ الوحيد الذي يجعله هنا في هذا المكان .. هو مهارته في العمل وطريقة عمله المتناسبة جدا مع طريقة رأفت والتي لم يجد غيره تقريبا يشبهه فيها لكن دائمًا ما كانت الخلافات حائرة طائرة بينهما ..
نظر رامي لنور وكأنه يتوسلها ألا تقول لوالدها عن أي شيئ وهو يتمتم في سره
_ أبوس إيدك الحلوة دي متقوليش حاجة ...
لم ترد نور بشيء على والدها سوى أنها ضمت نفسها لحضنه أكثر ، لكنّها نظرت إلى رامي بخجل وابتسامة صافية، كأنها تعتذر له عن المفاجأة..
ورأفت، وقد لاحظ تلك النظرة، أمر رامي ان يضع الملفات على المكتب وقال بجفاف
– روح على مكتبك.
لكن رامي لم يصدق أن نور لم تكن متشددة ومتكبرة كوالدها ! بل لم تقل شيئ من الأساس .. هل ستقول بعدما يخرج ؟ رأفت سيقتله لا محالة ولكن فجأة شعر بالأمان ... لأنّه، قبل أن يخرج، نظر إليها مرة أخيرة، ورآها تبتسم له... ابتسامة طفلة لم تتورط بعد في الحياة...
شعر براحة تتسلل إلى قلبه ... لم يدري هل لأنه رأى ابتسامتها الملائكية .. أم لضمانه أنها لن تفشي عن تغزله بها ؟
---
عاد من الذكرى، وهو يتنفس بصعوبة، كأن كل ما رآه للتوّ حدث اليوم.
لكنه لم يتوقف... بل تتابعت الذكريات
نور، بعد تلك اللحظة، نزلت إلى الكافتيريا، وجلست وحيدة.
هو، وقد شعر بشيء يدفعه دفعًا، نزل وراءها، لكنه وجد كريم يحاول أن يتحدث معها ، ذلك اللعين طبيعي لن يترك ابنة المدير وحدها وسيحاول الاحتكاك بها .. ذلك المتملق !! ..ابتسم رامي بشر واقترب منهما وفجأة ترك الماء الموجود في الكوب المحول بين يديه يقع على بدلة كريم لينظر له كريم في غضب
_ إيه أعمى مش شايف !! إيه اللي أنت عملته دا !
_ وانت زعلان كدة ليه محسسني انها بدلة من ايطاليا ..
_ آه بدلة من إيطاليا والماية اللي حدفتها عليا دي بوظتها !
قال كريم في غضب ردًا على سخرية رامي ليكمل الآخر في استفزازه
_ الله يا كريم بقولك الكباية طارت من ايدي على بدلتك ! عادي يعني ..
نفخ كريم من الغيظ ثم غمزه رامي
_ يلا روح نشفها بسرعة الحق أي حاجة..
شعر كريم بالإحراج الشديد أمام نور ثم قال بغضب يحاول تغليفه باللطف
_ بعد اذنك يا آنسة نور ..
ثم ضرب كتف رامي بكتفه ليبتسم رامي باستمتاع لأنه نجح في استفزازه وانشغل كريم بالفعل في البدلة التي دفع عليها مبالغ طائلة وها هي تم افسادها عمدًا من رامي !
كان كل شيئ أمام عيني نور فنظر لها بطوله الفارع وهي تشرب أحد المشروبات الساخنة وتحتضن الكوب بين كفيها الرقيقة فجلس بجانبها وقال بصوت خافت وهو يعرف تمامًا ماذا يقصد
– شكرًا...
نظرت له، وهزت رأسها كأنها تقول: لا داعي للشكر.
فمد يده وقال بابتسامة خفيفة
– متعرفناش على بعض .. رامي.
ترددت قليلًا وكأنها تفكر هل تمد يدها وتبادله السلام أم لا ، لكن في النهاية مدت يدها..
شعرها انسدل على جانب وجهها، وعيناها كانت هادئة، وقالت بصوتٍ يكاد لا يُسمع
– نور.
كرّر الاسم في نفسه، كأنّه يُدركه لأول مرة.
– نور...
ابتسم، وهمس وهو يضغط على يديها وينظر داخل عينيها مباشرة
– اسمك حلو أوي... لايق عليكِ
احمرّ وجهها، وسحبت يدها سريعًا.
كان اسمها حينها يعني له النور فعلاً... البهجة... الأمل.
من شدة توترها رفعت كوب الماء وشربت منه وما ان تركته حتى قال رامي
_ ممكن اشرب ؟
قبل أن تجيبه كان قد أخذ الكوب وشرب من نفس المكان الذي شربت هي منه ليفوز بنظراتها المنهدشة .. نظراتها التي تعلقت به ولم تعرف كيف تبعدها عنه ! ... شرب رامي منها ثم قال باستمتاع وهو ينظر لها بعيونه المتلاعبة ..
_ الله ! هي المياة بقى طعمها حلو كدة ليه ؟
عضت نور على شفتيها وارتفع صدرها وانخفض ونظرت للأرض وابتلعت مافي حلقها في دفعة واحدة قبل أن ترفع خصلات شعرها بتوتر عن وجهها ليتأمل رامي بعيون صياد كيف أن جُمله التي يغازلها بها .. كانت مفيلة بقلب حالها كله .. ليتأكد أن هذه الفتاة بريئة لدرجة لم يراها من قبل !
الآن، وهو في السيارة، شعر أن كل ما كان مضيئًا، تحوّل إلى رماد... أول مرة رآها .. ما حدث يومها .. كل شيئ كان يداعب روحه حتى توقف على جانب الطريق وترك نفسه يبكي بصوت مرتفع !... بعد كل ما مرا فيه .. هو يترك نفسه الآن للانهيار ..
هي نور... لكن حياتها تعتمت مبكرًا للغاية
وهو، بدون أن يعرف، قضى سنين يأذيها دون أن يدري أن أذى نور تحديدًا ... كفيل بقتل روحها لكنها كانت تتحمل لأنها تحبه .. رغم أنها لم تخبره بالحقيقة .. لكن أكثر ما آلمه هو ما مرت فيه .. ما عاشته ... وما عرضها له ! ...
ليفكر .. هل سيكمل أم سينتهي بهما المطاف الآن ولن تكون هناك فرصة أخرى بينهما ! ..
فجأة رفع عينيه الدامعة ، ونظر أمامه، وقال
– أنا بحبك ... بس وجعك أكبر منّي.. أكبر مني أوي يا نور ......
_______________________
تابعوا للجزء الثالث من الفصل التاسع عشر من رواية الرقيقة والبربري