الجزء الأول من الفصل العشرون رواية الرقيقة والبربري
الجزء الأول من الفصل العشرون من رواية الرقيقة والبربري
___________________
في صباح اليوم التالي استيقظ رامي، فتح عينيه ببطء، ثم أدار عينه ليراها … نور، تغطّ في نومٍ هادئ بين زراعيه ، ملامحها بريئة كالأطفال، ساكنة كأنها لم تعرف بالأمس ألمًا.
حدّق في وجهها طويلًا… يتأمل تفاصيلها بشغفٍ عميق، كأن قلبه يخبره أنه لم يحب من قبل سوى هذه الملامح.
اقترب أكثر، ومدّ أصابعه برفقٍ بالغ، أبعد خصلة شعرٍ سقطت على وجنتها…
كانت يده تلمسها وكأنها كنزٌ يخشى عليه من الانكسار..
لم يُرد أن يوقظها… بقي متأملًا فقط، ساكنًا في مكانه كأن أنفاسه أصبحت تخشى أن تزعج نومها.
ثم، بعد لحظاتٍ، تحرّكت نور بخفة، وفتحت عينيها ببطء.
ابتسمت عندما رأته أول ما وقعت عليه عيناها، ابتسامة خجولة دافئة، لكنها سرعان ما انكسرت،
ونظرت إلى الأسفل… إلى صدرها، إلى الفراغ، إلى أي مكان سوى عينيه.
فهم على الفور.
لم يتردد.
مدّ يده مجددًا ورفع وجهها من ذقنها، حتى التقت عيناه بعينيها المرتبكتين، ثم قال بصوتٍ حاسم لكنه حنون
– أوعي ، اوعي تنزلي عينك.
نظرت إليه بارتباك، بعينين زجاجيتين على وشك الانهمار، لكنه تابع بنبرة أكثر دفئًا،
–أنا مش هسمحلك تكسري عينك قدامي أو أدام أي حد …إنتي مش مكسورة…إنتي نور، ونور مش لازم تطفي.
سكتت، لكن نظراتها كانت تقول كل شيء..
ثم ألقت رأسها مجددًا على صدره، كأنها وجدت فيه الوطن الذي ظلّت تبحث عنه،
فضمّها إليه بشدة،
يشدها نحوه وكأنه يخبئها من العالم بأسره.
ظلّت نور في حضنه، ساكنة كأنها تخشى أن تنفصل عن هذا الدفء، حتى قطع رامي الصمت بصوته الخافت، وقد اقترب فمه من أذنها هامسًا بلطف
– تحبي نفطر هنا؟ ولا ننزل نفطر مع بباكي؟
رفعت رأسها تنظر إليه، وفي عينيها لمعة حنين ورقّة، ثم أجابت بصوتٍ خفيضٍ دافئ
– نفطر مع بابي... عشان وعدناه إمبارح.
ابتسم رامي، وهزّ رأسه برضا، ثم طبع قبلة طويلة على جبهتها وقال
– ماشي... بس قبل أي حاجة، لازم نعمل حاجة مهمة الأول.
نظرت إليه باستغراب، تحاول أن تفهم قصده، لكنه لم يشرح...
نهض من السرير واتجه إلى الحمام.
بعد لحظات، بدأت تصل إلى أذنيها أصوات الماء، ورائحة عطِرة دافئة تنبعث من الباب المفتوح.
وقف رامي عند مدخل الغرفة، ينظر إليها بنظرة مسالمة ، وعلى شفتيه ابتسامة واسعة وقال
– يلا يا نوري ... أنا جهزت الحمّام والبانيو مليان ريحة حلوة أوي...هناخد شاور دافي وهادي سوا عشان نبدأ اليوم وإحنا مرتاحين.
تجمّدت في مكانها، لم تنطق، فقط عيناها اتسعتا بدهشة مصدومة وهي تراه يمد يده ناحيتها !
______________________
كان الهدوء في مكاتب الإدارة العليا مشوبًا بتوترٍ ثقيل... الضوء المتسلل من زجاج النوافذ لم يُبدد العبوس المرسوم على وجه فارس، وهو يضغط على شاشة هاتفه للمرة الخامسة على التوالي، منتظرًا ردًّا من رامي... ولا رد.
رفَع بصره ببطء إلى الباب حين سمع طرقًا خفيفًا، ودون أن يأذن بالكلام، دلف السكرتير بخجلٍ وقال
– الآنسة هيفا منتظرة برا، وبتقول إن الموضوع ضروري.
أشار فارس برأسه دون أن ينبس، فعاد السكرتير وفتح الباب على اتساعه لتدخل هيفا بخطوات موزونة وثقة ظاهرة لا تخفي اضطرابًا خافتًا في عينيها.
وقفت أمامه باستقامة، وقالت بنبرة رسمية
– صباح الخير يا فندم.
لم يرد، فقط رمقها بنظرة طويلة، ثم سأل بجفاف
– رامي فين؟
أجابت هيفا بثبات ظاهر
– رجع من المطار يا فندم... ما سافرش.
رفع حاجبه قليلًا، بعينين تضيقان غضبًا
– يعني إيه رجع وليه ؟
– كنا في المطار فعلاً، وكانت كل حاجة ماشية كويس، لكنه انسحب قبل السفر بلحظات من غير ما يقول أي حاجة ولا يوضحلي أسبابه وكنت مفكراه قالك لكن اتفاجئت بإن كل حاجة مقلوبة ..
صمت فارس لحظة، ثم قال ببطءٍ ثقيل
– اختفى فين ؟
ترددت هيفا، كأن السؤال غاص في منطقة لم تكن ترغب في دخولها، لكنها أجابت بهدوء
– معرفش .
شهق فارس خفية، ثم أعاد نظره إلى هاتفه الموضوع على الطاولة بعنف مكتوم، وقال دون أن ينظر إليها
– كلمتيه بعدها ؟
– لا والله، حاولت أوصل له كذا مرة بعدها، بس ما بيردش..أنا جاية لحضرتك دلوقتي علشان أوضح موقفي، وتعرف إن التأخير ماكانش مني.
اقترب منها خطوتين، وقال بصوت منخفض لكن مشحون
– الصفقة دي كانت شغلك من البداية ، وكان لازم تتأكدي إن كل خطوة فيها محسوبة.
أجابت بسرعة وهي تحاول السيطرة على نبرة انفعالها
– وأنا حسبت كل خطوة يا فندم...اللي حصل كان خارج عن إرادتي، ورامي هو اللي قرر يمشي.
أنا عملت اللي عليّا، ولو تحب أرجع أتواصل مع الجهة التانية، أنا جاهزة..
تأملها لحظة بنظرة طويلة، لا تحمل ثقة كاملة، لكنه لم يجد ما يرد به، فأشار لها أن تنصرف..
أومأت برأسها، ثم خرجت من المكتب بهدوء، تُغلق الباب خلفها بصمت، لكن عقلها يضج..
لم يكن في قلبها سوى جملة واحدة تطنّ كجرس إنذار
_ سابني وراح لها ! ...
قبضت على حقيبتها بقوة، وعيناها تلمعان ببريق الحقد المختلط بالخذلان.
_ مش هعدّيهالك يا رامي...أنا هوريك وهوريها ..
_____________________________
تابعوا للجزء الثاني من الفصل❤️❤️❤️